المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٦

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب

- ‌[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]

- ‌[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

- ‌[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]

- ‌[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

- ‌الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل

- ‌[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

- ‌[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

- ‌[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

- ‌[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

- ‌[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

- ‌[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه

- ‌الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

- ‌[تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

- ‌[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

- ‌[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

- ‌[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

- ‌الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

- ‌[تعريفها وشرح التعريف]

- ‌[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

- ‌[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

- ‌[بقية أحكام الصفة المشبهة]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

- ‌[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

- ‌الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

- ‌[علة إعمال المصدر - أحوال إعماله]

- ‌[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده]

- ‌[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

- ‌[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

- ‌[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع]

- ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

- ‌الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]

- ‌[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]

- ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[إلى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[كي الجارة - مساواتها للام]

- ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

- ‌[في: معانيها، وما يعرض لها]

- ‌[عن: معانيها، وأحكامها]

- ‌[على: معانيها، وحكم زيادتها]

- ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[الكاف الجارة: معانيها…وأحكامها]

- ‌[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

- ‌[لولا .. حكم الجر بها]

- ‌[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما]

- ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

- ‌الباب الأربعون باب القسم

- ‌[القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه]

- ‌[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

- ‌[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

- ‌[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

- ‌[تلقي جواب القسم الماضي]

- ‌[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

- ‌[من أحكام أسلوب القسم]

الفصل: ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

قال ابن مالك: (فصل في الجرّ بحرف محذوف. يجرّ بـ «ربّ» محذوفة بعد الفاء كثيرا، وبعد الواو أكثر، وبعد «بل» قليلا، ومع التجرد أقلّ، وليس الجرّ بالفاء و «بل» باتّفاق، ولا بالواو خلافا للمبرّد، ومن وافقه، ويجرّ بغير «ربّ» أيضا محذوفا في جواب ما تضمّن مثله، أو في معطوف على ما تضمنه بحرف متّصل أو منفصل بـ «لا» أو «لو»، (أو)(1) في مقرون بعد ما تضمنه بالهمزة، أو «هلّا» ، أو «إن» ، أو الفاء الجزائيتين.

ويقاس على جميعها خلافا للفراء في جواب [نحو]: بمن مررت؟ وقد يجر بغير ما ذكر محذوفا. ولا يقاس منه إلّا على ما ذكر في باب «كم» و «كان» و «لا» المشبهة بـ «إنّ» ، وما يذكر في باب القسم، وقد يفصل في الضّرورة بين

حرف جرّ ومجرور بظرف أو جارّ ومجرور وندر في النّثر الفصل بالقسم بين حرف الجرّ والمجرور، والمضاف والمضاف إليه).

قال ناظر الجيش: اعلم أن الذي أشار إليه المصنف في هذا الفصل من جواز حذف حرف الجر وبقاء عمله مخالف لما يراه المغاربة؛ وذلك أنهم لا يجوزون الجر بحرف محذوف غير «رب» إلا إذا عوض عن ذلك الحرف غيره، وذلك إنما هو في باب «كم» ، وباب القسم، والجر بحرف محذوف غير «ربّ» في غير هذين [4/ 36] البابين معدود عندهم من النادر الشاذ؛ فلا يقاس عليه. أما المصنف فإنه يرى أن الجر بحرف محذوف غير «رب» جائز مقيس في غير هذين البايين كما هو جائز فيهما ولكن إنما يجوز ذلك في مواضع خاصة، والمواضع التي تضمنها كلامه سبعة:

فالأول: كونه في جواب كلام تضمن مثل ذلك الحرف.

والثاني: كونه في معطوف على ما تضمنه.

والثالث: كونه في مقرون بأحد أربعة أحرف مذكور بعد ما تضمنه، وأربعة الأحرف هي: الهمزة، و «هلّا» ، و «إن، والفاء» الجزائيتان. -

(1) في الأصل: و.

ص: 3055

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والرابع: في باب «كم» .

والخامس: في باب «كان» .

والسادس: في باب «لا» المشبهة بـ «إنّ» .

