الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الحكمة:
قال الله عز وجل في محكم التنزيل:
الحكمة في اللغة بكسر الحاء وإهمال الكاف وضم الميم: العدل2.
والحكيم: المتقن للأمور3.
والحكيم: العالم4.
أما في الاصطلاح فقد ذكر العلماء لها عدة معان منها:
1-
عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني المعرفة بالقرآن ناسخة، ومنسوخة، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه، ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
2-
قال السدي5: الحكمة النبوة.
3-
قال أبو مالك: الحكمة السنة.
4-
قال أبو العالية6 الحكمة خشية الله.
1-سورة البقرة آية 269.
2-
لسان العرب 2/953 مادة: حكم.
3-
المصدر السابق الموضع نفسه، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 5/5901 مادة:" حكم".
4-
المصدر الأخير الموضع نفسه.
5-
هو: إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي حسن الحديث، قال أبو حاتم: لا يحتاج به مات سنة "27هـ"" الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستى 1/247 ت: 391 للإمام الذهبي وحاشيته للإمام أي الوفاء العجمي حلبي علق عليهما وخرج نصوصهما محمد عوامة-أحمد الخطيب- ن شركة دار القبلة ومؤسسة علوم القرآن- جدة ط1"1413هـ-1992م".
6-
هو: رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي مولاهم البصري، رأى الصديق، قالت حفصة بنت سيرين: سمعته يقول: قرأت القرآن على عمر ثلاث مرات، توفي سنة تسعين" المرجع السابق 1/397 ت: 1585 باختصار".
5-
قال إبراهيم النخعي1: الحكمة الفهم.
6-
قال زيد بن أسلم2: الحكمة العقل.
7-
قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة: هو3 الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله4.
8-
قال الراغب الأصفهاني5: الحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل6.
9-
قال إسماعيل الهروي: هي وضع الشيء في موضعه7.
10-
أما ابن القيم فعرف الحكمة بأنها: فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي8.
والذي أراه أن الأرجح من هذه الأقوال هو تعريف الإمام ابن القيم والله
-1هو: إبراهيم بن يزيد النخعي، أبو عمران ، الكوفي، الفقيه، رأى عائشة رضي لله عنها- وكان عجبا في الورع والخير، ، متوقيا للشهرة، رأسا في العلم، مات سنة "96هـ" كهلا " الكاشف في معرفة له رواية في الكتب السنة 1/227ت:"221" باختصار".
2-
هو: زيد بن أسلم الفقيه العمري، قال ابن عجلان: ما هبت أحدا هيبتي زيد بن أسلم، توفي سنة "136" " المرجع السابق 1/414 ت:" 1722" باختصار".
3-
لعل الصواب أن يقول: هي.
4-
جميع هذه الأقوال أوردها وغيرها الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 1/475، والراغب الأصفهاني في المفردات في غريبالقرآن ص 127 مادة:" حكم"، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني- ن دار المعرفة- بيروت- لبنان- ط/بدون، وذكر بعضها ابن القيم في التفسير القيم ص 227، حققه محمد حامد الفقي- ن دار الكتب العلمية- بيروت لبنان- ط/"1398هـ-1978م"، ومدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نعبد وإياك نستعين 2/479 بتحقيق محمد حامد فقي- ن دار الكتاب العربي- بيروت- لبنان- ط/2"1393هـ-1973م".
5-
هو: الحسين بن محمد بن المفضل، أو القاسم الأصفهاني المعروف بالراغب، أديب من الحكماء العلماء، من أهل " أصبهان" سكن بغداد واشتهر، توفي سنة "502هـ-1108هـ"" الأعلام 2/255 باختصار".
6-
المفردات في غريب القرآن ص 127 مادة: حكم.
7-
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 2/479.
8-
المرجع السابق والموضع نفسه.
تعالى أعلم بالصواب.
هذا فيما يتعلق بمفهوم الحكمة على الإطلاق، أما باعتبار خصوصيتها للمحتسب فهي: معيار ضابط للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبار حال المأمور والمنهي، والأسلوب المناسب له، في الوقت المناسب.
فليس كل الناس يصلح لهم أسلوب واحد في الاحتساب، وليست جميع المنكرات يصلح لها الاحتساب نفسه في الوقت نفسه، هذا التفاوت يقتضي استخدام المعيار الضابط لذلك كله وهو الحكمة في جميع الأحوال بحيث يستخدم المحتسب الأسلوب المناسب للاحتساب مع من يناسب من الناس في الوقت المناسب.
"فليس من الحكمة استخدام أسلوب واحد في الأمر والنهي مع الكبير والصغير والرجل والمرأة والمثقف والجاهل والأمير والحقير والغضوب والهادئ بل لابد من تنويع أسلوب المخاطبة بما يناسب السن والثقافة والطبيعة النفسية والمركز الاجتماعي لكل فرد"1.
لأن الحكمة تعني الإصابة في الأقوال والأفعال ووضع كل شيء في موضعه2.
