المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٦

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب

- ‌[تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه]

- ‌[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

- ‌[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب]

- ‌[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

- ‌الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل

- ‌[تعريفه وصياغته وشروط صياغته]

- ‌[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

- ‌[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

- ‌[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

- ‌[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

- ‌[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه

- ‌الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

- ‌[تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض]

- ‌[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

- ‌[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

- ‌[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

- ‌الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل

- ‌[تعريفها وشرح التعريف]

- ‌[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

- ‌[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

- ‌[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

- ‌[بقية أحكام الصفة المشبهة]

- ‌[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

- ‌[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل]

- ‌الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

- ‌[علة إعمال المصدر - أحوال إعماله]

- ‌[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده]

- ‌[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

- ‌[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

- ‌[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع]

- ‌[عمل اسم المصدر وأحكامه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

- ‌[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

- ‌الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ]

- ‌[تعريفها - سبب عملها - تقسيمها]

- ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[إلى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

- ‌[كي الجارة - مساواتها للام]

- ‌[الباء معانيها، وأحكامها]

- ‌[في: معانيها، وما يعرض لها]

- ‌[عن: معانيها، وأحكامها]

- ‌[على: معانيها، وحكم زيادتها]

- ‌[حتى الجارة…معانيها، وأحكامها]

- ‌[الكاف الجارة: معانيها…وأحكامها]

- ‌[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

- ‌[لولا .. حكم الجر بها]

- ‌[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما]

- ‌[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

- ‌الباب الأربعون باب القسم

- ‌[القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه]

- ‌[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

- ‌[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

- ‌[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

- ‌[تلقي جواب القسم الماضي]

- ‌[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

- ‌[من أحكام أسلوب القسم]

الفصل: ‌[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

قال ابن مالك: (فمنها «من» وقد يقال: منا وهي لابتداء الغاية مطلقا على الأصحّ وللتّبعيض ولبيان الجنس وللتّعليل وللبدل وللمجاوزة وللانتهاء وللاستعلاء وللفصل ولموافقة الباء ولموافقة في. وتزاد لتنصيص العموم أو لمجرّد التّوكيد بعد نفي أو شبهه جارّة نكرة مبتدأ أو فاعلا أو مفعولا به ولا يمتنع تعريفه ولا خلوّه من نفي أو شبهه وفاقا للأخفش وربّما دخلت على حال. وتنفرد «من» بجرّ ظروف لا تتصرّف كـ: قبل وبعد وعند ولدى ولدن ومع وعن وعلى اسمين، وتختصّ مكسورة الميم ومضمومتها في القسم بـ «الرّبّ» والتّاء واللّام بـ «الله» وشذّ فيه: من الله وتربّي).

ــ

إلا ما يناسبها وهو التشبيه وأنت لو قلت: جاءني الذي أشبه كزيد؛ لم يجز لأن «أشبه» لا يتعدى بالكاف بل يتعدى بنفسه (1). انتهى. أما قوله: لا يحذف ما يعمل في المجرور إلا ما إلى آخره؛ فكلام عجيب. ولو كان الأمر كما قال لامتنع أن يقول القائل: جاءني الرجل الذي من بني فلان؛ فإن الاستقرار هو المقدر وليست «من» للوعاء وكذا كان يمتنع قولنا: المال لزيد؛ لأن معنى اللام ليس معنى الاستقرار وقوله: لا يقدر إلا ما يناسب الحرف ممنوع إنما

الواجب أن المقدر لا ينافي معنى الحرف ولا شك أن لا منافاة بين الاستقرار ومعنى الكاف، والذي يظهر أن يقال:

إن الكون العام يصح تقديره مع كل حرف؛ إذ لا منافاة بين الكون العام وبين شيء؛ لأن كل معنى لا بد أن يكون له كون ما. وهذا هو المراد بالكون العام ومن ثم يعبر عنه بالحصول والوجود ونحو ذلك.

قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): حكى الفرّاء (3) أن بعض العرب يقول في من: منا، وزعم أنه الأصل وخففت لكثرة الاستعمال بحذف الألف وتسكين النون، ومجيء «من» لابتداء الغاية في المكان مجمع عليه كقوله تعالى: مِنَ الْمَسْجِدِ -

(1) شرح الجمل (1/ 483) وما بعدها.

(2)

شرح التسهيل (3/ 130) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

(3)

انظر: معاني القرآن له (1/ 384)، وانظر: التذييل (4/ 1)، والهمع (2/ 34).

ص: 2875

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى (1) ومجيئها لابتداء الغاية في الزمان مختلف فيه فبعض النحويين منعه، وبعض أجازه. وقول من أجاز ذلك هو الصحيح الموافق لاستعمال العرب، وفي كلام سيبويه تصريح بجوازه، وتصريح بمنعه. فأما التصريح بجوازه فقوله في باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف ومن ذلك قول العرب:

2351 -

من لد شولا فإلى إتلائها (2)

نصب؛ لأنه أراد زمانا والشول لا يكون زمانا ولا مكانا [3/ 173] فيجوز فيه الجر كقولك: من لد شولا شيء يحسن أن يكون زمانا إذا عمل في الشول [ولم يحسن إلا ذا كما لم يحسن ابتداء الأسماء بعد إن حتى أضمرت ما يحسن أن يكون عاملا في الأسماء فكذلك هذا](3) كأنك قلت: من لد أن كانت شولا فإلى إتلائها (4). هذا نصه في هذا الباب وفيه تصريح بمجيء «من» لابتداء غاية الزمان ولابتداء غاية المكان. وقال في باب عدة ما يكون عليه الكلم: وأما «من» فتكون لابتداء الغاية في الأماكن (5) ثم قال: وأما «من» فتكون لابتداء الغاية في الأيام كما كانت «من» فيما ذكرت لك ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها.

فظاهر هذا الكلام منع استعمال «من» في الزمان ومنع استعمال «من» في المكان. فأما منع استعمال «من» في المكان فمجمع عليه، وأما استعمال «من» في الزمان فمنعه غير صحيح بل الصحيح جوازه لثبوت ذلك في القرآن

العزيز، والأحاديث الصحيحة، والأشعار الفصيحة، فالذى في القرآن قوله تعالى:

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ (6)، وقال الأخفش في المعاني: قال بعض العرب: من الآن إلى غد (7)، وأما الأحاديث فمنها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلكم ومثل اليهود والنّصارى كمثل رجل استعمل عمّالا فقال: -

(1) سورة الإسراء: 1.

(2)

البيت من الرجز المشطور، والشول: جمع شائلة - على غير قياس - وهي النوق التي خف لبنها وارتفع ضرعها، أي: من كونها شولا إلى زمن كونها متلوة بأولادها. وانظر: التصريح (1/ 194)، والخزانة (2/ 84)، والكتاب (1/ 134)، والهمع (1/ 122) وابن يعيش (4/ 101)، (8/ 35).

(3)

ما بين المعقوفين من الكتاب (1/ 265).

(4)

الكتاب (1/ 264، 265).

(5)

الكتاب (4/ 224).

(6)

سورة التوبة: 108.

(7)

المعاني (1/ 6) وانظر الأشموني (2/ 212) والتصريح (2/ 8).

ص: 2876

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط، فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، فعملت النصارى من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين. ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، ألا لكم الأجر مرتين» فقد استعملت «من» في هذا الحديث لابتداء غاية الزمان أربع مرات ومن الأحاديث الدالة على ذلك قول من روى حديث الاستسقاء:«فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة» (1) وقول عائشة رضي الله عنهما «فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ ما قيل» (2) وقول أنس رضي الله عنه (3): «فلم أزل أحبّ الدّبّا [ء] من يومئذ» (4).

وهذه الأحاديث كلها في صحيح البخاري (5) رحمه الله تعالى. وفي جامع المساند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: «هذا أول طعام أكله أبوك من ثلاثة أيّام» (6)، وأما الأشعار فمنها قول النابغة

الذبياني (7):

2352 -

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

2353 -

تخيّرن من أزمان يوم حليمة

إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب (8)

ومنها قول جبل بن حوال: -

(1) صحيح البخاري: كتاب الإجارة (37)، باب الإجارة إلى صلاة العصر (9) وشواهد التوضيح (129).

(2)

البخاري: كتاب الشهادات (52) وشواهد التوضيح (ص 131).

(3)

أنس بن مالك الأنصاري صاحب رسول الله وخادمه روى عنه البخاري ومسلم (2286) حديثا (ت 93 هـ) بالبصرة راجع تهذيب ابن عساكر (3/ 139) وصفة الصفوة (1/ 298).

(4)

البخاري: أطعمة (25، 35) بيوع (30) نكاح (51) وشواهد التوضيح (ص 131).

(5)

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة حبر الإسلام صاحب الجامع الصحيح «صحيح البخاري» (ت: 256 هـ). راجع تذكرة الحفاظ (2/ 122) وطبقات الحنابلة (1/ 271 - 279).

(6)

مسند ابن حنبل (5/ 175).

(7)

زياد بن معاوية شاعر جاهلي من الطبقة الأولى (ت نحو: 118 ق. هـ) راجع الأعلام (3/ 92).

(8)

من الطويل ديوانه (ص 6)، وانظر الأشموني (2/ 211)، والتصريح (2/ 8)، والدرر (1/ 195)، والمغني (/ 114)، والهمع (1/ 232).

والشاهد في: «من أزمان» ؛ حيث استعملت «من» لأبتداء غاية الزمان، ومثله ستة الأبيات الآتية بعده.

ص: 2877

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2354 -

وكلّ حسام أخلصته قيونه

تخيرن من أزمان عاد وجرهم (1)

ومنها قول الراجز:

2355 -

تنتهض الرّعدة في ظهيري

من لدن الظّهر إلى العصير (2)

وقول الآخر:

2356 -

إنّي زعيم يا نوي

قة إن أمنت من الرّزاح

ونجوت من عرض المنو

ن من الغدو إلى الرّواح (3)

ومنها قول بعض الطائيين:

2357 -

من الآن قد أزمعت حلما فلن أرى

أغازل خودا أو أذوق مداما (4)

ومثله:

2358 -

ألفت الهوى من حيث ألفيت يافعا

إلى الآن منوا بواش وعاذل (5)

ومثله:

2359 -

ما زلت من يوم بنتم والها دنفا

ذا لوعة عيش من يبلى بها عجب (6)

وتكون أيضا لابتداء الغاية في غير مكان ولا زمان كقولك: قرأت من أول سورة البقرة إلى آخرها، وأعطيت الفقراء من درهم إلى دينار؛ ولذلك قلت: لابتداء الغاية مطلقا، ولم أقل: في الزمان والمكان، وأشار سيبويه إلى هذا فقال: وتقول إذا كتبت كتابا: من فلان إلى فلان؛ فهذه الأسماء سوى الأماكن بمنزلتها (7). هذا نصه. ومجيء «من» للتبعيض كثير؛ كقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ -

(1) البيت من الطويل وانظره في التذييل (4/ 1).

(2)

الرعدة: من الارتعاد، وظهيري: تصغير ظهر - راجع الأشموني (2/ 262)، والدرر (1/ 184)، (2/ 230)، والهمع (1/ 215)، (2/ 199).

(3)

الزعيم: الكفيل؛ الرزاح: الهزال، المنون: الموت من مجزوء الكامل للقاسم بن معن. وراجع:

الأشموني (1/ 292)، والعيني (2/ 297)، وابن يعيش (7/ 9) هذا ورواية الأشموني:«العشي» بدل «الغدو» و «الصباح» بدل «الرواح» .

(4)

من الطويل وانظره في التذييل (4/ 1).

(5)

من الطويل واستشهد به أبو حيان في التذييل (4/ 1).

(6)

البيت من البسيط وانظر المصدر السابق.

(7)

الكتاب (4/ 224).

