الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: الرفق:
حد علماء اللغة كلمة الرفق ببعض التعريفات منها:
1-
لين الجانب1.
2-
لين الجانب ولطافة الفعل2.
3-
لين الجانب وهو خلاف الضعف3.
وقد بوب له البخاري في صحيحه فقال: " باب الرفق في الأمر كله".
موردا فيه حديث عروة بن الزبير رضي الله عنهما4: " أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قلت: وعليكم"5.
فدل الحديث الشريف على محبة الله عز وجل للرفق في التعامل مع الناس حتى الأعداء منهم والله أعلم.
1-غريب الحديث المجلدة الخامسة 2/354 للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي، تحقيق الدكتور سليمان بن إبراهيم بن محمد لعايد –ن دار المدني- جدة- ط/1"1405هـ-1985م".
2-
أساس البلاغة 1/357مادة: رفق للزمخشري- ن الهيئة المصرية العامة للكتاب- ط/3"1985م".
3-
النهاية في غريب الح
ديث والأثر 2/246 مادة: رفق.
4-
هو: عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح " تقريب التهذيب 2/19 ت: 157 مختصرا".
5-
صحيح البخاري- ك: الأدب – ب: الرفق في الأمر كله 8/14.
قال ابن الأثير رحمه الله: الرفق: " لين الجانب وهو خلاف العنف: يقال منه رفق يرفُقُ ويرفِق"1 اهـ.
وعن عمرة يعني بنت عبد الرحمن2 عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه"3.
وعن جرير4 عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يحرم الرفق يحرم الخير"5.
لذلك دعا صلى الله عليه وسلم على من اتصف بضد هذه الصفة ممن ولي من أمور المسلمين شيئاً كما دعا لمن تحلى بالرفق منهم، فعن عبد الرحمن بن شماسة6 قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء فقالت: من أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا وإن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر، أخي، أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق
1-النهاية في غريب الحديث والأثر 2/246 مادة: رفق.
2-
عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، المدنية، أكثرت عن عائشة، كانت قبل المائة ويقال بعدها، انظر تقريب التهذيب 2/607 ت:"12".
3-
أخرجه مسلم في صحيحه ك: البر – ب: فضل الرفق ح: 4/2003.
4-
هو: جرير بن عبد الله البجلي اليماني، بسط له النبي صلى الله عليه وسلم رداءه وأكرمه، وكان سيدا مطاعا بديع الجمال، أسلم في رمضان سنة عشر، وتوفي سنة "51هـ" " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 1/291 ت: 770 مختصرا".
5-
أخرجه مسلم في صحيحه ك: البر – ب: فضل الرفق –ح: 74- 4/2003.
6-
هو عبد الرحمن بن شماسة المهري، ثقة بعد المائة " الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 1/631 ت: 32220 باختصار".
بهم فارفق به" 1.
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على فضل الرفق والحث على التخلق به وذم العنف.
روى الخلال2 عن أبي عبد الله- أحمد بن حنبل رحمهم الله أنه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ قال يأمر بالرفق والخضوع3.
وقال سفيان الثوري رحمه الله: اؤمر بالمعروف في رفق، فإن قبل منك حمدت الله عز وجل وإلا أقبلت على نفسك"4.
ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر من غير منكر5.
ولقد تخلق السلف رحمهم الله بهذا الخلق العظيم في احتسابهم قال أحمد ابن حنبل رحمه الله: كان أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه إذا أمروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلا رحمكم الله6.
وقد تقدم ذكر القاعدة المشتركة التي قعدها الإمام سفيان الثوري وقررها
1-أخرجه مسلم في صحيحه- ك: الإمارة ب: فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية ح:19،3/1458.
2-
هو: أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر المعروف بالخلال، له التصانيف الدائرة، والكتب السائرة، صحب أبا بكر المروزي إلى أن مات، وقد كانت وفاته يوم الجمعة ليومين خليا من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ودفن إلى جانب قبر المروزي " طبقات الحنابلة2/12-15 للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلي- ن دار المؤيد- بيروت لبنان-ودار المؤيد- الرياض بتصرف".
3-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 50 للخلال.
4-
الجرح والتعديل 1/124 للإمام الحافظ ابن أبي حاتم- ن دار إحياء التراث العربي- بيروت- ط/1- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد- الهند " سنة 1271هـ-1952م".
5-
الحسبة في الإسلام ص 73، وجموع الفتاوى 28/126.
6-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 47 لخلال.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله في الرفق والحلم والعلم فلتراجع1.