والسابع: القسم، فزاد على ما ذكره المغاربة خمسة مواضع، ولا يبعد ما قاله عن الصواب. وكم له من استدراكات. فرحمه الله تعالى، وأحسن جزاءه بمنّه، وكرمه.

وهذا الذي ذكرناه إنما هو في حكم غير «ربّ» . أما إذا كان الحرف «ربّ» فهم متفقون على عملها محذوفة. وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى تصوير المسائل، وذكر أمثلتها وإلى ما يتعلق بلفظ الكتاب.

فنقول: قد ذكر المصنف (1) أن الجر بـ «رب» محذوف بعد الواو كثير، وأن الجر بها محذوفة بعد الفاء أقل من ذلك وأن فعل، وأن فعل ذلك بعد «بل» أقل من فعله بعد الفاء، وأن فعله مع التجرد أقل من فعله بعد «بل» ، ومثاله بعد الواو قول امرئ القيس:

2695 -

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي (2)

وقد أكثر المصنف من ذكر الشواهد على ذلك، ولا حاجة إلى إيرادها؛ لأن هذا كما قال الشيخ: لا يحتاج إلى مثال؛ لأن دواوين العرب ملأى منه (3). ومثاله بعد الفاء قول امرئ القيس:

2696 -

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا

فألهيتها عن ذي تمائم محول (4)

وقول الآخر:

2697 -

فإن أهلك فذي حنق لظاه

تكاد عليّ تلتهب التهابا (5)

-

(1) انظر: شرح التسهيل (3/ 187) وما بعدها.

(2)

من الطويل، والسدول: الستور، وانظر: ديوانه (ص 18)، والأشموني (2/ 233)، والتصريح (2/ 22)، وشذور الذهب (ص 321)، والمغني (ص 361).

(3)

التذييل (7/ 104) وفيه: «مليء» .

(4)

من الطويل: والتمائم: معاذات تعلق على الصبي، والبيت في ديوانه (ص 12)، والتصريح (2/ 22)، والدرر (2/ 38)، والعيني (3/ 336)، والكتاب (1/ 294)، واللسان «غيل» والمغني (ص 136، 161) هذا: ورواية الديوان:

فمثلك

مغيل

(5)

من الوافر لربيعة بن مقروم الضبي، وانظره في التذييل (7/ 103)، والخزانة (4/ 201) والمغني (ص 164).

ص: 3056

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقول الآخر:

2698 -

إن يثن سلمى بياض الفود عن صلتي

فذات حسن سواها دائما أصل (1)

وقول الآخر:

2699 -

فإمّا تعرضنّ أميم عنّي

وينزعك الوشاة أولو النّباط

فحور قد لهوت بهنّ عين

نواعم في المروط وفي الرّياط (2)

قال الشيخ: وقول المصنف: يجر بـ «رب» محذوفة بعد الفاء كثيرا، ليس بكثير، بل هو قليل يكاد ألا يوجد منه إلا هذا الذي أنشده (3). ومثاله بعد «بل» قول الراجز:

2700 -

بل بلد ملء الفجاج قتمه

لا يشترى كتّانه وجهرمه (4)

ومثال الجر بها محذوفة دون واحد من الثلاثة قول الراجز:

2701 -

رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الحياة من جلله (5)

قال المصنف (6): ولا خلاف في أن الجر في: فذي حنق، وبل بلد، ورسم -

(1) البيت من البسيط، وينسب لبعض الطائيين وانظر: التذييل (7/ 103).

(2)

من الوافر للمتنخل الهذلي في قصيدتهما قال الأصمعي: أجود طائية قالتها العرب، وينزعك بالعين المهملة والمعجمة: يودونك. النباط: الذين ستنبطون الأخبار، والمروط: جمع مرط وهو إزار له علم، والرياط: جمع ريطة: الملاءة التي لم تلفق، وانظر ديوان الهذليين (2/ 19)، والأشموني (2/ 232)، وأمالي الشجري (1/ 143، 144، 366)، وشرح السكري (3/ 1276)، والعيني (3/ 349).

