المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٦

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب

- ‌[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]

- ‌[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

- ‌[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]

- ‌[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

- ‌الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل

- ‌[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

- ‌[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

- ‌[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

- ‌[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

- ‌[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

- ‌[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه

- ‌الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

- ‌[تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

- ‌[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

- ‌[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

- ‌[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

- ‌الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

- ‌[تعريفها وشرح التعريف]

- ‌[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

- ‌[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

- ‌[بقية أحكام الصفة المشبهة]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

- ‌[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

- ‌الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

- ‌[علة إعمال المصدر - أحوال إعماله]

- ‌[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده]

- ‌[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

- ‌[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

- ‌[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع]

- ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

- ‌الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]

- ‌[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]

- ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[إلى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[كي الجارة - مساواتها للام]

- ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

- ‌[في: معانيها، وما يعرض لها]

- ‌[عن: معانيها، وأحكامها]

- ‌[على: معانيها، وحكم زيادتها]

- ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[الكاف الجارة: معانيها…وأحكامها]

- ‌[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

- ‌[لولا .. حكم الجر بها]

- ‌[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما]

- ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

- ‌الباب الأربعون باب القسم

- ‌[القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه]

- ‌[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

- ‌[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

- ‌[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

- ‌[تلقي جواب القسم الماضي]

- ‌[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

- ‌[من أحكام أسلوب القسم]

الفصل: ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

‌[حتى الجارة

معانيها، وأحكامها]

قال ابن مالك: (ومنها: «حتّى» لانتهاء العمل بمجرورها أو عنده، ومجرورها إمّا بعض لما قبلها من مفهم جمع إفهاما صريحا، أو غير صريح، وإما كبعض، ولا يكون ضميرا، ولا يلزم كونه آخر جزء، أو ملاقي آخر جزء خلافا لزاعم ذلك ويختصّ تالي الصّريح المنتهي به بقصد زيادة ما، وبجواز عطفه واستئنافه، وإبدال حائها عينا لغة هذيليّة).

ــ

صائحا على القداح (1). وقال الخضراوي: التقدير: معتكفا عليها (2)، وهو أحسن.

وقال ابن أبي الربيع: إن «يفيض على القداح» ضمن معنى «يدفع» أي: يدفع على القداح أنفسها، من باب تسمية الشيء باسم ما يلازمه (3)، يصف أتنا وحمارا.

واليسر: المقامر الضارب بها، ويصدع: يفرق، وأصله الشق.

وأما زيادة «على» دون تعويض: فقد تقدم استدلال المصنف عليه، لكن قال الشيخ: ما ذكره المصنف مخالف لنص سيبويه فإنه قال: عن وعلى لا يزادان (4).

قال: وأما استدلال المصنف بقول الشاعر:

2559 -

على كلّ أفنان العضاه تروق

فيحتمل التضمين؛ وذلك أنه ضمّن «تروق» معنى «تفضل وتشرف» قال: وكذا استدلاله بما ورد في الحديث الشريف: «من حلف على يمين» (5) إن صح أنه من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم يقال فيه: إن «حلف» ضمّن معنى جسر أي: من جسر بالحلف على يمين. انتهى. وليس ما ذكره الشيخ من التضمين يدفع ما قاله المصنف من الزيادة، غاية الأمر أن هذا الذي ذكره توجيه آخر. وأما نص سيبويه أن «على» لا تزاد فيحمل على أن مراده أنها لا تزاد في الأشهر والأغلب، ولا يمنع ذلك من أنها قد يندر زيادتها.

قال ناظر الجيش: قال المصنف (6): «حتّى» على أربعة أقسام: عاطفة، وحرف ابتداء، وبمعنى «كي» ، وجارة؛ فللثلاثة الأولى مواضع تجيء إن شاء الله تعالى.

والجارة: مجرورها: إما اسم صريح نحو: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (7)، وسَلامٌ -

(1) المصدر السابق.

(2)

التذييل (4/ 26، 27).

(3)

المصدر السابق.

(4)

ينظر: الكتاب (1/ 421)، (4/ 226، 230).

(5)

التذييل (7/ 50 / أ).

(6)

انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 666).

(7)

سورة يوسف: 35.

ص: 2983

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (1)، وإما مصدر مؤول من «أن» لازمة الإضمار وفعل ماض نحو: حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا (2)، أو مضارع نحو: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ (3). وجرّها المصدر [4/ 13] المؤول يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب إعراب الفعل وعوامله (4).

وأما جر الاسم الصريح فهي فيه على ضربين:

أحدهما: أن يكون ما بعدها جزءا لما قبلها من دليل جمع مصرح بذكره نحو: ضربت القوم حتى زيد، فـ «زيد» جزء لما قبله (5) دليل جمع مصرح بذكره وهو مضروب انتهى الضرب به، ويجوز أن يكون غير مضروب لكن انتهى الضرب عنده، وإذا كان الانتهاء به ففي ذكر القوم غنى عن ذكره لكن قصد التنبيه على أن فيه زيادة ضعف، أو قوة، أو تعظيم، أو تحقير. وإلى هذا أشرت بقولي:(ويختص تالي الصريح المنتهى به بقصد زيادة ما). وعنيت بالصريح: كونه بلفظ موضوع للجمعية فدخل في ذلك الجمع الاصطلاحي واللّغوي كـ: «رجال، وقوم» ، وعنيت بغير الصريح: ما دل على الجمعية بغير لفظ موضوع لها كقوله تعالى: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (6) فإن مجرور (حتى) فيه منتهى لأحيان مفهومة غير مصرح بذكرها، ويجوز كون تالي الصريح منتهى عنده؛ لأنه كما يجوز مع «إلى» فإنهما سواء في صلاحية الاسم المجرور بهما للانتهاء به والانتهاء عنده، أشار إلى ذلك سيبويه (7)، والفراء (8)، وأبو العباس أحمد بن يحيى (9).

