الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: احتسابه في توحيد الأسماء والصفات:
ثاني القواعد الثلاثة التي تقوم عليها بنيان التوحيد: توحيد الأسماء والصفات.
فلا يستقيم اعتقاد المسلم ولا تستقيم عبادته على الوجه المشروع إلا بمعرفة وتحقيق هذا النوع من التوحيد وفق الأصول التي جاء بها الكتاب والسنة، وما هلك الهالكون وضل المبتدعون من أهل الفرق المنحرفة إلا بتخبطهم في توحيد الأسماء والصفات، بينما هدى الله عباده الموحدين المعتصمين بالكتاب والسنة إلى الحق فيما اختلف فيه الضلال.
والصفة في اللغة: الحلية1.
ومعنى توحيد الأسماء والصفات شرعا: إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بإثبات ما أثبته ونفي ما نفاه من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، بل يؤمن بأن الله سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2 3.
ففي الآية الكريمة دلالة على انتفاء النظر لله عز وجل في أسمائه وصفاته.
فالتحريف: تغيير ألفاظ الأسماء والصفات، أو تغيير معانيها كقول الجهمية في "استوى": استولى، وكقول بعض المبتدعة إنَّ:" الغضب في حق الله"
1-لسان العرب 6/4849 مادة: "وصف".
2-
جزء من الآية 11 من سورة الشورى.
3-
متن العقيدة الواسطية ص 4 لشيخ الإسلام ابن تيمية- ن مكتبة السوادي- "1413هـ"، بتصرف وشرح ثلاثة الأصول ص 34 لفضيلة الشيخ محمد بن صالح عثيمين، إعداد فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان- ن دار الثريا- الرياض- ط/1"1414هـ-1994م"، ومعجم ألفاظ العقيدة ص 104، أبي عبد الله عامر عبد الله فالح- مكتبة العبيكان- الرياض- ط/1"1417هـ-1997م".
إرادة الانتقام، وأن معنى:" الرحمة" كذلك إرادة الإنعام، وكل هذا تحريف1.
والتعطيل لغة: الإخلاء، يقال عطله أي أخلاه، والمراد به هنا نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى2 كقوله تعالى:{وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} 3 أي: مخلاة متروكة 4 وهو مأخوذ من قولهم: جيد معطل أي خال من الحلي، فالجهمية وأشباههم قد عطلوا لله عن صفاته فلذلك سموا بالمعطلة5.
أما أهل السنة والجماعة فلا يعطلون أي اسم من أسماء الله، أو أي صفة من صفات الله، ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقرارا كاملا6.
والتكييف: معناه بيان الهيئة التي عليها الصفات7 وهو أن تذكر كيفية الصفة
…
والتكييف يسأل عنه بكيف
…
وأهل السنة والجماعة لا يكيفون صفات الله 8 فكما أن له ذاتا ولا نعلم كيفيتها فكذلك له صفات ولا نعلم كيفيتها إذ لا يعلم ذلك إلا هو مع إيماننا بحقيقة معناها9.
1-انظر كلام سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في العقيدة الواسطية ص 15 " الهامش" حاشية العلامة الشيخ العلامة الشيخ محمد مانع تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- ط دار طبرية- الرياض ط/1"1415هـ-1995م".
2-
شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 13 تأليف الشيخ الدكتور: صالح الفوزان – ن مكتبة المعارف- الرياض ط/6"1413هـ-1993م".
3-
سورة الحج آية 45.
4-
شرح العقيدة الواسطية 1/91 لفضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين خرج أحاديثه واعتنى به سعد بن فواز الصميل- ن دار ابن الجوزي- ط/2"ذو القعدة 1415هـ".
5-
العقيدة الواسطية ص 15 تعليق سماحة الشيخ ابن باز – الحاشية.