(3)

التذييل (7/ 104) وفيه أنشدناه.

(4)

الرجز لرؤبة، والفجاج: الطرق، القتم: الغبار، والجهرم: بسط من شعر تنسب إلى جهرم قرية بفارس، وانظر ديوانه (ص 150)، والإنصاف (ص 529)، والدرر (2/ 38)، وشرح المفصل (8/ 105)، واللسان «جهرم» والمغني (ص 120) هذا وفي الأصل:«متمه» بدل «قتمه» ، و «كنانه» بدل «كتانه» .

(5)

من الخفيف لجميل العذري والرسم: ما لصق من آثار الديار كالرماد ونحوه، والطلل: ما شخص من آثارها كالوتد وغيره، وطلله: طلل داره، والجلل: عظم الشيء، وانظر: ديوانه (ص 52)، والأشموني (2/ 233) والخصائص (1/ 285)، (3/ 150)، والسمط (ص 556)، والهمع (1/ 255)، (2/ 37، 72).

(6)

شرح التسهيل (3/ 189).

ص: 3057

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

دار، وأشباهها بـ «ربّ» المحذوفة، وزعم المبرد أن الجر بعد الواو بالواو نفسها (1).

ولا يصح ذلك؛ لأن الواو أسوة «الفاء، وبل» في إضمار «رب» بعدهما، ولأنها عاطفة لما بعدها من الكلام على ما قبلها، والعاطف ليس بعامل ولا يمنع كونها عاطفة افتتاح بعد الأراجيز بها؛ (لإمكان)(2) إسقاط الراوي شيئا من الأرجوزة متقدما، ولإمكان عطف الراجز ما افتتح به على بعض ما في نفسه. انتهى.

وقال ابن أبي الربيع: العرب تحذف «رب» وتبقي عملها بعد واو العطف ولا يجوز إظهارها بعده، نحو قول امرئ القيس:

2702 -

وفرع يغشّي المتن أسود فاحم

أثيث كقنو النّخلة المتعثكل (3)

وهذا إذا كانت الواو عاطفة جملة على جملة، وأما إذا كانت معطوفة على «رب» نحو: ربّ مكروب، وربّ أسير؛ فتكون ظاهرة، وإنما يلزم حذفها في ما ذكرت لك. وقد أجرت العرب الفاء مجرى الواو فحذفت بعدها «ربّ» نحو:

2703 -

فمثلك حبلى

...

البيت

ونحو:

2704 -

فإن أهلك فذي حنق

البيت الآخر

وقد حذفت قليلا بعد «ثمّ» والأصل في هذا كله الواو.

ولا أعلم خلافا بين النحويين في ما ذكرته إلا أبا العباس المبرد فإنه قال: إن الواو بمنزلة «رب» وإن الواو تأتي على ثلاثة أقسام: عاطفة، وللحال، وبمنزلة «رب» .

وقال في مثل قول امرئ القيس:

وفرع يغشّي المتن

إن الخفض في «فرع» بالواو، وليست عاطفة، وكأنه قال: ربّ فرع فوضعت العرب الواو موضعها، وبمعناها. واستدل على ذلك بقول الشاعر:

2705 -

وقائم الأعماق خاوي المخترق

[مشتبه الأعلام لمّاع الخفق](4)

-

(1) المقتضب (2/ 319، 347)، (3/ 256).

(2)

في الأصل: لأنه كان، وهو تحريف.

(3)

من الطويل، والفرع: الشعر الطويل، والأثيث: الكثير النبات، والقنو: العذق، كياسة النخلة، والمتعثكل: المتداخل لكثرته، وانظر ديوانه (ص 16).

