الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله: "هناك نوع آخر من التنجيم وهو أن الإنسان يستدل بطلوع النجوم على الأوقات، والأزمنة، والفصول، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه، مثل أن نقول إذا دخل نجم فلان فإنه يكون قد دخل موسم الأمطار أو قد دخل وقت نضوج الثمار وما أشبه ذلك، فهذا لا بأي به ولا حرج فيه"1 والله تعالى أعلم. وفي الأثر روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق ثم أمسكوا"2.
1-مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين 1/191.
2-
ذكره البغوي في شرح السنة 12/183.
الفرع الثالث: الكهانة ونحوها:
أما الكهانة فتعريفها في اللغة:
من كهن يكهن ويكْهُنُ وكَهُنَ كهانة، وتكهن وتكهنا: قضى له بالغيب1.
وللكاهن عدة تعريفات منها:
1-
هو الذي يتعاطى الخبر من الكائنات في مستقبل الزمان ويدعى ومعرفة الأسرار2.
2-
هو الذي له رئي من الجن، يأتيه بأخبار3.
3-
هو الذي يأخذ من مسترق السمع4.
1-لسان العرب 5/3949 مادة: كهن بتصرف يسير.
2-
المصدر السابق 5/3950، وانظر كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ص 55.
3-
الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل 4/308، وانظر المغني 12/305.
4-
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 255 للشيخه عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ راجع حواشيه وصححه وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- ن دار الخير- ط/1"1413هـ-1993م".
وبينه وبين الساحر فرق.
وذكر الإمام أحمد رحمه الله الفرق بين الساحر والكاهن فقال: الكاهن يدعي الغيب، والساحر يعقد ويفعل1.
وتكذيب الكهنة من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
برهان ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي2 رضي الله عنه قال: " قلت يا رسول الله: أمورا كنا نصنعها في الجاهلية، كنا نأتي الكهان قال: فلا تأتوا الكهان
…
" 3 الحديث.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا فصدقه يما يقول أو أتى امرأة حائضا ، أو أتى امرأة من دبرها فقد برئ مما نزل على محمد"4.
وفي رواية: "من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد"5.
فلهذا أكد أهل العلم في معتقدهم على تكذيب الكهنة.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: " ولا نصدق كاهنا ولا عرافا، ولا من
1-أحكام أهل الملل من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل ص 469.
2-
معاوية بن الحكم السلمي: صحابي نزل المدينة " تقريب التهذيب 2/258 ت:1223".
3-
أخرجه مسلم ك: السلام – ب: تحريم الكهانة وإتيان الكهان ح:121-4/1748.
4-
أخرجه أبو داود في سننه -ك: الطب – ب: في الكاهن ح: 3904-4/225، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود ح: 3304-2/739.
5-
أخرجه الترمذي في سننه- أ: طهارة ب: في كراهية إتيان الحائض ح: 135-1/90 وابن ماجة في سننه بزيادة: "فصدقه بما يقول" بعد كاهنا- ك: طهارة ب: النهي عن إتيان الكاهن ح: 639-1/209، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/105 ح: 522، وصحيح سنن الترمذي 1/44 ح:116.
يدعى شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة"1.
قال العلامة البابرتي 2 رحمه الله: أما تذكيب الكاهن والعراف فلأن الإطلاع على الغيب مما استأثر الله به نفسه لا يطلع عليه أحد إلا من ارتضاه الله تعالى من أنبيائه بالوحي إليهم على ما قال تعالى: {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} 3، والكاهن والعراف ليسا من الأنبياء فلا نصدقها"4.
وحماية لجناب التوحيد حرم الشارع إتيان الكهان حتى لا تقع الفتنة بتصديقهم.
ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله: "وأما سؤال العرافين والمشعوذين والمنجمين وأشباههم ممن يتعاطى الأخبار عن المغيبات فهو منكر لا يجوز وتصديقهم أشد وأنكر بل هو من شعب الكفر"5.
قال الإمام البغوي: "
…
العراف هو الذي يدعي معرفة الامور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقها6 ومكان الضالة وتتهم المرأة بالزنى فيقول: من صاحبها ونحو ذلك من الأمور"7اهـ.
1-متن العقيدة الطحاوية ص 15.
2-
هو: محمد بن محمد بن محمود أبو عبد الله ابن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، علامة بفقه الحنفية، ولد سنة "714هـ-1314م"، وتوفي بمصر سنة "786هـ-1384م". " الأعلام 7/42 بتصرف".
3-
جزء من الآيتين 26-27 من سورة الجن.