ص: 2878

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ (1)، وكقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (2)، وعلامتها جواز الاستغناء بـ «بعض» عنها كقراءة عبد الله (لن تنالوا البر حتى تنفقوا بعض ما تحبون)(3)، ومجيئها لبيان الجنس كقوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ (4)، وقوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (5)، ومجيئها للتعليل كقوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ (6)، و: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ (7)، ومنه قول عائشة رضي الله عنها:«فما أستطيع أن أقضيه إلّا في شعبان الشّغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (8)، وكقول الشاعر:

2360 -

ومعتصم بالحيّ من خشية الرّدى

سيردى وغار مشفق سيؤوب (9)

والتي للبدل كقوله تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ (10) ووَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (11)، ومنه قول الشاعر:

2361 -

أخذوا المخاض من الفصيل غلبّة

ظلما ويكتب للأمير أفيلا (12)

ومجيئها (13) للمجاوزة نحو: غدت منه، وأنفت منه، وبرئت منه، وشبعت، ورويت، ولهذا المعنى صاحبت «أفعل» التفضيل؛ فإن القائل: زيد أفضل من عمرو، كأنه قال: جاوز زيد عمرا في الفضل أو الانحطاط، وهذا أولى من أن -

(1) سورة البقرة: 253.

(2)

سورة النور: 45.

(3)

سورة آل عمران: 92، وانظر: البحر المحيط (2/ 524).

(4)

سورة الكهف: 31.

(5)

سورة الرحمن: 14، 15.

(6)

سورة البقرة: 19.

(7)

سورة المائدة: 32.

(8)

البخاري: صوم (40) والترمذي: صوم (65) وابن حنبل (6/ 179) ومسلم: صيام (151، 175، 177).

(9)

سيأتي هذا البيت منسوبا إلى سليم القشيري وهو من الطويل وانظره في التذييل (4/ 3)، (6/ 173 / أ).

(10)

سورة التوبة: 38.

(11)

سورة الزخرف: 60.

(12)

من الكامل: المخاض: النوق الحوامل لا واحد لها من لفظها بل من معناها وهو خلفة. الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عنها الغلبّة: الغلبة الأفيل: صغير الإبل لأفوله أي غيبته بينها ونصبه بفعل محذوف وهو من الكامل للراعي.

راجع الأشموني (2/ 212)، الجمهرة (ص 176)، ديوان الراعي (ص 142). والمغني (ص 320).

(13)

هذا كله كلام ابن مالك في: شرح التسهيل (3/ 134).

ص: 2879

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقال: إنها لابتداء الارتفاع في نحو: أفضل منه، أو الانحطاط في نحو: شر منه، كما زعم سيبويه (1)؛ إذ لو كان الابتداء [3/ 174] مقصودا لجاز أن يقع بعدها «إلى». وقد أشار سيبويه إلى أن ابتداء الغاية قد يقصد دون إرادة منتهى فقال:

وتقول: ما رأيته مذ يومين؛ فجعلتها غاية، كما قلت: أخذته من ذلك المكان؛ فجعلته غاية ولم ترد منتهى (2). هذا نصه.

والصحيح أن «من» في نحو: أخذته من ذلك المكان؛ للمجاوزة، إذ لو كان الابتداء مقصودا مع «أخذت» كما هو مقصود مع «حملت» في قولك: حملته من ذلك المكان؛ لصدق على استصحاب المأخوذ «أخذ» كما يصدق على استصحاب المحمول «حمل» . وأما «مذ» في: ما رأيته مذ يومين، ونحوه؛ فقد جعلها بعضهم بمعنى «في» ، وليس كذلك؛ لأن المراد بـ: ما رأيته مذ يومين، ونحوه؛ نفي الرؤية في مدة أتيت في آخرها، والابتداء والانتهاء مقصودان واليومان معينان، ولو جيء بـ «فى» مكان «من» لم يفهم تعين ولا ابتداء ولا انتهاء، وقد تقع «من» موقع «مذ» في مثل هذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله تعالى عنها:«هذا أوّل طعام أكله أبوك من ثلاثة أيّام» ، فلو كان المجرور بـ «مذ» ، أو «منذ» حاضرا غير مثنى ولا مجموع؛ صح قصد معنى «في» ، كقوله عليه الصلاة والسلام للملكين عليهما السلام:«طوّفتماني منذ اللّيلة» (3). وأشار سيبويه إلى أن «من» الزائدة قصد بها التبعيض؛ لأنه قال - بعد تمثيله بـ: ما أتاني من رجل -: أدخلت «من» ؛ لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأت بعض الرجال (4)، هكذا قال. يريد أن «من» دلت على شمول الجنس فلكل بعض منه قسط من المنسوب إلى جميعها؛ فالتبعيض على هذا التقدير مقصود. وهذا غير مرض؛ لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظ العموم للتبعيض، وإنما المقصود بزيادة «من»

في نحو: ما أتاني من رجل؛ جعل المجرور بها نصّا في العموم، وإنما تكون للتبعيض إذا لم يقصد عموم، وحسن في موضعها «بعض» نحو: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (5)، ومِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (6)، -

(1) الكتاب (4/ 225، 227).

(2)

الكتاب (4/ 226).

(3)

البخاري: جنائز (93) وابن حنبل (5/ 14).

(4)

الكتاب (4/ 225).

(5)

سورة البقرة: 8.

(6)

سورة آل عمران: 110.

ص: 2880

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (1). وقد صرح بهذا المعنى فقال: وتكون للتبعيض نحو: هذا منهم، كأنك قلت:

بعضهم (2)، وأشار أيضا إلى قصد التبعيض بالمصاحبة «أفعل» التفضيل فقال: «هو أفضل من زيد؛ فضّله على بعض ولم يعم (3).

ويبطل كون هذه للتبعيض أمران:

أحدهما: عدم صلاحية «بعض» في موضعها.

والثاني: صلاحية كون المجرور بها عاما كقولنا: الله أعظم من كل عظيم، وأرحم من كل رحيم، وإذا بطل كون المصاحبة «أفعل» التفضيل لابتداء الغاية وللتبعيض؛ تعين كونها لمعنى المجاوزة كما سبق. ومجيء «من» للانتهاء كقولك: قربت منه؛ فإنه لقولك: تقربت إليه، وقد أشار سيبويه إلى أن من معاني «من» الانتهاء فقال: وتقول:

رأيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حين أردت الابتداء.

قال ابن السراج رحمه الله تعالى: وحقيقة هذه المسألة أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي؛ فـ «من» لك، وإذا قلت: رأيت الهلال من خلل السحاب فـ «من» للهلال، والهلال غاية لرؤيتك؛ فلذلك جعل سيبويه «من» غاية في قولك: رأيته من ذلك الموضع (4) وقد جاءت «من» بمعنى «على» في قوله تعالى:

وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا (5) أي: على القوم، كذلك قال أبو الحسن الأخفش (6)، وإليه أشرت بذكر الاستعلاء في معاني «من» وأشرت بذكر الفصل إلى دخولها على ثاني المتضادين نحو: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (7)، وحَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (8)، ومنه قول الشاعر:

2362 -

ولم تره قابلا للجميل

ولا عرف العزّ من ذلّه

فسمه الهوان فإنّ الهوان

دواء لذي الجهل من جهله (9)

-

(1) سورة فاطر: 32.

(2)

الكتاب (4/ 225).

(3)

الكتاب (4/ 225).

(4)

الأصول له (1/ 500).

(5)

سورة الأنبياء: 77.

(6)

راجع الارتشاف (2/ 443) تحقيق د/ النماس، والبحر المحيط (6/ 330)، والتبيان (2/ 923)، والتصريح (2/ 10).

(7)

سورة البقرة: 220.

(8)

سورة آل عمران: 179.

(9)

الأبيات - بغير نسبة - في التذييل (4/ 5).

ص: 2881

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأشرت بموافقة الباء إلى قوله تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (1) أي:

بطرف خفي، قال الأخفش (2): قال يونس: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ أي:

بطرف، كما تقول العرب: ضربته من السيف، أي: بالسيف.

وأشرت بموافقة «في» إلى نحو: قول عدي بن زيد (3):

2363 -

عسى سائل ذو حاجة إن منعته

من اليوم سؤلا أن ييسّر في غد (4)

وتزاد «من» لتنصيص العموم كقولك: ما في الدار من رجل؛ فـ «من» زائدة؛ لأن الكلام يصح بدونها إذا قلت: ما فيها رجل، لكن «ما فيها من رجل» لا محتمل له غير العموم؛ ولذلك خطئ من قال: ما فيها من رجل بل اثنان، و «ما فيها رجل» محتمل لنفي الجنس على سبيل العموم، ولنفي الواحد دون ما فوقه، ولذلك يجوز أن يقال: ما فيها رجل بل اثنان، فلو كان المجرور بـ «من» هذه «أحد» أو «ديار» أو غيرهما من الأسماء المقصورة على العموم؛ لكانت مزيدة لمجرد التوكيد، فقولك: ما أحد و: ما فيها من أحد؛ سيان في إفهام العموم دون احتمال، ولا يكون المجرور بها عند سيبويه (5) إلا نكرة بعد نفي، أو نهي، أو استفهام، نحو: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (6)، وإلى النهي والاستفهام أشرت بذكر شبه النفي. وأجاز أبو الحسن الأخفش (7) وقوعها في الإيجاب وجرّها المعرفة، وبقوله أقول؛ لثبوت السماع بذلك نثرا ونظما. فمن النثر قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ (8)، وقوله تعالى: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (9)، وقوله تعالى: وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (10)، وقوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ * (11)، وقول عائشة رضي الله عنها: «إنّ رسول الله [3/ 175] صلى الله عليه وسلم كان -

(1) سورة الشورى: 45.

(2)

معاني القرآن (1/ 317)، وانظر التصريح (2/ 10).

(3)

شاعر جاهلي فصيح من أهل الحيرة سجنه النعمان وقتله في سجنه بالحيرة (ت: 35 ق. هـ).

(4)

من الطويل وهو بنسبته في الارتشاف (2/ 443)، والتذييل (4/ 5).

(5)

الكتاب (4/ 225).

(6)

سورة فاطر: 3.

(7)

في المعاني له (1/ 479) وانظر: البحر (4/ 113)، والمغني (ص 324)، والهمع (1/ 225)، (2/ 35).

(8)

سورة الكهف: 31.

(9)

سورة البقرة: 271.

(10)

سورة الأحقاف: 31.

(11)

سورة البقرة: 25، 266 وغيرها من سور القرآن.

ص: 2882

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصلّي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من كذا» (1) أخرجه البخاري، وضبط بخط من يعتمد عليه بنصب «نحوا» على زيادة «من» وجعل «قراءته» فاعلا ناصبا «نحوا» والأصل: فإذا بقي قراءته نحوا من كذا،

ومن النظم المتضمن زيادة «من» في الإيجاب قول عمر بن أبي ربيعة (2):

2364 -

وينمي لها حبّها عندنا

فما قال من كاشح لم يضرّ (3)

أراد: فما قال كاشح لم يضر، ومنه قول جرير:

2365 -

لمّا بلغت إمام العدل قلت له

قد كان من طول إدلاج وتهجير (4)

أراد قد كان طول إدلاج وتهجير، ومنه قول الآخر:

2366 -

وكنت أرى كالموت من بين ساعة

فكيف ببين كان موعده الحشر (5)

أراد: وكنت أرى بين ساعة كالموت، ومثله قول الآخر:

2367 -

يظلّ به الحرباء يمثل قائما

ويكثر فيه من حنين الأباعر (6)

أراد: ويكثر فيه حنين الأباعر. وممن رأى زيادة «من» في الإيجاب الكسائي، وحمل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» (7)؛ فقال: أراد: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون، وممن رأى ذلك أبو الفتح بن جني، وحمل عليه قراءة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (8) وإذ أخذ الله ميثاق النبين لماء اتيتكم من كتب (9) تقديره عنده «لمن ما» بزيادة «من» -

(1) البخاري: صلاة: (18)، أذان (51)، والموطأ: جماعة (17) والنسائي: إمامة (40).

(2)

المخزومي أبو الخطاب أمير الغزليين مات غرقا سنة (93 هـ). الأعلام (5/ 211).

(3)

يضرّ: مضارع ضرّه، أو ضاره. من المتقارب وهو في ديوانه (ص 175).

(4)

من البسيط وهو في ديوانه (ص 195).

