المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

للاعتراض به هنا، وقوله ودال على كمال قدرته إشارة إلى - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: للاعتراض به هنا، وقوله ودال على كمال قدرته إشارة إلى

للاعتراض به هنا، وقوله ودال على كمال قدرته إشارة إلى مناسبة التوصيف لما ذكر من الحمد، ولما بعده من الكبرياء. قوله: " ذ ظهو فيهما أو فيها آثارها) أي آثار الكبرياء فلذا قيدها بها لتعلق الظرف بالكبرياء أو هو حال منها، وقوله فاحمدوه الخ الجميع ناظر للجميع أو هو على التوزيع فاحمدو. ناظر لقوله:{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ} و (كبروه القوله وله الكبرياء الخ، وقوله وأطيعوه ناظر لقوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وفيه إشارة إلى أنّ هذه الأخبار كناية أو مجاز عن الأمر لأنه المقصود فله الحمد، والثناء، والعظمة، والكبرياء. قوله: (من قرأ الخ) هو حديث موضوع، والعورة بمعنى ما قبح من أفعاله التي يكره الاطلاع عليها، والروعة الخوف، وبينهما جناس مقلوب تمت السورة، والحمد لله رب العالمين، وأفضل صلاة وسلام على أفضل النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سورة‌

‌ الأحقاف

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية) منهم من استثنى منها، والذي قال لوالدبه الآيتين، وقوله قل أرأيتم إن كان

من عند الله الآية {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} الأربع الآيات، وفاصبر كما صبر الآية فهي مدنية، وعليه مشى المصنف في بعضها كما سيأتي فكان ينبغي له أن ينبه عليه، والاختلاف في عدد الآيات بناء على أنّ حم آية أو لا، وقد مرّ مثله وخصه تعالى هنا بالوصف بما ذكر لما في القرآن من الإعجاز، والحكم الدالة على القدرة، والحكمة، وقد مرّت وجوه الأعراب فيه. قوله:(إلا خلقاً ملتبساً بالحق الخ) جعله في موقع المصدر دون الحال لأنّ المقترن بالحكمة وتقدير المدّة هو الخلق حقيقة لا المخلوق وقدر التقدير لأنّ الخلق إنما يلتيس به لا بالأجل نفسه كما قاله الشارح المحقق: ولم يجعله حالاً من الفاعل لأن عطف أجل مسمى عليه، وإن كان بتقدير التقدير يأباه وما أبوه من الحالية من المفعول أو الفاعل جوّزه بعضهم ككون الباء للسببية الغائية فتأمّل. قوله:(وفيه) أي في قوله بالحق دلالة على ما ذكر لأنّ المصنوع الملتبس بالحق المشتمل على مقتضى الحكمة لا بدّ له من صانع، وأمّا دلالته على البعث فلأن مقتضى الحكمة، والمعدلة الإعادة لتجازي كل نفس بما كسبت، وقد تقدم الكلام عليه، وما فيه فتذكره، وقوله وبتقدير تقدير التقدير تقدم وجهه في كلام الشاوح النحرير، وقوله أو كل واحد معطوف على لفظ الكل بمعنى المجموع، وضمير بقائه لواحد، وقيل إنه معطوف على ينتهي من حيث المعنى، وهو تكلف من غير داع، ويندرج في كل واحد السموات والأرض فيعم الأجل يوم القيامة. قوله:(من هول ذلك الوقت) بيان لما على أنها موصولة، ويجوز أن تكون مصدرية أي عن انذارهم بذلك الوقت على إضافة المصدر إلى مفعوله الأوّل القائم مقام الفاعل، وقوله لا يتفكرون الخ. تفسير للأعراض على تفسيري الأجل، وما أنذروا، وقوله تعالى: أروني قد مرّ بيانه في آخر سورة فاطر، وما استفهامية، وذا اسم إشارة أو هما اسم

واحد بمعنى أيّ شيء، وأم على الأوّل متصلة، وعلى الثاني منقطعة، وضمير خلقوا لما، ومن الأرض بيان له وقد مرّ الكلام على قوله أرأيتم وأروني إمّا تأكيد لها لأنها بمعنى أخبروني فمفعول أرأيتم الثاني ماذا خلقوا، والأوّل ما تدعون أو هو ليس بتوكيد، وتنازعا قوله ماذا خلقوا كما فصله المعرب، ويحتمل أروني أن يكون بدل اشتماله من أرأيتم وهو من ارخاء العنان. قوله:(أي أخبروتي عن حال آلهتكم) سماوية كالنجوم أو أرضية كالأصنام وفي ذكر السموات، والأرض إشارة إليهما، وقوله أخبروني إمّا تفسير لأرأيتم أو لأروني أولهما على أنّ الثاني تأكيد للأوّل، وقوله بعد تأمّل فيها هذا مأخوذ من أرأيتم، وأروني بمعنى أخبروني فإنّ الاخبار عن الشيء يكون بعد معرفته الحاصلة من التأمّل فيه سواء كانت الرؤية بصرية أو علمية فهو يدل على ذلكءبالالتزام، وقوله فتستحق به العبادة لأنه لا يستحقها إلا الخالق، وقوله عيسى عليه الصلاة والسلام أخلق لكم كهيئة المطير ليس خلقا حقيقيا كما مرّ. قوله:(وتخصيص الشرك) أي في النظم

