الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني: الرحلة الثانية:
لم تقف نفس الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التواقة للعلم والمعرفة عند ذلك الحد الذي وصل إليه في رحلته الأولى، بل كان شابا طموحا امتلأ صدره عزما وحماسا، فقرر أن يسافر إلى أرض العراق لينهل من معين العلم جرعات جديدة تروي ظمأه الشديد إليه، يقول المؤرخ ابن بشر رحمه الله::وتجهز إلى البصرة1 يريد الشام، فلما وصلها جلس يقرأ فيها عند عالم جليل من أهل المجموعة قرية من قرى البصرة في مدرسة فيها ذكر لي أن اسمه محمد المجموعي"2 الذي درس عليه علوم اللغة العربية3 ويستأنف ابن بشر قائلا: فأقام مدة يقرأ عليه فيها وينكر أشياء من الشركيات والبدع وأعلن بالإنكار"4 اهـ.
وكانت البصرة آنذاك تعج بالضالين من الذين فتنوا الناس بعبادة الأولياء،
= ابن باز- ط/2- ن الرئاسة العامة لإدرات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية –ط/ 2- مطابع الفلاح- الرياض.
1-
البصرة: هي المدينة المشهورة التي بناها المسلمون، قال الشعبي: مصرت البصرة قبل الكوفة بسنة ونصف، وهي مدينة قرب البحر كثيرة النخيل والأشجار. " آثار البلاد وأخبار العباد ص 309" للإمام القزويني -ن دار العربي ص 111للدكتور الأصم بن عبد الحافظ أحمد الأصم- ن دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب بالرياض" فهي الميناء الرئيس للعراق على شط العرب وكانت تتساوى مع بغداد والكوفة في مراكز العلم والجدل أيام العباسيين. انظر المعجم الجغرافي لدول العلم ص 343 لأبي معاوية هزاع بن عبيد الشمري – ط/ "1404هـ-1984م" الرياض – مطبعة المعرفة.
2-
عنوان المجد في تاريخ نجد 1/7.
3-
تاريخ اليمامة مغاني الديار ما لها في أخبار وآثار 6/86 لعبد الله بن خميس –ط/1 "1408هـ-1988م"، مطابع الفرزدق- الرياض.
4-
انظر عنوان المجد في تاريخ نجد 1/7.
والبدع والخرافات، ورأى الفتى العالم الألمعي ما عليه الناس من الجهل، فأبى عليه دينه وعلمه وتقواه إلا أن يجهر بالإصلاح، ونهى الناس عن المنكرات امتثالا لأمر الله واقتداء بسنة نبيه الهادي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه حين قال:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" 1، وقد منحه الله بسطة في العلم وقوة في الجسم ومضاء في العزيمة2 فراح رحمه الله ينشر أعلام التوحيد ويعلن للناس أن الدعوة كلها لله، ويكفر من صرف شيئا منها إلى سواه 3.
وفي ذلك يقول ابن غنام رحمه الله:
"وإذا ذكر أحد بمجلسه شارات الطواغيت أو الصالحين الذين كانوا يعبدونهم مع رب العالمين نهاه عن ذلك وزجره وبين له الصواب وحذره وقال له إن محبة الأولياء والصالحين إنما هي اتباع هديهم وآثارهم والاستنارة بضياء أنوارهم، لا صرف الحقوق الربانية إلى الأجسام الوثنية، وقد وقع ذلك بمجلسه مرة فأبدى للقائل نهيه وزجره وأظهر عليه إغلاظه ونكرة فتغير وجه القائل، وجال واستغرب من ذلك المقال وقال إن كان يقوله حقا هذا الإنسان فالناس ليسوا على شيء من زمان.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
"وكان ناس من مشركي البصرة يأتون إلي بشبهات يلقونها عليّ فأقول وهم قعود لدي: لا تصلح العبادة كلها إلا لله فيبهت كل منهم
1-سبق تخريجه ص "9"هـ"3".
2-
انظر دعوة الحق ص 14: عبد الله بوقس – نالدار السعودية للنشر "1392هـ-1972م".
3-
تاريخ نجد 1/82 لابن غنام بتحقيق د. ناصر الدين الأسد.