(5)

من الطويل قاله سلمة بن يزيد، وانظر: الدرر (2/ 35)، والعيني (3/ 273)، والهمع (2/ 35).

(6)

كسابقه بحرا ومصادر واستشهادا.

(7)

البخاري: لباس (89) ومسلم: اللباس والزينة (96)، والنسائي: الزينة (113).

وانظر: التذييل (4/ 7)، والمغني (ص 325).

(8)

حافظ قارئ من أهل المدينة أول من برز في القرآن والسنن مات بالإسكندرية (117 هـ) وراجع تذكرة الحافظ (1/ 91)، ومرآة الجنان (1/ 350).

(9)

سورة آل عمران: 81، وانظر في القراءة: البحر المحيط (2/ 509)، والمغني (325).

ص: 2883

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الواجب فأدغم نونها في ميم «ما» فصارت «لمما» بثلاث ميمات فحذفت الأولى التي هي ميم «من» وبقيت «لمّا» بميمين، أو لأنها بدل من نون «من» والثانية ميم «ما». وأشرت بقولي: وربما دخلت على حال؛ إلى قراءة زيد بن ثابت (1)، وأبي الدرداء (2)، وأبي جعفر (3)، وزيد بن علي (4)، والحسن (5)، ومجاهد (6) ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ (7)، وإذا دخلت «من» على «قبل» و «بعد» و «لدن» فهي زائدة؛ لأن المعنى بثبوتها وسقوطها واحد، وإذا دخلت على «عند» و «لدى» و «مع» و «على» فهي لابتداء الغاية، و «عن» بعد دخول «من» بمعنى: جانب، و «على» بمعنى: فوق، قال جرير في «من عن»:

2368 -

وإنّي لعف النفس مشترك الغنى

سريع إذا لم أرض داري انتقاليا

جريء الجنان لا أهال من الرّدى

إذا ما جعلت السّيف من عن شماليا (8)

وقال آخر:

2369 -

ولقد أراني للرّماح درئية

من عن يميني تارة وشمالي (9)

وقال آخر في «من عليه» : -

(1) ابن الضحاك الأنصاري، كاتب الوحي، له في الصحيحين (92) حديثا (ت: 45 هـ). انظر صفة الصفوة (1/ 294)، وغاية النهاية (1/ 296).

(2)

عويمر بن مالك الأنصاري صحابي (ت: 32 هـ) بالشام، وفي الحديث:«عويمر حكيم أمتي» راجع: حلية الأولياء (1/ 208)، وغاية النهاية (1/ 606).

(3)

يزيد بن القعقاع المخزومي أحد القراء العشرة (ت: 130 هـ) راجع اللطائف (1/ 97) والوفيات (2/ 278).

(4)

ابن الحسين بن علي الهاشمي، أفقه أهل زمانه (ت: 122 هـ) وانظر: الفرق بين الفرق (ص 25) ومقاتل الطالبيين (ص 127).

(5)

ابن يسار البصري إمام أهل البصرة (ت: 110 هـ) انظر: الحلية (2/ 131)، والميزان (1/ 254).

(6)

ابن جبر تابعي مفسر قرأ على ابن عباس (ت: 104 هـ) ومات وهو ساجد. راجع: اللطائف (1/ 123).

(7)

سورة الفرقان: 18.

(8)

البيتان من الطويل وفي ديوان جرير (ص 606)، وانظر التذييل (4/ 9).

(9)

من الكامل لقطري بن الفجاءة، وراجع: الأشموني (2/ 226)، والتصريح (2/ 19) والخزانة (4/ 258)، وشرح المفصل (8/ 40)، والكتاب (2/ 229)، والهمع (1/ 156) ويروى:

«وأمامي» بدل «وشمالي» .

ص: 2884

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2370 -

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (1)

فهذا ما تختص به «من» ، وتختص أيضا «من» في القسم بـ «الرب» نحو: من ربي لأفعلن، ومن ربي إنك لأشر، وقد يقال: من ربي، بضم الميم ولا يجوز ذلك في غير قسم، وكاختصاص «من» في القسم بـ «الرب» اختصاص التاء فيه واللام بـ «الله» نحو: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (2)، ولله لا يؤخر الأجل، وشذ دخول «من» على «الله» ودخول التاء على الرب؛ انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (3).

وقد ذكر أن «من» غير الزائدة لمعان عدتها أحد عشر معنى. وهي: ابتداء الغاية، والتبعيض، وبيان الجنس، والتعليل، والبدل، والمجاوزة، والانتهاء، والاستعلاء، والفصل، وموافقة الباء، وموافقة «في» . ولم يذكر ابن عصفور لمعاني غير الزائدة سوى التبعيض، وابتداء الغاية، والغاية، والتبيين (4) وأما الزمخشري؛ فإنه لم يذكر من معانيها سوى ابتداء (5) الغاية إلا أنه قال: «وكونها مبعضة ومبينة ومزيدة راجع إلى هذا (6)؛ يعني إلى ابتداء الغاية.

وبعد: فيتعين التعرض إلى ذكر المعاني التي أشار إليها المصنف معنى معنى، ولنورد ذلك في مباحث:

الأول:

أن الذي اختاره المصنف من أن «من» لابتداء الغاية مطلقا - يعني في الزمان والمكان وغيرهما - هو الحق؛ لقيام الدليل على صحته، وقد قال الشيخ بعد إيراده الشواهد التي ذكرها المصنف:[و] كونها لابتداء الغاية في الزمان مختلف فيه؛ منع ذلك البصريون، وأثبته الكوفيون وهو الصحيح؛ قال: وتأويل البصريين لما ورد من ذلك مع كثرته ليس بشيء انتهى (7). -

(1) من الطويل لمزاحم العقيلي تصل: تصوت أحشاؤها من العطش. والقيض: القشر الأعلى من البيض.

زيزاء: أرض غليظة. مجهل: محل لجهل السائر وتوهانه (وتيهانه)، وانظر: الكتاب (2/ 310)، والمقتضب (3/ 53)، والهمع (2/ 36).

(2)

سورة يوسف: 91.

(3)

انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 140).

(4)

شرح الجمل الصغير له (ق 33)، والشرح الكبير (1/ 448) وما بعدها.

(5)

،

(6)

المفصل (8/ 10) بتصرف.

(7)

التذييل (4/ 2).

ص: 2885

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم قد فهمت من كلام الزمخشري المذكور آنفا معنى ابتداء الغاية مصاحب لها حال كونها مبعضة ومبينه ومزيدة، ويعضد كلامه قول النحاة إن ابتداء الغاية معنى لا يفارقها. وفي شرح الشيخ: زعم المبرد والأخفش (1) الصغير وابن السراج (2) وطائفة من الحذاق (3) والسهيلي (4) أن «من» لا تكون إلا لابتداء الغاية وأن سائر المعاني التي ذكروها راجع إلى هذا المعنى (5). انتهى.

وأما كونها للتبعيض فأمر مشهور لا يكاد يجهل، وأفهم كلام الشيخ أن هؤلاء الذين ذكرتهم وهم المبرد ومن معه لا يثبتون ذلك؛ لأنه بعد ما ذكره أولا قال:

وذهب الفارسي (6) والجمهور إلى أنها تكون للتبعيض (7)؛ قال: وصححه ابن عصفور مستدلّا بأنك لو جعلت مكانها بعضا لكان المعنى واحدا؛ ألا ترى أنه لا فرق بين قولك: أخذت من ماله، وأخذت بعض ماله، و: قبضت من الدراهم، وقبضت بعض الدراهم (8)، قال: ولو وضعتها موضع «من» التي لابتداء الغاية في نحو:

سرت من الكوفة؛ لم يسغ أن تقول: سرت بعض الكوفة (9). انتهى.

ولقائل أن يقول: لا يلزم من قول المبرد ومن ذكر معه أنها لابتداء الغاية نفي قصد التبعيض؛ غاية ما يفهم من مذهبهم أن معنى ابتداء الغاية لازم لها، ثم قد قصد بها معنى آخر منضمّا إلى معنى الابتداء، ويدل على ذلك المعنى الزائد سياق الكلام. ثم قول من قال: إن «من» التبعيضية بمعنى «بعض» وإن معنى «قبضت» من الدراهم قبضت بعض الدراهم؛ فيه إشكال وهو أنه يلزم منه أن تكون «من» اسما؛ لأنها وافقت في المعنى ما هو ثابت الاسمية وهو «بعض» فيجب الحكم باسميتها لذلك.

وقد ذكر المصنف في أول الكتاب ما يشير إلى أن ثم معارضا يمنع [3/ 176] من القول -

(1) هو علي بن سليمان بن الفضل أبو المحاسن نحوي من أهل بغداد من تصانيفه: شرح سيبويه، والمهذب. توفي ببغداد (315 هـ) وراجع:

الإنباه (2/ 276).

(2)

الأصول (1/ 498).

(3)

ينظر: الارتشاف (2/ 441) والتذييل (4/ 2).

(4)

نتائج الفكر (2/ 272)، والسهيلي: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي له الروض الأنف ونتائج الفكر. توفي بمراكش (583 هـ).

(5)

التذييل (4/ 2).

(6)

الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي أخذ عن ابن السراج والزجاج، له: الإيضاح والتكملة والحجة والإغفال (ت: 377 هـ) وراجع: الأعلام (2/ 193)، والبغية (1/ 496).

(7)

،

(8)

التذييل (4/ 2).

(9)

شرح الجمل (1/ 484) وما بعدها.

ص: 2886

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باسميتها، وقد تقدم البحث (1) معه في ذلك، وأن المعارضة التي ذكرها لا تتحقق.

والذي يظهر أن معنى «من» ابتداء الغاية؛ فقد تتجرد لهذا المعنى، وقد تفيد معه التبعيض من حيث المعنى لا من حيث إن «من» واقعة موقع «بعض» مرادفة لها في هذا المحل أعني في مثل قولنا: قبضت من الدراهم. ثم لازم قول من ادعى ذلك - أعنى أن «من» واقعة موقع «بعض» - أن يكون العامل في قولنا: قبضت من الدراهم؛ منصبّا على الحرف نفسه لا على مدخوله، وليس هذا شأن حروف الجر؛ لأن وضعها أن توصّل معنى العامل إلى ما دخلت هي عليه فالعامل إنما هو منصبّ على المجرور الذي هو مدخول الحرف.

وفي كلام ابن أبي الربيع (2) ما يعضد ما ذكرته؛ فإنه بعد أن مثل بـ: أكلت من الرغيف، قال: فـ «من» دلت على أن الأكل وقع بالرغيف على جهة التبعيض؛ إذ تعلق الأكل بالرغيف على وجهين:

أحدهما: أنه عمّه.

والثاني: أنه خصّه ولم يقع بجملته؛ فلحقت «من» لبيان ذلك.

وإذا فهمت هذا فهمت الفرق بين «من» و «بعض» . فإنك إذا قلت: أكلت بعض الرغيف؛ فليس الرغيف متعلق الأكل؛ إنما متعلقه البعض، وسيق الرغيف لتخصيص ذلك البعض وزوال شياعه، وإذا قلت: أكلت من الرغيف؛ فـ «من» دلت على أن أكل الرغيف على جهة التبعيض، والرغيف متعلق الأكل، ودلت «من» على أنه لم يعمه (3). انتهى.

وهو تقرير حسن، غير أن لقائل أن يقول: إن في قوله -: إن الرغيف متعلق -

(1) قال ناظر الجيش في أول الكتاب البحث الثاني: لقائل أن يقول: ما ذكره المصنف من العارض في «من» التبعيضية إنما يترتب على كونها لم يثبت اسميتها ولو ثبت لكانت كـ «بعض» في أنها إذا وليت «أن» كانت اسما لها فكيف يحسن جعل ما يترتب وجوده على عدم ثبوت الاسمية مانعا منها. فظهر أن جواز جعل «من» اسما لـ «أن» موقوف على ثبوت اسميتها. والمصنف عكس فجعل ثبوت اسميتها موقوفا على أنه لا يليها مع مجرورها بعد «أن» إلا الخبر.

(2)

أبو الحسين عبيد الله بن أحمد الإشبيلي لم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه. له الملخص، وشرح الكتاب، وشرح جمل الزجاجي وغيرها (ت: 688 هـ) راجع: البغية (2/ 125، 126).

