المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السادس: احتسابه على الموالاة والمعاداة: - احتساب الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله)

[مرفت بنت كامل بن عبد الله أسرة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌‌‌الفصل التمهيدي: مجتمع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللهوحياته

- ‌الفصل التمهيدي: مجتمع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌المطلب الأول: الأحوال السياسية

- ‌المطلب الثاني: الأحوال الدينية:

- ‌المطلب الثالث: الأحوال الاجتماعية:

- ‌المطلب الرابع: الأحوال العلمية:

- ‌المبحث الثاني: ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌المطلب الأول: مولده ونسبه ونشأته:

- ‌الفرع الأول: مولده رحمه الله:

- ‌الفرع الثاني: نسبه رحمه الله:

- ‌الفرع الثالث: نشأته رحمه الله:

- ‌المطلب الثاني: رحلته لطلب العلم وشيوخه رحمه الله:

- ‌بين يدي الرحلة:

- ‌الفرع الأول: الرحلة الاولى:

- ‌الفرع الثاني: الرحلة الثانية:

- ‌الفرع الثالث: شيوخه رحمه الله:

- ‌المطلب الثالث: تلاميذه ومؤلفاته وثناء العلماء عليه رحمه الله:

- ‌الفرع الأول: تلاميذه رحمه الله:

- ‌الفرع الثاني: مؤلفاته رحمه الله:

- ‌الفرع الثالث: ثناء العلماء عليه رحمه الله:

- ‌المطلب الرابع: وفاته ومرثياته رحمه الله:

- ‌الفرع الأول: وفاته رحمه الله:

- ‌الفرع الثاني: مرثياته رحمه الله:

- ‌الفصل الأول: الحسبة في فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌المبحث الأول: صفات المحتسب عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌المطلب الأول: الإخلاص

- ‌المطلب الثاني: العلم والعمل:

- ‌المطلب الثالث: الحكمة:

- ‌المطلب الرابع: الأناة والتثبت:

- ‌المطلب الخامس: الرفق:

- ‌المطلب السادس: الصبر

- ‌المبحث الثاني: شروط الاحتساب عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌المطلب الأول: أن يكون المنكر ظاهرا

- ‌المطلب الثاني: ألا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أكبر منه:

- ‌المطلب الثالث: ألا يكون الإنكار في مسائل الاجتهاد

- ‌المبحث الثالث: درجات الاحتساب عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌المطلب الأول: التغيير باليد

- ‌المطلب الثاني: الإنكار باللسان:

- ‌المطلب الثالث: الإنكار بالقلب:

-

- ‌الفصل الثاني: الحسبة العملية للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌المبحث الأول: احتسابه في جوانب العقيدة

- ‌المطلب الأول: احتسابه في توحيد الألوهية:

- ‌الفرع الأول: فحوى توحيد الألوهية:

- ‌الفرع الثاني: معنى كلمة لا إله إلا الله:

- ‌الفرع الثالث: مقتضى لا إله إلا الله:

- ‌الفرع الرابع: نواقض لا إله إلا الله:

- ‌الفرع الخامس: تكفير المناقضين لكلمة لا إله الله:

- ‌المطلب الثاني: احتسابه في توحيد الأسماء والصفات:

- ‌المطلب الثالث: احتسابه في توحيد الربوبية:

-

- ‌المطلب الرابع: احتسابه بإزالة الأوثان:

- ‌الفرع الأول: قطع الأشجار المعظمة المتبرك بها:

- ‌الفرع الثاني: هدم القباب المبنية على قبور المعظمين:

-

- ‌الملطلب الخامس: احتسابه على أهل البدع:

- ‌الفرع الأول: بدعة بناء القباب على القبور:

- ‌الفرع الثاني: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي:

- ‌الفرع الثالث: بدعة التصوف:

- ‌المطلب السادس: احتسابه على الموالاة والمعاداة:

- ‌المطلب السابع: احتسابه على السحر والتنجيم والكهانة:

- ‌الفرع الأول: السحر:

- ‌الفرع الثاني: التنجيم:

- ‌الفرع الثالث: الكهانة ونحوها:

- ‌المطلب الثامن: احتسابه على التمائم والرقى:

- ‌الفرع الأول: التمائم:

- ‌الفرع الثاني: الرُّقى:

- ‌المبحث الثاني: احتسابه في العبادات:

- ‌المبحث الثالث: احتسابه في المعاملات

- ‌المطلب الأول: احتسابه على الوقف على الأولاد:

- ‌المطلب الثاني: احتسابه على بعض صور الربا:

- ‌المطلب الثالث: احتسابه على الرشوة:

- ‌المطلب الرابع: احتسابه على العشور والمكوس:

- ‌المبحث الرابع: احتسابه في الحدود

- ‌المطلب الأول: احتسابه برجم المرأة الزانية:

- ‌المطلب الثاني: احتسابه بقتال المخالفين للعقيدة الصحيحة:

- ‌المبحث الخامس: احتسابه في الآداب والسلوك

- ‌المطلب الأول: احتسابه في التأدب مع آل البيت:

- ‌المطلب الثاني: احتسابه على الغناء:

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول: احتسابه على الغناء المصاحب للمعازف:

- ‌الفرع الثاني: احتسابه على الغناء المجرد عن المعازف:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب السادس: احتسابه على الموالاة والمعاداة:

‌المطلب السادس: احتسابه على الموالاة والمعاداة:

الموالاة والمعاداة من أهم القضايا العقدية التي احتسب فيها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

وهما كلمتان متضادتان في المعنى:

فالموالاة لغة: مصدر من ولي، والي: القرب والدنو..والولي: ضد العدو، والموالاة ضد المعاداة، والولاية: النصرة1.

والولي: الصديق والنصير....

قال ابن الأعرابي: الولي: التابع المحب، وتولاه: اتخذه وليا، وأنه لبين الولاة والولية والتولي والولاء والولاية واللاية.

والموالاة: المتابعة، وتوليت فلانا أي أتبعته، ورضيت به والتولي الاتباع2.

والمعاداة لغة: مصدر من العدو ضد الولي..يقال عدو بين العداوة والمعاداة.. وتعادى القوم تباعدوا3.

وعاديت الشيء: باعدته، وعديت له: أبغضته، وتعاديت عنه أي تجافيت.

لا يعادني أي: لا يجافيني..وتعادى ما بينهم: اختلف4.

ويوازن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين المعنين قائلا: " أصل الموالاة هي المحبة، كما أن أصل المعاداة البغض فإن التحاب يوجب التقارب

1-الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 6/2528 مادة: ولي مختصرا.

2-

لسان العرب6/4924-4925 مادة: "ولي" مختصرا.

3-

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 6/2419 مادة: " عدا" مختصرا.

4-

لسان العرب 4/194-251 مادة: عدا بتصرف.

ص: 313

والاتفاق.. والتباغض يوجب العداوة والاختلاف"1اهـ.

كما قال ابن القيم رحمه الله: " الولاية تنافي البراءة فلا تجتمع البراءة والولاية أبدا، والولاية إعتزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبدا.. والولاية صلة فلا تجامع معاداة الكافر أبداً"2 اهـ.

وأصل الولاء القرب والتقارب بين أهل الإيمان بقلوبهم وإن تباعدت أبدانهم3.

أما عن معنى الموالاة والمعاداة في الشرع: فيقول الشيخ سليمان بن عبد الله ابن محمد بن عبد الوهاب4 رحمه الله: " الموالاة5 - في الله- التي هي لازم الحب: النصرة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبين باطنا وظاهرا.

والمعاداة فيه: أي إظهار العداء بالفعل كالجهاد لأعداء لله والبراءة منهم والبعد عنهم باطنا وظاهرا"6اهـ.

ويذكر أهل العلم أن من أصول العقيدة الإسلامية أنه يجب على كل مسلم

1-قاعدة في المحبة ص 198، تحقيق وتعليق الدكتور محمد رشاد سالم- ن وط مكتبة التراث الإسلامي- القاهرة.

