الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوحيد وهي كالشجرة، والأعمال ثمارها في كل وقت، وكذلك السيئة هي العمل لغير الله، وهذا هو الشرك"1.
وهذا ما ذهب إليه أهل العلم.
ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله قول ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: "هي شهادة أن لا إله إلا الله"2.
قال ابن القيم رحمه الله معلقا على هذه الآية: "وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة كل وقت
…
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا، ومتصفا بموجبها، قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته، فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من ها الشاهد"3اهـ.
1-مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب –ملحق المصنفات ص 68.
2-
تفسير القرآن العظيم 4/410.
3-
التفسير القيم ص 328 باختصار.
الفرع الثاني: معنى كلمة لا إله إلا الله:
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله موضحا المعنى اللغوي لكلمة لا إله إلا الله:
""لا" هذه النافية للجنس فنفى جميع الآلهة.
و"إلا" حرف استثناء يفيد حصر جميع العبادة على الله عز وجل.
و"الإله" اسم صفة لكل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود على المعبود بحق وهو الله تعالى وهو الذي يخلق ويرزق ويدبر.
"والتأله" التعبد"1.
وهذا الذي قرره الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هو الراجح من أقوال النحويين في إعراب "لا إله إلا الله"2 والتي ضربت صفحا عنها خشية الإطالة.
معنى لا إله إلا الله شرعا:
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " معناها: لا معبود بحق إلا الله وحده"3.
ويربط رحمه الله بين التعريفين اللغوي والشرعي فيقول: "وحد النفي من الإثبات" لا إله" نافيا جميع ما يعبد من دون الله "إلا الله" مثبتا العبادة لله وحده لا شريك له في ملكه"4.
وقد سبقه إلى هذا الإمام الطبري حيث قال رحمه الله في تفسير {لا إله إلا الله} : " لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهية، ويجوز لك وللخلق عبادته إلا الله"5اهـ.
وفي معناها تخلية ثم تحلية. قال القرطبي رحمه الله في إيضاح ذلك ضمن تفسيره لها: " نفي وإثبات ، أولها كفر وآخرها إيمان، معناه: لا معبود إلا الله"6.
1-الرسائل الشخصية- الرسالة السادسة عشرة ص 105، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/135.
2-
انظر: معنى لا إله إلا الله ص "79" هـ "1" للإمام الزركشي تحقيق على داغي – ن دار الاعتصام القاهرة –ط /دار البشائر الإسلامية- بيروت.
3-
عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة ص 18 تأليف شيخ الدعوة الإسلامية الإمام محمد بن عبد الوهاب- ن المكتب الإسلامي ط/3"1397هـ" بيروت.
4-
المرجع السابق ص 19.
5-
جامع بيان في تفسير القرآن 26/34.
6-
الجامع لأحكام القرآن 2/191.
وفسر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الإله بقوله: " هو الذي تأله القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاءً وإجلالا وإكراما والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يعبد إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ولا يخاف إلا الله ولا يطاع إلا الله"1.اهـ.
وقال البقاعي2: {لا إله إلا الله} : أي انتفاء عظيما أن يكون معبودا بحق الملك الأعظم3.
وقال ابن رجب: "لإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه
…
وسؤالا منه ودعاءا له ولا يصلح ذلك كله إلا الله عز وجل"4.اهـ.
ويجمل ذلك المعنى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بقوله: " والإله المألوه والإلهية عمل من الأعمال، وكونه منفيا عن غير الله ترك من التروك"5.
وحول معنى " لا إله إلا الله" نكتة لطيفة أوردها الزركشي6 أذكرها للفائدة: "قول: " لا إله إلا الله" فيه خاصيتان:
إحداهما: أن جميع حروفها جوفية ليس فيها من الحروف الشفهية.
1-مجموع الفتاوى 1/365.
2-
هو إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن
…
ولد سنة "809هـ-1406م"..مؤرخ أديب أصله من البقاع في سورية، وسكن دمشق ورحل إلى بيت المقدس والقاهرة، وتوفي بدمشق سنة "885هـ-1480م"" الأعلام 1/65 بتصرف يسير".
3-
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 7/164- ن دارالكتب العلمية- بيروت لبنان- ط/1"1415هـ-1995م".
4-
كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ص 23، تحقيق زهير الشاويش تخريج الألباني- ن المكتب الإسلامي- ط/الرابعة.
5-
مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب –القسم الرابع – التفسير ص 363.