وقال أحمد بن يحيى: قوله إِلَى الْمَرافِقِ (10) مثل «حتى» للغاية، والغاية تدخل وتخرج. يقال: ضربت القوم حتى زيد، فيكون «زيد» مضروبا وغير مضروب؛ فيؤخذ هنا بالأوثق (11)، يريد أن كون المرافق مدخلة في الغسل هو المعمول به؛ لأنه أحوط الحكمين. ومن شواهد استواء «حتى» و «إلى» أن قوله تعالى: فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (12) قرأه عبد الله (فمتّعنهم حتى حين)(13)، ومن -

(1) سورة القدر: 5.

(2)

سورة الأعراف: 95.

(3)

سورة البقرة: 187.

(4)

في الأصل: سقط من، وفي الهامش: لعله.

(5)

شرح التسهيل لابن مالك (219 / أ).

(6)

سورة يوسف: 35.

(7)

الكتاب (1/ 96، 97)، (4/ 231).

(8)

الارتشاف: (2/ 468).

(9)

هو ثعلب، المصدر السابق، وانظر: المقتضب (2/ 37) وما بعدها و (4/ 139).

(10)

سورة المائدة: 6.

(11)

ينظر: الارتشاف (2/ 468).

(12)

سورة الصّافات: 148.

(13)

ينظر: البحر المحيط (5/ 307)، والهمع (2/ 23).

ص: 2984

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شواهد خروج ما بعد «حتى» مع صلاحيته للدخول قول الشاعر:

2560 -

سقى الحيا الأرض حتّى أمكن عزيت

لهم فلا زال عنها الخير محدودا (1)

ولا يعتبر في تالي غير الصريح إفهام الزيادة التي أشرت إليها. ومما يختص به تالي الصريح المنتهى به جواز عطفه على ما قبله نحو: ضربت القوم حتى زيدا، وجواز استئنافه نحو:

ضربتهم حتى زيد؛ فـ «زيد» مبتدأ محذوف الخبر، ويروى بالأوجه الثلاثة قول الشاعر:

2561 -

عممتهم [بالنّدى] حتّى غواتهم

فكنت مالك ذي غيّ وذي رشد (2)

ويروى بالأوجه الثلاثة أيضا قول الآخر:

2562 -

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها (3)

وإلى هذا أشرت بقولي: (وإما كبعض)؛ لأن النعل ليست بعضا للصحيفة والزاد لكنها كبعض؛ باعتبار أن إلقاء الصحيفة والزاد إنما كان ليخلو من ثقل وشاغل، والنعل مما يثقل ويشغل، فجاز عطفها لذلك؛ لأنه بمنزلة أن يقول: ألقى ما يثقله حتى نعله، وإذا لم يصلح أن ينسب لمجرورها ما نسب إلى ما قبلها فالانتهاء عنده، لا به نحو: صمت ما بعد يوم الفطر حتى يوم الأضحى، وسريت البارحة حتى الصباح، فانتهى الصوم عند يوم الأضحى (لا به)(4)، لا يصح أن ينسب إليه؛ [لأن] انتهاء السرى عند الصباح لا به؛ (إذ)(5) لا يصح أن ينسب إليه. فالجر متعين والعطف والاستئناف ممتنعان، ومجرورها أبدا عند سيبويه (6) ظاهر لا مضمر، وأجاز غيره أن تجر المضمر فتقول: حتاه، وحتاك. قال أبو بكر بن السراج: والقول عندي ما قال سيبويه؛ لأنه غير معروف اتصال «حتى» بالضمير وهو في القياس غير ممتنع (7).

والتزم الزمخشري كون مجرورها آخر جزء (أو)(8) ملاقى في آخر جزء (9)، وهو غير لازم ومن دلائل ذلك قول الشاعر: -

(1) من البسيط، والحيا: المطر، وانظر: الأشموني (2/ 214)، والدرر (2/ 17)، والمغني (ص 124)، والهمع (2/ 24).

(2)

من البسيط وهو في المغني (ص 130).

(3)

من الكامل لابن مروان النحوي، وقيل: للمتلمس وانظر: التصريح (2/ 214)، والكتاب (1/ 50)، ومعجم الأدباء (19/ 146)، ويس (1/ 302).

(4)

في الهامش: لأنه.

(5)

من هامش المخطوط.

(6)

في الكتاب (4/ 231).

(7)

الأصول (1/ 341).

(8)

في الأصل: و.

(9)

المفصل بشرح ابن يعيش (8/ 15).

ص: 2985

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2563 -

إنّ سلمى من بعد يأسي همّت

بوصال لو صحّ لم يبق بوسا

عيّنت ليلة فما زلت حتّى

نصفها راجيا فعدت يؤوسا (1)

وفي قراءة ابن مسعود (ليسجننّه عتّى حين)(2)، وسمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ (عتّى حين)، فقال: من أقرأك؟ قال: ابن مسعود، فكتب إليه: إن الله أنزل هذا القرآن، فجعله عربيّا وأنزل بلغة قريش: فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسّلام (3) هذا آخر كلام المصنف رحمه الله، ويتعلق به أمور:

منها: أنه ذكر أن «حتى» أربعة أقسام من حيث إنه جعل التي بمعنى «كي» قسيمة للجارة، وذلك غير ظاهر؛ فإن التي بمعنى «كي» جارة أيضا فكيف تكون قسيمة للجارة؟ نعم؛ الجارة إما أن تفيد الغاية فتكون بمعنى «إلى» ، أو التعليل فتكون بمعنى «كي». وقد قال هو في باب إعراب الفعل: إن «أن» ينصب الفعل بها مضمرة بعد «حتى» المرادفة لـ «إلى» ، أو «كي» الجارة (4).

ولا شك أن «حتى» التي ينصب الفعل بعدها بإضمار «أن» هي الجارة، وإذا كان كذلك فكيف ينتظم هذا مع قوله هنا: إن «حتى» تكون بمعنى «كي» ، وجارة؟!