4-
شرح العقيدة أهل السنة والجماعة: العقيدة الطحاوية ص 151 لأبي جعفر الطحاوي تأليف البابرتي، تحقيق الدكتور عارف أيتكن –ط/1"1409هـ-1989م".
5-
إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين ص 34 تأليف سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بت باز- ن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.
6-
الصواب أن يقول: سرقة.
7-
شرح السنة 12/182 وذكره بتصرف يسير الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ص 55.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [العرّاف] اسم عام للكاهن والمنجم والرمَّال ونحوهم ممن يتكلم في تقدم المعرفة بهذه الطرق) ؟ 1 ا. هـ.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"2.
وعن صفية رضي الله عنها عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة"3.
ففي هذا الحديث بيان ذكر عقوبة من أتى العرَّاف المتضمن للكاهن وغيره وهي: عدم قبول صلاته لمدة أربعين ليلة، بينما عقوبته في حديث أبي هريرة المتقدم إخراجه من دائرة الإسلام كُلية (كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
ولا تعارض بين الحديثين على قول من يقول هو كفر دون كفر4 أما من يقول بظاهر الحديث فيكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان لاعتقاده أنَّه يعلم الغيب5.
ويقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله: (العلاقة بين التنجيم والكهانة أنَّ الكل مبني على الوهم والدجل، وأكل أموال الناس بالباطل، وإدخال الهموم والغموم عليهم)6.
1 مجموع الفتاوى 35/173 بتصرف يسير.
2 أخرجه الحاكم في المستدرك- ك: الإيمان ب: التشديد في إتيان الكاهن وتصديقه 1/8، وقال الحاكم: هذا حديت صحيح على شرطهما جميعاً من حديث ابن سيرين ولم يخرجاه ووافقه الحافظ الذهبي قائلاً: (على شرطهما) في ذيله التلخيص على الكتاب نفسه 1/7، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5/223 ح:5815.
3 أخرجه مسلم في صحيحه- ك: اللام- ب: تحريم الكهانة وإتيان الكهان ح: 125- 4/1751.
4 انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص 256.
5 انظر تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 409.
6 مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 1/191.
ولما شاع بين الناس إتيان السحرة والكهان الذين يزعمون أنَّ كشفهم عن المُغيَّب من الكرامات! قام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بالاحتساب على أولئك الدجالين قائلاً:
[ما يفعله كثير من أتباع إبليس وأتباع المنجمين والسحرة والكهان ممن ينتسب إلى الفقر1 وكثير ممن ينتسب إلى العلم من هذه الخوارق التي يوهمون بها الناس ويشبهونها بمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، ومرادهم أكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله حتى إنَّ بعض أنواعها يعتقد فيه من يدعي العلم أنَّه من العلم الموروث عن الأنبياء من علم الأسماء وهو من الجبت والطاغوت]2.
ووصف رحمه الله هذه الأفعال بأنَّها تشبُّه بأهل الجاهلية فقال رحمه الله:
[وهذه الخصلة الجاهلية موجودة اليوم في كثير من الناس، لاسيما من انتسب إلى الصالحين وهو عنهم بمراحل، فيتعاطى الأعمال السحرية من إمساك الحيات وضرب السلاح والدخول في النيران وغير ذلك مما وردت الشريعة بإبطاله، فأعرضوا ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما ألقاه إليهم شياطينهم وادعوا أنَّ ذلك من الكرامات مع أنَّ الكرامة لا تصدر عن فاسق، ومن يتعاطى تلك الأعمال فسقهم ظاهر للعيان] 3 ا. هـ.
هكذا احتسب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على السحر
1 الفقر في اصطلاح كثير من الناس عبارة عن طريق الزهد وهو من جنس التصوف، فإذا قيل: هذا فيه فقر، أو ما فيه فقر لم يرد به عدم المال، ولكن يراد به ما يراد باسم الصوفي:(الصوفية والفقراء ص 27 لشيخ الإمام ابن تيمية- ن، ط مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر) .
2 الرسائل الشخصية- الرسالة السابعة والثلاثون ص266، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/41.
3 مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية ص 30.
والشعوذة والكهانة وما يلحق بها، وللمحتسبين فيه أسوة حسنة، فقضية السحر وما يلحق بها من تنجيم وكهانة وعرافة وغيرها من أخطر القضايا العقائدية التي يجب أن يُوليها رجال الحسبة اهتمامهم في الإنكار والتغيير.
وقد أكّد سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان بالإنكار على من يأتي إلى السحرة والكهان والعرافين ونحوهم، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها، والإنكار عليهم أشد الإنكار1.
1 انظر حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها ص5- ن رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء- وكالة المطبوعات والترجمة- الرياض (1414 هـ) وقف لله تعالى.