الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن العطار: وهو الذي به العمل اليوم.
وصحة الملك بأن تشهد البينة بما تقدم، لا بالاشتراء: مخرج من قوله: (وصحة الملك) وما معه، ومعناه ما قال سحنون: من رأى رجلًا اشترى سلعة من السوق، فلا يشهد أنها ملكه، ولو أقام شخص بينة أنها ملكه، وآخر بينة أنه اشتراها من السوق فهي لصاحب الملك، وقد يبيعها من لا يملكها.
وأما قول الشارح: (مثل أن تشهد أن أحد الخصمين اشتراها من الآخر، فإنها تستصحب، ولا يقبل قول المشهود عليه: إنها عادت إليه) فمتعقب، انظره في الكبير.
وإن شهد عليه بإقرار بالأمس أنها ملك لزيد استصحب حكم إقراره، وكفت الشهادة، وإن لم يزد الشهود، ولا نعلم خروجها عن ملكه إلى الآن؛ إذ في شهادتهم عليه بالإقرار إسقاط لحقه بخصومه، فعليه بيان صحة ملكه بعد بشراء من المشهود عليه، أو بغير ذلك من أسباب الملك.
[إسقاط البينتين عند تعذر الترجيح: ]
وإن تعذر ترجيح لأحد البينتين عند تساويهما بكل وجه، وكان المتنازع فيه بيد غيرهما سقطتا (1)، وبقي المدعى فيه بيد حائزه.
(1) قد حاول بعض من ينتمي إلى بعض الجماعات الفكرية المنحرفة أن يستفيد من نحو هذه القضية للتبرير زيف وزيغ بعض العناصر المؤسسة عليها جماعته، والجماعات المنبثقة منها، من أن لكل وجهة نظر يرى أنها الأصوب والأصلح، وإذا كان كذلك فلا ينكر أحد على أحد، وليعمل كل بما تراءى له؛ لأن ما يراه أحد ما خطأ في منهاج عملي، ويصحح ما هو عليه، أراه خطأ، فأصحح ما أنا عليه، وأبين خطأ ما هو عليه، وإذا كان كذلك فلا داعي من الدخول في مناظرات ومحاورات لا تثمر عملًا، وهذا المبدأ الخطير قد اتبعه بعض من تقدم من الفرق أهل الإسلام، وتصدى له ابن حزم في إحكامه وفصله، فقال في الفصل (5/ 80، وما بعدها): "قال أبو محمد: أما احتجاجهم بأن قالوا وجدنا أهل الديانات والآراء والمقالات كل طائفة تناظر الأخرى فتنتصف منها وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على حسب قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب فهم في ذلك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= كالمتحاربين يكون الظفر سجالًا بينهم فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ولا اختلاف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوا بحواسهم وبداية عقولهم وكما هم يختلفوا في الحساب وفي كل شيء عليه برهان لائح، واللائح الحق على مرور الزمان وكثرة البحث وطول المناظرات قالوا: ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس ظاهرًا فيعاندوه بلا معنى ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا سبب قالوا: فلما بطل هذا أن كل طائفة تتبع أما ما نشأت عليه وأما ما يخيل لأحدهم أنه الحق دون تثبيت ولا يقين قالوا: وهذا مشاهد من كل ملة ونحلة وإن كان فيها ما لا يشك في بطلانه وسخافته.
قال أبو محمد: هذه جمل نحن نبين كل عقده منها ونوفيها حقًّا من البيان بتصحيح أو إفساد بما لا يخفى على أحد صحته، وباللَّه تعالى التوفيق: أما قولهم أن كل طائفة من أهل الديانات والآراء يناظر فينتصف وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على قدر قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب والتمويه فقول صحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه على ما دعوه من تكافؤ الأدلة أصلًا لأن غلبة الوقت ليست حجة ولا يقنع بها عالم محقق وإن كانت له ولا يلتفت إليها وإن كانت عليه وإنما نحتج بها ويغضب منها أهل المعرفة والجهال وأهل الصياح والتهويل والتشنيع القانعون بأن يقال غلب فلان فلانًا وأن فلانًا لنظار جدال ولا يبالون بتحقيق حقيقة ولا بإبطال باطل فصح أن تغالب المتناظرين لا معنى له ولا يجب أن يعتد به لا سيما تجادل أهل زماننا الذين أما لهم نوب معدودة لا يتجاوزونها بكلمة وأما أن يغلب الصليب الرأس بكثرة الصياح والتوقح والتشنيع والجعات وأما كثير الهدر