ص: 24

بقوله في السموات مع أنه يعم الأرض، وما فيها لأنه قصد الزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد، والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم، واتخاذهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة، وأورد عليه أنه مخالف لقوله آنفا هل يعقل أن يكون لها في أنفسها مدخل االخ. لأنه يدل على نفي الشركة في السفليات، ولو فسر ما خلقوا بأيّ جزء من الأرض استبدّوا بخلقه كما مرّ في فاطر صح، واتضح، وهو غفلة عن قوله في أنفسها فإنّ المراد به الاستبداد، والاستقلال كما يقال الدار في نفسها تساوي كذا فالمنفيّ أوّلاً مدخليتها حقيقة واستقلالاً لا صورة بواسطة الكسب كما في المداخلة العادية، ومن قال الأولى إسقاط هذا القيد فقد زاد في الطنبور نغمة، ولما كانت العقول القاصرة، والأفكار الجامدة تتوهمه شركة لم يذكره ليتم الالزام! ثلا حاجة إلى تكلف في التأويل أو تقدير معا إل لأم أي ألهم! شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات فإنّ حذف المعادل مما أبو.، وقوله السفلية إشارة إلى أنّ المراد بالسموات العلويات، وبالأرض السفليات وما قيل من أنّ مراد المصنف أنه ردّ على عبدة الأوثان، ومن ضاهاهم من القائلين بتوسط الكواكب في إيجاد بعض السفليات فالمعنى أخلقوا بالاستقلال أم بالشرك فتخيل فاسد كما ذكره بعض فضلاء العصر. قوله:(ائتوني) من جملة القول، والأمر للتبكيت، والإشارة إلى نفي الدليل المنقول بعد الإشارة إلى ففي المعقول، وقوله فإنه ناطق الخ. تعليل لطلب الاتيان بكتاب غير القرآن لأن القرآن دال على خلاف ما زعموه فلا يمكنهم الاحتجاح به. قوله: (أو بقية من علم الما أنكر

عليهم الشرك طلب منهم ما يدلّ عليه من الكتب السالفة أو العلوم المنقولة عمن مضى، والإثاوة مصدر كالغواية، والضلالة بمعنى البقية من قولهم سمنت الناقة على أثارة من لحم أي على بقية مته، وقيل معناها الرواية، وقيل العلامة، وتنوينه للتقليل، ومن علم صفته. قوله:(وهو) أي قوله ائتوني الخ، والنقلى الكتب أو علوم السلف، والعقلي قوله أرأيتم الخ، وقوله وهو الزام الخ فإن قلت كان حقه على ما ذكره المصنف أن يعطف فلم جرد من العاطف، وإذا كان هذا للدليل النقلي، وذلك للعقلي لا يصح مع مباينته له أن يكون توكيداً لأرأيتم أو أروني كما توهم قلت لما بين الدليلين ترك العطف تنبيهاً على ما بينهما من بعد المسافة فلذا عدل عنه إلى الاستئناف وإن عطف في بعض نظائره. كقوله:{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا} [سورة فاطر، الآية: 40] فلا وجه لاستصعابه. قوله: (وقرىء إثارة بالكسر الخ) فيه إشارة إلى أنه اسنعارة فشبه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان ويتبعه تشبيهها بالمسابقة وهم بالفرسان أشبه ومن غريب التفاسير المأثووة ما أثروه عن ابن عباس من أن المراد به علم الرمل لما فيه من إثارة الغبار إذا خط فيه دور وأنه كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه أصاب وقد قيل إنه إدرشى عليه الصلاة والسلام والإثارة عليه واقعة موقعاً بديعاً. قوله:) وأثرة (أي بفتحتين وأوثر تم بمعنى تفرّدتم به. قوله: (يؤثر) وفي نسخة يؤثر به فهو كالخطبة اسم لما يخطب به لأنّ فعله بالفتح للمرّة وبالكسر للهيئة وبالضم اسم للمقدار كالغرفة بالضم لما يغرف باليد وهو إمّا مصدر غلب في الحاصل به، أو صفة بمعنى مفعول والمعنى ائتوني بعلم خصصتم به أو رواية مّا فيه ولو شاذة. قوله:(السميع المجيب) مأخوذ من مفهوم الجلالة، ولا مخالفة فيه وإنما الخلاف في الاحتجاج به، وأمّا قوله القادر الخبير فمن وقوعه في مقابلة الخالق لهذه الأجرام العظيمة الدالة على قدرة تامّة وعلم كامل، وقيل: إنه من الجلالة لأنه اسم للذات المستجمع للصفات، ووجه التخصيص حينئذ محتاج لما ذكرناه، وقوله أحد أضل لأن المقصود بيان أنهم أضل مما عداهم كما يقال هو أفضل من فلان والمقصود أنه أفضل من غيره ويؤيده التعبير بمن لأنّ الموصول من أدوات العموم. قوله:(فضلَا الخ) الأولوية المدلول عليها بقوله فضلاً لأنّ عدم استجابتهم لعجزهم وكونهم جماداً ليس من شأنه العلم فهو حقيق بأن لا يعلم السرائر فيراعي مصالحهم، فلا يرد عليه أنه لا يلزم من عدم استجابتهم أن لا يعلم

