الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: احتسابه في توحيد الربوبية:
القاعدة الثالثة التي لا غنية للتوحيد عنها ليقوم عنها مقامه الصحيح: توحيد الربوية.
والرب يطلق في اللغة: على الملك، والسيد والمدبر، والمربى، والقيم، والمنعم
…
ولا يطلق غير مضاف إلا على الله عز وجل وإذا أطلق على غيره أضيف1 والذي يعنينا من هذه المعاني: المالك والمربي، قال الجوهري: رب كل شيء مالكه2 وهو مصدر رب يرب فهو راب فمعنى قوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3 رابِّ العالمين، فإن الرب سبحانه هو الخالق الموجد لعباده، القائم بتربيتهم وإصلاحهم، المتكفل بصلاحهم من خلق ورزق وعافية وإصلاح دين ودنيا4.
وفي هذا المعنى قال الشيخ الإمام محمد عبد الوهاب: " فإذا قيل لك من ربك؟ فقل ربي الله الذي رباني وربي جميع العالمين بنعمه"5.
أما تعريف توحيد الربوبية شرعا فهو كما ذكره الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كقوله: "أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم6 وهو الشهادة بأنه لا يخلق ولا يرزق ولا يحي ولا
1-لسان العرب 3/1546 مادة "ربب".
2-
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 1/130 مادة "ربب".
3-
جزء من الآية الثانية من سورة الفاتحة.
4-
هداية المريد لتحصيل معاني كتاب التوحيد ص 9 للشيخ أحمد بن علي المقريزي، نقحه وعلق عليه وضبطه أحمد بن محمد طاحون- ن مكتبة التراث الإسلامي- القاهرة ط/عام"1414هـ-1993م".
5-
الأصول الثلاثة وأدلتها ص 5-ن مكتبة السوادي- جدة –ط/1" 1414هـ-1994م".
6-
الرسائل الشخصية الرسالة الحادية عشرة ص 65 والدرر السنية في الأجوبة النجدية 8/54، انظر فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما وردت في كتبه ورسائله ص 23 لأحمد نجيب –ط/1 "1415هـ-1994م".
يميت ولا يدبر الأمور إلا هو"1 سبحانه وتعالى فلا خالق ولا رازق ولا محي ولا مميت ولا موجد ولا معدم إلا الله تعالى2.
وهذا النوع من التوحيد قد أقر به الكفار قديما وحديثا، والإقرار به وحده لا يدخل صاحبه في دين الإسلام قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 3.
وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 4.
فدلت الآيتان الكريمتان على توبيخ الله عز وجل للمشركين على شركهم مع إقرارهم بتوحيد الربوبية.
ولأهمية هذه القضية في تصحيح العقائد أولاها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله اهتماما في احتسابه فقال:
" اعظم الكفار كفراً الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون به- أي بتوحيد الربوبية- ولم يدخلهم في الإسلام كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 5 "6.
1-الرسائل الشخصية- الرسالة الحادية والعشرون ص 145، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 8/92.
2-
انظر لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في شرح عقيدة الفرقة المرضية 1/121.
3-
سورة لقمان آية 25.
4-
سورة الزخرف آية 87.
5-
سورة يونس آية31.
6-
الرسائل الشخصية الرسالة- الحادية والعشرون ص 145، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 8/92.
وقال رحمه الله عن المشركين:
" إن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام"1 و"لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم"2.
وهذا ما قرره أهل العلم قبله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" أما توحيد الربوبية فقد أقر به المشركون3، وهم مع هذا مشركون حيث أحبوا غير الله كما يحبون الله، وحيث دعوا غير الله، وجعلوه شفيعا لهم، وحيث عبدوا غير الله يتقربون بعبادته إلى الله، فهذا وأمثاله كان شركهم مع إقرارهم بأن الله خالق كل شيء، وأنه لا خالق غيره"4. اهـ.
وقال الشيخ المقريزي5 رحمه الله:
"إن المشركين إنما كانوا يتوقفون في إثبات توحيد الإلهية لا الربوبية
…
وبالجملة فهو تعالى يحتج على منكري الإلهية بإثباتهم الربوبية، والملك هو الآمر الناهي الذي لا يخلق خلقا بمقتضى ربوبيته ويتركهم سدى معطلين لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون، فإن الملك هو الآمر الناهي المعطي المانع الضار النافع المثيب المعاقب..
1-الرسائل الشخصية – الرسالة الثانية والعشرون ص 154، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/49
2-
الرسائل الشخصية – الرسالة الثانية والعشرون ص 153، والدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/49
3-
الحسنة والسيئة ص 126، تحقيق الدكتور محمد جميل غازي –ن مكتبة المدني ومطبعتها- جدة.
4-
قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق ص 147، تحقيق سليمان الغصن- ن دار العاصمة- الرياض- ط/1"محرم 1411هـ" مطابع الفرزدق التجارية- الرياض.
5-
هو: أحمد بن علي بن عبد القادر أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي، مؤرخ الديار المصرية، أصله من بعلبك، ولد في القاهرة سنة "766هـ-1365م" ونشأ فيها، وولي الحسبة والخطابة والإمامة، ومات سنة "845-1441م"" الأعلام 1/177 بتصرف".
ولذلك جاءت الاستعاذة في سورة الناس وسورة الفلق بالأسماء الحسنى الثلاثة الرب، والملك، والإله"1اهـ.
وهذا ما قرره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بقوله: "الشرك في العبادة ليس في الربوبية"2.