(3)

التذييل (4/ 2) بغير نسبة إليه.

ص: 2887

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأكل في قولنا: أكلت من الرغيف، وإن «من» دلت على أن الأكل بالرغيف على جهة التبعيض - نظرا؛ لأن «أكل» فعل متعد بنفسه فهو مستغن عن حرف يعديه.

فإن قال: الحرف هنا ليس للتعدي إنما جيء به للمعنى الذي ذكرته وهو الدلالة على التبعيض. قيل: كان يستغنى عن ذلك بأن يقال: أكلت بعض الرغيف أو جزء الرغيف أو شيئا منه. فإن تم هذا الاعتراض أمكن أن يوجه ذلك بشيء آخر وهو أن يقال: إن مفعول «أكلت» يكون محذوفا، والتقدير: أكلت من الرغيف شيئا أو جزءا؛ فتكون «من» لابتداء الغاية مفيدة لبيان جنس ما أكل منه، ويكون التبعيض مستفادا من الكلام بمجموعه لا من «من» وحدها، ومما يحقق لك أن «من» ليست مرادفة لـ «بعض» أن الشواهد التي استدل بها على ذلك فيها ما ينافي ما ذكروه.

فقد استدل المصنف بقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ (1)، وبقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (2)، ولا يسوغ تفسير «من» بـ «بعض» في هاتين الآيتين الشريفتين؛ إذ لا يقال: بعضهم من كلم الله، ولا:

بعضهم من يمشي على بطنه، والحقّ أن التبعيض إنما يفهم من معنى الكلام. ففي قوله تعالى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وفي قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، وكذا في قوله تعالى: وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ (3) أفهمه ما أعطاه الكلام من التقسيم. ولا شك أن كل قسم من شيء هو بعض لذلك الشيء، وفي قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (4) إنما يفهم التبعيض منه من جهة أن الفعل العامل متعد بنفسه فلا يحتاج إلى حرف يعديه وإذا كان كذلك فالعامل الذي هو حَتَّى تُنْفِقُوا منصبّ على شيء محذوف مقدر بعد «من» ومجرورها كما تقدمت الإشارة إلى تقرير ذلك. وقد مثل بعض (5) العلماء الشارحين لكتاب المفصل التبعيض بقوله: أخذت درهما من المال؛ قال: فدلت «من» على أن الذي أخذت بعض المال (6)، ولم يظهر لي ما قاله؛ فإن بعض المال إنما عرف -

(1) سورة البقرة: 253.

(2)

سورة النور: 45.

(3)

سورة البقرة: 253.

(4)

سورة آل عمران: 92.

(5)

،

(6)

هو ابن يعيش في شرح المفصل (8/ 12).

ص: 2888

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من قولك: «درهما» ، وأما «من» في هذا المثال فلا شبهة أنها لابتداء الغاية.

البحث الثاني:

كون «من» لبيان الجنس معروف وعليه الأكثرون. والمغاربة ينازعون في ذلك، والمنقول عن الشلوبين (1) أنه ينكر أن تكون للبيان بالوضع قال:«وإن وجد ذلك فيها فإنما هو بالانجرار» . انتهى، ولا شك أن من قال: إنها لابتداء الغاية خاصة؛ يلزم من قوله منع كونها للبيان. قال ابن عصفور: استدل القائلون بذلك بقوله تعالى:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ (2)؛ لأن الأوثان كلها رجس، وإنما أتى بـ «من» ليبين بما بعدها الجنس الذي قبلها كأنه قيل: فاجتنبوا الرجس التي هي الأوثان أي: اجتنبوا الرجس الوثني، وبقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (3)؛ لأن المعنى: وعد الله الذين هم أنتم؛ لأن الخطاب إنما هو للمؤمنين، وبقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ (4) أي: من جبال هي برد؛ لأن الجبال هي البرد لا بعضها، ثم أجاب عن الأول - وهو لأبي علي الشلوبين - بأنه يتخرج على أن يكون المراد بالرجس: عبادة الوثن؛ فكأنه قيل: فاجتنبوا من الأوثان الرجس الذي هو العبادة؛ لأن المحرم من الأوثان إنما هو عبادتها. قال: وتكون «من» غاية مثلها في قوله: أخذت من التابوت؛ ألا ترى أن اجتناب عبادة الأوثان ابتداؤه وانتهاؤه في الوثن، وعن الثاني بأن «من» للتبعيض ويكون الخطاب عامّا للمؤمنين وغيرهم، وعن الثالث بأن «من» (مبعضة)(5) ويكون المعنى مثله إذا جعلت لتبيين الجنس، وذلك بأن يكون [3/ 177] قوله تعالى:(من جبال) بدلا من (السماء) لأن السماء مشتملة على الجبال التي فيها كأنه قيل «وينزل من جبال في السماء، ويكون (من برد) بدلا من الجبال بدل شيء من شيء، كأنه قيل: وينزل من برد في السماء، ويكون من قبيل ما أعيد فيه العامل مع البدل (6). انتهى.

وأما ما استدل به المصنف وهو قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ -

(1) هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأستاذ أبو علي إمام عصره بلا مدافع، له تعليقات على الكتاب وشرحان على الجزولية والتوطئة (ت: 645 هـ).

(2)

سورة الحج: 30.

(3)

سورة النور: 43.

(4)

سورة النور: 55.

(5)

الأصل: «للتبعيض» .

(6)

شرح الجمل.

ص: 2889

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ (1)، وقوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (2) فقد أجيب عنه: بأن مِنْ ذَهَبٍ في موضع الصفة فهي للتبعيض، وكذا مِنْ سُنْدُسٍ، وأما مِنْ صَلْصالٍ ومِنْ مارِجٍ فـ «من» فيهما لابتداء الغاية؛ أي: ابتدأ خلق الإنسان من صلصال، وابتدأ خلق الجان من مارج، وأما مِنْ نارٍ فـ «من» للتبعيض. انتهى.

ولم يظهر لي كون من في مِنْ ذَهَبٍ، ولا في مِنْ سُنْدُسٍ للتبعيض، ولا يخفى أن القول بأن «من» لبيان الجنس أسهل من التخريجات التي ذكرت.

وأما التخريج الذي ذكره ابن عصفور في قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ (3)؛ فلا يخفى عدم ظهوره. وقد ذكر ابن يعيش (4) في هذه الآية الشريفة أن «من» الأولى لابتداء الغاية، وأن الثانية؛ إما للتبعيض على أن الجبال برد تكثيرا لها فينزل بعضها، وإما لابتداء الغاية كقولك: خرجت من بغداد من داري إلى الكوفة؛ على أن المعنى: من أمثال الجبال من الغيم، وأن الثالثة؛ إما للتبعيض على معنى: ينزل من السماء بعض البرد، وأما للتبيين على أن الجبال من برد.

وذكر ابن هشام الخضراوي (5) أن الأولى لابتداء الغاية، وكذا الثانية، وأن الثالثة للتبيين قاطعا بذلك، ولا يبعد أن هذا أولى الأقوال.

البحث الثالث:

في ذكر بقية المعاني التي تضمنها كلام المصنف:

فمنها: كونها للتعليل، وقد تقدم استشهاد المصنف على ذلك، ومن الأدلة عليه أيضا قول الفرزدق:

2371 -

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فما يكلّم إلّا حين يبتسم (6)

-

(1) سورة الكهف: 31.

(2)

سورة الرحمن: 14، 15.

(3)

سورة النور: 55.

(4)

في شرحه على المفصل (8/ 14).

(5)

التذييل (4/ 3) وشرح المفصل (8/ 14)، وهو أبو عبد الله محمد بن يحيى الخزرجي أخذ عن ابن خروف وغيره:

له الإفصاح والاقتراح وغرر الإصباح وكلها على الإيضاح (ت: 646 هـ) بتونس، وراجع: البغية (1/ 267).

(6)

من البسيط وليس في ديوانه، وينسب إلى الحزين الكنائي. راجع: الأغاني (14/ 75)، الحيوان (3/ 133) والمؤتلف (ص 79).

ص: 2890

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنه قولهم: مات من علته، وضحك زيد من كلام عمرو، وغضب مما قيل، ومنه على أحد القولين قوله تعالى: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (1) أي: بسبب الخوف، والقول الآخر: إن كلّا من الفعلين اللّذين هما (أطعمهم)(وآمنهم) ضمن معنى خلصهم؛ التقدير: خلصهم بالإطعام من جوع، وبالأمن من خوف.

ومنها: كونها للبدل وهذا المعنى فيه منازعة. وكان المغاربة لا يثبتونه، وقد تقدم استدلال المصنف على ذلك، ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ (2) أي بدل الآخرة، وهو استدلال ظاهر، ومن تأول ذلك فقد أبعد. وأما قول الزمخشري (3) إن المعنى: لولّدنا منكم ففي غاية البعد وكذا القول الذي ذكره أبو البقاء (4) وهو أن المعنى: لحوّلنا بعضكم ملائكة. ولا شك أن القول بأن «من» للبدل أسهل من ذلك كله وأن المعنى عليه.

ومنها: كونها للمجاوزة وقد عرفت أن المصنف جعلها مع أفعل التفضيل للمجاوزة فإذا قيل: زيد أفضل من عمرو؛ فكأنه قيل: جاوز زيد عمرا في الفضل أو الانحطاط، وجعل القول بذلك أولى من القول بأنها لابتداء غاية الارتفاع في نحو: أفضل منه، أو الانحطاط في نحو: شر منه، كما زعم سيبويه. قال (5): إذ لو كان الابتداء مقصودا لجاز أن يقع بعدها «إلى» ، ثم قال: وقد أشار سيبويه إلى أن ابتداء الغاية قد يقصد دون إرادة منتهى، إلى آخر ما ذكره. ثم قال: وأشار أيضا - يعني سيبويه - إلى قصد التبعيض بالمصاحبة «أفعل» التفضيل فقال في «هو أفضل من زيد» : «فضّله على بعض ولم يعم. وقد عرفت أن المصنف نازع سيبويه في الأمرين - أعني كون المصاحبة لـ «أفعل»

التفضيل لابتداء الغاية أو للتبعيض - وأن المصنف اختار أنها للمجاوزة.

قال الشيخ: اختلف النحويون في «من» بعد أفعل التفضيل نحو: زيد أفضل من عمرو؛ فذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية ولا تخلو من التبعيض، وذهب المبرد (6) إلى أنها لابتداء الغاية دون تبعيض، ومنع ابن ولاد (7) أن تكون «من» لابتداء الغاية؛ -

(1) سورة قريش: 4.

(2)

سورة التوبة: 38.

(3)

الكشاف (4/ 206).

(4)

التبيان (2/ 1141).

(5)

الكتاب (4/ 224) وما بعدها.

(6)

المقتضب (1/ 44، 45)، ومعه الأخفش الصغير. راجع التذييل (4/ 2).

(7)

وانظر: الهمع (2/ 36). وابن ولاد: أبو العباس أحمد بن محمد بن ولاد، ورث النحو عن أبيه وجده، من مصنفاته: الانتصار لسيبويه من المبرد، والمقصور والممدود وغيرهما (ت: 332 هـ) راجع: الإنباه (1/ 99).

ص: 2891

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأن الابتداء لا بد أن يكون له انتهاء؛ تقول: خرجت من البصرة إلى الكوفة، ولا تقول:

زيد أفضل منك إلى جعفر» انتهى. قلت: وكلام ابن ولاد يعضد كلام المصنف.

ثم قال الشيخ: وزعم سيبويه أن «من» تكون غاية فقال: تقول: رأيته من ذلك الموضع؛ تجعله غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء يريد أن «من» هنا دخلت على المحل الذي وقع فيه ابتداء الرؤية وانتهاؤها ولذلك سماه غاية لما كان محيطا بغاية الفعل؛ لأن الغاية هي مدى الشيء أي: قدره فيمكن أن تكون في «زيد أفضل من عمرو» كذلك». انتهى.