(4)

بيت من الرجز لرؤبة، والقتمة: الغبرة، والخاوي: الخالي، والمخترق: مكان الاختراق من الخرق، -

ص: 3058

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال: لأن الواو فيه ليست عاطفة؛ لأن هذا أول الأرجوزة فليس ثم ما يعطف عليه، فإذا صح أنها ليست عاطفة صح أنها بمنزلة «ربّ» (1). قال ابن أبي الربيع:

والحجة لقول الجمهور أن العرب لم تدخل عليها حرف العطف فلو كانت بمنزل «ربّ» لقالوا: وفرع، كما تقول: ورب فرع، إذا تقدم قبل ذلك «ربّ» لا يقال: كرهوا ذلك لاتفاق اللفظين؛ لأنهم قد قالوا: والله، وو الله، ويقول العرب: جاء زيد ووجهه حسن. وأما الجواب عن:

2706 -

وقاتم الأعماق خاوي المخترق

فالجواب عنه: أن العرب عادتها أن تستفتح قصائدها بما يكون فيه تأنيس للخاطر، فتتغزل كثيرا. فكأنّ هذا لمّا أخذ في أرجوزته قام في نفسه ما جرت العادة به فقدره مقولا موجودا، فعطف عليه:«وقاتم الأعماق» ، وينظر إلى هذا ما روي في قصيدة زهير:

2707 -

دع ذا وعدّ القول في هرم

[خير البداة وسيّد الحضر](2)

ولا يعرفون قبلها شيئا وكان منهم من ينشدها:

2708 -

لمن الديار تعنه البحر

لكن الحجة في رواية من روى أولها:

دع ذا وعدّ القول

فإن «ذا» إشارة إلى شيء، ولم يذكر قبل ذلك شيئا فتكون إشارة - والله أعلم - ما جرت العادة أن تستفتح القصائد به من الغزل، ووصف الأطلال، وغير [4/ 37] ذلك مما يجري في أول قصائدهم (3). انتهى كلام ابن أبي

الربيع.

ومثال الجر بغير «رب» محذوفا في جواب ما تضمن مثله نحو: «زيد» في -

- وهو الشق، وانظر: ديوانه (ص 104)، والخصائص (1/ 228، 260)، وشرح المفصل (2/ 118)، (9/ 29)، والكتاب (2/ 301)، والهمع (2/ 36).

(1)

ينظر: التذييل (4/ 44، 45).

(2)

بيت من الكامل، عدّ القول: اصرفه، البداة: البدو والواحد باد، وانظر: ديوانه (27)، والدرر (2/ 39) وشرح السيرافي (2/ 149 أ) برواية:«خير الكهول» ، والهمع (2/ 36).

(3)

ينظر التذييل (4/ 44، 45).

ص: 3059

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جواب من قيل له: بمن مررت؟ وكقوله عليه الصلاة والسلام إذ قيل له: فإلى أيّهما أهدي؟ قال: «أقربهما [منك] بابا» (1) بالجر على إضمار «إلى» . ومن الجواب نحو: بلى زيد بالجر لمن قال: ما مررت بأحد، أو: هل مررت بأحد؟ ومثال ذلك بعد عطفه على الوجه المذكور قوله تعالى: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (2) فجر اخْتِلافِ اللَّيْلِ بـ «في» مقدرة مع اتصاله بالواو لتضمن ما قبلها إياها، وقرأ عبد الله بإظهارها (3). ومثل ما في الآية قول الشاعر:

2709 -

ألا يا لقومي كلّ ما حمّ واقع

وللطّير مجرى والجنوب مصارع (4)

ومثله:

2710 -

حبّب الجود للكرام فحمدوا

ولناس فعل اللّئام فلئموا (5)

ومثله:

2711 -

أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا (6)

ومثله:

2712 -

كالمرّ أنت إذا ما حاجة عرضت

وحنظل كلّما استغنيت خطبان (7)

ومثال ذلك مع الفصل بـ «لا» قول الراجز:

2713 -

ما لمحبّ جلد أن [ي] هجرا

ولا حبيب رأفة فيجبرا (8)

-

(1) أخرجه البخاري في الشفعة (3)، والهبة (16)، وابن حنبل (6/ 175، 187، 193، 239)، وانظره كذلك في الهمع (2/ 37).

(2)

سورة الجاثية: 4، 5.

(3)

ينظر: البحر المحيط (8/ 42) وما بعدها، وحجة ابن زنجلة (ص 659)، والكشاف (4/ 225).