6-
شرح العقيدة الواسطية 1/91 لفضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين، بتصرف يسير
7-
العقيدة الواسطية ص 16 تعليق سماحة الشيخ ابن باز
8-
شرح العقيدة الواسطية 1/97 لفضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين، باختصار
9-
العقيدة الواسطية ص 16 تعليق سماحة الشيخ ابن باز
روى اللالكائي1 عن جعفر بن عبد الله قال جاء رجل إلى مالك بن أنس رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 2.
كيف استوى؟ قال: فما رأيت مالكا وجد من شيء كموجودته من مقالته وعلاه الرحضاء- يعني العرق- قال: وأطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فيه قال فسرى عن مالك فقال: الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالا وأمر به فأخرج3.
والتمثيل: ذكر مماثل للشيء وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة يقولون: إن الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا له علم وليس مثل علمنا، له بصر وليس مثل بصرنا، له وجه وليس مثل وجوهنا، له يد وليست مثل أيدينا، وهكذا جميع الصفات4.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"القول في الصفات كالقول في الذات، فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقية، لا تماثل الذوات فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات"5.
فكما أنه لا يقال ذات الله مثل ذواتنا، أو شبه ذواتنا، وهكذا فلا يقال في صفاته أنها مثل صفاتنا أو شبه صفاتنا، بل على المؤمن أن يلتزم قوله
1-هو: هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي، أبو القاسم اللالكائي، حافظ للحديث من فقهاء الشافعية من أهل طبرستان، استوطن بغداد ومات في الدينور سنة " 1418هـ-1027"" الأعلام 8/71 باختصار".
2-
سورة طه آية 5.
3-
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم 3/398.
4-
شرح العقيدة الواسطية 1/102 لفضيلة الشيخ ابن عثيمين، باختصار.
5-
الرسالة التدمرية مجمل اعتقاد السلف ص29، ن المكتب الإسلامي –ط/3"1400هـ1980م".
تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 و {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} 2 والمعنى لا أحد يساميه أي يشابهه3.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} : هل تعلم للرب مثلا أو شبها4 وفي ذلك يقول الحافظ ابن منده رحمه الله: "
…
إنه عز وجل أزلي بصفاته التي وصف بها نفسه ووصفه الرسول صلى الله عليه وسلم غير زائلة عنه ولا كائنة دونه، فمن جحد صفة من صفاته بعد الثبوت كان بذلك جاحدا، ومن زعم أنها محدثة لم تكن ثم كانت على أي معنى تأوله دخل في حكم التشبيه"5ا. هـ
هذه العقيدة الصافية ارتوى من معينها الإمام محمد بن عبد الوهاب ثم قام محتسبا على ما يكدر صفوها من شوائب فقال رحمه الله في رسالته إلى عبد الله ابن سحيم مطوع المجمعة محتسبا على المويس الذي أرسل لأهل الوشم كتابا مليئا بالأخطاء ما نصه:
"فإنه – أي المويس- أنكر على أهل الوشم6 إنكارهم على من قال ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض"7.
1-جزء من الآية 11 من سورة الشورى.
2-
سورة مريم آية 65.
3-
العقيدة الواسطية ص 16- الحاشية- تعليق سماحة الشيخ ابن باز على العقيدة الواسطية- بتصرف يسير.
4-
تفسير القرآن العظيم 5/245.
5-
كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد 3/7 للحافظ ابن منده، تحقيق الدكتور علي الفقيهي- ن مكتبة الغرباء الأثرية- المدينة المنورة.
6-
سبق التعريف به راجع ص "70" هـ"4".
7-
الرسائل الشخصية- الرسالة العشرون ص 130 والدرر السنية في الأجوبة النجدية 3/181.
وعن دلالة هذه الألفاظ يقول القاضي أبو يعلى رحمه الله: " الجسم عبارة عن المؤلف، والمؤلف المجتمع، والاجتماع هو تداني الجوهرين على وجه لا يدخل بينهما ثالث، والجوهر هو الجزء الذي لا يتجزأ وهو الحامل للأعراض الشاغلة للحيز، والعرض هو المعنى العارض للجوهر الذي يصح بطلانه منه مع بقاء الحامل له، ومعنى الجزء عبارة عن بعض الأجسام، وحقيقته أنه منفرد من جملة فإذا كان واحدا فهو غير متجزئ"1 ويستأنف الشيخ الإمام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله احتسابه على المويس لما أنكر على أهل الوشم إنكارهم الآنف الذكر فيقول: " وهذا الإنكار جمع فيه بين اثنين:
أحداهما: أنه لم يفهم كلام ابن عيدان2 وصاحبه.