قوى على أن يملأ المجلس كلامًا لا يتحصل منه معنى، وأما الذي يعتقده أهل التحقيق الطالبون معرفة الأمور على ما هي عليه فهو أن يبحثوا فيما يطلبون معرفته على كل حجة احتج بها أهل فرقة في ذلك الباب فإذا نقضوها ولم يبقوا منها شيئًا تأملوها كل حجة حجة فميزوا الشغبي منها والإقناعي فاطرحوهما وفتشوا البرهاني على حسب المقدمات التي بيناها في كتابنا الموسوم بالتقريب في مائية البرهان وتمييزه مما يظن أنه برهان وليس ببرهان وفي كتابنا هذا وفي كتابنا الموسوم بالأحكام في أصول الأحكام فإن من سلك تلك الطريق التي ذكرنا وميز في المبدأ ما يعرف بأول التمييز والحواس ثم ميز ما هو البرهان مما ليس برهانًا ثم لم يقبل الأماكن برهانًا راجعًا رجوعًا صحيحًا ضروريًّا إلى ما أدرك بالحواس أو ببديهة التمييز وضرورة في كل مطلوب يطلبه فإن سارع الحق يلوح له واضحًا ممتازًا من كل باطل دون إشكال، والحمد للَّه رب العالمين. وأما من لم يفعل ما ذكرنا ولم يكن كده إلا نصر المسألة الحاضرة فقط أو نصر مذهب قد ألفه قبل أن يقوده إلى اعتقاده برهان فلم يجعل غرضه إلا طلب أدلة ذلك المذهب فقط فبعيد عن معرفة الحق عن الباطل ومثل هؤلاء غروا هؤلاء المخاذيل فظنوا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أن كل بحث وظنوا مجراهما هذا المجرى الذي عهدوه ممن ذكرونا فضلوا ضلالًا بعيدًا وأما قولهم فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ولما اختلف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم وكما لم يختلفوا في الحساب وفي كل ما عليه برهان لائح فقول أيضًا مموه لأنه كله دعوى فاسدة بلا دليل، وقد قلنا قبل في إبطال هذه الأقوال كلها بالبرهان بما فيه كفاية وهذا لا يمكن فيه تفصيل كل برهان على كل مطلوب لكن نقول جملة أن من عرف البرهان وميزه وطلب الحقيقة غير مائل بهوى ولا ألف ولا نفار ولا كسل فمضمون له تمييز الحق وهذا كمن سأل عن البرهان على أشكال إقليدس فإنه لا أشكال في جوابه عن جميعها بقول مجمل لكن يقال له سل عن شكل شكل تخبر ببرهانه أو كمن سأل ما النحو وأراد أن يوقف على قوانينه جملة فإن هذا لا يمكن بأكثر من أن يقال له هو بيان حركات وحروف يتوصل باختلافها إلى معرفة مراد المخاطب باللغة العربية ثم لا يمكن توقيفه على حقيقة ذلك ولا إلى إثباته جملة إلا بالأخذ معه في مسألة مسألة وهكذا في هذا المكان الذي نحن فيه لا يمكن أن نبين جميع البرهان على كل مختلف فيه بأكثر من أن يقال له سل عن مسألة مسألة نبيِّن لك برهانًا بحول اللَّه تعالى وقوته ثم تقول لمن قال من هؤلاء أن هاهنا قولًا صحيحًا واحدًا لا شك فيه أخبرنا من أين عرفت ذلك ولعل الأمر كما يقول من قال أن جميع الأقوال كلها حق فإن قال لا لأنها لو كانت حقًّا لكان محالًا ممتنعًا لأن فيها إثبات الشيء وإبطاله معًا ولو كان جميعها باطلًا لكان كذلك أيضًا سواء سواء وهو محال ممتنع لأن فيه أيضًا إثبات الشيء وإبطاله معًا وإذا ثبت إثبات الشيء بطل إبطاله بلا شك وإذا بطل إثباته ثبت إبطاله بلا شك فإذ قد بطل هذان القولان بيقين لم يبق بلا شك إلا أن فيه حقًّا بعينه وباطلًا بعينه قلنا له: صدقت وإذ الأمر كما قلت فإن هذا العقل الذي عرفت به في تلك الأقوال قولًا صحيحًا بلا شك به تميز ذلك القول الصحيح بعينه مما ليس بصحيح لأن الصحيح من الأقوال يشهد له العقل والحواس ببراهين ترده إلى العقل وإلى الحواس ردًّا صحيحًا وأما الباطل فينقطع ويقف قبل أن يبلغ إلى العقل وإلى الحواس وهذا بيِّن، والحمد للَّه رب العالمين".
والذي يظهر من كلام ابن عساكر في تبين كذب المفتري أن تكافؤ الأدلة لا يكون إلا ممن اجتمع فيه أمران، وكلاهما شر:
الأول: الابتعاد عن العلم الشرعي الصحيح.
والآخر: عدم التفكر فيما ينفع في الآخرة.
فتكافؤ الأدلة -وإن كان سبب رجوع أبي الحسن عن معتقد الاعتزال- والقول به شر الشرور؛ لأنه لا يعرف به حق من باطل، ينظر: تبيين كذب المفتري، ص 39، ص 259.