سرائرهم فضلاً عن الأولوية المذكورة كما توهم. قوله تعالى: {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ظاهر الغاية الدالة على انتهاء ما قبلها بها أنّ بعدها تقع الاستجابة، فإمّا أن يقال الغاية لا مفهوم لها، وفيه بحث سيأتي

ص: 25

أو يقال كما حققه في الانتصاف أنّ المراد أنها مستمرّة، ولكن لزيادة ما بعدها على ما قبلها زيادة بينة ألحقت بالمباين كما في قوله وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين يعني أنّ عليه الطرد والرجم إلى يوم القيامة، فإذا جاء ذلك اليوم لقي ما ينسى معه اللعن مما هو أشدّ منه ونحوه ما ذكروه في لا سيما، ولو قيل المراد به التابيد لم يبعد مما ذكر. قوله:(ما دامت الدنيا) يحتمل أنّ المراد به التأبيد كما مرّ، فلا يرد أنّ ظاهر كلامهم أنه غاية لعدم الاستجابة لا للدعاء لمن لا يستجيب، فيحتاج إلى التوجيه بأنه ينقطع عدم الاستجابة حينئذ لاقتضائه سابقة الدعاء ولا دعاء ويردّ بقوله فدعوهم، فلم يستجيبوا لهم إلا أن يقال إنه دعاء على زعمهم، أو المنقطع حينئذ الاقتصار على عدم الاستجابة حينئذ كما يومى إليه قوله:{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء} وأمّا القول بأنه مفهوم فلا يعارض المنطوق، فيردّه ما في الدرر والينبوع عن البديع أنّ الغاية عندنا من قبيل إشارة النص لا المفهوم قال الزركشي في شرح جمع الجوامع: ذهب القاضي أبو بكر إلى أنّ الحكم في الغاية منطوق، وادّعى أنّ أهل اللغة صرحوا بأنّ تعليق الحكم بالغاية موضوع على أنّ ما بعدها خلاف ما قبلها لأنهم اتفقوا على أنها ليست كلاما مستقلاً فإنّ قوله:{حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [سورة البقرة، الآية: 235] وقوله: حتى يطهرن لا بدّ فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام وذلك أنّ المضمر إمّا ضد ما قبله أو لا والثاني باطل لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه فيقدر حتى يطهرن فاقربوهن حتى تنكح فتحل قال: والإضمار بمنزلة الملفوظ فإنه إنما يضمر لسبقه إلى ذهن العارف باللسان، وعليه جرى صاحب البديع من الحنفية فقال هو عندنا من دلالة الإشارة لا من المفهوم لكن الجمهور على أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك اهـ فقوله في التلويح أنّ مفهوم الغاية متفق عليه لا يخلو من الخلل. قوله تعالى:( {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} ) ضميرهم وكانوا لمن لا يستجيب دعاءهم، ولهم وعبادتهم لمن يدعو حملاً على المعنى بعد الحمل على اللفظ وقوله:(لأنها إمّا جمادات) الخ إشارة إلى أنّ الغفلة مجاز عن عدم الفائدة فيها أو هو تغليب لمن يتصوّر منه الغفلة على غيره. وقوله: يضرّونهم فاعداء استعارة أو مجاز مرسل للضارّ. قوله: (مكذبين بلسان الحال) لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة ولا نفع لهم كما توهموه أوّلاً حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [سورة الزمر، الآية: 3] ورجائهم الشفاعة منهم، والتكذيب بالمقال إذ قالوا:{مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} قصدا إلى بيان أنّ معبودهم في الحقيقة الشياطين وأهواؤهم فلا يرد