الثانية: أنه لم يفهم صورة المسألة، وذلك أن مذهب الإمام احمد وغيره من السلف أنهم لا يتكلمون في هذا النوع إلا بما يتكلم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فما أثبته الله لنفسه أو أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم أثبتوه، مثل الفوقية، والاستواء، والكلام، والمجيء، وغير ذلك، وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم نفوه، مثل: المثل، والند والسمي، وغير ذلك.
وأما ما لا يوجد عن الله ورسوله إثباته ونفيه مثل: الجوهر، والجسم، والعرض، والجهة، وغير ذلك لا يثبتونه، ولا ينفونه، فمن نفاه مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عيدان وصاحبه فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن
1-كتاب المعتمد في أصول الدين ص 280.
2-
لم أجد له ترجمة.
أثبته مثل هشام بن الحكم1 وغيرهم فهو عندهم مبتدع، والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنه هذا معنى كلام الإمام أحمد الذي في رسالة المويس أنه قال: لا أرى الكلام إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن العجب استدلاله بكلام الإمام احمد على ضده
…
وأنا أذكر لك كلام الحنابلة في هذه المسألة: قال الشيخ تقي الدين2 بعد كلام له على من قال إنه ليس بجوهر، ولا عرض ككلام صاحب الخطبة قال رحمه الله: فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها كلفظ الجوهر، والجسم، التحيز، والجهة، ونحو ذلك من الألفاظ، وهذا لما سئل ابن سريج3 عن التوحيد فذكر توحيد المسلمين قال: وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض وإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك، وكلام السلف والأئمة في ذم الكلام وأهله مبسوط في غير هذا الموضع، والمقصود أن الأئمة كأحمد وغيره لما ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة كلفظ الجسم، والجوهر، والحيز لم يوافقهم، لا على إطلاق الإثبات، ولا على إطلاق النفي، انتهى كلام الشيخ تقي الدين4.
1-هشام بن الحكم الشيباني.. الكوفي أبو محمد متكلم مناظر، كان شيخ الإمامية في وقته.. ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد
…
انقطع إلى يحيى بن خالد البرمكي فكان القيم بمجالس كلامه ونظره..صنف عدة كتب..ولما حدثت نكبة البرامكة استتر وتوفي بالكوفة عام" 190هـ-نحو805م" الأعلام 8/85.
2-
هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله.
3-
أحمد بن عمر بن سريج، أبو العباس البغدادي القاضي "249-306هـ" حامل لواء الشافعية في زمانه، وناشر مذهب الشافعي
…
بلغت تصانيفه أربع مائة مصنف " طبقات الفقهاء الشافعية" 2/712- الذيل على طبقات ابن صلاح- للإمام أبي عمرو بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصلاح، هذبه ورتبه واستدرك عليه الإمام النووي – بيض أصوله ونقحه الإمام أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، حققه وعلق عليه محي الدين علي نجيب.
4-
للإستزادة يراجع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 5/298، ومنهاج السنة النبوية 2/527، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم- ن مكتبة ابن تميمة- القاهرة ط2/1409هـ-1989م".