إذن هي لين في وقت اللين فحسب، وشدة في وقت الشدة فحسب3.
فهي تعني العلم والوعي وتقدير الموقف ثم التفاعل مع الحدث تفاعلا مثمرا4.
وهذا ما أشار إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالته
1-فقه الدعوة في إنكار المنكر ص 34 تأليف عبد الحميد البلالي ، مراجعة المستشار سالم البهناوي- ن دار الدعوة- الكويت- ط/4"1411هـ-1991م". بتصرف يسير.
2-
انظر الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى تأليف سعيد بن علي بن وهف القحطاني ص 27-ط"محرم1413هـ-1992م".
3-
الحكمة في الدعوة إلى الله ص 33: د. زيد بن عبد الكريم الزيد- ن دار العاصمة- الرياض- ط"المحرم 1412هـ".
4-
انظر المرجع السابق والموضع نفسه.
التي أرسلها إلى إخوانه من أهل سدير حيث قال:
" إن بعض أهل الدين ينكر منكرا وهو مصيب لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيء يوجب الفرقة بين الإخوان"1.
هذا التغليظ ناتج عن عدم انضباط معيار الحكمة في الاحتساب عند بعض الناس، ولقد وضع ابن القيم رحمه الله للحكمة ثلاثة أركان وأضداد فقال:
"الحكمة ثلاثة أركان هي: العلم والحلم والأناة وآفاتها وأضدادها: الجهل والطيش والعجلة، فلا حكمة لجاهل ولا طائش ولا عجول"2.
ومن حكمة المحتسب أن يجعل لاحتسابه أولويات أساسية يقدم بعضها على بعض حسب الأهمية.
"وسلم الأوليات هذه يتطلب االبدء بأمور العقيدة وتقديم الكليات على الجزئيات"3.
وهذا نراه جليا في احتساب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب حيث أعطى رحمه الله العقيدة جل اهتمامه في الاحتساب لما لها من الأولية والصدارة والأهمية في كيان الامة الإسلامية، ثم تدرج رحمه الله في الاحتساب بعدئذ إلى الجوانب الفقهية والسلوكية، مما يؤكد أنه رحمه الله كان في احتسابه على جانب كبير من الحكمة، وما ورد في رسالته الجوابية التي أرسلها لعبد الله بن محمد بن عبد اللطيف4 رداً على رسالته التي أغلظ فيها على الشيخ لما خالف رحمه الله
1-الرسائل الشخصية – الرسالة الرابعة والأربعون ص 296، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 7/25.
2-
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين 2/480.
3-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ص 102 إعداد: أ. د سليمان بن عبد الرحمن الحقيل- ن دار الشبل- الرياض ط/3" 1413هـ-1993م".
4-
لم أجد له ترجمة.
بعض ما ألفه الناس في زمانه من الأمور التي تعارض الحق والدليل فقال رحمه الله:
"فإذا خالفت قول عالم لمن هو أعلم منه أو مثله إذا كان معه الدليل ولم آت بشيء من عند نفسي تكلم بهذا الكلام الشديد فإن سمعتم أني أفتيت بشيء خرجت فيه من إجماع أهل العلم توجه علي القول، وقد بلغني أنكم في هذا الأمر قمتم وقعدتم، فإن كنتم تزعمون أن هذا إنكار للمنكر فياليت قيامكم كان في عظائم بلدكم تضاد أصلي الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله منها وهو أعظمها عبادة الأصنام عندكم من بشر وحجر، هذا يذبح له، وهذا ينذر له، وهذا يطلب إجابة الدعوات وإغاثة اللهفات، وهذا يدعوه المضطر في البر والبحر، وهذا يزعمون أن من التجأ إليه ينفعه في الدنيا والآخرة ولو عصى الله، فإن كنتم تزعمون أن هذا ليس هو عبادة الأصنام والأوثان المذكورة في القرآن فهذا من العجب، فإني لا أعلم أحدا من أهل العلم يختلف في ذلك اللهم إلا أأن يكون وقع فيما وقع فيه اليهود من إيمانهم بالجبت والطاغوت، وإن ادعيتم أنكم لا تقدرون على ذلك، فإن لم يقدروا على الكل قدرتم على البعض1، كيف وبعض الذين أنكروا علي هذا الأمر وادعوا أنهم من أهل العلم ملتبسون بالشرك الأكبر ويدعون إليه، ولو يسمعون إنسانا يجرد التوحيد ألزموه بالكفر والفسوق؟ ولكن نعوذ1 بالله من رضاء الناس بسخط الله"2 ا. هـ.
ومن حكمة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله استخدامه للهجة العامية في كثير من رسائله لأن كثيرا ممن احتسب عليهم كانوا من العوام فبات من المناسب مخاطبتهم بالأسلوب الذي يفهمونه.
1-لعل الصواب أن يقول: على بعض.
2-
الرسائل الشخصية- الرسالة السابعة والثلاثون ص 266، والدرر السنية في الأجوبة النجدية1/4.