ولقائل أن يدعي أن «من» المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل للبيان؛ لأن المذكور بعدها بين به المفضل عليه، وأما معنى ابتداء الغاية فيها فيحتاج إلى تأمل. وكذا معنى التبعيض يحتاج إلى تأمل أكثر. وبعد أن كتبت أن «من» المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل للبيان رأيت ابن هشام الخضراوي ذكر أيضا أنها للتبيين قال: فإن القائل إذا قال: زيد أفضل؛ فهمت الزيادة ولم تعرف على من هي ففسرت «من» ذلك.

ومنها: كونها للانتهاء وقد تقدم من كلام المصنف أن سيبويه أشار إلى أن من معاني «من» الانتهاء فقال: وتقول:

رأيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حين أردت [3/ 178] الابتداء. وتقدم أيضا قول ابن السراج: إن حقيقة المسألة أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي فـ «من» لك، وإذا قلت:

رأيت الهلال من خلل السحاب فـ «من» للهلال، و «الهلال» غاية لرؤيتك فلذلك جعل سيبويه «من» غاية في قولك: رأيته من ذلك الموضع، قال ابن عصفور (1):

وأما التي زعم بعض النحويين أنها تكون لانتهاء الغاية فنحو قولك: رأيت الهلال من داري من خلل السحاب؛ فابتداء الرؤية وقع من الدار وانتهاؤها في خلل السحاب، وكذلك: شممت من داري الريحان من الطريق؛ فابتداء شم الريحان من الدار وانتهاؤه إلى الطريق. وهذا وأمثاله لا حجه لهم فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما لابتداء الغاية فتكون الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل، وتكون الثانية لابتداء الغاية في حق المفعول؛ ألا ترى أن ابتداء وقوع رؤية الهلال من الفاعل إنما كان في داره وأن ابتداء وقوع الرؤية بالهلال إنما كان في خلل السحاب؛ لأن -

(1) شرح الجمل (1/ 490) تحقيق أبو جناح.

ص: 2892

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرؤية إنما وقعت بالهلال وهو في خلل السحاب وكذا ابتداء وقوع الشم إنما كان من الدار، وابتداء وقوعه بالريحان إنما كان من الطريق لا الشم إنما تسلط على الريحان وهو في الطريق ونظير ذلك ما جاء في بعض الآثار: وهو كتاب أبي عبيدة بن الجراح (1) إلى عمر بالشام الغوث الغوث، وأبو عبيدة لم يكن في وقت كتبه إلى عمر بالشام بل الذي كان بالشام عمر رضي الله عنه. فقوله:«بالشام» ظرف للفعل بالنظر إلى المفعول. ومن الناس من جعل «من» الثانية لابتداء الغاية إلا أنه جعل العامل فيها محذوفا كأنه قال:

رأيت الهلال من داري ظاهرا من خلل السحاب فجعل «من» لابتداء غاية الظهور، وكذا يقدر المثال الآخر: شممت الريحان من داري كائنا من الطريق فـ «من» الثانية لابتداء غاية الكون وهذا عندي فاسد؛ لأنه قد تقدم في باب المبتدأ أن المحذوف الذي يقوم المجرور مقامه إنما يكون مما يناسب معناه الحرف و «من» الابتدائية لا يفهم منها الكون ولا الظهور؛ فلا ينبغي أن يجوز حذفهما (2) منه. انتهى كلامه.

فأما قوله: إن الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل والثانية لابتداء الغاية في حق المفعول فهو معنى قول ابن السراج: إن «من» لك في قولك: رأيت الهلال من موضعي وأن «من» للهلال في قولك: رأيت الهلال من خلل السحاب؛ فإن هذا يقتضي أن تكون «من» الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل وأن «من» الثانية لابتداء الغاية في حق المفعول،

وأما إبطاله أن تكون الثانية لابتداء الغاية على أن العامل فيها محذوف بما أشار إليه من أن المحذوف إنما يكون مما يناسب معناه الحرف فممنوع؛ لأن العلة التي ذكرها لا تظهر صحتها. وقد تقدم البحث معه في ذلك في أوائل هذا الباب. وقد ذكر ابن يعيش المسألة وذكر قول الناس في «من» الثانية: إنها لابتداء الغاية ثم قال (3): والجيد أن تكون «من» الثانية لابتداء الغاية في الظهور أو بدلا من الأولى.

وكلام السهيلي يجنح إلى ذلك فإنه قال: ولا حجة في قولهم: شممت الريحان من -

(1) عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي أحد العشرة المبشرين بالجنة وكان لقبه أمين الأمة توفي بالطاعون (18 هـ) ودفن في غور بيسان. راجع: الرياض النضرة (2/ 307).

(2)

شرح الجمل (1/ 346).

(3)

في شرح المفصل (8/ 13، 14) ثم انظر الأصول (1/ 498) وما بعدها.

ص: 2893

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطريق، ورأيت الهلال من خلل السحاب؛ لأن معنى الكلام أن الريحان نمّ من الطريق حتى شممت رائحته، وأن الهلال لاح من خلل السحاب حتى نظرت إليه. انتهى.

فدل كلامه على أن المعنى: نامّا من الطريق ولائحا من خلل السحاب. فكلام ابن يعيش والسهيلي يدفع ما قاله ابن عصفور، وكلام الشلوبين يقتضي ذلك فإنه قال في: رأيت الهلال من داري من خلل السحاب: إن «من خلل السحاب» متعلق بمحذوف تقديره: باديا من خلل السحاب. انتهى. وما قاله هو الظاهر.

وبعد: فلم يقم دليل واضح على أنها لانتهاء الغاية. قيل وسيبويه لم يصح بأنها للانتهاء إنما جعلها غاية (1)، وكأنهم يجعلون الغاية غير انتهاء الغاية. ولهذا ذكر ابن عصفور المعنيين فقال: وأما التي للغاية فهي التي تدخل على ما هو محل لابتداء الفعل وانتهائه معا نحو: أخذته من زيد؛ فـ «زيد» هو محل ابتداء الأخذ وانتهائه (2) معا. انتهى.

وعلى هذا حمل قول سيبويه في قولك: من ذلك الموضع؛ جعلته غاية (3) رؤيتك؛ فـ «ذلك» الموضع هو محل ابتداء الرؤية وانتهائها.

وإذا تقرر هذا: علم أن «من» لا تخلص لانتهاء الغاية؛ وإنما تكون لابتداء الغاية وهو الأغلب في الاستعمال، وتكون لابتداء الغاية وانتهائها وذلك قليل. وأما قول القائل:

2372 -

أزمعت من آل ليلى ابتكارا (4)

فليس «من» فيه للانتهاء أي: أزمعت إلى آل ليلى؛ بل هي للتعليل أي:

أزمعت من أجل آل ليلى ابتكارا؛ لأنه إذا أزمع ابتكارا (إليهم)(5) فقد أزمعه من أجلهم، وحذف المضاف لدلالة المعنى سائغ.

ومنها: كونها للاستعلاء، وقد عرفت استدلال المصنف على ذلك بقوله تعالى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا (6) مسندا ذلك إلى الأخفش. -

(1) الكتاب (4/ 225).

(2)

شرح الجمل (1/ 490) بنصه.

(3)

الكتاب (4/ 225).

(4)

من بحر المتقارب وهو في التذييل (4/ 4).

(5)

غير واضحة بالأصل.

(6)

سورة الأنبياء: 77.

ص: 2894

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لكن في كون «من» تفيد معنى «على» بعد كثير، ولا شك أن تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بـ «من» أولى من أن يجعل الحرف بمعنى حرف آخر. وقد ذكر المعربون كأبي البقاء (1) وغيره أن معنى (نصرنه) (2) في الآية الشريفة: منعناه، والتحقيق أن:(نصرنه) ضمّن معنى منعناه، وفائدة التضمين أن الفعل حينئذ يستفاد منه أمران وهما: معناه الأصلي الموضوع هو له، والمعنى المضمن الذي دلّ عليه ذلك الحرف الذي ترشد الصناعة النحوية إلى أنه متعلق به؛ [3/ 179] فـ (نصرنه) دل على حصول النصر بالوضع، ودلت تعديته بـ «من» على أنه ضمن معنى: منعناه؛ فصار المعنى: ومنعناه بالنصر؛ لأن المنع قد يكون بغير النصر، ولا شك أن المنع بالنصر أمر عظيم فأفادنا التضمين معنى عاملين مع الاقتصار على ذكر عامل واحد (3).

ومنها: كونها للفصل، وقال المصنف: إنه أشار بذلك إلى دخولها على ثاني المتضادين نحو قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (4)، وحَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (5) ونحو أحد الأبيات الثلاثة التي أنشدها وهو:

2373 -

ولم تره قابلا للجميل

ولا عرف العزّ من ذلّه

ومن ذلك قولهم: لا تعرف قبيلا من دبير.

قال الشيخ (6): وليس من شرطها الدخول على المتضادين بل تدخل على المتباينين تقول: فلان لا يعرف زيدا من عمرو انتهى.

ومراد المصنف بالمتضادين أنهما اللذان لا يجتمعان، ولا شك أن المتناقضين كذلك.

ومنها: كونها بمعنى الباء، وقد عرفت أن المصنف استشهد على ذلك بقوله تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (7) وأنه نقله عن الأخفش عن يونس، وبقول -

(1) في التبيان له (2/ 923).

(2)

سورة الأنبياء: 77.

(3)

في معنى التضمين، والفرق بينه وبين التقدير، والعدل، والآراء في ذلك. راجع: الأشباه والنظائر (1/ 100 - 106).

(4)

سورة البقرة: 220.

(5)

سورة آل عمران: 179.

(6)

التذييل (4/ 5).

(7)

سورة الشورى: 45.

ص: 2895

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العرب: ضربته من السيف، أي: بالسيف.

قال الشيخ: وهو قول كوفي. [ثم] قال: يحتمل أن تكون «من» في الآية الشريفة لابتداء الغاية أي: ابتداء نظرهم هو من طرف خفي (1).

ومنها: كونها بمعنى «في» ، وقد تقدم استشهاد المصنف على ذلك بقول الشاعر:

2374 -

عسى سائل ذو حاجة إن منعته

من اليوم سؤلا أن ييسّر في غد

واستدل غير المصنف على ذلك أيضا بقوله تعالى: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ (2) أي: في الأرض. قال الشيخ: هذا قول كوفي أيضا، ولا حجة في البيت الذي أنشده؛ لأنه يحتمل أن تكون «من» للتبعيض على حذف مضاف، التقدير: إن منعته سؤلا من سؤلاته اليوم (3). انتهى. وأما الآية الشريفة فيحتمل أن تكون «من» فيها لابتداء الغاية أي: ماذا خلقوا من الأرض؟ أي: ماذا وجدوه منها؟ لأن كون الخلق في الأرض لا خصوصية له، بخلاف الخلق من الأرض؛

فإن الخلق يدل على القدرة الباهرة فإذا كان من الأرض كان أعظم (دليل)(4) على ذلك. ولا شك أن الآية الشريفة المقصود منها إقامة البرهان على ضلال عبّاد الأصنام بإقامة البرهان على عجزهم عما هو من أفعال من هو إله، وإنما قيد الخلق بكونه مِنَ الْأَرْضِ؛ لأن الخلق من الأرض - أي: من التراب - من أقوى الأدلة على القدرة التي لا تكون إلا لله سبحانه، وذكر بعضهم أن التقدير: من مخلوقات الأرض؛ فحذف المضاف، وهو تخريج لا بأس به، ولكن ما ذكرته أولى.

ومما استدل به على ذلك أيضا قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (5) قالوا: المراد في يوم الجمعة.

ولقائل أن يقول: إن «من» في الآية الشريفة باقية على معناها الأصلي الذي هو ابتداء الغاية، وتقدير ذلك أن المراد التحريض على إتيان صلاة الجمعة. لم تسق الآية الشريفة لغير هذا، وتفسير «من» بـ «في» لا يعلم منه هذا المقصود. ومما يفيد أن المؤمنين مأمورون بالسعي إلى الصلاة إذا نودي لها في يوم الجمعة، ولا يتحتم أن -

(1) التذييل (4/ 5).

(2)

سورة فاطر: 40.

(3)

التذييل (4/ 5).

(4)

بالأصل: دليلا.