كما مر آنفا كلام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حول الأسلوب الأمثل في الاحتساب على من يخشى عليه الإخلال بالإخلاص والذي ذكر فيه استخدام الرفق2.
وهكذا.. فإن المحتسب إذا كانت شيمته الرفق ولين القول وطلاقه الوجه وسهولة الأخلاق عند أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فإن ذلك أبلغ في استمالة القلوب3.
والشواهد على رفق الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالمحتسب عليهم عديدة منها قوله:
"وصل كتابك وسر الخاطر جعلك الله من أئمة المتقين ومن الدعاة إلى دين سيد المرسلين
…
"4.
وقوله رحمه الله: "وصل الخط أوصلك الله ما يرضيه
…
"5.
وقوله رحمه الله: " وصل إلينا من ناحيتكم مكاتيب فيها إنكار وتغليظ عليّ ولما قيل إنك كتبت معهم وقع في الخاطر بعض الشيء لأن الله سبحانه نشر لك من الذكر الجميل وأنزل في قلوب عباده لك من المحبة مالم يؤته كثيرا من
1-انظر ص"143-144" من هذا البحث.
2-
راجع ص "140" من هذا البحث.
3-
انظر دراسات في الحسبة والمحتسب عند العرب- دراسة: الخدمات البلدية في الحضارة العربية ص 49 للأستاذ سالم الألوسي- ن مركز إحياء التراث العلمي العربي- بجامعة بغداد- ط/ مطبعة العمال المركزية.
4-
جزء من رسالته إلى السويدي عالم العراق، الرسائل الشخصية- الرسالة الخامسة ص 36، والدرر السنية في الأجوبة النجدية1/54.
5-
جزء من رسالته إلى حمد التويجري، الرسائل الشخصية- الرسالة العاشرة ص 60، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 8/106.
الناس لما ذكر عنك من مخالفة من قبلك من حكام السوء، وأيضا لما أعلم منك من محبة الله ورسوله وحسن الفهم واتباع الحق ولو خالفك فيه كبار أئمتكم
…
فكنت أحكي لمن يتعلم مني ما منّ الله عليك من حسن الفهم ومحبة الله والدار الآخرة فلأجل هذا لم أظن فيك المسارعة في هذا الأمر لأن الذين قاموا فيه مخطؤن على كل تقدير"1.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:
هل الرفق يكون دائما؟؟ أو في بعض الأحيان دون بعض؟
إنّ ما ذكر آنفا.. لا يعني أن الرفق هو الأسلوب الوحيد للاحتساب، أو أنه لا يجوز تركه في بعض الأحيان2 فإنّ المرء قد يداوي أحب الناس إليه بالكي أو ببتر عضو من أعضائه3 فإذا لم ينفع الرفق تحول المحتسب إلى الشدة4.
وهذا ما نبه إليه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله بقوله: " والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلا مباينا معلنا بالفسق والردي، فيجب نهيه وإعلانه لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة، فهذا لا حرمة له"5.
1-جزء من رسالته إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف المتقدم ذكرها- راجع ص "164" هـ ط4" من هذا البحث.
2-
انظر أصول الدعوة ص 199.
3-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصوله وضوابطه وآدابه ص 195.
4-
أصول الدعوة ص 199.
5-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 47للخلال، وجامع بيان العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم2/272.
كذلك في حالة ظهور منكر أو ترك معروف من قبل أشخاص لا يتوقع ذلك منهم، لما عرف من معرفتهم بأمور الدين أو صلاحهم أو ورعهم، فيستخدم معهم أسلوب الشدة والتعنيف كي يكون وقع الإنكار في قلوبهم أبلغ وأشد فيبتعدوا عما صاروا إليه1.
ولقد أجمل ذلك كله الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بقوله:
"إنا نعمل الزين ونغضب2 الذي يدنا3 عليه وننهى عن الشين ونؤدب الناس عليه"4.
هذا التأديب أو هذه الشدة تكون في أضيق الحالات ولنوعية محدودة من أصناف المحتسب عليهم، أما أكثر الناس فالأصل معهم استعمال الرفق.
1-انظر من صفات الداعية اللين والرفق ص 50: د. فضل إلهي ظهير- ن إدارة ترجمان- الإسلام سي 336-باكستان- ط/1"1411هـ-1991م"- مطبعة سفير- الرياض.
2-
كلمة عامية معناها: نجبر.
3-
لعل المقصود بيدنا "اليد" بمعنى الكف وهي كتابة عن القدرة بمعنى: " الذي نقدر عليه" والله أعلم.
4-
الرسائل الشخصية – الرسالة السابعة ص 44، الدرر لسنية في الأجوبة النجدية1/43.