إذا تدبرت هذا عرفت أن إنكار ابن عيدان وصاحبه على الخطيب الكلام في هذا عين لصواب، وقد اتبعا في ذلك إمامهما أحمد بن حنبل وغيره في إنكارهم ذلك على المبتدعة، ففهم صاحبكم أنهما يريدان إثبات ضد ذلك وأن الله جسم وكذا وكذا تعالى الله عن ذلك، وظن أيضا أن عقيدة أهل السنة هي نفي انه لا جسم، ولا جوهر، ولا كذا ولا كذا، وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت، ومن أثبت بدعوه، ومن نفى بدعوه، فالذي يقول ليس بجسم ولا
…
ولا
…
هم الجهمية والمعتزلة، والذين يثبتون ذلك هو هشام وأصحابه، والسلف بريئون من الجميع من أثبت بدَّعوه، ومن نفى بدعوه، فالمويس لم يفهم كلام الأحياء ولا كلام الأموات، وجعل النفي الذي هو مذهب الجهمية والمعتزلة مذهب السلف، ، وظن أن من أنكر النفي أنه يريد الإثبات كهشام وأتباعه، ولكن أعجب من ذلك استدلاله على ما فهم بكلام أحمد المتقدم ومن كلام أبو1 الوفا ابن عقيل 2 قال: أنا أقطع أن أبا بكر وعمر ماتا ما عرفا الجوهر والعرض، فإن رأيت أن طريقة أبي علي الجبائي3 وأبي هاشم خير لك من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت انتهى، وصاحبكم يدعي أن الرجل لا يكون من أهل السنة حتى يتبع أبا علي وأبا هاشم بنفي الجوهر، والعرض، فإن أنكر الكلام فيها مثل
1-الصواب أن يقول أبي.
2-
علي بن عقيل بن محمد أبو الوفاء الظفري الحنبلي أحد الأعلام وفرد زمانه علما ونقلا وذكاء وتفننا، خالف السلف ووافق المعتزلة في عدة بدع ثم أشهد على نفسه انه تاب عن ذلك وصحت توبته ثم صنف في الرد عليهم، وقد أثنى عليه أهل عصره ومن بعدهم، كان مولده سنة ثلاثين وأربع مائة أو بعدها بسنة، ومات في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وخمس مائة. " لسان الميزان 4/243" للحافظ ابن حجر العسقلاني- ن مؤسسة الأعلمي- بيروت- لبنان- ط/2"1390هـ-1971م".
3-
محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي- من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام فيعصره، وإليه نسبة الطائفة " الجبائية" اشتهر في البصرة ولد عام 235هـ- 849م، وتوفي عام 303هـ-916م، ودفن بجبى، الأعلام 6/256.
أبي بكر وعمر عنده على مذهب هشام الرافضي.
فظهر بما قررناه أن الخطيب الذي يتكلم بنفي العرض، والجوهر أخذه من مذهب الجهمية والمعتزلة، وأن ابن عيدان وصاحبه أنكرا ذلك مثل ما أنكره أحمد والعلماء كلهم على أهل البدع.
وقوله: في الكتاب ومذهب أهل السنة وإثبات من غير تعطيل، ولا تجسيم، ولا كيف، ولا أين إلى آخره، وهذا من أبين الأدلة على أنه لم يفهم عقيدة الحنابلة ولم يميز بينها، وبين عقيدة المبتدعة وذلك أن إنكار الأين من عقائد أهل الباطل وأهل السنة يثبتونه إتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه قال للجارية: أين الله؟ 1 فزعم هذا الرجل أن إثباتها مذهب المبتدعة، وأن إنكارها مذهب أهل السنة كما قيل، وعكسه بعكسه.
وأما الجسم فتقدم الكلام أن أهل الحق لا يثبتونه، ولا ينفونه فغلظ عليهم في إثباته، وأما التعطيل والكيف فصدق في ذلك، فجمع لكم أربعة ألفاظ نصفها حق من عقيدة الحق ونصفها باطل من عقيدة الباطل، وساقها مساقا واحدا وزعم انه مذهب أهل السنة فجهل وتناقض.