(5)

سورة الجمعة: 9.

ص: 2896

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكون السعي في يوم الجمعة؛ فقد يجوز أن يعلق الأمر بالسعي في غير يوم الجمعة، على النداء في يوم الجمعة وكذا لا يتحتم أن يكون السعي لصلاة الجمعة، أما إذا كانت «من» لابتداء الغاية فإن الجار والمجرور يكون في موضع الحال من الصلاة، التقدير: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة كائنة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله؛ فيصير المعنى: إذا نودي للصلاة الكائنة في يوم الجمعة فاسعوا إليها، وهذا هو المراد، والله تعالى أعلم.

وقد علم مما أشرت إليه: أن المعاني التي ذكرها المصنف لهذا الحرف الذي هو «من» منها ما تحقق، ومنها ما لم يتحقق، ولا شك أن للنظر في ذلك مجالا.

وبعد: فقد بقي التنبيه على أمور تتعلق بـ «من» ذكرها الشيخ:

منها: أنه قال: وزعم السيرافي (1)، والأعلم (2)، وابن طاهر (3)، وابن خروف (4) أن «من» إذا كان بعدها «ما»

كانت بمعنى «ربما» ، وزعموا أنّ سيبويه يشير بها لهذا المعنى كثيرا في كلامه كقوله في باب ما يكون في اللفظ من الأعراض (5): اعلم أنهم مما يحذفون أي: ربما يحذفون. وكان الأستاذ أبو علي لا يرتضي هذا المذهب؛ لكون سيبويه إذا ذكرهما إنما يريد التكثير؛ فلا يحسن إذ ذاك استعمال «رب» إذا كان معناها يناقض المراد.

واحتج الذاهبون إلى ذلك بأنه قد سمع ذلك منهم قال:

2375 -

وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة

على وجهه تلقي اللّسان من الفم (6)

-

(1) في شرحه على الكتاب (1 / ق 96 / أ) وما بعدها.

(2)

التصريح (2/ 10)، والمغني (ص 322).

(3)

التصريح (2/ 10)، والمغني (ص 322) وهو: أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، له طرر على الكتاب، توفي بفاس (580 هـ). راجع: البغية (ص 12) والنشأة (ص 230).

(4)

التصريح (2/ 10)، والمغني (ص 322) وابن خروف: علي بن محمد بن يوسف الحضرمي الأندلسي، إمام محقق مدقق في العربية، له شرح جمل الزجاجي (ت: 606 أو 609 هـ) راجع:

الأعلام (5/ 151).

(5)

الكتاب (1/ 24) والأعراض: ما يعرض في الكلام فيجيء على غير ما ينبغي أن يكون عليه قياسه.

(6)

من الطويل لأبي حية النميري. وراجع: التصريح (2/ 10)، والخزانة (4/ 282)، والدرر (2/ 35، 41)، والكتاب (1/ 477)، والمغني (311، 322) وروايته رأسه بدل وجهه.

ص: 2897

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قالوا: المعنى: لربما، وخرج [الأستاذ](1) أبو علي وأصحابه ذلك على أن «ما» مصدرية و «من» لابتداء الغاية، وكأنهم خلقوا من الضرب؛ لكثرة ما يقع منهم، كما قال تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ (2) جعل كأنه مخلوق من العجل؛ لكثرة وقوع العجل منهم، فأما قول الشاعر:

2376 -

نصحت أبا زيد فأدّى [نصيحة]

إليّ وممّا أن تعزّ النّصائح (3)

وقول الآخر:

2377 -

الأغنياء بالقادسيّة إنّني على

النّأي ممّا أن ألمّ بها ذاكرا (4)

فلا يمكن أن تكون «ما» مصدرية؛ لأجل أن، قالو: فمعناها ربما، وتأوله من منع ذلك على أن ما نكرة موصوفة بالمنسبك من أن وما بعدها وهو مصدر كأنه قال: إنني على النأي من شيء إلمام بها ذاكرا فجعلهم من إلمامهم ذكرا لكثرة إلمامهم [3/ 180] وكذلك النصيحة للإنسان تشق عليه فكأنه النصح مخلوق مما يشق على الإنسان، وهذا التأويل بعيد، ولا يجوز الوصف بأن والفعل. لا يجوز: مررت برجل أن يصوم، تريد: رجل صوم؛ لأن الوصف بالمصدر مجاز، ونيابة «أن» والفعل عنه مجاز فيكثر التجوز. والأولى في التخريج أن يقال إن «ما» مصدرية وجمع بينهما وبين أن المصدرية لاختلاف لفظهما وذلك في الشعر كما جاء قوله:

2378 -

فأصبحن لا يسألنني عن بما به

أصعّد في علو الهوى أم تصوّبا (5)

وإذا جمعوا بين حرفي الجر مع كونهما عاملين فالجمع بين ما لا عمل له [و] هو «ما» [المصدرية] وما له عمل وهو «أن» أولى. انتهى (6).

ومنها: أن المصنف قد تقدم من كلامه أنه قال: وأشار سيبويه إلى أن «من» الزائدة قصد بها التبعيض؛ لأنه قال بعد تمثيله بـ: «ما أتاني من رجل» : أدخلت -

(1) من التذييل (4/ 5).

(2)

سورة الأنبياء: 37.

(3)

البيت من الطويل، ورواية الأصل:«نصحه» وبها ينكسر البيت وانظره في التذييل (4/ 5).

(4)

كالسابق مصدرا واستشهادا.

(5)

صدر بيت من الطويل وهو للأسود بن يعفر، وراجع: الخزانة (4/ 162)، وسر الصناعة (1/ 153)، واللسان «صعد» ، والمغني (ص 390).

(6)

في هامش الأصل: البياض قدر خمسة أسطر.

ص: 2898

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«من» لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأت بعض الرجال. هكذا قال، يريد أن «من» دلت على شمول الجنس؛ فلكل بعض منه قسط من المنسوب إلى جمعها فالتبعيض على هذا التقدير مقصود.

وتقدم أيضا قول المصنف بعد إيراد هذا الكلام: وهذا غير مرض؛ لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظ العموم للتبعيض،

وإنما المقصود بزيادة «من» في نحو: ما أتاني من رجل جعل المجرور بها نصّا في العموم إلى آخر ما ذكره.

قال الشيخ: وما فهمه المصنف عن سيبويه ليس بصحيح؛ لأن سيبويه لم يرد بقوله: «لأن هذا موضع تبعيض» أنه حين زيدت كان الكلام بزيادتها استفيد منه التبعيض وإنما يريد أنها زيدت ناصة على العموم؛ لأن الكلام قبل الزيادة كان يفهم منه التبعيض ولم يكن نصّا العموم كما هو بزيادتها (1).

ومنها: أنه قال: تقسيم المصنف وغيره «من» هذه الزائدة إلى أنها تكون لاستغراق الجنس ولتأكيد استغراق الجنس ليس مذهب سيبويه بل قولك: ما جاءني من أحد، وما جاءني من رجل؛ «من» في الموضعين لتأكيد استغراق الجنس، قال: وهذا هو الصحيح؛ لأن من لم تدخل في قولك: ما جاءني من رجل، إلا على قولك: ما جاءني رجل؛ المراد به استغراق الجنس (2). انتهى.

ولم يتضح لي ما ذكره. وقوله: لأن «من» لم تدخل في قولك: ما جاءني من رجل، إلا على قولك: ما جاءني رجل؛ المراد به استغراق الجنس - مسلّم، لكن لا يلزم من كون مراد المتكلم الاستغراق ألا يكون اللفظ محتملا لغير المراد؛ فإن نحو: ما جاءني رجل - وإن كان مراد المتكلم به الاستغراق - يحتمل أن يريد به نفي الواحد دون ما عداه وإذا كان كذلك فلا يصير نصّا في المراد إلا بذكر «من» ويصدق حينئذ أنها لتنصيص العموم، ومع كونها لتنصيص (3) العموم يمكن أن يقال: إنها تفيد التوكيد أيضا فهي بالنسبة إلى المتكلم للتوكيد وبالنسبة إلى المخاطب لإفادة التنصيص على العموم، وربما يفهم أنها مفيدة التوكيد مع التنصيص على -

(1) التذييل (4/ 6).

(2)

التذييل (4/ 6).

(3)

وراجع: التصريح (2/ 8).

ص: 2899

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العموم قول المصنف أو لمجرد التوكيد بعد قوله: وتزاد لتنصيص العموم؛ فكأنها في قولك: ما جاءني من أحد؛ للتوكيد مجردا عن غيره لإفادته النص بالوضع، وفي قولك: ما جاءني من رجل؛ ليست للتوكيد مجردا بل له مع أمر آخر.

والعجب من الشيخ!! كيف قال ما قال، ثم نقل عن أبي العباس أنه ينفي الزيادة عن «من» في نحو قولك: ما جاءني من رجل، معللا ذلك بأن الزائد لا يفيد معنى، ومن هنا يفيد استغراق الجنس؟! قال (1): إنما هي زائدة في نحو: ما جاءني من أحد لأنك إذا حذفتها لم يخلّ حذفها بمعنى. فذكر الشيخ لهذا وسكوته عنه يدل على تسليمه أن «من» في

(نحو)(2): ما جاءني من رجل؛ أفادت معنى الاستغراق، وهو قد قال: إنها للتوكيد في هذا التركيب كما أنها للتوكيد في:

ما جاءني من أحد، ويؤيد ذلك أنه بعد ذكر ما قاله أبو العباس نقل عن ابن هشام أنه قال:

هذا الذي ذكره أبو العباس صحيح إلا أنها لما كان العامل يطلب موضعها، ولم تكن معدية؛ جعلها سيبويه بهذا الاعتبار زائدة.

فقد اعترف ابن هشام بصحة ما قاله أبو العباس حتى أجاب بما أجاب وإيراد الشيخ لذلك أقوى دليل على الاعتراف به.

ومنها: أن الاستفهام الذي تزاد «من» بعده ليس عامّا في جميع أدواته، لو قلت: كيف تضرب من رجل، وأين تضرب من رجل؛ لم يجز، إنما يحفظ ذلك مع «هل» ، ولهذا اقتصر المصنف لما أشار إلى المسألة على التمثيل بها.

قال الشيخ: وفي إلحاق الهمزة بها نظر، ولا أحفظه من لسان العرب (3)، وقد تقدم التمثيل لزيادتها مع المبتدأ بعد «هل» بقوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (4)، ومثال الزيادة معه بعد النفي قول الله تعالى: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ * (5)، وقال الشاعر: -

(1) أي المبرد. راجع المقتضب (1/ 45)، (4/ 52، 136 - 138، 420).

(2)

من الهامش، وفي الأصل: أن، ولا معنى له.

(3)

التذييل (4/ 6).

(4)

سورة فاطر: 3.

(5)

سورة الأعراف: 59 وغيرها.

ص: 2900

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

2379 -

ألا لا من سبيل إلى هند (1)

ومثال الزيادة مع الفاعل قوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ (2)، و: هل قام من رجل؟ و: لا يقم من أحد، وحكم اسم كان وأخواتها حكم الفاعل؛ قال الله تعالى: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ (3). أما خبر كان وأخواتها فلا تدخل عليه؛ لأنه ليس فاعلا ولا مفعولا إنما هو خبر، ومثال الزيادة مع المفعول قول الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (4)[و] هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ (5)، ويشمل المفعول به ما لم يسم فاعله أيضا.

واعلم أنها تدخل على الثاني من مفعولي باب أعطى؛ لأنه مفعول به كالأول وقد تدخل على الأول من باب ظن؛ لأنه [3/ 181] مبتدأ في الأصل، ومن باب علم؛ لأنه فاعل في الأصل. ولا تدخل على ثاني مفعولي باب ظن؛ لأنه ليس مبتدأ ولا فاعلا ولا مفعولا؛ إنما هو خبر في الأصل، ولا على ثالث علم؛ لما ذكرته.

قال الشيخ (6): وفي دخولها على ثاني [علم](7) نظر، ولا يخفى أنها تدخل على المتسع فيه من ظرف ومصدر نحو: ما سير من ميل، وما صيم من يوم وما ضرب من ضرب شديد.