6-
هو: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، بدر الدين، عالم بفقه الشافعية، والأصول، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة، ولد سنة "745هـ-1344م" وتوفي سنة "794هـ-1392م"" الأعلام 6/60 باختصار".
للإشارة إلى الإتيان بها من خالص جوفه وهو القلب لا من الشفتين.
الثانية: أنه ليس فيها حرف معجم1 بل جميعها متجردة عن النقط إشارة إلى التجرد عن كل معبود سوى الله تعالى"2 والله تعالى أعلم بالحق والصواب.
ولذيوع الجهل بالمعنى الصحيح لكلمة " لا إله إلا الله" اعترض أحد علماء الضلال على احتساب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب لتصحيح معناها عند الناس فرد على ذلك رحمه الله قائلا3:
"أظنك وكثير من أهل الزمان ما يعرف من الآلهة المعبود إلا هبل ويغوث ويعوق ونسرا واللات والعزى ومناة فإن جاد فهمه عرف أن المقامات المعبودة اليوم من البشر والشجر والحجر ونحوها مثل شمسان وإدريس أبو حديدة ونحوهم منها.
هذا ما أثمر به الجهل والغفلة والإعراض عن تعلم دين الله ورسوله، ومع هذا يقول لكم شيطانكم المويس إن بنيات حرمة4 وعيالهم يعرفون التوحيد فضلا عن رجالهم، وأيضا تعلم معنى لا إله إلا الله بدعة فإن استغربت ذلك
1-الحرف المعجم هو الحرف الذي له نقطة أو اثنتان أو ثلاث مثل الجيم والقاف والشين قال أحمد المقري: "أعجمت" الحرف بالألف أزلت عجمته بما يميزه عن غيره بنقط وشكل: المصحاح المنير 2/395 مادة: عجم- ن دار الكتب العلمية – بيروت لبنان.
2-
معنى لا إله إلا الله ص 82.
3-
هذه الكلمات من رسالة جاوبية للإمام عن كتاب لم يعرف صاحبه- انظر الرسائل الشخصية- الرسالة الخامسة والعشرون ص 170، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/72.
4-
حرمة: بفتح الحاء، وإسكان الراء، وفتح الميم، فهاء، بلد من إقليم سدير بمنطقة الرياض وهي ملاصقة للمجمعة. " معجم اليمامة 1/309، والمعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية 1/310، وقلب جزيرة العرب ص 342 هـ "1" بقلم فؤاد حمزة- ن مكتب النصر الحديثة- الرياض- ط/2-1388هـ-1968م"، والمقصود إن البنات الصغيرات والأولاد ببلدة حرمة يعرفون التوحيد فضلا عن رجالهم ومن ثم فلا حاجة إلى تعلمه وتعليمه!!
مني فاحضر عندك جماعة واسألهم عما يسألون عنه في القبر هل تراهم يعبرون عنه لفظا وتعبيرا"1.
ومن شدة تواضعه رحمه الله أثناء إنكاره للمنكر كان يخبر قومه عن حاله قبل نيله ما من الله عليه به من خير عظيم مقسما بالله تعالى على أنه رغم طلبه للعم وتزوده به لم يكن يعرف حقيقة معنى لا إله إلا الله، حتى مشايخه لم يكن منهم من يعرف معناها2.
وبهذا يضرب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله المثل الأعلى للمحتسب الناصح الصادق الذي لا تكدر حسبته شائبة كبر أو عجب أو تعالم!!.
وبالنظر فيما سبق التنويه إليه من جهل الناس بمعنى "لا إله إلا الله"، والآثار المترتبة على ذلك من صرف العبادة لغير الله عز وجل من المعبودات من البشر والشجر والحجر، والإشراك بها مع الله جل وعلا، تتضح الحكمة من تصدير الشيخ الإمام حمد بن عبد الوهاب رحمه الله لتوحيد الألوهية في احتسابه على غيره من أنواع التوحيد الأخرى والغاية من إيلائه له جل اهتمامه رحمه الله، والتي سبقت الإشارة إليها قريبا3.
لأن العلم بمعنى كلمة: "لا إله إلا الله" هو أساس معرفة التوحيد الذي يجب على كل مسلم ومسلمة تحقيقه، فإذا جهل الإنسان المعنى الحقيقي لهذه الكلمة فإن عقيدته وعبادته تكون على خطر عظيم، لا يجلوه عنه إلا بذل الجهد في
1-الرسائل الشخصية – الرسالة الخامسة والعشرون ص 172، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/72.
2-
راجع ص "76" من هذه الرسالة.
3-
راجع ص "235" من هذا البحث.