عليه أنّ التكذيب بلسان الحال واقع قبل الحشر كما قيل. قوله: (وقيل الضمير) في كانوا في الموضعين للعابدين لئلا يلزم التفكيك، ومرضه لأنه خلاف المتبادر من السياق إذ هو لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه، ولأنّ كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم وتسميته كفراً خلاف الظاهر أيضاً. وقوله:(واضحات) الخ إشارة إلى وجهي التعدي واللزوم كما مرّ فقوله: مبينات بمعنى مبينات ما يلزم بيانه. قوله: (لأجله وفي شأنه) يعني أنّ اللام متعلقة بقال لا على أنها لام التبليغ بل لام العلة وما يقال في أمره وشأنه فهو مسوق لأجله وأمّا تعلقه بكفروا واللام بمعنى الباء، أو حمل على نقيضه وهو الإيمان فانه يتعدّى بها نحو أنؤمن لك، فبعيد عن السياق بمراحل، ومخالف للظاهر وإن ارتضاه المصنف في سورة سبأ. وقوله:(والمراد به) أي بالحق هنا، وقد جوّز في سبأ أن يراد به النبوّة أو الإسلام ووجه فيها كونه سحراً، وفيه وضع الظاهر موضع الضمير فيهما لما ذكر وقوله:(حينما جاءهم) أي في وقت مجيئه ويفهم منه في العرف المبادرة، ومثله يستلزم عدم التأمّل والتدبر كما أشار إليه المصنف. قوله:(إضراب الخ) يعني أم منقطعة مقدرة ببل الإضرابية، وهمزة الاستفهام المتجوّز به عن الإنكار والتعجب وهو ظاهر بلا كلام إنما الكلام في كون الافتراء أشنع من السحر، وليس وجهه كما توهم أنه لم يكن عندهم اسم ذم لأنه غير مناسب للمقام، فإنهم قصدوا ذمه وتحقيره بما ذكر بل لأنّ الكذب خصوصاً على الله متفق على قبحه حتى ترى كل أحد يشمئز من نسبته إليه بخلاف السحر، فإنه وإن قبح فليس بهذه المرتبة حتى تكاد تعد معرفته من السمات المرغوبة وقد يقال: هذا مراد القائل بما مرّ من أنه ليس باسم ذم، فلا يرد عليه اعتراض أو لأنّ قولهم إنه سحر مآله لعجزهم عنه، وهو يقتضي بالآخرة أنه صدق فكيف

ص: 26

ينسبونه إلى الافتراء وهذا محصل ما ذكره في الكشاف فتدبر. وضمير له للموصول والتعجب من كونه معجزاً لهم ومثله كيف يكون افتراء. قوله: (أي إن عاجلنى الله الخ) في الكشاف إن افتريته على سبيل الفرض عاجلني الله تعالى لا محالة بعقوبة الافتراء عليه، فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي ولا تطيقون دفع شيء من عقابه عني فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه اهـ وهو إشارة إلى أنّ قوله فلا تملكون الخ ليس هو الجواب في الحقيقة، وإنما هو قائم مقامه، والجواب قوله عاجلني الخ والفاء في قوله: فلا تملكون لي للسببية فأقيم المسبب مقامه أو تجوّز به عنه كما بينه بعض شرّاحه واليه أشار المصنف بقوله: إن عاجلني الخ فلا وجه لما

قيل إنه ردّ على الزمخشريّ ولا مخالفة بين أوّل كلامه وآخره، ولو قيل يعاقبني لم يتم ما أراده كما توهم. قوله:(من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكاً) بكسر القاف وفتح الباء أي من جهتكم وجانبكم وهو متعلق بكل من النفع والضر وهو من مفهوم الآية لا من الواقع فقط كما توهم لأنّ معنى لا تملكون شيئا لا تقدرون على نفع أو ضر وهو ظاهر. قوله: (تندفعون قيه (تفسير لقوله: تفيضون لأنه مستعار من فاض الماء وأفاضه إذا سال للأخذ في الشيء قولاً كان أو فعلَا كقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ} وهو المراد من الاندفاع. وقوله: (من القاخ) أي الطعن فيها بيان لما. وقوله تعالى: {شَهِيدًا} حال {بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} متعلق بقوله شهيداً أو كفى. وقوله: (وهو وعيد بجزاء إفاضتهم) أي أخذهم وشروعهم في الطعن في الآيات فكان مقتضى الظاهر اقترانه بالفاء فاستؤنف لأنه في جواب سؤال مقدر فتأمّل. قوله: (وإشعار بحلم اكله عنهم) إذ لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتداركوا أمورهم وعظم جرمهم يفهم من مقابلته بالمغفرة والرحمة العظيمة كما يفهم من صيغة المبالغة فيهما، فإنّ الجرم العظيم يحتاج لمغفرة عاليمة. قوله:(بديعاً منهم) فهو صفة مشبهة أو مصدر مؤوّل بها، ويجوز إبقاؤه على أصله وإن كان المصنف لم يرتضه والمراد بكونه بديعاً منهم أنه مبتدع لأمر يخالف أمورهم كما أشار إليه بقوله: أدعوكم الخ فالجملة حالية أو مستأنفة لبيان ذلك، والخف بكسر الخاء المعجمة وقشدحيد الفاء صفة مشبهة بمعنى الخفيف. قوله:(على أنه كقيم) هي قراءة عكرمة وأبو حيوة، وابن أبي عبلة على أنه صفة على فعل بكسر ففتح كدين قيم ولحم زيم قال أبو حيان: ولم يثبت سيبوبه صفة على فعل الأقوم عدى، واستدرك عليه لحم زيم أي متفرّق وأمّا قيم فمقصور من قيام، ولولا ذلك صحت عينه كما في حول وعوض، وأمّا قول العرب مكانا سوى وماء روي وماء صرى فمتاوّلة عند التصريفيين إمّا بالمصدر أو القصر، وقرأ مجاهد بفتح الباء وكسر الدال وهو صفة كحذر وقوله: أو مقدر بمضاف على أنه جمع بدعة كسدرة وسدر، أو مصدر والإخبار به مبالغة أو بتقدير مضاف. قوله:(في الدارين) على التفصيل وإمّا إجمالاً فهو معلوم فلا منافاة بينه وبين قوله ليغفر لك الله ما تقدم، وقريب منه أنّ المنفيّ العلم بتعيين وقته أو هو محمول على ما في الدنيا وقيل إنها منسوخة، وأورد عليه أنّ النسخ لا يجري في الخبر إلا أن يكون المنسوخ الأمر بقوله قل. أو المراد بالنسخ مطلق التغيير وقوله: المشتمل على ما يفعل

