الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأصل العبودية في اللغة: الخضوع والذل..يقال طريق معبد1.
وفي الشرع عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية بأنها: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"2اهـ.
والعبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت3.
1-الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 2/502 مادة: "عبد".
2-
العبودية ص 38- ن المكتب الإسلامي- ط/5"1399هـ" بيروت.
3-
انظر القواعد الأربعة ص 37 ضمن كتاب الأصول الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
الفرع الأول: فحوى توحيد الألوهية:
ولقد فهم المشركون فحوى توحيد الألوهية ومغايرته لتوحيد الربوبية لذلك رفضوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إلى وحدانية الله تعالى مع إقرارهم بربوبيته.
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق به والكفر بما يعبد من دونه والبراءة منه فإنه لما قال لهم: "قولوا لا إله إلا الله" قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1.
فإذا عرفت أن الجهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا
1-سورة ص آية 5. وقد ورد في سبب نزول هذه الآية الكريمة وما يليها حادثة تاريخية مشهورة هي: استأذن نفر من مشيخة قريش فهم أبو جهل والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وغيرهم على أبي طالب فلما دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا فأنصفنا من من ابن أخيك – يقصدون محمد صلى الله عليه وسلم فمره فليكف عن شتم آلهتنا، فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وقد سألوك أن تكف عن شتم آلهتنا ويدعوك وإلهك قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم أفلا أدعوهم إلى ما هو خير لهم" قال وإلى م تدعوهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: " ادعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم" فقال: أبو جهل لعنه الله من بين القوم ما هي وأبيك لنعطينكها وعشر أمثالها، قال صلى الله عليه وسلم: "تقولون لا إله إلا الله" فنفروا وقالوا: سلنا غيرها قال صلى الله عليه وسلم: " لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها"" فقاموا من عنده غضابا وقالوا والله لنشتمنك وإلاهك الذي أمرك بهذا {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} سورة ص الآية 6 " تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير 4/25".
يعرف من تفسير هذه الكلمة1 ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني، والحاذق منهم يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يدبر الأمر إلا الله فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بلا إله إلا الله"2.
وهذا حال مشركي هذا الزمن من عباد الأضرحة والقبور، فهم مع يقينهم بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق، إلا أنهم يستعينون بأوليائهم، ويتوسلون بهم، ويسجدون على قبورهم، ويطوفون حولها، إلى غير ذلك من مظاهر الشرك المختلفة3.
ولقد اهتم الشيخ الإمام الهمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في احتسابه بالإنكار على مظاهر الشرك المناقصة لتوحيد الألوهية بدرجة كبيرة بل إن إنكاره في هذا الجانب هو لب احتسابه ومحوره الأساسي.
قال رحمه الله: "وأما ما نهينا الناس عنه فنهيناهم عن الشرك الذي قال الله فيه: {إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} 4.
وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على سبيل التغليظ وإلا فهو منزه هو وإخوانه عن الشرك: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ
1-أي كلمة " لا إله إلا الله"
2-
كشف الشبهات ص 17-ن دار الوطن- الرياض- ط/1"1413هـ"، انظر الرسائل الشخصية – الرسالة الثانية والعشرون ص 154،الدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/49.
3-
انظر رسالة في تحريم اتخاذ الضرائح المصنوعة من الخشب والأوراق وغيرها في شهر محرم الحرام ص 27 للعلامة أبي الطيب محمد العظيم آبادي- ن مؤسسة المجمع العلمي- باكستان "1408هـ-1988م" ط/1.
4-
سورة المائدة آية 72.
مِنَ الْخَاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 1 "2
ولعل السبب في إعطاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قضية توحيد الألوهية جل اهتمامه في حسبته يعود إلى أمرين:
الأول: أن البدء بتصحيح العقيدة وإخلاص توحيد العبادة لله وحده لا شريك له هو السبيل الذي سلكه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 3.
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 4.
فأول ما يقرع به كل رسول أسماع قومه قوله: {يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 5.
وهذا هو الذي تضمنه قول: " لا إله إلا الله"، فإنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها لا مجرد نطقها باللسان6.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "إن التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم إفراد الله بالعبادة كلها ليس فيها حق لملك
1-سورة الزمر الآيتان 65-66.
2-
الرسائل الشخصية- الرسالة الرابعة عشرة ص 95، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/62.
3-
جزء من الآية 36 من سورة النحل.
4-
سورة الأنبياء آية 25.
5-
جزء من الآيات 59-65-73-85 من سورة الأعراف، والآيات50-61-84 من سورة هود، والآية 23 من سورة المؤمنون.
6-
تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد ص 6 للإمام العلامة الصنعاني رحمه الله، تحقيق عبد الله بن يوسف- ن دار الخلفاء للكتاب الإسلامي –ط/1"1404هـ-1984م".
مقرب ولا نبي مرسل فضلا عن غيرهم"1اهـ.
لذلك فإن أول واجب يلزم المسلم تعلمه والعمل به هو إفراد الله بالتوحيد، وقد احتسب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب على محمد بن عباد في هذا الجانب فقال رحمه الله:"قولك أول واجب على كل ذكر وأنثى النظر في الوجود ثم معرفة العقيدة ثم علم التوحيد، وهذا خطأ وهو من علم الكلام الذي أجمع السلف على ذمه، وإنما الذي أتت به الرسل أول واجب هو التوحيد ليس النظر في الوجود ولا معرفة العقيدة كما ذكرته أنت في الأوراق أن كل نبي يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 2"3.
الثاني: أن العصر الذي عاش فيه رحمه الله كان يسوده هذا النوع من الشرك، لأن الحالة الدينية المتدهورة التي كانت سائدة في عصره رحمه الله4 تحتم عليه ذلك.
ومن لوازم احتساب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في توحيد الألوهية احتسابه في كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" فهي أول الأركان ومفتاح الجنان وهي الشجرة الطيبة التي تثمر الأعمال الصالحة قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} 5.
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "فالكلمة الطيبة هي
1-الرسائل الشخصية- الرسالة الرابعة والعشرون ص 166، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 8/75.
2-
سورة المؤمنون الآية32، وراجع ص "235" هـ"5".
3-
الرسائل الشخصية- الرسالة الثانية ص 16، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/67.
4-
راجع المطلب الثاني من المبحث الأول بالفصل التمهيدي ص "38-64".
5-
سورة إبراهيم الآيات 24-26.