والحق: أن أقسام «حتى» ثلاثة: عاطفة، وحرف ابتداء، وجارة. لكن الجارة قسمان؛ لأن مجرورها: إما مصدر مؤول وهي الداخلة على الفعل المضارع المنصوب بـ «أن» مضمرة ثم إنها قد تفيد التعليل فتكون بمعنى «كي» ، وقد تفيد الغاية فتكون بمعنى «إلى» ، وقد تكون بمعنى «إلا أن» كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في باب إعراب الفعل وعوامله، وإما اسم صريح كقوله تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) والثانية - أعني الجارة الاسم الصريح - هي المذكورة هنا أي: في باب حروف الجر. وأما الأولى فهي التي تذكر في الباب الذي أشرنا إليه.

ومنها: أن قوله: إن الكلمة المذكورة وهي «حتى» لانتهاء العمل بمجرورها، -

(1) من الخفيف، والبؤس: الشدة، وانظر التصريح (2/ 17)، والدرر (2/ 15)، والعيني (3/ 267)، والمغني (1/ 111) الأمير، والهمع (2/ 23).

(2)

سورة يوسف: 35. ينظر: البحر المحيط (5/ 307)، وتهذيب اللغة (1/ 96)، والجنى الداني (ص 508)، والمحتسب (1/ 343) والهمع (2/ 23).

(3)

انظر: شرح التسهيل (3/ 169).

(4)

تسهيل الفوائد لابن مالك (ص 230) تحقيق د/ كامل بركات.

(5)

سورة القدر: 5.

ص: 2986

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو عنده يعطي أن ذلك جائز فيها على الإطلاق، ويؤيد أن هذا مراده قوله في الشرح - بعد أن مثل بـ:«ضربت القوم حتى زيد» -: فـ «زيد» جزء لما قبله وهو مضروب انتهى الضرب به، ويجوز أن يكون غير مضروب لكن انتهى الضرب [4/ 14] عنده لكن المغاربة ليس ذلك عندهم على الإطلاق؛ إنما هو باعتبار حالين:

ففي حال يوجبون أن يكون انتهاء العمل عنده؛ وذلك أن المجرور بـ «حتى» إذا كان جزءا مما قبلها واقترنت بالكلام قرينة دالة على أنه داخل في المعنى مع ما قبله، أو خارج عنه كان بحسب تلك القرينة نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر، وإن لم تقترن به قرينة كان ما بعدها داخلا في المعنى مع ما قبله نحو: صمت الأيام حتى يوم الخميس.

أما إذا لم يكن ما بعد «حتى» جزءا مما قبلها؛ فالفعل غير متوجه عليه قطعا نحو قولك: سرت حتى الليل؛ فالسير غير واقع في الليل، ثم إنهم بنوا على ذلك جواز العطف وعدم جوازه. وسيأتي ذكر ذلك مفصّلا كما ذكروه.

ومنها: أن قوله: ومجرورها إما بعض لما قبلها، وإما كبعض يقتضي ألا يصح قول القائل: سرت النهار حتى الليل، ولا شك في صحة ذلك. ويدل عليه تقسيمهم المجرور بحتى إلى ما يكون جزءا مما قبلها وإلى ما لا يكون جزءا منه، ثم هذا مناف لقوله في الشرح: وإذا لم يصلح أن ينسب لمجرورها ما نسب إلى ما قبلها فالانتهاء عنده، لا به نحو: صمت ما بعد يوم الفطر حتى يوم الأضحى، وسريت البارحة حتى الصباح فانتهاء الصوم عند يوم الأضحى لا به؛ إذ لا يصح أن ينسب (إليه)(1) وانتهاء السرى عند الصباح لا به إذ لا يصح أن ينسب إليه، فالجر متعين والعطف والاستئناف ممتنعان؛ فقد حكم بتعيين الجر في الصباح، وليس الصباح بعضا من الليل الذي حصل فيه السري. وهو قد قال: إن مجرور «حتى» بعض لما قبلها، أو كبعض.

ومنها: أنّه سوّى بين «حتى» ، و «إلى» في أن المجرور بكل منهما يجوز فيه أن يكون منتهى به ومنتهى عنده؛ كما «صرّح» (2) ذلك في الشرح فقال: فإنهما سواء في صلاحية الاسم المجرور بهما للانتهاء به والانتهاء عنده.

وقد عرفت أن المغاربة يفرّقون بين الحرفين فالمجرور بـ «إلى» منتهى عنده إلا أن -

(1) بالأصل: إليها، وهو تحريف.

(2)

يأتي متعديا، ولازما اللسان: صرح.

ص: 2987

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تقوم قرينة على أن الانتهاء به؛ فيعمل بمقتضاها أيضا. لكن المصنف أشار إلى أن ما ذكره هو مذهب سيبويه كما عرفت. وفي شرح الإيضاح للخضراوي: اختلف الناس في ما بعد «حتى» إذا كانت جارة، أيدخل في ما قبلها أم لا؟ فمذهب أكثر النحويين أنه داخل في ما قبلها في كل وجه. وقال قوم: يدخل في ما قبلها ما لم يكن غير جزء منه نحو: إنه لينام الليل حتى الصباح، وهو قول الفراء (1)، والرماني (2)، وجماعة (3).

ومذهب أبي العباس (4)، وأبي بكر (5)، وأبي علي (6): أنه داخل إلا بقرينة تخرجه نحو قولهم: إنه ليصوم الأيام حتى يوم الفطر. واتفقوا [على] أنها إذا عطفت دخل ما بعدها في ما قبلها فمن يقول في «نمت الليل حتى الصباح» : إن الصباح لم ينم فيه حتى يجيز العطف؛ لأنهم اتفقوا فيما أعلم [على] أنها لا تعطف إلا حيث تجر ولا يلزمه العكس. واتفقوا على أنه إذا لم يكن قبلها ما يعطف عليه لم يجز إلا الخفض نحو: حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (7)، وتَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (8)، وأقاموا حتى الصباح، وأقام حتى ساعة تهيأ أمرنا (9). هذا كلام الخضراوي.