بي يعني أنّ أصله ما أدري ما يفعل بي وبكم فهو مئبت في حيز الصلة، وليس محلا للنفي ولا لزيادة لا إلا أن يقال أصله ولا ما يفعل بكم، فاختصر كما ذهبا إليه بعضهم إلا أنه لما كان النفي داخلاً عليه بالواسطة كفى ذلك في زيادة لا، ونحوه مما يختص بالنفي كزيادة الباء في الخبر ونظيره أو لم يروا أنّ الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن الخ إذ دخلت الباء في خبر أن لوقوعه في حيز النفي، وقوله: مرفوعة محلا بالابتداء والجملة معلق عنها الفعل القلبي، وهو إمّا متعدّ لواحد أو اثنين وعلى الموصولية هو متعد لواحد وجوّز في ما المصدرية أيضاً. قوله:(وهو جواب عن اقتراحهم) فالقصر إضافيّ وسبب النزول ما ذكر أو سؤال المسلمين عن الهجرة أو استعجالهم المذكور لضجرهم وما سبق خطاب للمشركين، وكذا الحصر في قوله وما أنا إلا نذير، وقوله: أي القرآن تفسير لاسم كان المستتر ويحتمل أنه للرسول إلا أنه كان الظاهر كنت ولذا لم يذكره مع ظهوره وقوله: وقد كفرتم يعني إنها جملة حالية بتقدير قد. وقوله: (ويجوز أن تكون الواو عاطفة) أي لا حالية كما في الوجه السابق.

ص: 27

قوله: (إلا أنها تعطفه بما عطف عليه الخ) يعني ليست الجمل المذكورة بعد الواوات متعاطفة على نسق واحد بل مجموع شهد واستكبرتم معطوف على مجموع كان وما معه، ومثله في المفردات هو الأوّل والآخر، والظاهر والباطن، والمعنى إن اجتمع كونه من عند الله مع كفركم واجتمع شهادته وايمانه مع استكباركم عن الإيمان، واستكبرتم معطوف على آمن لأنه قسيمه، والكل معطوف على الشرط ولا تكرار في استكبرتم لأنه بعد الشهادة والكفر قبلها، والحالية محتملة في الثانية أيضاً. قوله:(والشاهد هو عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الصحابيّ المشهور، فتكون هذه الآية مدنية مستثناة من السورة كما ذكره الكواشي وكونه إخباراً قبل الوقوع كقوله:{وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ} [سورة الأعراف، الآية: 48] خلاف الظاهر المتبادر، ولذا قيل لم يذهب أحد إلى أنّ الآية مكية إذا فسر الشاهد بابن سلام، وفيه بحث لأنه معطوف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلا فليس من قبيل ما ذكر، فلا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها ويكون تفسيره به بيانا للواقع لا على أنه مراد بخصوصه منها لعموم النكرة بعد

