الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: احتسابه في العبادات:
لم يقتصر احتساب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على النواحي العقدية فحسب وإن كان جل اهتمامه منصباً عليها لحاجة مجتمعه - إلى ذلك - إلَاّ أنَّ احتسابه رحمه الله تعداها إلى نواحي العبادة التي تليها مباشرة في الأهمية.
وأبرز ما احتسب فيه الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في العبادات أمره بإقامة بقية أركان الإسلام التي جمعها حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بُني الإسلام على خمسٍ شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان"1.
ومن الأمور المهمة التي قام بها الإمام في العُيينة إلزام الناس بالصلاة ومعاقبة من لا يؤدونها جماعة في المسجد2.
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
[ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله]3.
وقال أيضاً رحمه الله:
[وندعو الناس إلى إقام الصلاة في الجماعات على الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام، ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر
1 أخرجه البخاري في صحيحه- ك: الإيمان- ب: دعاؤكم إيمانكم 1/9.
2 انظر تاريخ المملكة العربية السعودية ص71 للدكتور عبد الله العثيمين- ن جامعة الملك سعود- ط/1 (1404هـ- 1984م) .
3 الرسائل الشخصية- الرسالة الخامسة ص 36، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/54.
كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} 1 2.
كما أمر رحمه الله أن يصلي بالناس الصلاة إمام واحد، حيث كانت العادة أن يصلي بالجماعة الحاضرة أحد الأئمة من المذاهب الأربعة ثم يعقبه غيره، فأمر بإبطال هذه العادة القبيحة التي فرقت المسلمين، وأن لا يصلي بالجماعة إلَاّ إمام واحد فصار يصلي الصبح إمام الشافعية والظهر إمام المالكية.. وهكذا بقية الأوقات3.
ومن أبرز المسائل التي احتسب فيها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب المتعلقة بالصلاة بدعة التذكير.
والتذكير هو: التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك4، ومنه قراءة سور من القرآن قبل الفجر بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ويختلط على المتهجدين قراءتهم5، ومنه قولهم قبل الفجر على المنابر: يا رب عفواً بجاه المصطفى كرماًً6.
حكمه: بدعة منكرة في الدين7.
1 سورة الحج آية 41.
2 الرسائل الشخصية- الرسالة السابعة عشرة ص 114، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/59.
3 انظر إقليم الحجاز وعوامل نهضته الحديثة ص 221.
4 الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل 1/80.
5 تلبيس إبليس ص137 (ذكر تلبيسه عليهم في الأذان) بتصرف.
6 السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات ص54 ولا يخفى ما في هذه العبارة من شرك ظاهر التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
7 انظر الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل 1/80، وتلبيس إبليس ص137، والسنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات ص 54.
ويذكر الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنَّه سُئل عن التذكير فقال: [إنَّه بدعة، فذكر1 أنَّ عندنا من لا يعرف الجمعة إلَاّ به، وذكرت له أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم منّا بمصالح أمته، وهو سنَّ الأذان ونهى عن الزيادة، فلمّا فتح الله لكم باباً في اتباع نبيكم صلى الله عليه وسلم فلا تتثقلوا2 من قطع العادات في طاعة الله ورسوله] 3 ا. هـ.
وقال رحمه الله محتسباً على من يرى هذه البدعة:
[من العجب كفكم عن نفع المسلمين في المسائل الصحيحة وتقولون لا يتعين علينا الفتيا، ثم تبالغون في مثل هذه الأمور مثل التذكير الذي صرحت الأدلة والإجماع وكلام الإقناع بإنكاره] 4 ا. هـ.
وقد اشتد رحمه الله في نكيره على سليمان بن سحيم بشأنها فقال رحمه الله:
[.. أما مسألة التذكير فكلامك فيها من أعجب العجاب، أنت تقول بدعة حسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"كل بدعة ضلالة ركل ضلالة في النار"5، ولم يستثن شيئاً تشير علينا به فنصدقك أنت وأبوك لأنَّكم علماء ونكذب رسول الله، والعجب من نقلك الإجماع فتجمع مع الجهالة المركبة الكذب الصريح والبهتان فإذا كان في (الإقناع) 6 في باب الأذان قد ذكر كراهيته في مواضع متعددة أتظن أنَّك أعلم من صاحب (الإقناع) أم تظنه مخالفاً
1 أي السائل.