2-

أحكام أهل الذمة 1/242، حققه وعلق عليه الدكتور صبحي الصالح- ن دار العلم للملايين- ط/2"1401هـ-1981م" بيروت.

3-

محاضرات في العقيدة والدعوة 1/270 بتصرف.

4-

هو: حفيد الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، ولد في الدرعية عام "1200هـ" تربى في بيت علم وصلاح وتقى، فأقبل على العلم وانقطع إليه بكليته، عينة الإمام سعود بن عبد العزيز قاضيا في مكة المكرمة، كما اختاره ليكون مدرسا، توفي في آخر سنة "1233هـ" مقتولا " انظر علماء نجد خلال ستة قرون1/291-298".

5-

للإستزادة انظر كلام الإمام الطبري عن معنى الموالاة في جامع البيان في تفسير القرآن 6/178، والحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 2/392.

6-

تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 480 للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب- ن المكتب الإسلامي ط/4"1400هـ" بيروت- دمشق، بتصرف يسير، وانظر كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ابن حسن رحمه الله عن الموالاة والمعاداة في الدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/236، 2/157، وكلام الشيخ عبد العزيز العنقري بالمرجع السابق 7/309.

ص: 314

يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويوالهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم1.

والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} 2.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} 3.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 4.

ومما يجب التنبيه عليه أن الموالاة ليست مرادفة للتولي المشار إليه في الآية السابقة بل بينهما اختلاف، وفي ذلك يقول الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف5 رحمه الله: " التولي كفر يخرج من الملة وهو كالذب عنهم وإعانتهم بالمال والبدن والرأي، والموالاة كبيرة من كبائر الذنوب كبل الدواء أو بري القلم أو

1-انظر الولاء والبراء في الإسلام ص 3 للشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان- ن دار الوطن- الرياض "1411هـ".

2-

سورة آل عمران آية 28.

3-

سورة النساء آية 144.

4-

سورة المائدة آية 51.

5-

هو: عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقيه خطيب من أهل نجد، ولد في الهفوف سنة "1265هـ-1849م" كان مرجع النجديين في أمور دينهم، شارك في سياستهم وحروبهم واشتهر بالكرم والدهاء، ظل في الرياض بعد هجر آل سعود إلى الكويت وهو جد الملك فيصل بن عبد العزيز لأمه، توفي في الرياض سنة "1340هـ-1921م". " الأعلام 4/99 بتصرف يسير".

ص: 315

التبشش لهم لو رفع السوط لهم"1.

ويقول الشيخ سليمان بن سحمان في قصديته" المسماة بحماقة وجهالة":

وأصل بلاء القوم حيث تورطوا

هو الجهل في حكم الموالاة عن زلل

فما فرقوا بين التولي وحكمه

وبين الموالاة التي هي في العمل

أخف ومنها ما يكفر فعله

ومنها يكون دون ذلك في الخلل2

ويذكر أهل العلم أن موالاة الكفار من سمات المنافقين3:

فإذا كان الأمر كذلك فهذا كاف في تحريمها4.

ويقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مبينا حكم موالاة أعداء الإسلام:

"من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب5، ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم"6.

قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ

1- الددر السنية في الأجوبة النجدية 7/201.

2-

ديوان عقد الجواهر المنضدة الحسان ص 213، أشرف على تصحيحه وضبطه وعلق عليه عبد الرحمن بن سليمان الرويشد- ن مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحيفة- ط/ مطابع الأهرام التجارية، ولأهل العلم أقوال متعددة في هذه القضية لا يتسع المقام لسردها، انظر المقال فيها في كتاب الموالاة والمعادة في الشريعة الإسلامية ص 31-47 لمحامس بن عبد الله الجلعود- ن دار اليقين- المنصورة دار الفرقان- الرياض ط/"1407هـ-1987م".

3-

انظر مجموع الفتاوى 28/190.