الشرط أو هو المراد والتنكير للتعظيم، وادّعا أنه لم يقل به أحد مع ذكره في شروح الكشاف لا وجه له، إلا أن يراد من السلف المفسرين وهو تحجير للواسع يحتاج إلى استقراء تامّ، وقيل الآية مكية وسبب نزولها أمر آخر، واسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه مفصل في الكشاف وهو حديث صحيح ومن الإعلام سلام مخفف، ومنها ما هو مثدد، وتفصيله في كتاب المشتبه لابن حجر، ولا حاجة إلى استقصاء الكلام فيه هنا. قوله:(من نعت الرسول) هذا مؤيد لما مرّ من تفسيره به فكان المناسب للمصنف أن يذكره فيما مرّ فلعله أراد بنعت الرسول ما يشمل ذكر كتابه، وأنه منزل من عند الله وهو بعيد. قوله:(وهو ما في التوراة الخ) هذا على أنّ المراد بالشاهد ابن سلام فإنه لما صدق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وبما جاء به لكونه مطابقا لما علمه من التوراة كان شاهدا على مثله ويجري على إرادة موسى عليه الصلاة والسلام أيضا. وقوله: (من المعاني الخ) بين لما أو لمثل وهو الأظهر. وقوله: (المطابقة له) أي لمعانيه وهذا بيان لمماثلته له لاتحاد معانيهما، كالوعد والوعيد والتوحيد والإرسال وفي الكشاف على نزول مثله، وقيل: مثله كناية عن القرآن نفسه للمبالغة. وقوله: (أو مثل ذلك الخ) جعل شهادته على أنه من عند الله شهادة على مثله أي مثل شهادة القرآن لأنه بإعجازه كانه يشهد لنفسه بأنه من عند الله، وهذا أيضا جار على الوجهين وعلى كون الآية مكية ومدنية. قوله:(لما رآه من جنس الوحي) بفتح اللام وتشديد الميم، أو بالكسر. والتخفيف إشارة إلى أنّ الفاء للسببية وأنّ إيمانه مترتب على شهادته له بمطابقته للوحي، ويجوز أن تكون الفاء تفصيلية. وقوله:(اس! شاف) أي بيانيّ وقوله: بأنّ كفرهم لضلالهم لأنّ هذه الجملة تعليل لما قبلها، وهو الاستكبار عن الإيمان وهو عين الكفر وتسبب عن ظلمهم لتعليقه على المشتق. قوله:(ودليل الخ) ولدلالتة عليه حذف ومنهم من قدره أتؤمنون لدلالة فآمن، ووجه كونهم ظالمين أنّ مثله من عند الله في معتقدهم، فإذا لم ينصفوا يكونون ظالمين، وقدّر الجواب المعرب فقد ظلمتم وردّ ما قدّره الزمخشريّ والمصنف جواباً بأنه لو كان كذلك وجبت الفاء لأنّ الجملة الاستفهامية إذا وقعت جوابا للشرط لزمها الفاء، فإن كانت الأداة الهمزة تقدمت على الفاء، وإلا تأخرت واعتذر له السمين بأنه تقدير معنى لا تقدير إعراب وفيه كلام في شرح التسهيل يطول شرحه وقوله: وقال الذين الخ تحقيق لاستكبارهم. وقوله: (لأجلهم) فاللام ليست لام المشافهة والتبليغ، والا لقيل ما سبقتمونا

وليس من مواطن الالتفات، وكونهم قصدوا تحقيرهم بالغيبة لا وجه له. وقوله:(سقاط) جمع ساقط كجهال جمع جاهل وهو الذي لا يعبأ به لعدم جاهه وماله، وأشياعه كما أشار إليه بقوله إذ أكثرهم الخ وغطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة قبيل معروفة، وكذا كل ما ذكر أسماء قبائل معروفة، وفي أسلم وأسلم تجنيس تامّ، ولذا لم يقل أسلمت. قوله:(مثل ظهر عنادهم الخ) إنما قدروا لإذ عاملها لأنها من الظروف اللازمة للإضافة إلى الجمل، وقد أضيفت إلى جملة لم يهتدوا به فلا تعمل فيها، وكذا لا يعمل فيها فسيقولون لأنّ إذ للمضي وهو مستقبل، وأيضاً الفاء تقتضي سبباً فلذا قدروا لها عاملا هو السبب وحذف عامل الظرف

ص: 28

كثير ك! في قولهم حينئذ الآن أي كان ذلك حينئذ وامتغ الآن، فالماضي المقدّر معطوف على ما قبله والفاء دالة على تفريع ما بعدها على ذلك المقدر. وقال الواحديّ: إذ بمعنى إذا، وقد تأني للاستقبال، وقيل إنها تعليلية. وقال ابن الحاجب: يجوز تضمين إذ معنى الشرط بقرينة الفاء، وقد جوّز كونها معمولة لقوله فسيقولون باعتبار إرادة الاستمرار وردّ بأن المضارع إذا أريد به الاستمراو على أنّ السين للتأكيد، فإنما يدل على استمرار مستقبل بخلاف ما إذا لم يقترن بالسين، فإنه يكون للاستمرار في جميع الأزمنة، وأجيب عنه بأنّ السين إذا كانت للتأكيد يجوز أن يقصد الاستمرار في الأزمنة كلها نحو فلان يقري الضيف والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي والتسبب حينئذ عن كفرهم. قوله:(مسبب عنه) أي عن ظهور عنادهم إشارة إلى أنّ الفاء للسببية والمسبب عنه مقدر. وقوله: (وهو أي) قولهم هذا إفك قديم بمعنى ما ذكر والقرآن يفسر بعضه بعضا. قوله تعالى: ( {وَمِن قَبْلِهِ} الخ) قراءة العامّة بمن الجارة، فالجار والمجرور خبر مقدم وقرى بمن الموصولة عمى أنه معمول لفعل مقدر كآتينا وإماما ورحمة حالان من كتاب والعامل فيه معنى الاستقرار والمعنى كيف يصح كونه إفكاً قديماً وقد سلموا كتاب موسى ورجعوا إلى حكمه مع أنّ القرآن ممدّق له، ولغيره من الكتب السالفة بمطابقته لها مع إعجازه وحفظه من التحريف القاطع بصحة ذلك، وهو جار على إرادة اليهود، أو مطلق الكفرة من الذين كفروا كما أشار إليه بقوله لكتاب موسى، أو لما بين يديه من الكتب السالفة، وأيد الثاني بأنه قرى به وتقديم من قبله للاهتمام، أو المعنى من قبله لا من بعده ليوفي حق الاختصاص اللازم له عند السكاكي كما في الكشف. قوله:(أو منه) أي من كتاب