وهكذا فإن أهل العلم من علماء السنة السابقين واللاحقين يؤكدون على أن إثبات توحيد الربوبية فحسب لا يدخل الإنسان في دين الإسلام ولا يخرجه من دائرة الشرك، بينما المبتدعة من المعتزلة والصوفية وغرهم يرون أن تحقيق هذا التوحيد فحسب كفيلا بدخول صاحبه في الإسلام.
قال ابن أبي العز رحمه الله: "وهو- أي توحيد الربوبية- الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام وطائفة من الصوفية"3.اهـ.
وبين الربوبية والألوهية عموم وخصوص ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإقراره بألوهية الله تعالى دون ما سواه يتضمن إقراره بربوبيته، وهو أنه رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره، فحينئذ يكون موحدا لله"4.
ولقد فرق الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بين الربوبية والألوهية قائلا:
"فاعلم أن الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان، كما في قوله: {قُلْ أَعُوذُ
1-هداية المريد لتحصيل معاني كتاب تجريد التوحيد ص 12 باختصار.
2-
مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب- القسم الرابع التفسير- تفسير سورة الكهف ص 261.
3-
شرح العقيدة الطحاوية ص 77-ن المكتب الإسلامي- ط/1"1392هـ" بيروت، وانظر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بين المعارضين والمنصفين والمؤيدين ص 31 إعداد محمد بن جميل زينو- ن دار ابن خزيمة ط/1 وللإستزادة انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 3/101.
4-
العبودية ص 156.
بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ} 1.
وكما يقال رب العالمين وإله المرسلين وعند الإفراد يجتعان كما في قول القائل: من ربك، مثاله الفقير والمسكين نوعان في قوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 2 ونوع واحد في قوله صلى الله عليه وسلم: " افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم"3.
إذا ثبت هذا فقول المكلين للرجل في القبر: من ربك؟ معناه من إلهك لأن الربوبية التي أقر بها المشركون ما يمتحن أحد بها، وكذلك قوله:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} 4 وقوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} 5 وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} 6 فالربوبية في هذا هي الألوهية ليست قسيمة لها عند الاقتران، فينبغي التفطن لهذه المسألة"7اهـ.
كما احتسب الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على محمد
1-سورة الناس الآيات 1-3.
2-
جزء من الآية 60 من سورة التوبة.
3-
جزء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" أخرجه البخاري ك: الزكاة بك وجوب الزكاة 2/130، وك: التوحيد ب: ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى 9/140 بزيادة: " فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس".
4-
جزء من الآية 40 من سورة الحج.
5-
جزء من الآية 164 من سورة الأنعام.
6-
{
…
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} فصلت آية 30، و {
…
فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} الأحقاف آية 13.
7-
الرسائل الشخصية الرسالة الثانية ص 17، الدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/67.
ابن عباد1 مطوع ثرمدا2 في إقراره بالفرق بين توحيد الربوبية والألوهية بالقول المجرد عن العمل قائلا: " قولك إن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقروا بتوحيد الربوبية، ثم أوردت الأدلة الواضحة على ذلك، وإنما قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند3 توحيد الألوهية، ولم يدخل الرجل في الإسلام بتوحيد الربوبية إلا انضم إليه توحيد الألوهية فهذا كلام من أحسن الكلام وأبينه تفصيلا، ولكن العام4 لما وجهنا إليه إبراهيم كتبوا له علماء سدير مكاتبة وبعثها لنا هي عندنا الآن ولم يذكروا فيها إلا توحيد الربوبية، فإذا كنت تعرف هذا فلأي شيء ما أخبرت إبراهيم ونصحته إن هؤلاء ما عرفوا التوحيد، وإنهم منكرون دين الإسلام،
…
لأن كثيرا ممن واجهناه وقرأ علينا يتعلم هذا ويعرفه بلسانه فإذا وقعت المسألة لم يعرفها بل إذا قال له بعض المشركين نحن نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وأن النافع الضار هو الله يقول جزاك الله خيرا. ويظن أن هذا هو التوحيد ونحن نعلمه أكثر من سنة أن هذا هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون.
فالله الله5 في التفطن لهذه المسألة فإنها الفارقة بين الكفر والإسلام.
ولو أن رجلا قال: شروط الصلاة تسعة ثم سردها كلها فإذا رأى رجلا يصلي عريانا بلا حاجة أو على غير وضوء أو لغير القبلة لم يدر أن صلاته فاسدة لم يكن
1-لم أجد له ترجمة.
2-
ثرمدا: بفتح الثاء، وإسكان الراء، وفتح الميم والدال، وبعدها ألف فهمزة..إحدى بلدان الوشم القديمة
…
تقع جنوب منطقة الوشم. "معجم اليمامة 1/227-232 باختصار"، وراجع تعريف الوشم ص"70" هـ"4".
3-
لعل المقصود: لأجل توحيد الأولهية، والله أعلم.
4-
لعله يقصد العام السابق.
5-
راجع ص "188" هـ"1".
قد عرف شروط الصلاة ولو سردها بلسانه، ولو قال الأركان أربعة عشر ثم سردها كلها ثم رأى من لا يقرأ الفاتحة ومن لا يركع ومن لا يجلس للتشهد ولم يفطن أن صلاته باطلة لم يكن قد عرف الأركان ولو سردها.
فالله الله في التفطن لهذه المسألة"1.
1-الرسائل الشخصية- الرسالة الثانية ص19.