وقوله أيضا: ويثبتون الرسول صلى الله عليه وسلم من السمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم ولكلام، إلى آخره، وهذا أيضا من أعجب جهله، وذلك أن هذا مذهب طائفة من المبتدعة يثبتون الصفات السبع، وينفون ما عداها، ولو كان في كتاب الله ويؤولونه، وأما أهل السنة فكل ما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أثبتوه
1-جزء من حديث طويل رواه معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: "
…
فقال لها- أين الله؟ قالت: في السماء، قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله قال: أعتقها فإنها مؤمنة"، أخرجه مسلم في صحيحه- ك: المساجد –ب: تحريم الكلام في الصلاة ح: 33-1/382.
وذلك صفات كثيرة لكن أظنه نقل هذا الكلام المبتدعة وهو لا يميز بين كلام أهل الحق من كلام أهل الباطل إذا تقرر هذا فقد ثبت خطؤه من وجوه:
الأول: أنه لم يفهم الرسالة التي بعثت إليه.
الثاني: أنه بهت 1 أهلها بإثبات الجسم وغيره.
الثالث: أنه نسبهم إلى الرافضة، ومعلوم أن الرافضة من أبعد الناس عن المذهب وأهله.
الرابع: أنه نسب من أنكر هذه الألفاظ إلى الرفض والتجسيم، وقد بين أن الإمام أحمد وجميع السلف ينكرونه فلازم كلامه أن مذهب الإمام أحمد وجميع السلف مجسمة على مذهب الرفض.
الخامس: أنه نسب كلامهما إلىالفرية الجسمية فجعل عقيدة إمامه وأهل السنة فرية جسمية.
السادس: أنه زعم أن البدع اشتعلت في عصر الإمام أحمد ثم ماتت حتى أحياها أهل الوشم، فمفهوم كلامه بل صريحة أن عصر الإمام أحمد وأمثاله عصر البدع والضلال، وعصر ابن إسماعيل عصر السنة والحق.
السابع: أنه نسبهما إلى التعطيل، والتعطيل إنما هو جحد الصفات.
الثامن: بهتهما أنهما نسبا من قبلهما من العلماء إلى التعطيل لكونهما أنكرا على خطيب المبتدعة، وهذا من البهتان الظاهر.
التاسع: أنه نسبهما إلى وراثة هشام الرافضي.
العاشر: أن المسلم أخو المسلم فإذا أخطأ أخوه نصحه سرا وبين له الصواب
1-بهت فلان فلانا: إذا كذب عليه
…
والبهت والبهتة: الكذب. " لسان العرب 1/368 مادة بهت".
فإذا عاند أمكنه المجاهرة بالعداوة، وهذا لما راسلاه صنف عليهما1 ما علمت وأرسله إلى البلدان أن اعرفوني
…
اعرفوني، تراي جاي من الشام.
وأما التناقض وكون كلامه يكذب بعضه بعضا فمن وجوه- أربعة-:
منها أنه نسبهما تارة إلى التجسيم، تارة إلى التعطيل، ومعلوم أن التعطيل ضد التجسيم، وأهل هذا أعداء لأهل هذا والحق وسط بينهماز
ومنها أنه نسبهما إلى الجهمية وإلى المجسمة، والجهمية والمجسمة بينهما من التناقض والتباعد كما بين السواد والبياض، وأهل السنة وسط بينهما.
ومنها: أنه يقول مذهب أهل الحق إثبات الصفات ثم يقول ولا أين ولا ولا وهذا تناقض.
ومنها: أنه يقول ما أثبته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أثبت ثم يخص ذلك بالصفات السبع، فهذا عين التناقض، فعقيدته التي نسب لأهل السنة جمعها من نحو أربع فرق من المبتدعة يناقض بعضهم بعضا ويسب بعضهم بعضا ولو فهمت حقيقة هذه العقيدة لجعلتها ضحكة.
ومنها: أنه يذكر عن أحمد أن الكلام في هذه الأشياء مذموم إلا ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنه وتابعيهم رحمهم الله ثم ينقل لكم إثبات كلام المبتدعة ونفيهم ويتكلم بهذه العقيدة المعكوسة ويزعم أنها عقيدة أهل الحق، هذا ما تيسر كتابته عجلا على السراج2 والمأمول فيك3 أنك تنظر فيها
1-أي كذب عليهما.