النكرة، وسوّغ مجيء الحال منه من غير تقديم له توصيفه والعامل حينئذ معنى الإشارة، وفيه كلام تقدم في هذا بعلى شيخا، وفائدتها أي فائدة مجيء الحال منه مع أنّ عربيتة أمر معلوم لكل أحد الدلالة على أنّ تصديقه لها باتحاد معناه معها، وهي غير عربية ومثله لا يكون ممن لم يعرف ذلك اللسان بغير وحي من الله وهو كاف في حقيته كما أشار إليه بقوله حقي دلّ الخ. وقوله:(يصدق ذا لسان الخ) يعني به النبيّ، فلا بد فيه من حذف المضاف، ولو جعل هذا إشارة إلى كتاب موسى لقربه لم يحتج لتقدير. وقوله:(وقيل) معطوف على قوله حال. قوله: (وفيه ضمير لخ) أي في هذا الفعل، وهو ينذر ضمير مستتر لما ذكر وأيد الأخير بقراءة الخطاب، فإنه لا يصلح بدون تكلف لغير الرسول والتعليل صحيح على الكل ولا يتوهم لزوم حذف اللام على أنّ الضمير للكتاب لوجود شرطه فإنه شرط الجواز لا الوجوب. وقوله:(وتوقيف) بتقديم القاف وفي نسخة بتاخيرها، وهو تحريف من الناسخ وقوله:(عطف على محله) أي محل لينذر وهو الجرّ لأنّ المصدر المسبوك لا يظهر إعرابه. قوله تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا} الخ) مرّ تفسيره في السجدة. وقوله: (جمعوا بين النوحيد) المستفاد من تعريف الطرفين المفيد للحصر. وقوله: (في الأمور) إشارة إلى عمومه لترك متعلقه والتي الخ صفة الاستقامة. وقوله: (على تأخر رتبة العمل (إشارة إلى أنها للتراخي الرتبي، وتوقف اعتباره على التوحيد من نفس الأمر، والترتيب الوجودي فهي للترتيب بدون تراخ وقوله: وجزاء منصوب بمقدر من لفظه لدلالة السياق عليه. قوله: (من لحوق مكروه) أي في الآخرة كما أنّ فوات المحبوب المطلوب في الدنيا ويجوز في هذا أن يكون لفاً ونشراً للعلم والعمل والأحسن رجوعه للكل. وقوله: (لتضمن الاسي! معنى الشرط) مع بقاء معنى الابتداء بخلاف ليت ولعل وكان كما فصله النحاة. وقوله: {وَوَصَّيْنَا} الخ تقدّم الكلام عليه في سورة العنكبوت. وقوله: (لىلصاء حسنا) فهو صفة لمصدر مقدر. وقد جوّز فيه المصدرية كعلنا فيكون له مصدران على فعل وفعل وهو خلاف المعروف في الاستعمال وإن توافقت فيه القراءتان. وقوله: ذات كره إشارة إلى أنه حال من الفاعل بتقدير مضاف. وقوله:

(أو حمل! الخ) علي أنه صفة للمصدر، أو هو منصوب على المصدرية لتقدّم ما هو في معنى فعله وقد تقدم في النساء الفرق بين المفتوح والمضموم والكلام فيهما. قوله:(ومدّة حمله وفصاله) فيه مضاف مقدر لتصحيح الحمل من غير تكلف. وقوله: (أو وقته) عطف على قوله الفطام يعني الفصال إمّا

ص: 29

بمعنى الفصل معطوف على حمله والمراد مدتهما، وإن كان الفصال بمعنى وقته فهو معطوف على مدّة الحمل المقدر وقوله والمراد به أي بالفصال على الوجهين. وقوله المنتهى به أي بالفصال أو بالفطام. وقوله: ولذلك أي ولكون المراد الرضاع التانم عبر بالفصال عنه، أو عن وقته دون الرضاع المطلق، لأنه لا يفيده والموصوف بقوله التامّ لما فيه من تطويل الكلام، وقد تقدم تفصيله في سورة البقرة.