ومنها: قوله: ولا يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء أي: لا يلزم كون مجرور حتى [كذلك]؛ فإن مقتضاه أن هذا الذي ذكره هو مذهب الجمهور، ولهذا نسب في الشرح الخلاف في ذلك إلى الزمخشري خاصّة لكن المغاربة مطنبون على خلاف ما ذكره المصنف.

قال ابن عصفور في شرح الإيضاح: ولا يكون الاسم الذي انجر بها - يعني بـ «حتى» - إلا آخر جزء من الشيء نحو قولك: أكلت السمكة حتى رأسها، أو ملاقيا لآخر جزء منه نحو قولك: سرت النهار حتى الليل، ولو قلت: أكلت السمكة حتى وسطها، وسرت النهار حتى نصفه؛ لم يجز، بل يجب أن تأتي -

(1) التذييل (4/ 28)، والهمع (2/ 25).

(2)

المصدرين السابقين.

(3)

المصدرين أنفسهما.

(4)

المقتضب (2/ 38)، (4/ 139).

(5)

الأصول (1/ 340) وما بعدها.

(6)

الارتشاف (2/ 468)، والتذييل (4/ 28).

(7)

سورة القدر: 5.

(8)

سورة الذاريات: 43.

(9)

في الإفصاح له. راجع التذييل (4/ 28).

ص: 2988

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حينئذ بـ «إلى» فتقول: أكلت السمكة إلى وسطها، وسرت النهار إلى نصفه.

قال: فـ «إلى» في استعمالها لانتهاء الغاية أقعد من «حتى» ؛ لأنها تدخل على كل ما جعلته انتهاء غاية، وسواء في ذلك أن يكون آخر جزء من الشيء أو ملاقيا لآخر جزء منه أو لا يكون، ولمّا كانت أقعد منها في ذلك جرّوا بها الظاهر والمضمر ولم يجروا بـ «حتى» إلا الظاهر. قال: وما بعد «حتى» لا يكون إلا داخلا في معنى ما قبلها إلا أن يقترن بالكلام قرينة تدل على خلاف ذلك (1). انتهى.

وكلام الخضراوي موافق لكلام ابن عصفور، ولهذا قال الشيخ: وما نقله - يعني المصنف - عن الزمخشري هو قول أصحابنا، ثم قال: «وما استدل به المصنف من قوله:

2564 -

عيّنت ليلة فما زلت حتّى

نصفها

البيت

لا حجة فيه؛ لأنه لم يتقدم «حتى» [شيء](2) يكون ما بعدها جزءا له ولا يكون ما بعدها ملاقيا لآخر جزء منه في الجملة العامل فيها بـ «حتى» ليس المغيّا البيت نظير ما مثل به أصحابنا من قولهم: أكلت السمكة حتى وسطها؛ لأنه تقدم السمكة في الجملة المغيا العامل فيها بحتى، وليس الوسط آخر جزء في السمكة ولا ملاقيا لآخر جزء منها. فلو صرح في الجملة بذكر الليلة فقال: فما زلت راجيا وصلها تلك الليلة حتى نصفها؛ كان ذلك حجة على الزمخشري.

ونحن نقول: إذا لم يتقدم في الجملة المغياة بـ «حتى» ما يصلح أن يكون ما بعد «حتى» آخر جزء منه أو ملاقيا آخر جزء منه جاز أن تدخل على ما ليس بآخر جزء ولا ملاقي آخر جزء (3). انتهى.

ولم يظهر ما قاله؛ لأن الشاعر وإن لم يصرح بذكر الليلة فمراده: فما زلت تلك الليلة. ولو لم يكن ذلك مراده لم يكن للضمير المضاف إليه النصف مفسر يعود عليه.

وقد قال المصنف: إن مجرور [4/ 15]«حتى» بعض لما قبلها من مفهم جمع إفهاما صريحا، أو غير صريح، ومثّل لغير الصريح بقوله تعالى: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (4).

والحاصل أنه: لا يلزم من عدم الذكر لفظا عدم الإرادة والتقدير. -

(1) مثل هذا في شرح الجمل له (1/ 369).

(2)

للإيضاح.

(3)

التذييل (7/ 57 / ب).

(4)

سورة يوسف: 35.

ص: 2989

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإذ قد انقضى البحث في ما يتعلق بكلام المصنف فلنذكر شيئا من كلام الجماعة على هذه الكلمة - أعني «حتى» - ثم نختم ذلك بالكلام على «حتى» الابتدائية؛ لأن المصنف لم يخصها بكلام في شيء من كتبه.

قال ابن هشام الخضراوي: بين «حتى» و «إلى» فروق (1) ينبغي أن تعرف:

منها: أن «حتى» ينتصب الفعل بعدها بإضمار «أن» ، وأما «إلى» فلا ينتصب الفعل بعدها بإضمار «أن» تقول: أسير حتى تطلع الشمس، ولا يجوز ذلك في «إلى» .

ومنها: أن «حتى» إذا نصب الفعل بعدها تخرج إلى معنى «كي» ، وإلى معنى «إلا أن» كما يذكر في إعراب الفعل ولا

يكون ذلك في «إلى» .

ومنها: أنها لا تجر مضمرا، وما أجازه أبو العباس من ذلك باطل؛ لعدم سماعه (2).

ومنها: أنك تقول: سرت إلى زيد، ولا تقول: سرت حتى زيد؛ لأن ما بعد حتى يكون جزءا مما قبلها، أو ملاقيا لآخر جزء، أو داخلا مع ما ذكر قبلها بوجه شمله معه، أو فيما هو مقدر وإن لم يذكر فالأول قولك: أكلت السمكة حتى رأسها، وضربت القوم حتى زيد، والثاني قولك: إنه لينام الليل حتى الصباح ويصوم الأيام حتى يوم الفطر، والثالث قوله:

2565 -

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها

فالفعل داخل مع الزاد والصحيفة في أنه متاع وسبب ومتملك، و [الأخير] قوله تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (3)؛ لأن ذلك في حكم: سلام هي طول أمدها حتى مطلع الفجر، وكذلك قوله تعالى: قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (4) المعنى: طول ما تتركون حتى حين، وتستعمل «إلى» في هذا كله وتزيد بما يخرج عن هذا نحو: نمت النهار إلى ثلث الليل، وإلى نصفه، وجئت إلى عبد الله، وإنما هي غاية دون اشتراط، ولهذا قال سيبويه فيها: وهي أعمّ في الكلام من حتّى (5).