2-
لعله بقصد أن يعذره على تقصيره في عدم البسط في الموضوع، لكتابته له على عجل ليلا على ضوء السراج
3-
ا] ابن سحيم.
بعين البصيرة، تتأمل هذا الأمر، واعرض هذا عليه1 وأطلب منه الجواب عن كل كلمة من هذا فإن أجابك بشيء فاكتبه وإن عرفته باطلا وإلا فراجعني فيه أبينه لك ولا تستحقر هذا الأمر فإن حرصت عليه جدا عرفت عقيدة الإمام أحمد وأهل السنة وعقيدة المبتدعة وصارت هذه الواقعة أنفع لك من القراءة في علم العقائد شهرين أو ثلاثة بسبب الخطأ والاختلاف مما يوضح الحق"2.
هكذا كان احتساب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قضايا التوحيد أبيا قويا لأن الحق أبلج بين يعلو ولا يعلى عليه..وذلك مصداقا لوقه تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} 3.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن علماء السنة من السلف الصالح قد حذروا بشدة من أهل الكلام لمخالفتهم أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: لا يفلح صاحب كلام أبداً ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام وفي قلبه دغل4.
ويضيف رحمه الله قائلا: علماء الكلام زنادقة5 6
1-أي المويسى.
2-
الرسائل الشخصية- الرسالة العشرون ص 130، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 3/181.
3-
سورة الأنبياء آية 18.
4-
جامع بيان العلم وفضله ص 416.
5-
تقدم التعريف بهذا اللفظ ص "208"هـ-"2".
6-
تلبي إبليس ص83، للحافظ ابن الجوزي- ن دار الكتب العلمية- بيروت ط/2 "سنة 1368هـ" إدارة الطباعة المنيرية.
وقال أبو يوسف1: من طلب العلم بالكلام تزندق2.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "رأيي ومذهبي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد ويجلسوا على الجمال ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام"3.
وقال أحمد بن إسحاق المالكي: "
…
كتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أهل الكلام"4اهـ.
ويؤيد ذلك الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب فيأمر بالإعراض عن كتب أهل الكلام فقال رحمه الله: "ومن بصره الله تعالى ونور قلبه أعرض عن أخذ عقائده من كتب هؤلاء الطوائف، وتلقى معرفة إلهه من كتب السلف المشتملة على نصوص الكتاب والسنة"5.
ولعل السبب الذي دفع الأئمة من سلفنا الصالح رحمة الله عليهم إلى ذم علم الكلام وقولهم بإضافة بصاحبه إلى الزندقة والبدع وعدم الفلاح6 أن المتكلمين بحثوا في مسائل العقيدة وهم يحملون أفكارا ومقررات غير إسلامية جاءت من المنطق اليوناني، فأخذوا يطيقونها على
1-هو: يعقوب بن سفيان أبو يوسف الفسوي، ثقة مصنف، خير، صالح، مات سنة " 277هـ" ط الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ت: 6388 باختصار".
2-
كتاب مختلف الحديث ص 43، للإمام ابن قتيبة الدينوري ن دار الكتاب العربي بيروت- مطبعة العلوم- لبنان.
3-
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 9/116.
4-
جامع بيان العلم وفضله ص 416.
5-
مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية ص 43- ط/مؤسسة مكة للطباعة والإعلام- توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
6-
انظر تحريم النظر في كتب الكلام ص 42 للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي، تحقيق عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية- ن دار عالم الكتب- الرياض ط/1"1410هـ-1990م".
العقيدة ومسائلها كمسائل الذات والصفات وغيرها من المسائل التي لم ترد في القرآن والسنة ولا اعتنى بها الجيل الأول والله أعلم1.
1-انظر عقيدة التوحيد في القرآن الكريم ص 315تأليف الدكتور محمد أحمد محمد عبد القادر الملكاوي –ن دار ابن تيمية- الرياض ط/1"1405هـ-1985م" –مطابع الفرزدق- الرياض.