الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يصح حديث صلاة التسابيح
؟
مداخلة: [حديث صلاة] التسابيح صحيح أم لا؟
الشيخ: حديث صلاة التسابيح اختلف العلماء فيه اختلافًا كثيرا؛ لأنه قيل بصحته وقيل بوضعه وبينهما درجات، والذي ترجح عندي تبعًا لبعض من سبقني من الحفاظ المشهورين بالدقة في تخريجهم لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كالحافظ ابن ناصر الدمشقي الذي كان معاصرًا للحافظ الذهبي الدمشقي فإن له رسالة جمع فيها طرق صلاة التسابيح، ومن درسها ودرس طرق هذه الصلاة أو طرق حديث صلاة التسابيح تبين له أن الحديث بمجموع طرقه صحيح، أما مفردات طرقه فلا يوجد فيها حديث يمكن أن يقال فيه: إنه صحيح بل ولا يمكن أن يقال فيه: حسن لذاته، وإنما جاءت الصحة من مجموع طرقه وهذا هو السبب في اختلاف العلماء ذلك الاختلاف الكبير، فابن الجوزي ومعه ابن تيمية وغيره ذهبوا إلى أن هذا الحديث موضوع لا يعنون بذلك أن إسناده موضوع، فإن بعض أسانيده في سنن أبي داود وغيره وليس فيها من اتهم، وليس من هو وضاع كذاب بل ليس في إسناده من اتهم بالكذب أو بالوضع وإنما بسوء الحفظ.
ولكن ابن الجوزي وابن تيمية نظروا إلى متن الحديث فوجدوه غريبًا في سياقه غريبًا في فضل هذه الصلاة ولو في العمر مرة فقالوا: إن مثل هذه الصلاة لا شبه لها بالصلوات المعروفة في الأحاديث الصحيحة، ولذلك مالوا إلى القول بوضعه، والذين علوا في الحكم وارتفعوا قليلًا عن الحكم عليه بالوضع وقفوا عند ظاهر الطرق والأساليب إن كانوا جمعوها ووقفوا على مجموعها إن كانوا؛ لأني في شك أن يكونوا فعلوا ذلك؛ لأن من فعل لم يحكم لا بالوضع ولا بالضعف، نظروا إلى بعض مفردات هذه الطرق فحكموا على الحديث بالضعف.
أما الذين رووه وذهبوا إلى صحته فهم نظروا إلى مجموع طرقه فرأوا أن القاعدة الحديثية التي قعدها علماء الحديث في قواعد علم الحديث أن الحديث الضعيف
يتقوى بكثرة الطرق، نظروا في هذه الكثرة من الطرق فوجدوا قسمًا لا بأس فيها من حيث صلاحيتها بأن تقوي الحديث في مجموع هذه الطرق، فذهبوا إلى قوة الحديث ما بين محسن ومصحح.
والاختلاف حينئذ بين المصحح وبين المحسن ليس اختلافًا جوهريًا؛ لأن كل من المصحح والمحسن يذهب إلى ثبوت الحديث، وبالتالي إلى شرعيته وشرعية العمل به، وقد تأيد هذا الحكم؛ لأنه قد جاء عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه أنه كان يصلي هذه الصلاة، وعبد الله بن المبارك إمام من أئمة المسلمين، وهو من شيوخ إمام السنة كالإمام أحمد رحمه الله فلولا أنه كان قد ثبت الحديث عنده لم يتعبد الله بهذه الصلاة التي فيها تلك الغرابة في هيئتها وكيفيتها، هذه الغرابة التي حملت ابن الجوزي وابن تيمية إلى حكم الوضع ولم يكن حكمهم كما ذكرنا من النظر في أسانيد هذا الحديث وأن فيها كلها وضاعون كذابون لا.
فبمجموع هذا الذي ذكرناه اطمأنت نفسي إلى أن الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك فالمسلم عليه أن يفعل ذلك في كل يوم مرة فإن لم يستطع ففي كل أسبوع، فإن لم يستطع ففي كل شهر، فإن لم يستطع ففي كل سنة، فإن لم يستطع فعلى الأقل في العمر مرة واحدة، هذا رأيي في صلاة التسابيح.
وخطر في بالي الآن أن أضيف إلى ما تقدم شيء آخر من البيان فأقول: إن الغرابة الموجودة في كيفية هذه الصلاة صحيح أنها لا مثل لها من حيث الكيفية، ولكن بعد أن ثبت الحديث على ما ذكرت آنفًا فالغرابة لا ينبغي أن يعلل بها الحديث، فنحن نعلم أن هناك صلاة صحيحة بإجماع علماء الحديث مع أن فيها أيضًا مخالفة للصلوات المعهودة أعني بها: صلاة الكسوف، فقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واتفق أن يوم كسوفها كان قد توفي فيه إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من عادة الجاهلية أنهم يقولون: إذا كسفت الشمس إنما كسفت لموت عظيم، فلما اتفق كسوف الشمس مع وفاة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: إنما كسفت الشمس لوفاة ابن النبي عليهما الصلاة والسلام، فخطب فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «يا أيها الناس إن
الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وتصدقوا وادعوا» ثم صلى عليه الصلاة والسلام ركعتين في كل ركعة ركوعان فهنا الشاهد: في كل ركعة ركوعان، فهذه الهيئة خالفت الصلوات المعودة جميعها ما كان فرضًا منها أو نافلة؛ لأنه قد تميزت هذه الصلوات كلها للاحتفاظ بركوع واحد وسجدتين .. في الركعة الواحدة ركوع واحد وسجدتان، أما هذه الصلاة فقد اختلفت عن كل الصلوات فصلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجدتان فهل يصح أن يقال: أن هذا الحديث شاذ أو منكر؛ لأنه خالف النظام العام في صفة كل الصلوات؟ نقول: لا ما دام صح الحديث بذلك فهذه عبادة شرعها الله عز وجل في عباده لمناسبة كسوف الشمس فعلينا أن نصلي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.
وعلى ذلك نقول: هذا شاهد ولو من باب قريب لصلاة التسابيح أنها وإن خالفت بقية الصلوات المعهودة فإن صلاة الكسوف قد خالفت أيضًا في بعض النواحي تلك الصلوات المعهودة فلم يكن ذلك علة فيها وإنما بقيت شريعة إلى يوم القيامة، نعم.
مداخلة: كيفية صلاة التسابيح.
الشيخ: صلاة التسابيح كما جاء في طرق الحديث هي كبقية الصلوات، وإنما تختلف فقط بأن في كل ركعة خمس وسبعون تسبيحة فيكون المجموع ثلاثمائة تسبيحة، ففي الركعة الأولى قبل الركوع يسبح خمسة عشرة تسبيحة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم يركع، وبعد إتمام الركوع المعهود يقرأ هذه التسبيحات عشر مرات، فهذه خمس وعشرون ثم يرفع رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يسبح عشر تسبيحات، وهكذا مع كل ركن عشر تسبيحات، إذا سجد بعدة تسبيحة السجود عشر تسبيحات .. جلس بين السجدتين عشر تسبيحات .. رفع رأسه من السجدة الثانية .. جلس جلسة الاستراحة فسبح عشر تسبيحات فهذه مجموعها خمس وسبعون تسبيحة، هكذا