ومنها: أن «حتى» لا تكون إلا لتعظيم، أو تحقير، أو ضعف، ولا يلزم ذلك -

(1) ينظر: التذييل (4/ 27 - 30)، والمغني (ص 127).

(2)

ينظر: المغني (ص 123).

(3)

سورة القدر: 5.

(4)

سورة الذاريات: 43.

(5)

الكتاب (4/ 231).

ص: 2990

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «إلى» ، هذا هو المشهور، وقيل: إنما يلزم ذلك في العاطفة، وقيل: هذا لازم لها حيث وقعت، وتخرج «حتى» إلى العطف وإلى الابتداء ولا يكون ذلك في «إلى» . وقد شذت «حتى» عن حروف الجر بكل ما فارقت به «إلى» ، وهي بذلك شاذة عن العوامل؛ لأن عامتها مختصة.

ثم ذكر مسألة فقال: قال أبو العباس: إذا قلت: أكلت السمكة حتى رأسها فالرأس قد دخل الأكل؛ لأن معناها عاملة

وعاطفة واحد. وقد قال غيره (1): إذا انتهى الأمر إليها، ولم يقع بها فهي جارة لا غير، وإذا وقع بها جاز الوجهان وهو موضع خلاف.

وقال أبو علي: من حيث هي غاية صحّ معنى الغاية فيها بالانتهاء دون مباشرة (2) بها، ومذهب الفراء أن «حتى» يدخل ما بعدها في ما قبلها، ولا يدخل (3).

واتفقوا في ما أعلم [على] أن العطف بها - في من يري أنها تعطف - لا يكون إلا في ما يصح فيه الجر فإن الجر أكثر وأقيس من العطف في ذلك إلا في باب:

ضربت القوم حتى زيدا ضربته؛ فالنصب عندهم أحسن في من ذكر هنا العطف، وجعل «ضربته» تأكيدا، ومن لم يجعل هنا عطف المفرد على المفرد فالنصب عنده أيضا أحسن، وأنها لا تعطف فعلا على فعل، وعلة ذلك عندي - والله تعالى أعلم - أنها في الأصل حرف جر نقلت إلى العطف فلذلك لم تدخل على الفعل كما لم يدخل عليه حرف الجر، ولذلك لزمها في العطف الشروط التي ذكرناها في الخفض مع تقدم ما يصح العطف عليه، ولذلك لا تعطف مضمرا على ظاهر، ولا مضمر، ولا يجوز: أكرمت القوم حتى إياك، ولا: قاموا هم حتى أنت؛ لأنها منقولة من الخافضة وهي لا تدخل على المضمر. ثم قال: فأما قولهم: سرت حتى إلى الليل؛ فـ «إلى» تأكيد زائدة كاللام في «يا ويح لزيد» عند البصريين وهو قول الفراء (4)، وقد رأى الكسائي (5) أن «حتى» هنا ابتدائية والجرّ بـ «إلى» على تقدير: سرت أخرى، وذكر عن الكسائي أن الجر بعد «حتى» لا يكون إلا بإضمار «إلى» (6)، -

(1) ينظر التذييل (4/ 28، 29).

(2)

المصدر السابق.

(3)

الارتشاف (ص 744).

(4)

في كتاب الحدود - قاله أبو حيان التذييل (4/ 27).

(5)

علي بن حمزة الأسدي، إمام الكوفيين وأحد القراء السبعة. سبقت ترجمته.

(6)

التذييل (4/ 27، 28).

ص: 2991

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال: وهو قول لا دليل عليه.

ولما ذكر ابن أبي الربيع أن ما بعد «حتى» العاطفة لا يكون إلا الطّرف الأعلى، أو الطرف الأدنى ومثّل ب جاءني الناس حتى الأمير، وقدم الحاج حتى المشاة، قال:

ولو قيل: قدم الحاج حتى الركبان؛ لم يكن فيه دليل على قدوم المشاة؛ لأن الركبان أقوى على المشي من المشاة، قال: والأحسن في هذا أن يجعل الاسم مخفوضا فتقول: شتمه الناس حتى زيد، وضربت القوم حتى عمرو، ثم قال: فإن قلت:

كيف خفضت بـ «حتى» وليس فيها معنى «إلى» ؛ ألا ترى أنك لو جعلت مكانها «إلى» لم يصلح وفسد المعنى، قلت: كان الأستاذ أبو علي - رحمه الله تعالى - يذهب إلى أنها تخفض بما فيها من الغاية (1) ووجه ذلك: أنك لما قلت: جاءني القوم حتى زيد؛ كان معناه انتهى مجيء القوم إلى زيد، وكذلك: ضربت القوم حتى عمرو، أي: انتهى ضرب القوم إلى عمرو.

ثم ذكر مسألة وهي: إذا قلت: جاءني القوم حتى زيد؛ فقال: يجوز في «حتى» أن تكون عاطفة، ويكون ما بعدها مرفوعا، ويجوز أن تكون خافضة وهو أحسن، ولم يجز البصريون أن يكون ما بعدها مرفوعا بالابتداء والخبر محذوف، وكذلك: ضربت القوم حتى زيد أو حتى زيد الخفض أكثر وأحسن. ولا يجوز الرفع بالابتداء والخبر محذوف ونقل عن بعض الكوفيين أنهم أجازوه. قال: وكان الأستاذ أبو علي يقول (2): لا يجوز؛ لأن حتى [4/ 16] مهيأة للعمل في الاسم من حيث هو مفرد، وفي «حتى» معنى الغاية كما ذكرته. فلو رفعت بالابتداء لهيأت العامل للعمل وقطعته عنه، وأمر آخر أنك تركت العامل اللفظي المهيأ للعمل، وأعملت المعنوي، واللفظي أقوى من المعنوي، والدليل على صحة هذا القياس ومراعاته عدم السماع، والله تعالى أعلم.