(4)

من الطويل لقيس بن ذريح، وانظره في الدرر (2/ 192) برواية:«كلّما» ، والعيني (3/ 352)، والهمع (2/ 139) وفي الأصل:«يجري» بدل «مجرى» .

(5)

البيت في التذييل (7/ 106).

(6)

من البسيط وانظره في الأشموني (2/ 234).

(7)

من البسيط، وصدره في الأصل وفي التذييل:«كالنمر» ، وانظر التذييل (7/ 106).

(8)

من الرجز، يريد: ليس له قوة على الهجر ولا لحبيبه رأفة به فيجبره بوصله، وانظر: الأشموني (2/ 234)، والدرر (2/ 40)، والعيني (3/ 353)، والهمع (2/ 37).

ص: 3060

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثال ذلك مع الفصل بـ «لو» ما حكى أبو الحسن في المسائل (1) من أنه يقال:

جيء بزيد، أو عمرو، ولو كليهما. وأجاز في «كليهما» الجرّ على تقدير: ولو بكليهما، والنصب بإضمار ناصب، والرفع بإضمار رافع.

قال المصنف: وأجود من هذا المثال الذي ذكره الأخفش أن يقال: جيء بزيد وعمرو ولو أحدهما، كما قال الشاعر:

2714 -

متى عذتم بنا ولو فئة منّا

كفيتم ولم تخشوا هوانا ولا وهنا (2)

لأن المعتاد في مثل هذا النوع من الكلام أن يكون ما بعد «لو» أدنى مما قبلها في كثرة، وغيرها كقول النبي صلّى

الله عليه وسلّم: «التمس ولو خاتما من حديد» (3)، وكقولهم:

ائتني بدابة ولو حمارا، ومن شواهد إضمار الجار في العطف بغير الواو قول الشاعر:

2715 -

أيّه بضمرة أو عوف بن ضمرة أو

أمثال ذينك إيّه تلف منتصرا (4)

قال المصنف: (أراد: أو)(5) بأمثال ذينك إيه.

قال الشيخ: ولا يتعين ما قاله؛ إذ يحتمل أن يكون «أو مثال ذينك» معطوفا على ما قبله، و «إيه» توكيد لقوله «إيه» المتقدمة (6). ثم قال المصنف: ومنها - أي: ومن شواهد إضمار الجار في العطف بغير الواو - قول القائل:

2716 -

لك ممّا يداك تجمع ما تن

فقه ثمّ غيرك المخزون (7)

أراد: ثم لغيرك المخزون، ومثال جر المقرون بهمزة الاستفهام، وب «هلّا» على الوجه المذكور ما حكى الأخفش في المسائل من أنه يقال: مررت بزيد، فتقول: أزيد ابن عمرو؟، ويقال: جئت بدرهم، فيقال: هلا دينار؟ قال أبو الحسن: وهذا كثير (1). ومثال الجر -

(1) ينظر: الارتشاف (ص 747)، والتذييل (4/ 45).

(2)

من الطويل وانظر: الأشموني (2/ 234)، والدرر (2/ 40)، والهمع (2/ 37).

(3)

عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أخرجه البخاري في: النكاح (14، 32)، فضائل القرآن (21، 22)، واللباس (49)، والترمذي: نكاح (21)، وابن ماجه: نكاح (17)، ومالك في الموطأ: نكاح (8)، ومسلم: النكاح (76)، والنسائي: النكاح: (1، 41).

(4)

من البسيط وانظره في التذييل (7/ 106).

(5)

التذييل (7/ 106).

(6)

بالأصل: أرادوا.

(7)

من الخفيف لأبي طالب - ديوانه (ص 7)، والخزانة (4/ 386)، والكتاب (2/ 32).

ص: 3061

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بمضمر بعد «إن والفاء» الجزائيتين ما حكى يونس من قولهم: مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح؛ على تقدير: إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح، وأجاز امرر بأيهم هو أفضل إن زيد وإن عمرو، على معنى: إن مررت بزيد، أو مررت بعمرو (2).