قال ابن عصفور (8): وزعم بعض النحويين أن الشرط يجري مجرى النفي والنهي والاستفهام نحو: إن قام من رجل قام عمرو، وصحة من أجاز ذلك أن الشرط غير واجب، يعني أن المشروط غير واقع كما أن النفي غير واقع؛ قال:

«والصحيح أنه لا يجوز ذلك؛ لأنك إذا قلت: إن قام من رجل قام عمرو؛ فالقيام وإن لم يكن واقعا فهو مفروض الوقوع، ولا يمكن أن يفرض إلا ما لا تناقض فيه؛ -

(1) قطعة من بيت وهو بتمامه:

فقام يذود النّاس عنها بسيفه

وقال ألا لا من سبيل إلى هند

من الطويل. وراجع: الأشموني (2/ 3)، والتصريح (1/ 239)، والدرر (1/ 125)، والهمع (1/ 146).

(2)

سورة الأنبياء: 2.

(3)

سورة المؤمنون: 91.

(4)

سورة إبراهيم: 4.

(5)

سورة مريم: 98.

(6)

التذييل (4/ 6).

(7)

في الأصل: اعلم.

(8)

شرح الجمل (1/ 487) وما بعدها.

ص: 2901

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ألا ترى أنك إذا قلت: إن قام من رجل قام عمرو؛ كان معناه: إن قدر وقوع هذا الخبر الذي هو قام من رجل قام عمرو، و «قام من رجل» لا يمكن وقوعه؛ لما ذكرنا من أنه يلزم أن يقوم الرجل وحده مع غيره في حيّز واحد، وذلك لا يمكن تقديره، وكان لما ذكر أن شرط زيادة «من» أن يكون الكلام التي هي فيه غير موجب؛ قال: «وأما

التزام كون الكلام غير موجب؛ فلأنك إذا قلت: ما جاءني من رجل؛ فقد نفيت أن يجيئك رجل واحد، وقد نفيت أيضا أن يجيئك أكثر من واحد، فلو قلت على هذا: جاءني من رجل؛ للزمك أن يكون «من رجل» على حده بعد النفي، فيكون كأنك قلت في حين واحد: جاءني رجل وحده لم يجئني رجل وحده بل أكثر من رجل واحد، وذلك تناقض؛ لأنه يلزم اجتماع الضدين في الواجب وهو مجيء الرجل وحده مع غيره، ولا يلزم ذلك في غير الواجب؛ إذ قد يجوز اجتماع الأضداد في ما ليس بواجب؛ لأنك تقول: ما زيد أبيض ولا أسود، ولا تقول: زيد أبيض وأسود. انتهى. وهو كلام عجيب لا يخفى ضعفه.

ولا أعلم من أين يلزم أن قولك: «من رجل» في الإثبات يكون على حدّه في النفي حتى يلزم منه اجتماع الضدين. ولا شك أن مدعي جواز الزيادة في الإثبات معترف أنه إذا قال: جاءني من رجل (فإنما)(1) جاءه رجل واحد، ولكنه أتى بـ «من» ولم تكن مفيدة لمعنى؛ فحكم بزيادتها، والذي أفادنا عدم مجيء الرجل الواحد وعدم مجيء أكثر من واحد إنما هو النفي و «من» لا مدخل لها في ذلك إنما هي مؤكدة في نحو: ما جاءني من أحد، أو [منبهة] (2) على عدم إرادة ما يحتمله اللفظ من غير المراد في نحو: ما جاءني من رجل، وإذا كان كذلك فلم يتم له الذي قصده وهو الاستدلال على عدم جواز زيادة «من» بعد الشرط؛ لأنه بناه على الدليل الذي نقلناه عنه، وقد عرف ما فيه.

ومما يتصل بالمسألة التي نحن فيها: أنك إذا قلت: قلما يقول ذلك رجل، وقلما أضرب رجلا؛ فإن جعلت «قلما» مقابلة «كثر ما» لم يجز دخول «من» على رجل؛ لأن الكلام موجب وإن جعلتها للنفي المحض جازت زيادة «من» ؛ لأن -

(1) في الأصل: أنه إنما، وبما أثبتناه يستقيم الأسلوب أكثر.

(2)

في الأصل: منبه.

ص: 2902

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكلام غير موجب واستعمال «قلما» بالوجهين سائغ في كلام العرب.

ومنها: أنك عرفت اختيار المصنف مذهب الأخفش في أن «من» تزاد في الكلام الموجب كما تزاد في غير الواجب، وأن كون مدخولها معرفة لا يمتنع.

والمنقول عن الكوفيين (1) أنهم يرون زيادتها في الواجب ولكنهم يشترطون أن يكون مدخولها نكرة كما هو مذهب البصريين، وقد تقدم استدلال المصنف على ذلك والمنتصرون لمذهب البصريين أجابوا عن جميع ما استدل به.

أما قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (2) فقالوا فيه: إن الفاعل مضمر أي: ولقد جاءك هذا النبأ، ومِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ في موضع الحال أي:

كائنا من نبأ المرسلين؛ لأن قبله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا (3)، فأخبر تعالى أن هذا النبأ الذي جاءك هو من نبأ المرسلين فتأسّ بما جرى لهم. ولك أن تقول: كون النبأ الذي جاءه صلى الله عليه وسلم هو من نبأ المرسلين قد علم قبل من قوله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وإذا كان قد علم فكيف يخبر ثانيا أنه من نبئهم؟!

ولا شك أن كون نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ هو فاعل (جاء) هو الظاهر.

وأما قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ (4) فأجابوا عنه بأن من فيه للتبعيض، ولو قيل: إنها للبيان؛ لكان أقرب. وأما قوله تعالى: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (5)، ويَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (6) فأجابوا عنه بأن الذي يكفر بعض السيئات، والذي يغفر بعض الذنوب؛ لأن ما كان فيه تبعة لآدمي لا يكفر، ولأن المغفور بالإيمان ما اكتسبوه من الكفر لا ما يكتسبونه في الإسلام من الذنوب، وما تقدم لهم من الذنوب في حال الكفر بعض ذنوبهم وإذا كان كذلك فـ «من» في الآيتين الشريفتين للتبعيض. وقد قيل في يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ: إن (يغفر) ضمن معنى يخلص؛ التقدير: يخلصكم من ذنوبكم؛ لأن الكافر ذنوبه -

(1) راجع في: الارتشاف (ص 727)، والتذييل (4/ 7)، والتصريح (2/ 9)، والكشاف (3/ 527).

(2)

،

(3)

سورة الأنعام: 34.

(4)

سورة الكهف: 31.

(5)

سورة البقرة: 271.

(6)

سورة الأحقاف: 31.

ص: 2903

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

محيطة به لا خلاص له منها إلا بالإيمان، وقد تقدم لنا التنبيه على فائدة التضمين.

وأما قوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ (1) فأجابوا عنه بأن «من» فيه [3/ 182] لابتداء الغاية وهو ظاهر. وأما الحديث الشريف: «فإذا بقي من قراءته نحو من كذا» فأجابوا عنه بأن «من» فيه للتبعيض وأن الفاعل مضمر وهو اسم فاعل يفسره الفعل التقدير: فإذا بقي هو أي باق من قراءته نحوا من كذا. وهذا الجواب الذي أجابوا به الحديث أجابوا [به] عن قول الشاعر:

2380 -

فما قال من كاشح

وعن قول الآخر:

2381 -

قد كان من طول إدلاج

وقول الآخر:

2382 -

ويكثر فيه من حنين الأباعر

وعن قول العرب: قد كان من مطر، وقولهم أيضا: قد كان من حديث فحل عنّي، ولا يخفى ضعف هذا التخريج؛ لعدم ذوقه.

وأما قول الآخر:

2383 -

وكنت أرى كالموت من بين ساعة

فقالوا فيه: إن «من» للسبب أي: أرى شيئا عظيما كالموت من أجل بين ساعة، فكيف يكون حالي ببين موعده الحشر؟! أي: بسبب بين موعده الحشر. وخرّجه الإمام بدر الدين (2) ولد المصنف: على أن «من» لابتداء الغاية والكاف اسم، والمعنى: وكنت أرى «من» بين ساعة حالا مثل الموت؛ على حد قولهم: رأيت منك أسدا (3).

وأقول: لا حاجة إلى تكلف هذه التخريجات لما ورد في هذه الأبيات؛ لأن البصريين يجيزون زيادة «من» في الكلام الموجب ودخولها على المعرفة في الشعر، -

(1) سورة البقرة: 25.

(2)

وهو: محمد بدر الدين بن محمد له شرح على ألفية أبيه وكافيته وغيرهما (ت: 686 هـ) بدمشق والنجوم الزاهرة (7/ 373).

(3)

شرح الألفيه لابن لناظم (ص 362) بتحقيق د/ عبد الحميد السيد.

ص: 2904

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى تكلف الجواب عن الوارد فيه. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» فقد كفى المصنف مئونة الجواب عنه؛ إذ قال في باب الأحرف

الناصبة الاسم الرافعة الخبر لما ذكر أن ضمير الشأن يكون اسما لـ «إن» وأنه يحذف معها كثيرا قال (1): وعليه يحمل «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» لا على زيادة «من» خلافا للكسائي.

وقد خرج ابن عصفور «قد كان من مطر» ، و «قد كان من حديث» على أن أصله: قد كان كائن من مطر، و: قد كان كائن من حديث؛ فحذف الموصوف وقامت الصفة مقامه. قال: وإن كانت غير محضة (2). وقد ذكر في باب النعت (3) أن ذلك يحسن في الكلام مع «من» ، ورده الشيخ بأنه يلزم من ذلك أن يكون المجرور فاعلا، والمجرور الذي يجر بحرف غير زائد لا يكون فاعلا.

وأما تخريج ابن جني قراءة ابن هرمز فقد استبعده الشيخ، وقال (4): هذا تخريج لا يحتمل مثله القرآن العزيز، قال: وكونها على ما استقر في «لما» ظاهر إما على الظرف أي: حين أتيناكم، وإما كونها حرف وجوب لوجوب وأتيناكم التفات من الغيبة إلى الخطاب ولو جرى على الغيبة لكان: لما (أتيناهم)(5)، قال: ولا يظهر معنى لتخريج ابن جني لمن ما أتيناكم من كتاب وحكمة.

وقد استدل على زيادة «من» في الواجب بأشياء أخر غير الذي ذكره المصنف:

منها: قوله تعالى: وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ (6)، وقُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ (7)، ووَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً [وَأَجْراً عَظِيماً](8).

وأجيب بأن التقدير: ولهم مطعوم، أو فاكهة من كل الثمرات لما تقدم ذكر المشروب ذكر المطعوم وحذف المبتدأ لدلالة المعنى عليه جائز ولا سيّما إذا كانت له صفة. وأما يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ فـ «من» للتبعيض؛ لأنهم لم يؤمروا بغض -

(1) شرح التسهيل لابن مالك.

(2)

شرح الجمل لابن عصفور (2/ 485).

(3)

المرجع السابق.

(4)

التذييل والتكميل (4/ 8).

(5)

التذييل (4/ 8) والذي في الأصل: أتيناكم، وهو تحريف.

(6)

سورة محمد: 15.

(7)

سورة النور: 30.

(8)

سورة الفتح: 29.

ص: 2905

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأبصار وإنما يغضّ منها ما كان في النظرية امتناع شرعي، وكذلك هي للتبعيض في وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً (1).

ومنها: أنك قد عرفت ما ذكره المصنف من أن «من» الزائدة ربما دخلت على حال واستدلاله على ذلك بقراءة زيد بن ثابت ومن وافقه ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ (2) يعني بفتح الخاء وضم النون أي: أولياء. ولا شك أن مسوّغ ذلك انسحاب النفي عليه من حيث المعنى كما انسحب عليه في قراءة الجماعة حين كان مفعولا (3) شبه ذلك بانسحاب النفي على الفعل المتعدي إلى مفعول كقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ (4).