وأما ابن عصفور فإنه قد تقدم عنه ذكر الجارة ثم إنه قال بعد ذكره ذلك (3):

ومثال استعمالها عاطفة: قدم الحجاج حتى المشاة، ومات الناس حتى الأنبياء عليهم -

(1) التذييل (4/ 28)، و «الأستاذ» عند المغاربة ليس غير الشلوبين.

(2)

المصدر السابق (ص 29).

(3)

من شرح الإيضاح المفقود وانظر مختصرا له في شرح الجمل: (1/ 498) أبو جناح.

ص: 2992

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصلاة والسّلام. ولا يعطف بها إلا الأسماء وهذا الاستعمال أقل الاستعمالات فيها.

ومثال استعمالها حرف ابتداء قولهم: قام القوم حتى زيد قام، وحتى زيد يقوم، ومن ذلك قوله:

2566 -

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها

في رواية من رفع «نعله» . والدليل على أنها حرف ابتداء أنها لو كانت جارة لانخفض ما بعدها، ولو كانت عاطفة لشركت بين الاسم الذي بعدها والاسم الذي قبلها في الإعراب فتعين أن تكون حرف ابتداء. لا يقال: هي جارة والجملة بعدها في موضع خفض لها؛ لأن الجمل لا يدخل عليها حروف الجر في فصيح الكلام، فلا يقال: عجبت من يقوم زيد، ولا عجبت من زيد قائم؛ لأنه يؤدي إلى تعليق حروف الجر، وحروف الجر لا تعلّق في موضع؛ ألا ترى كيف فحّش سيبويه [ذلك] (1) ومما يدل على أنها تستعمل حرف ابتداء قول الشاعر:

2567 -

فيا عجبا حتّى كليب تسبّني

كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (2)

فإنها ليست خافضة؛ لما ذكرنا أن حرف الجر لا يباشر الجمل، ولا عاطفة؛ لأنها لا يعطف بها إلا الأسماء. ثم شرع في التقسيم - أعني تقسيم «حتى» من الرأس - فقال (3): فعلى هذا: الاسم الواقع بعد «حتى» إما أن يقع بعده شيء، أو لا. إن لم يقع بعده شيء يصلح أن يكون خبرا له؛ فإما أن يتقدم «حتى» ما يكون الاسم الواقع بعدها جزءا [منه]، أو لا يتقدم. إن لم يتقدم؛ لم يجز في الاسم الواقع بعدها إلا الخفض، وذلك نحو قولك: سرت حتى الليل، ونمت حتى الصباح؛ بخفض «الليل» و «الصباح» .

وإن تقدمها ما يكون الاسم الواقع بعدها جزءا منه؛ فإما أن يقترن بالكلام قرينة تدل -

(1) زيادة لا غنى عنها، وفي الكتاب (3/ 147):(وقال الخليل: أشهد بأنك لذاهب غير جائز من قبل أن حروف الجر لا تعلّق) وانظر أيضا: الكتاب (1/ 97).

(2)

من الطويل للفرزدق. انظر: ديوانه (1/ 419)، والحلل (ص 83)، وشرح المفصل (8/ 18)، والمغني (1/ 114) بحاشية الأمير. ونهشل، ومجاشع: ابنا دارم رهط الفرزدق، وكليب: رهط جرير.

(3)

القائل هو ابن عصفور وهذا الحديث الطويل عن «حتى» هو من شرح الإيضاح المفقود وله نظير وملخص في شرح الجمل (1/ 517، 518، 519).

ص: 2993

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على أن ما بعد «حتى» غير شريك لما قبلها في المعنى، أو لا يقترن. إن وجدت قرينة تدل على ذلك؛ لم يجز في الاسم الواقع بعدها إلا الخفض وذلك نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر؛ بالخفض، وإن لم يقترن به قرينة تدل على ذلك؛ حمل الكلام على أن ما بعد «حتى» شريك لما قبلها في المعنى، ويجوز كونها جارة، وكونها عاطفة حينئذ. والخفض أحسن؛ لما تقدم من أن العطف بها لغة ضعيفة، وذلك نحو:

ضربت القوم حتى زيدا، وحتى زيد؛ بنصب «زيد» وخفضه، إلا أن يقترن بالكلام قرينة تدل على أن المراد العطف؛ فلا يجوز الخفض، وذلك نحو: ضربت القوم حتى زيدا أيضا؛ بنصب «زيد» على العطف؛ لأن «أيضا» تدل على أنك أردت تكرار الفعل وهذا المعنى إنما يعطيه العطف من حيث كان حرف العطف نائبا من جهة المعنى مناب العامل ومغنيا عن تكراره؛ فكأنك قلت: ضربت القوم حتى ضربت زيدا أيضا.

وإن وقع بعد الاسم الواقع بعد حتى ما يصلح أن يكون خبرا له فإما أن يكون اسما مفردا، أو ظرفا، أو مجرورا، أو جملة، فإن كان اسما مفردا؛ لم يجز في الاسم الواقع بعدها إلا على الابتداء، وجعل الاسم الواقع بعده خبرا له وذلك نحو: ضرب القوم حتى زيد مضروب، وقام القوم حتى زيد قائم، وإن كان ظرفا أو مجرورا؛ جاز في الاسم الواقع بعد «حتى» ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء وما بعده الخبر، والخفض على أن تكون «حتى» جارة، وجعل الاسم على حسب إعراب الاسم الواقع قبله على أن تكون «حتى» عاطفة، ويكون الظرف أو المجرور في هذين الوجهين الآخرين تأكيدا للظرف أو المجرور المتقدمين، وذلك نحو قولك: القوم عندي حتى زيد عندي، والقوم في الدار حتى زيد فيها؛ برفع «زيد» ، ونصبه، وخفضه.