قال المصنف: وجعل سيبويه إضمار الباء بعد «إن» لتضمن ما قبلها إياها أسهل من إضمار «رب» بعد الواو (3)، فعلم بذلك اطراده عنده. وشبيه بما روى يونس ما في البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربعة فخامس أو سادس» (4)، ويجوز رفع «أربعة» على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وجرها على حذف المضاف، وبقاء عمله ونظائر الرفع أكثر.

قال: والقياس على هذه الأوجه كلها جائز، ومنعه الفراء (5) في نحو: زيد، لمن قال: بمن مررت؟ والصحيح جوازه لقوله عليه الصلاة والسلام: «أقربهما منك بابا» بالجر؛ إذ قيل له: فإلى أيّهما أهدي.

وكقول العرب: خير، لمن قال: كيف أصبحت؟ (6) بحذف الباء وإبقاء عملها؛ لأن معنى «كيف» : بأي حال؟ فجعلوا معنى الحرف دليلا، فلو لفظ به لكانت الدلالة أقوى وجواز الجر أولى. وقد يجر بحرف محذوف في غير ما ذكر مقيسا، ومسموعا.

فالمقيس نحو: بكم درهم؟ ولا سابق شيئا، وألا رجل جزاه الله خيرا، وقد ذكرت هذه الأنواع الثلاثة في أبوبها. ومن المقيس نحو: ها الله لأفعلن، مما يذكر في باب القسم.

والمسموع كقول الشاعر:

2717 -

سألت الفتى المكّيّ ذا العلم ما الّذي

يحلّ من التّقبيل في رمضان

فقال لي المكّيّ إمّا لزوجة

فسبع وإمّا خلّة فثمان (7)

- (1) الارتشاف (ص 747).

(2) الأشموني (2/ 235)، والكتاب (2/ 163) وما بعدها.

(3)

ينظر: الكتاب (1/ 106، 263، 264)، (3/ 9، 104، 128، 498).

(4)

عن أبي هريرة - البخاري: مواقيت الصلاة (41)، والترمذي: أطعمة (21)، والموطأ: صفة النبي (20).

(5)

الأشموني (2/ 234)، والتصريح (2/ 22، 23)، والهمع (2/ 37).

(6)

راجع: الأشموني (2/ 233)، والتصريح (2/ 23)، والهمع (2/ 37).

(7)

انظرهما في التذييل (4/ 177)، وفيه أنه أنشدهما أبو العباس، وشرح السيرافي (1/ 175) وفيه:

«سل المفتي» .

ص: 3062

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أراد: وإما لخلة، وكقول الآخر:

2718 -

وكريمة من آل قيس ألفته

حتّى تبذّخ فارتقى الأعلام (1)

أراد: في الأعلام، والأول أجود؛ لأن فيه حذف حرف (ثابت)(2) مثله في ما قبله، ولكن لا يقاس عليه لكون العاطف مفصولا بـ «إما» ، وهي تقتضي الاستئناف، ومثل «فارتقى الأعلام» قول الآخر:

2719 -

إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (3)

أراد: أشارت إلى كليب وفي صحيح البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرّجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمس وعشرين ضعفا» (4) بخفض «خمس» على تقدير الباء. ومثله في جامع المسانيد على أحد الوجهين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجّل ثلاث» (5)[4/ 38] على أن يكون المراد: المحجل [في] ثلاث. والأجود أن يكون أصله: المحجل محجل ثلاث، فحذف البدل، وبقي مجروره كما فعل بالمعطوف في نحو: ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (6). هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى، ولا مزيد عليه في الحسن واللطف.

وإذا تحققت كلامه عرفت أنه لو قال في متن الكتاب: وقد يجر في غير ما ذكر بحرف محذوف كان أولى من قوله فيه: وقد يجر بغير ما ذكر محذوفا، فإن كلامه السابق لم يتضمن أن الحرف الذي يجر به محذوفا حرف خاص حتى يقول: -

(1) من الكامل وانظر الأشموني (2/ 234)، والدرر (2/ 67)، والعيني (3/ 341)، واللسان «ألف» ، والهمع (2/ 36).

