الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: الخطبة على المنبر:
فلما انصرف رقى المنبر (1)، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
«أما بعد، أيها الناس، إن أهل الجاهلية كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، وأنهما آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله به عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك؛ فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره، وإلى الصدقة والعتاقة والصلاة في المساجد، حتى تنجلي.
يا أمة محمد، والله، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً» ثم رفع يديه فقال:
إنه عرض علي كل شيء تولجونه، فعرضت علي الجنة، وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها؛ لتنظروا إليه، ثم بدا لي ألا أفعل، ولو أخذته؛ لأكلتم منه ما بقيت الدنيا (2).
(1) نسائي، أحمد.
(2)
هذه الأدلة الكثيرة على أن الجنة مخلوقة، وأن نعيمها مادي؛ ففي الجنة أكل وشرب وأنهار وأشجار وفواكه مما يشتهون؛ كما صرح به القرآن الكريم في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
وإن من ضلالات القاديانية إنكارهم لهذه الحقائق الشرعية؛ فهم لا يؤمنون بالجنة التي وصفت في القرآن والاحاديث النبوية كهذا الحديث؛ فاسمع ما قاله نبيهم «! » غلام أحمد في «الخطاب الجليل» «ص 13» :
ونتيجة هذا: إنكار الدار الآخرة وما فيها من نعيم وجحيم حقيقيين، ولذلك تراه يؤول بل يحرف ويعطل معاني الآيات الصريحة في ذلك، فهو يقول «ص 118» من الكتاب المذكور:
وقال «ص 173» : «والمراد من هذه الآية: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا}: أن الذين يرفضون الحق، ولا يبغون الله من صميم الفؤاد؛ يبلوهم الله برداء الفعل، فيعانون جهد البلاء في بلبال الحياة الدنيا وأواسرها، حتى لكأنهم يقرنون في الأصفاد، وينهمكن في الشواغل الأرضية، كأنما شدت أعناقهم بالأغلال .. » وعلى هذا النمط يفسر كل ما يتعلق بحقائق الآخرة في سبيل إنكارها، وهي طريقة القرامطة الباطنة، والغلاة من الصوفين الكائدين للإسلام، ولكن الله لهم بالمرصاد.
ولقد عرضت علي النار، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها، فجعلت أنفخ؛ خشية أن يغشاكم حرها، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع (1). ورأيت أكثر أهلها النساء». قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: «لكفرهن» . قيل: أيكفرن بالله؟ قال:
«يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً؛ قالت: ما رأيت منك خيراً قط! !
ورأيت فيها امرأة من بني إسرائيل طويلة سوداء (2)، تعذب في هرة لها ربطتها، فلم تطعهما ولم تسقها (3) ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً، فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت، وإذا ولت، تنهش إليتيها.
ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
ورأيت صاحب المحجن أبا ثمامة عمرو بن مالك بن لحي، وهو الذي سيب السوائب (5)، يجر قصبه في النار؛ كان يسرق الحاج، فإن فطن له قال له: إنما تعلق بمحجني، وأن أغفل عنه ذهب به!
(1) أبو عوانة.
(2)
نسائي، أحمد.
(3)
بخاري، مسلم.
(4)
نسائي، أحمد.
(5)
مسلم، بيهقي.
وأنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور كفتنة المسيح الدجال، فيؤتى أحدكم، فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن -أو الموقن- فيقول: هو محمد، هو رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا «ثلاث مرار» فيقال له: نم، قد كنا نعلم أنك تؤمن به، فنم صالحاً؛ هذا مقعدك من الجنة، فأما المنافق -أو المرتاب-الشك فيه وفيما قبله من بعض الرواة» فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت: فيقال له: أجل؛ على الشك عشت، وعليه مت؛ هذا مقعدك من النار».
ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يتعوذوا من عذاب القبر (1).
قالت عائشة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب النار، وعذاب القبر.
[صفة صلاة الكسوف ص 107 - 117].
(1) ترمذي، نسائي، أحمد.