وإن كان جملة فإن كانت اسمية وكان الاسم الواقع بعد «حتى» شريكا لما قبلها في المعنى جاز في الاسم ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء والجملة خبر، والخفض بـ «حتى» على أنها جارة، وجعل إعراب الاسم على حسب إعراب ما قبله على أنها عاطفة، وتكون الجملة الواقعة بعد الاسم في هذين الوجهين الآخرين تأكيدا، وذلك نحو: ضربت القوم حتى زيد هو مضروب؛ برفع «زيد» ، ونصبه، وخفضه. وإن لم يكن الاسم الواقع بعد «حتى» شريكا لما قبله في المعنى؛ لم يجز فيه إلا الرفع على الابتداء وجعل الجملة الواقعة بعده خبرا له وذلك نحو قولك: ضربت -

ص: 2994

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القوم حتى زيد أبوه مضروب؛ فلم يجز العطف لعدم مشاركة «زيد» للقوم في الضرب، ولم يخفض؛ لأن الجملة الواقعة بعده إذ ذاك ليس فيها تأكيد لما قبلها.

وإن كانت فعلية فإن يكن الاسم الذي بعد «حتى» شريكا لما قبله في المعنى؛ جاز في الاسم وجهان: الرفع على الابتداء وجعل الجملة خبرا له، والحمل على إضمار فعل يفسره الفعل الظاهر الذي بعده وذلك نحو: ضربت القوم حتى زيد ضربت أخاه؛ برفع «زيد» ، ونصبه بفعل مضمر يفسره ما بعده ولا يجوز عطفه؛ لعدم المشاركة، ولا الخفض؛ لأن الجملة إذ ذاك ليس فيها معنى تأكيد.

وإن كان الاسم الواقع بعدها شريكا لما قبله في المعنى فالفعل الواقع بعده إما أن يعمل في ضمير الاسم الواقع قبل «حتى» أو في ضمير ذلك الاسم إن كان قد عمل في ضمير [4/ 17] الاسم الواقع قبل «حتى» جاز في الاسم الواقع

بعدها وجهان:

الخفض على أن «حتى» جارة؛ وجعل إعرابه على حسب إعراب الاسم الذي قبله على أنها عاطفة، وذلك نحو قولك: ضربت القوم حتى زيد ضربتهم، وحتى زيدا ضربتهم، وتكون الجملة الواقعة بعد «زيد» في الحالتين تأكيدا للجملة التي قبل «حتى». وإن كان قد عمل في ضمير الاسم الواقع بعدها جاز في الاسم الواقع بعدها أربعة أوجه: رفعه على الابتداء والجملة بعده خبر، وحمله على إضمار فعل يفسره الظاهر الذي بعده، وخفضه على أن «حتى» جارة، وجعل إعرابه على حسب إعراب الاسم الذي قبل «حتى» على أنها عاطفة، وتكون الجملة الواقعة بعد الاسم الواقع بعد «حتى» في هذين الوجهين الآخرين تأكيدا وذلك نحو قولك: ضربت القوم حتى زيد ضربته؛ برفع «زيد» على الابتداء، ونصبه على أن يكون معطوفا على القوم، أو على أن يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره الفعل الذي بعده، وخفضه على أن تكون «حتى» جارة ومن ذلك قوله:

2568 -

ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله

والزّاد حتّى نعله ألقاها (1)

فإنه روي بالأوجه الثلاثة. وحكي عن بعضهم أن خفض الاسم المذكور، وعطفه على ما قبله، وجعل الجملة تأكيدا لا يجوز حتى يكون ذلك الفعل عاملا في ضمير الاسم الواقع قبل «حتى» نحو قولك: رأيت القوم حتى إخوتك رأيتهم؛ -

(1) تقدم تخريج هذا البيت.

ص: 2995

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنك تريد: رأيت القوم رأيتهم حتى إخوتك. وزعم أن الخفض في قول الشاعر:

2569 -

حتّى نعلّه ألقاها

إنما جاز؛ لأن الضمير عائد على الصحيفة، والصحيح أن الخفض والعطف جائزان، وإن كان الفعل عاملا في ضمير الاسم الواقع بعد «حتى» وتكون الجملة إذ ذاك تأكيدا معنويّا لا تأكيدا لفظيّا من جهة أنك إذا قلت: ضربت القوم حتى زيد، بخفض «زيد» ونصبه على أن يكون معطوفا على القوم؛ كان «زيد» شريكا للقوم في الضرب، فإذا قلت بعد ذلك: ضربته كنت مؤكدا لما اقتضاه معنى الكلام من أنك ضربت زيدا (1). انتهى كلام ابن عصفور.

ولم يتعرض إلى ما نبّه عليه ابن أبي الربيع من أن البصريين لا يجيزون أن يكون ما بعد «حتى» مرفوعا بالابتداء

والخبر محذوف (2).

ثم اعلم أن ابن عصفور قد أطال الكلام في المسألة بما ذكره من التقسيم وما أشار إليه من جواز العطف في نحو: صمت الأيام حتى يوم الخميس، وجواز العطف والرفع على الابتداء، وقد ذكره المصنف صريحا حيث قال: ويختص تالي الصريح المنتهي به بجواز عطفه واستئنافه، ولم يشترط المصنف في جواز الرفع على الابتداء أن يذكر الخبر بعده لفظا كما اشترط ذلك ابن أبي الربيع.