4-

انظر مجموعة كتب ورسائل العلامة الشيخ حمد بن علي بن عتيق رحمه الله ص 15- رسالة سبيل النجاة والفكاك في موالاة المرتدين وأهل الإشراك: عني بتصحيحها ومراجعتها إسماعيل بن سعد بن عتيق- ن دار القرآن الكريم- بيروت " 1400هـ".

5-

الأصول الثلاثة وأدلتها ص4.

6-

ثلاث مسائل ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- القسم الأول ص 275.

ص: 316

وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1.

بل إن هذا الفعل مناف للإيمان مضاد له، ولا يجتمع هو والإيمان كما لا يجتمع الماء والنار في تصور البشر2.

لذلك يربط الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في احتسابه بهذا الخصوص بين الموالاة والمعاداة في الله وبين تحقيق كلمة لا إله إلا الله قائلا:

" المراد قولها3 مع معرفتها بالقلب، ومحبتها ومحبة أهلها، ويبغض من خالفها ومعادته"4.

وينكر رحمه الله متعجبا على من: " عرفها5 من وجه، وعاداها وأهلها من وجه، وأعجب منه من أحبها وانتسب إلى أهلها، ولم يفرق بين أوليائها وأعدائها، يا سبحان الله العظيم أتكون طائفتان مختلفتين6 في دين الله، وكلهم على الحق كلا والله"7. اهـ.

1- سورة المجادلة آية 22.

2-

انظر مجموعة التوحيد تحتوي على كتب ورسائل للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ولبعض أبنائه وأحفاده وغيرهم من العلماء – رسالة حكم الموالاة أهل الشرك لسليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص 388- ن شركة العبيكان- الرياض- أمر بطبعه الشيخ محمد العبيكان- الرياض.

3-

أي كلمة التوحيد لا إله إلا الله.

4-

مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- القسم الأول- رسالة تفسير كلمة التوحيد ص 363.

5-

أي كلمة لا إله إلا الله.

6-

الصواب أن يقال مختلفتان.

7-

الرسائل الشخصية- الرسالة السابعة والعشرون ص 183، الدرر السنية في الأجوبة النجدية 2/29.

ص: 317

وإذا كانت البغضاء متعلقة بالقلب، فإنها لا تنفع حتى تظهر آثارها وتتبين علاماتها، ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعدواة والمقاطعة، فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين، وأما إذا وجدت الموالاة والمواصلة، فإن ذلك يدل على عدم البغضاء1، وهل يتم الدين ويقام علم الجهاد وعلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله؟ 2.

وفي ذلك يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

"الإنسان لا يستقيم له إسلام- ولو وحد لله وترك الشرك- إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض"3.

ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء لم يكن هناك فرقان بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان4.

والولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم، وتشييع ميتهم، وإعانتهم، والرحمة بهم، وغير ذلك.

والبراءة من الكفار تكون ببغضهم- دينا- ومفارقتهم، وعدم الركون إليهم،

1- رسالة سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك للشيخ حمد بن عتيق ضمن مجموعة رسائله ص 26 بتصرف يسير.

2-

أوثق عرى الإيمان ص 38: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب " 1200-1233هـ"، تحقيق الوليد بن عبد الرحمن الفريان- ن دار طيبة- الرياض- ط/1"1409هـ-1988م" بتصرف يسير.

3-

مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- القسم الأول- العقيدة والآداب الإسلامية ص 355، وانظر الدرر السنية في الأجوبة النجدية 7/154.

4-

أوثق عرى الإيمان ص 38 بتصرف يسير.

ص: 318

أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعا، وجهادهم بالمال واللسان والسنان، نحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله1.

وذلك بعيدا عن حظوظ النفس ونزغات الهوى التي تعمى عن الحق وتصم بدافع من الشيطان.

ويوصي الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله المسلمين بموالاة أهل لا إله إلا الله ومعاداة من حارب التوحيد وأهله قائلا:

" فالله الله يا إخواني، تمسكوا بأصل دينكم ، وأوله وآخره، وأسه ورأسه شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها وأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت وعادوهم، وأبغضوهم، وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم ، أو لم يكفرهم"2.