2 لعل الصواب: تستثقلوا، وهكذا وردت في تاريخ نجد بتحقيق الدكتور ناصر الدين الأسد 2/472.
3 مؤلفات الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب- القسم الثالث الفتاوى والمسائل ص86.
4 الرسائل الشخصية- الرسالة التاسعة والأربعون 314.
5 سبق تخريجه ص (220) هـ (1) .
6 سبقت الإشارة إليه راجع ص (350) هـ (7) .
للاجتماع1 وأيضاً لما جاءك -يعضهم- أقررت لهم أن التذكير بدعة مكروهة فمتى هذا العلم جاءك؟،2 ا. هـ
ويبلغ احتساب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في الصلاة والزكاة إلى حد قتال تاركهما.
قال رحمه الله:
[ونقاتل على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه]3.
وذلك لعموم حديت ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"4.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلَاّ الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة؟ حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم
1 يقصد الإجماع، والله أعلم.
2 راجع ص (219) من هذا البحث.
3 الرسائل الشخصية- الرسالة الرابعة عشرة ص 98، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/64.
4 أخرجه البخاري في صحيحه- ك: الإيمان- ب: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} ، 1/12.
على منعه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فوالله ما هو إلَاّ أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنَّه الحق"1.
وحديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة"2.
وقد اتفق العلماء على تكفير تارك الصلاة جحوداً3.
أما تاركها تهاوناً وكسلاً ففي تكفيره خلاف بين أهل العلم4.
وخروجاً من هذا الخلاف فإنَّ الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله توقف في مسألة التكفير هذه حيث أجاب لما سُئل عما يُقاتل عليه، وعمّا يكفر الرجل به قائلاً:
"أركان الإسلام الخمسة أولها الشهادتان ثم الأركان الأربعة إذا أقر بها وتركها تهاوناً فنحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نُكفِّره بتركها والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ولا نكفر إلَاّ ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان] 5 ا. هـ.
1 أخرجه مسلم في صحيحه 1/51 ك: الإيمان ب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلَاّ الله محمد رسول الله
…
ح: 32.
2 أخرجه مسلم في صحيحه 1/88 ك: الإيمان ب: بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ح:134.
3 انظر مجموع الفتاوى 28/556، والمغني 3/351، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل 1/401.
4 انظر كتاب الصلاة وحكم تاركها ص33 للإمام ابن قيم الجوزية بتحقيق تيسير زعير- ن المكتب الإسلامي- دمشق- بيروت- ط/1 (1401 هـ- 1981م) ، والإنصاف في معرفة الراجح عن الخلاف على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل 1/405، والمغني 2/357.
5 مؤلفات الشيخ الإمام عمد بن عبد الوهاب- القسم الثالث- الفتاوى والرسائل ص9، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/65.
وقال رحمه الله: [ولا أُكفِّر أحداً من المسلمين بذنب ولا أُخرجه من دائرة الإسلام] 1 ا. هـ.
وقيَّد رحمه الله تكفير تارك الصلاة بالجحود لها حيث قال: [من صدَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء وجحد وجوب الصلاة فهو كافر حلال الدم والمال بالإجماع] 2 ا. هـ.
وهو ما أجمع عليه أهل العلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(أما تارك الصلاة فهذا إن لم يكن معتقداً لوجوبها فهو كافر بالنص والإجماع) 3 ا. هـ.
ويقارن رحمه الله بين الجاحد والمتهاون قائلاً: (من كان مُصرِّاً على تركها لا يُصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد) 4 ا. هـ. والله تعالى أعلم بالصواب.
1 الرسائل الشخصية- الرسالة الأولى ص 11.
2 كشف الشبهات ص 38.
3 مجموع الفتاوى 22/ 40.
4 المرجع السابق 22/49.