ولهذا مثل للاستئناف بنحو: ضربتهم حتى زيد، ثم قال: فـ «زيد» مبتدأ محذوف الخبر قال: ويروى بالأوجه الثلاثة قول الشاعر:

2570 -

عممتهم بالنّدى حتّى غواتهم

فكنت مالك ذي غيّ وذي رشد

وأما كون عامل الاسم الذي بعد («حتى» إذا وقع بعد الاسم ما يصلح أن يكون خبرا يجوز أن يكون مضمرا يفسره الظاهر)(3)؛ فتكون المسألة من الاشتغال، فهذا أمر معروف وقاعدة مستقرة تعرف من ذلك الباب؛ فلا يحتاج إلى أن يذكر في غيره. وقد ذكر المصنف في الباب المذكور أن الاشتغال يقع عن الاسم الواقع بعد «حتى» فكان مستغنيا عن ذكر ذلك هنا. -

(1) نقل طويل عن ابن عصفور لا تجده إلا في هذا الكتاب الذي بين يديك.

(2)

راجع التذييل (4/ 28، 29) بغير نسبة له.

(3)

من الهامش، وبعده فيه: الذي بعد.

ص: 2996

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما «حتى» الابتدائية فاعلم أن معناها انتهاء الغاية، وإذا وقعت بعدها الجمل الفعلية دخلها معنى الفاء. والمراد بكونها حرف ابتداء: أن الكلام يستأنف بعدها ويقع بعدها الجملة من فعل ومرفوعه، والجملة من مبتدأ وخبر، والكلمتان من شرط وجزاء. فمن وقوع المبتدأ والخبر قول الشاعر:

2571 -

فيا عجبا حتّى كليب يسبّنى

كأنّ أباها نهشل أو مجاشع

وقول الآخر:

2572 -

فما زالت القتلى تمجّ دماءها

بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (1)

وقول الآخر:

2573 -

[سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم]

وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (2)

والنصف الأول من هذا البيت وهو قوله:

سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم

شاهد وقوع الجملة الفعلية. ومن وقوع الشرط والجزاء قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [فَادْفَعُوا](3)، وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها (4). ومن مجيء الفعل ومرفوعه قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (5)، ومنه أيضا قوله تعالى:

ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا (6). ومن ثم وهّم الشيخ المصنف في جعله «حتى» في هذه الآية الشريفة جارة حيث قال:

والجارة ومجرورها إما اسم صريح [نحو: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (7)، -

(1) من الطويل لجرير. وتمج: تقذف، والأشكل: البياض تخالطه حمرة، وراجع: ديوانه (ص 367) برواية تمور بدل تمج، والأشموني (3/ 300)، والدرر (1/ 207)، (2/ 16)، وشرح المفصل (8/ 18)، والعيني (3/ 386)، والهمع (1/ 248)، (2/ 24).

(2)

من الطويل لامرئ القيس، يريد أنه سار بهم طويلا حتى كلت مطيهم وأعيت فصارت جيادهم - لذلك - لا تحتاج إلى أرسان تقاد بها. وانظر: ديوانه (ص 93)، والتصريح (2/ 309)، والدرر (2/ 178)، والكتاب (1/ 417)، (2/ 203) والمقتضب (2/ 40)، والهمع (2/ 136).

(3)

سورة النساء: 6.

(4)

سورة الزمر: 71.

(5)

سورة البقرة: 214.

(6)

سورة الأعراف: 95.

(7)

سورة يوسف: 35.

ص: 2997

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (1)]، وإما مصدر مؤول من «أن» لازمة الإضمار وفعل ماض نحو: حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا (2)، أو مضارع

إلى آخره؛ فزعم أن «أن» مضمرة بعد «حتى» في قوله تعالى: حَتَّى عَفَوْا.

قال الشيخ: وإنما هي الآية الشريفة حرف ابتداء ولولا ظهور النصب في المضارع بعد «حتى» لم ندّع أن «أن» مضمرة بعدها (3). انتهى.

وما قاله هو الظاهر، ويؤيده كلام ابن أبي الربيع. وكأن الشيخ استند في كلامه هذا إليه فإنه قال في شرح الإيضاح: ضابط «حتى» أن تقول: إذا كان بعدها مفرد مخفوض أو فعل مضارع منصوب فهي حرف جر، وإذا وقع بعدها اسم مفرد مرفوع أو منصوب فهي حرف عطف، وإن وقع بعدها جملة فهي حرف ابتداء (4). انتهى.

والجملة الابتدائية بعد «حتى» لا موضع لها من الإعراب، ولا يعتد بقول من يقول:

إنها في موضع جر؛ لما علم من أن حروف الجر لا تباشر الجمل في الكلام الفصيح.

ثم هاهنا بحث يتعلق بـ «حتى» هذه - أعني الابتدائية -:

[4/ 18] وهو أن الفارسي قال في الإيضاح: إنها يستأنف بعدها كما يستأنف بعد «إما، وإذا» (5) فنوقش في ذلك بأن قيل: ليست «حتى» كـ «إما وإذا» ؛ لأن «حتى» يشاكل بها الجمل كما يشاكل بحروف العطف و «إما وإذا» يقطعان، ويدل على ذلك قول سيبويه في بعض أبواب الاشتغال: ومما يختار فيه النصب لنصب الأول ويكون الحرف الذي بين الأول والآخر بمنزلة الواو، والفاء، وثم؛ قولك: قد لقيت القوم كلهم حتى عبد الله لقيته، وضربت القوم حتى زيدا ضربت أباه (6).

وأجيب عن أبي علي أنه لم يرد أن «حتى» يستأنف بعدها في كل موضع، ولا تشبه «إما وإذا» في كل وجه. قالوا: ولا يلزم هذا في كلامه ولا بد. لكن لو قيده، فقال:

في غير باب الاشتغال؛ كان أحسن، وإنما غلبت العرب جهة العطف في باب الاشتغال بما يحافظون عليه في ذلك الباب من المشاكلة و «إما، وإذا، وإنما» ، -

(1) سورة القدر: 5.

(2)

سورة الأعراف: 95.

(3)

التذييل (7/ 60 / أ).

(4)

التذييل (4/ 30) بغير نسبة أو تعيين لمكان النص.

(5)

الإيضاح (ص 47)؛ وانظر كذلك (ص 54، 60، 61) منه.

(6)

الكتاب (1/ 96) بدون «قد» .

ص: 2998