ومنها: أنك قد عرفت أيضا أن «من» تنفرد بجر ظروف لا تتصرف كما أشار المصنف إلى ذلك في متن الكتاب وهذا لا كلام فيه، ولكنه قال في الشرح ما تقدم نقله عنه وهو أن «من» إذا دخلت على «قبل وبعد ولدن وعن» فهي زائدة؛ لأن المعنى بسقوطها وثبوتها واحد.

فقال الشيخ: زعم بعض النحويين ذلك (5). قال: وليس كما زعم، بل المعنى مختلف؛ فإذا قلت: جئت من قبل زيد؛ كان مجيئك مبتدأ من الزمان المتعقبه زمان مجيء زيد، وإذا قلت: جئت قبل زيد؛ كان مجيئك سابقا على مجيء زيد واحتمل تعقبه زمان مجيء زيد أو كان بينهما مهلة كثيرة أو قليلة؛ لأنه يدل على مطلق السبق، وإذا قلت: جئت من بعد عمرو؛ كان ابتداء مجيئك من الزمان المتعقب زمان مجيء عمرو، وإذا قلت: جئت بعد عمرو احتمل أن يتعقب وأن يتأخر بمهلة كثيرة أو قليلة فـ «من» لابتداء الغاية في القبلية والبعدية، فلو جاء شخص ظهرا وآخر عصرا حسن «قبل وبعد» ، ولم يحسن «من قبل» ولا «من بعد» إذ لا [ا] عتقاب في الزمانين (6).

قال: وكذلك تقول في «من لدن» ، و «من عن»: إنها فيهما لابتداء الغاية؛ فإذا قلت: قعد زيد عن يمين عمرو؛ فمعناه ناحية يمين عمرو، واحتمل أن يكون قعوده ملاصقا لأول ناحية يمينه، واحتمل ألا يكون ملاصقا لأولها. وإذا قلت: من -

(1) سورة الفتح: 29.

(2)

سورة الفرقان: 18.

(3)

البحر المحيط (6/ 488).

(4)

سورة المؤمنون: 91.

(5)

،

(6)

التذييل (4/ 9).

ص: 2906

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن يمينه؛ كان ابتداء القعود نشأ ملاصقا لأول الناحية (1). انتهى.

والحاصل: أن المصنف جعل «من» إذا دخلت على الأربعة المذكورة وهي: «قبل، وبعد، ولدن، وعن» زائدة، وقد رأيت بحث الشيخ معه في ذلك وجعلها إذا دخلت على «عند، ولدى، ومع، وعلى» [3/ 183] لابتداء الغاية. ولقائل أن يقول: لا شك أن «عن، وعلى» يصير كل منهما اسما بمباشرة «من» له فإذا قيل: من عن؛ كانت بمعنى: جانب، وإذا قيل: من على؛ كانت «على» بمعنى: فوق وإذا كان كذلك فلا يظهر وجه للتفرقة بينهما في ما ذكر ويحتاج ذلك إلى تأمل. وقد استشهد على مباشرة «من» لـ «عن» ول «على» بأبيات غير ما أورده المصنف منها قول الشاعر.

2384 -

فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها

يمينا ومهوى القرط من عن شمالك (2)

وقول الآخر:

2385 -

غدت من عليه تنفض الطّلّ بعد ما

رأت حاجب الشّمس استوى فترفّعا (3)

وأما قول الآخر:

2386 -

فقلت للرّكب لمّا أن علا بهم

من عن يمين الخبيّا نظرة قبل (4)

فهو من إنشادات المصنف في غير هذا الموضع. قيل: وكان القياس أن يقال في «من عليه» : من علاه، كما يقال: من فتاه؛ لأن المقصور من الأسماء لا يتغير مع المظهر والمضمر لما روعي أصلها.

وفي شرح الشيخ: وقد تجرّ «عن» بعلى قال الشاعر:

2387 -

على عن يميني مرّت الطّير سنّحا

وكيف سنوح واليمين قطيع (5)

-

(1) التذييل (4/ 9).

(2)

البيت من الطويل، وكلمة «من» سقطت من الأصل، وقد زدناها ليتم الشاهد. وانظره في شرح المفصل (8/ 40).

(3)

البيت من الطويل قاله يزيد بن الطثرية وراجع أمالي الشجري (2/ 299)، والتذييل (4/ 9) وشرح المفصل (8/ 38)، والمقتضب (2 /

320)، (3/ 53).

(4)

من البسيط وينسب إلى القطامي - راجع ديوانه (ص 7)، والجمل (ص 73)، وجمهرة القرشي (ص 153) وشرح المفصل (8/ 41)، والمقرب (1/ 195).

(5)

من الطويل، وفي الأصل: قطوع وانظر التذييل (4/ 9)، والدرر (2/ 37)، والمغني (ص 150)، والهمع (2/ 36).

ص: 2907

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واعلم أن ابن عصفور حكم على «عن وعلى» بالاسمية إذا (باشرهما حرف جر كما قال المصنف، قال: وكذا - يعني يحكم عليهما بالاسمية - إذا)(1) أدّى جعل شيء منهما حرفا إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل كقول القائل في «عن» :

2388 -

[و] دع عنك نهبا صيح في حجراته

ولكن حديثا ما حديث الرّواحل (2)

وكقول الآخر في «على» :

2389 -

[فـ] هوّن عليك فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها (3)

وفي ما ذكره نظر؛ فإن «عنك» في «دع عنك» ، و «عليك» في «هون عليك» ليسا مفعولي الفعلين اللّذين هما «دع، وهوّن» وإن كانا من متعلقاتهما إنما مفعول «دع» «نهبا» ، وأما مفعول «هون» فمحذوف يدل عليه المعنى، التقدير: هون عليك ما تلقاه. ولو كانت «عن» في البيت لتعدية الفعل الذي قبلها إلى ما بعدها لكان التقدير: دع إياك، أي: نفسك، وليس المعنى على هذا. وكذا كان يكون التقدير في البيت الآخر: هون إياك، أي: نفسك، وهذا لا يقال.

فظهر أن المفعول غير ما باشره الحرفان المذكوران، وإذا كان المفعول غير ما باشره الحرف فمن أين يجيء تعدي فعل المضمر المتصل إلى مضمره المتصل، ولو كان ما قاله صحيحا لوجب أن يحكم باسمية «إلى» من قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ (4)، [و] وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ (5). ولم يذهب أحد إلى أن «إلى» اسم، وقد ذكر عن الأخفش (6) نحو ذلك، ولعله هو الموقع لابن عصفور في ما ذكرناه عنه، فإنه استدل على اسمية «على» بقول العرب: -

(1) من هامش المخطوط.

(2)

من الطويل لامرئ القيس - النهب: الغلبة على المال والقهر، الحجرات: النواحي. راجع: ديوانه (/ 94)، والدرر (2/ 24)، والمغني (ص

150، 532)، برواية القواعل، والهمع (2/ 29).

(3)

من المتقارب واختلف في نسبته، فقيل: لعمر بن الخطاب وقيل: لغيره، وانظره في الدرر (2/ 23)، وسر الصناعة (ص 410)، والكتاب (1/ 32)، والمقتضب (4/ 196) والهمع (2/ 29). والمقرب (1/ 195، 196).

(4)

سورة مريم: 25.

(5)

سورة القصص: 32.

(6)

التذييل (4/ 9).

ص: 2908

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سويت على ثيابي، بالطريق الذي ذكره ابن عصفور، وقد عرفت أن ذلك لا دليل فيه. وقد سلم الشيخ أن التعدية (1) حاصلة فإنه قال: كما أن «إلى» من قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ (2) حرف إجماعا كذلك تقول إن على، وعن حرفان يعني في الأبيات التي ذكرها ابن عصفور لكن هذه التعدية قليلة فلا يكون فيها دلالة على اسمية «عن وعلى» (3). انتهى. وهو كلام عجيب!! وكيف يبقي الدلالة على الاسمية بعد أن سلم التعدية التي جعلها المدعي دليلا عليها؟! فإن قلت: فعلى أي وجه تعلق هذه الأحرف الجارة بالفعل وما معناها؟ قلت: الذي يظهر أن «عنك» من قوله: «دع عنك» في موضع الحال من المفعول المذكور - أعني «نهبا» - والتقدير: دع نهبا كائنا عنك، ومعنى «عن» المجاوزة، وكذلك القول في «عليك» من قول الآخر:«هوّن عليك» ، التقدير: هوّن ما تلقاه كائنا عليك، ومعنى «على» الاستعلاء فإن ما يلقاه الإنسان من الأمور الصعبة كأنه عليه، فالاستعلاء الذي أفادته هنا معنوي. وأما كون «إليك» من الآيتين الشريفتين في موضع الحال «وإلى» لانتهاء الغاية ففي غاية الظهور، التقدير: وهزي بجذع النخلة كائنا إليك، و: اضمم جناحك كائنا إليك.

ثم إن في كتب المغاربة الإشارة إلى مسألتين (4):

الأولى:

أن الفراء ومن وافقه من الكوفيين يزعمون أن «عن، وعلى» إذا دخلت عليهما «من» حرفان كما كانتا قبل دخولها قال: وزعموا أن «من» تدخل على حروف الجر كلها سوى «من» واللام، والباء، وفي»، وذكر عنهم دليلا (5). ولا شك أن هذا ونحوه مما لا يشتغل به فالواجب إهمال ذكره. -

(1) في الهامش: التقدير.

(2)

سورة مريم: 25.

(3)

التذييل (4/ 9).

(4)

هاتان المسألتان مفصلتان في التذييل (4/ 9).

(5)

(لأنها تسد مسد الاسم المخفوض فإذا قلت: نظرت إلى زيد؛ فـ «إلى» عندهم تسد مسد وجه زيد أو ما جرى مجراه

ولو كانت «عن وعلى» اسمين إذا دخلت عليهما «من» لقيل: عندك مرغوب فيه، يعني به: ناحيتك مرغوب فيها، وهذا لا يلزم كما لا يلزم في الأسماء إذ فيها ما لا يتصرف نحو: أيمن الله وسبحان الله ومعاذ الله

). التذييل (4/ 9) بتصرف.

ص: 2909

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثانية:

أن جماعة من النحاة منهم ابن طاهر، وابن خروف، والأستاذ أبو علي في أحد قوليه - ذهبوا (1) إلى أن «على» لا تكون حرفا، وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه؛ لقوله في باب عدة ما يكون عليه الكلم: وهو اسم ولا يكون إلا ظرفا (2)، قالوا:

واستدل المخالف لهؤلاء بأن «على» إذا حذفت في ضرورة الشعر نصب ما بعدها على أنه مفعول به. نحو قول الشاعر:

2390 -

تحنّ فتبدي ما بها من صبابة

وأخفي الّذي لولا الأسى لقضاني (3)

وقول الآخر:

2391 -

بخلت فطيمة بالّذي يرضيني

إلّا الكلام وقلّما يجديني (4)

أي: لقضى عليّ، وقلما يجدي عليّ، وقال آخر:

2392 -

ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة

ولا بكتك جياد غير أسلاب (5)

أي: ولا ناحت عليك. وقد أجاز أبو الحسن (6) ذلك في الكلام وجعل منه قوله تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (7) أي: على صراطك، واستدل أيضا لذلك بحذفها مع الضمير في الصلة نحو: ركبت على الفرس الذي ركبت، قال الشاعر:

2393 -

فأصبح من أسماء قيس كقابض

على الماء لا يدري بما هو قابض (8)

أي: عليه، ولو كانت اسما لم يجز ذلك، لو قلت: قعدت وراء الذي قعدت، تريد وراءه؛ لم يجز.

(1) راجع الارتشاف (2/ 454) وتنقيح الألباب (ص 11).

(2)

الكتاب (4/ 231).

(3)

من الطويل لعروة بن حزام وليس في ديوانه وراجع: الدرر (2/ 22)، (106)، المغني (ص 142، 576، 577)، والهمع (2/ 29، 81).

(4)

البيت من بحر الكامل وهو في التذييل (4/ 10).

(5)

من البسيط وهو في التذييل (4/ 10).

(6)

الأخفش في المعاني (1/ 197).

(7)

سورة الأعراف: 16.

(8)

من الطويل وهو من شواهد أبي حيان في الارتشاف (1/ 536)، (3/ 310) والتذييل (4/ 10).

ص: 2910