فلا ينطق فاه"1.
وقد استحسن شيخه قوله، وقرر له التوحيد 2 وأعانه عليه وأيده وزاد في حماسه3.
وكبر على أهل البدع وأنصار الشرك، وعز عليهم أن يسفه آراءهم ويخرجهم عما وجدوا عليه آباءهم4 فآذاه بعض أهل البصرة أشد الأذى، وأخرجوه منها وقت الهجيرة5 ولحق شيخه منهم بعض الأذى6 لمواته للشيخ محمد7 فلما خرج الشيخ من البصرة وتوسط في الدرب فيما بينها وبين بلد الزبير أدركه العطش وأشرف على الهلاك، وكان ماشيا على رجليه وحده فوافاه صاحب حمار مكاري8 يقال له أبو حميدان من أهل الزبير عليه الهيبة والوقار وهو مشرف على الهلاك فسقاه على حماره حتى وصل الزبير، ثم إن الشيخ أراد أن يصل إلى الشام9 متبعا سنن الكثيرين من علمائنا الذين
1-تاريخ نجد المسمى روضة اللإكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام 1/27.
2-
عنوان المجد في تاريخ نجد 1/8.
3-
أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها ص49.
4-
انظر هذا هو كتاب سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب ص 19.
5-
تاريخ نجد لابن غنام بتحقيق د. ناصر الدين الأسد 1/83 بتصرف يسير.
والهجيرة: نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، "ولسان العرب 6/4619 مادة:"هجر"".
6-
عنوان المجد في تاريخ نجد 1/8.
7-
انظر تاريخ نجد ص 112 لمحمود شكري الآلوسي عني بتحقيقه: محمد بهجة الأثري – ط/2 – المطبعة السلفية بمصر.
8-
من كرا، الكروة والكراء: أجر المستأجر، المكاري: الذي يكريك دابته، " انظر لسان العرب5/3866 مادة: كرا".
9-
عنوان المجد في تاريخ نجد 1/8.
ضربوا في الأرض وشرقوا وغربوا في سبيل طلب العلم1 ولكن نفقته التي كانت معه ضاعت منه في الطريق فانثنى عائدا إلى نجد، ومر في طريقه إليها بالأحساء2 ونزل فيها على الشيخ العالم عبد الله بن محمد ابن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي ثم اتجه منها إلى بلدة حريملاء، وكان أبوه عبد الوهاب قد انتقل إليها من العيينة سنة تسع وثلاثين ومائة3 ، وبهذا تنتهي الرحلة الثانية والأخيرة4 التي قام فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بطلب العلم.
وقد رأى أثناء- رحلتيه هاتين- ما كان عليه المسلمون من التهاون في أمور الدين فاستاء من ذلك استياء شديداً، وصار يشعر بحافز يدفعه إلى المناداة بالإصلاح الديني، والدعوة إلى الرجوع إلى القرآن والسنة، فقفل راجعا إلى نجد وهو مشبع بالفكرة التي رأى من الواجب عليه أن يقوم بتنفيذها والعمل بها5 ، وعقد العزم على انتهاج منهج السلف الصالح بالدعوة إلى نبذ البدع وتطهير ما علق بالإسلام من الأوهام والخرافات
1-انظر: هذا هو كتاب سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب ص 20.
2-
تقدم التعريف بها ص "51" هـ "5".
3-
تاريخ نجد 1/83 لابن غنام بتحقيق د. ناصر الدين الأسد، انظر تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام 1/31، وعنوان المجد في تاريخ نجد 1/8.
4-
هذا ما ثبت في المرجع، إلا أن قلم صاحب الكتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب انبرى بكل جرأة زاعما قيامه رحمه الله برحلة ثالثة لإيران والشام فمصر وقد رد عليه الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف رحمه الله ردا قويا أثبت فيه كذب هذه الرحلة تاريخيا. " انظر لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب 10-16".
5-
انظر كتابات الملك الراشد ص7: عبد المنعم الغلامي –بتصرف يسير- ن دار اللواء- الرياض- ط/2"1400هـ-1980م".