وما أحوجنا في هذا الزمن الذي تميعت فيه قضايا التوحيد! إلى الأخذ بوصية الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب النفيسة والعمل بها.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ممحصا للقضية: المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك، فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه، والعقاب لأعدائه"3اهـ.

1- نواقض الإيمان القولية والعملية ص 360 للدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف- ن دار الوطن- الرياض ط/2"1415هـ".

2-

مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب- القسم الأول- العقيدة والآداب الإسلامية ص 368.

3-

مجموع الفتاوى 28/209.

ص: 319

وهنا تبرز المفاضلة الإيمانية وترتفي بمن يحقق الموالاة والمعاداة لله وحده دون سواه حتى تصل به إلى القمة.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "أي عرى الإيمان- اظنه قال: أوثق-؟ " قال: الله ورسوله أعلم، قال صلى الله عليه وسلم:" الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله" 1، والباعث الحقيقي لتلك الموالاة والمعاداة محبة الله عز وجل، فمتى وجدت محبته في القلب تحمل المؤمن حينئذ وتقبل تكاليف هذه المحبة ولوازم عبادته لله تعالى2.

وإذا أشرب القلب بالإيمان وتحقق بالتوحيد، ولم يبق فيه محبة لغير الله عز وجل ومحبة ما لا يحبه الله ولا كراهية لغير ما يكرهه الله3.

أما من يوالي أعداء الله أو يعادي أولياءه فقد توعده الله بالوعيد الشديد.

قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} 4.

ففي الآية الكريمة دلالة على أن من اتخذ من دون الله ورسوله أولياء، ويوالي لهم ويعادي لهم، ويرضى لهم، ويغضب لهم، فإن أعماله كلها باطلة يراها يوم

1- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، مسند عكرمة عن ابن عباس 12/215 ح: 11537، وأخرجه الطيالسي: مسند أبي داود الطيالسي ص 50-ح: 378- ن دار المعرفة – بيروت- لبنان.

والحديث حسنة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/306 ح:1728، وصحيح الجامع الصغير وزيادته 2/343 ح:2536.

2-

انظر الولاء والبراء في الإسلام: محمد بن سعيد القحطاني ص 108-ن دار طيبة- الرياض- ط/1.

3-

انظر جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم 2/376.

4-

سورة البقرة الآيتان 166-167.

ص: 320

القيامة حسرات عليه مع كثرتها وشدة تعبه فيها ونصبه، إذ لم يجرد موالاته ومعاداته، ومحبته وبغضه، وانتصاره وإيثاره لله ورسوله، فأبطل الله عز وجل ذلك العمل كله وقطع تلك الأسباب، فينقطع يوم القيامة كل سبب وصله ووسيلة ومودة وموالاة كانت لغير الله تعالى1.

وقد حذر الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من مغبة معاداة التوحيد وأهله وموالاة الشرك وأهله قائلا:

"وأنا أنصحكم لله وانخاكم 2 لا تضيعوا حظكم من الله، وتحبون دين النصارى على دين نبيكم فما ظنكم بمن واجه الله وهو يعلم من قلبه أنه عرف التوحيد دينه ودين رسوله وهو يبغضه ويبغض من اتبعه، ويعرف أن دعوة غيره هو الشرك، ويحبه ويحب من اتبعه أتظنون أن الله يغفر لهذا"3اهـ.

فليت شعري لو أن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله موجود بين ظهرانينا تراه ماذا سيقول عن أعياد الميلاد، ورأس السنة، والكنائس المشيدة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى، والأضرحة التي يطاف حولها ويدعى أصحابها جهارا في تلك البلاد؟ فإلى الله المشتكى.

1- انظر الرسالة التبوكية ص 51 تأليف الإمام ابن قيم الجوزية، مراجعة الشيخ عبد الظاهر أبي السمح- ن قصي محب الدين الخطيب – ط/3"1396هـ".

2-

سبقت الإشارة إلى معناها ص "219"هـ"3".

3-

الرسائل الشخصية- الرسالة التاسعة والعشرون ص 197، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/61.

ص: 321