(2)

في الأصل: نائب، وما أثبته من شرح التسهيل لابن مالك.

(3)

من الطويل للفرزدق - ديوانه (1/ 420)، والخزانة (3/ 669)، (4/ 208)، والعيني (2/ 542)، والمغني (ص 11، 643)، والهمع (2/ 36، 81)، هذا وفي هامش المخطوط: عصابة موضع قبيلة.

(4)

عن أبي سعيد الخدري، أخرجه البخاري في: الأذان (30، 39)، بيوع (49)، ومالك في الموطأ: جماعة (1، 2)، ومسلم: مساجد (245، 247، 272). والنسائي: فضل صلاة الجماعة (1)، والنهاية (3/ 89).

(5)

عن أبي قتادة الأنصاري أخرجه ابن حنبل (5/ 200)، وابن ماجه: جهاد (ص 14).

(6)

من أمثال العرب، وبتقديم «بيضاء» على «سوداء» ، وهو يضرب في موضع التهمة. راجع مجمع الأمثال (2/ 210، 211) بتقديم «بيضاء» .

ص: 3063

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد يجر بغيره وإنما تضمن أن ثمّ مواضع يحذف فيها الجار، ويبقى جره وهذا يوجب له أن يقول: وقد يجر في غير ما ذكر بحرف محذوف كما قدمنا.

ثم إن المصنف لما انقضى كلامه على الجر بحرف محذوف ذكر مسألة الفصل بين حرف الجر والمجرور فقال: وقد يفصل في الضرورة بين حرف الجر، ومجرور .. إلى آخره.

وقال في الشرح: وقد يفصل بين حرف جر ومجرور بظرف، أو مفعول به، أو جار ومجرور، ولا يكون ذلك إلا في ضرورة الشعر كقول الشاعر:

2720 -

يقولون في الأكفاء أكثر همّة

ألا ربّ منهم من يعيش مالكا (1)

أراد: ربّ من يعيش مالك منهم، وكقول الآخر:

2721 -

ربّ في النّاس موسر كعديم

وعديم يخال ذا إيسار (2)

أراد: ربّ موسر كعديم في الناس، وكقول الفرزدق:

2722 -

وإنّي لأطوي الكشح من دون من طوى

وأقطع بالخرق الهيوع المراجم (3)

أراد: وأقطع الخرق بالهيوع المراجم، ففصل بالمفعول به بين الباء ومجرورها، وأنشد أبو عبيدة (4):

2723 -

إنّ عمرا لا خير في اليوم عمرو

وإنّ عمرا مخيّر الأحوال (5)

أراد: لا خير اليوم في عمرو، وحكى الكسائي في الاختيار الفصل بين الجار والمجرور بالقسم نحو: اشتريت بو الله درهم، والمراد: بدرهم والله، أو: والله بدرهم وحكى الكسائي أيضا: هذا غلام والله زيد (6)، وحكى أبو عبيدة: إنّ الشّاة تعرف ربّها حين تسمع صوت والله ربّها (7)، ففصل بالقسم بين المضاف والمضاف إليه.

(1) من الطويل، وفي الارتشاف (ص 748) الشطر الأخير وحده:«بمالكا» .

(2)

من الخفيف وانظره في الدرر (2/ 40)، والهمع (2/ 37) هذا:«وإيسار» من هامش المخطوط.

(3)

من الطويل، وليس هذا البيت في ديوان الفرزدق، وانظره في الدرر (3/ 40)، والكافية الشافية (ص 300) واللسان «هبع» قال: أنشده ابن الأعرابي، والهمع (2/ 37).

(4)

معمر بن المثنى النحوي البصري أخذ عن يونس، وأبي عمرو، وعنه أخذ أبو حاتم، والمازني، والأثرم (ت 209 هـ) راجع: الأعلام (8/ 191)، والإنباه (3/ 276)، والنزهة (ص 104).

(5)

من الخفيف، وانظر: الأشموني (2/ 236)، والهمع (2/ 37).

(6)

الأشموني (2/ 236).

(7)

المصدر السابق (ص 237).

ص: 3064