قوله: (كما يعبر بالأمد) ظاهره أنّ الأمد بمعنى النهاية وأنه عبر به عن جميع المدّة مجازاً

كما تطلق الغاية على مجموع المسافة، وفيه نظر من وجهين الأوّل أنه مخالف لكلام أهل اللغة قال الراغب: يقال أمد كذا كما يقال زمانه والفرق بينهما أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية، والزمان عامّ في الغاية والمبدأ، ولذا قال بعضهم الأمد والمدى متقاربان اهـ الثاني أنّ البيت المذكور لا دلالة له على مدعاه لاحتمال أن يكون انتهى بمعنى انقضى، ومضى فالأمد فيه بمعنى الغاية أيضاً ويدفع بحمل كلامه على ما قاله الراغب إذ ليس فيه ما يأباه والتأويل المذكور بعيد. قوله:(كل حتي الخ) البيت من شعر من قصيدة لعبيد الأبرص وتمامه:

ومود إذا انتهى أمد.

وهو من قصميدة مشهورة. قوله: (وفيه دليل على أنّ أقل الخ) لأنّ مجموع الحمل وتمام الرضاع ثلاثون شهراً، وقد ذكر في آية أخرى مدة الرضاع مقدّرة بحولين كاملين وهما أربعة وعشرون شهرا فالفاضل منها ستة أشهر، وقد ذكر الأطباء أنّ أقل مدة تكون الولد في الرحم هذا المقدار. وقوله: ولعل تخصيص الخ أي خص ما ذكر بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصراحة، والدلالة دون أكثر الحمل وأقل الرضاع، وأوسطهما لانضباطهما بعدم النقص والزيادة بخلاف ما ذكر. قوله:(وتحقق ارتباط حكم النسب) بأقل مدّة الحمل حتى لو وضعته

فيما دونه لم يثبت نسبه منه، وبعده يثبت وتبرأ أمّه من الزنا ولو أرضعته مرضعة بعد حولين لم يثبت له أحكام الرضاع في التناكح وغيره. قوله:(حتى إذا بلغ الخ) غاية لمقدر أي عاس واستمرّت حياته حتى الخ. والمراد أنه زاد سته على سن الكهولة من الثلاثين فما فوقها، وكونه لم يبعث نبيّ الخ أمر أغلبيّ، فإنّ عيسى كما مرّ نبئ في سن الصبا. وقيل إنه غير مسلم، وإنه كغيره بعث بعد الأربعين كما في شرح المواقف. وقوله: أوزعته بكذا أي جعلته مولعاً به راغباً في تحصيله فالمعنى رغبني ووفقني له. قوله: (وذلك يؤيد الخ) فإنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الصدّيق رضي الله عنه لأنه صحبه صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمان عشرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في سفر للشام في التجارة، فنزل تحت شجرة سمرة، وقال له الراهب: إنه لم يستظل بها أحد بعد عيسى غيره صلى الله عليه وسلم، فوقع في قلبه تصديقه صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يفارقه في سفر ولا حضر، فلما نبئ وهو ابن أربعين سنة آمن به، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وصدقه فلما بلغ الأربعين قال وب أوزعني الخ كما قاله الوأحديّ، فما ذكر سواء أريد بالنعمة الدين أو ما يشمله يدل على أنها في حق واحد معين اتفق له في مراتب سنة ما اتفق، ولم يعهد في غير الصدّيق وذلك يحتمل أن يكون مبتدأ والجملة بعده خبره وما مفعوله، ويحتمل أنّ ما فاعل، وذلك مفعول مقدّم والإشارة إلى التفسير بما ذكر. قوله:(لم يكن أحد أسلم الخ) قيل عليه إسلام أبيه بعد الفتح، فيلزم أن ثكون هذه الآية مدنية والمصنف لم يستثن بعض الآيات كغيره فالتزمه بعضهم، وقال إنه مبنيّ على أنّ قوله ووصينا إلى أربع آيات مدنية فكان عليه أن ينبه عليه، وما ادّعاه من أنه لم يسلم أحد هو وأبوه غير. فيه نظر فإنّ في الصحابة جماعة كل منهم صحابيّ ابن صحابيّ كما يعرفه من نظر في أسماء الرجال كأسامة بن زيد وابن عمر نعم إنه قيل في ابنه عبد الرحمن إنه صحابيّ ابن صحابي ابن صحابي، ولا نظير له فتدبر. قوله:(أو لأنه أراد نوعاً) فالتنوين للتنويع، ولا يخفى أنّ النوع الذي يستجلب رضا الله عظيم أيضاً فالفرق بينهما يسير جدّا والمراد بكونه مرضياً له تعالى مع أنّ الرضا الإرادة مع ترك الاعتراض، وكل عمل صالح كذلك أن يكون سالما من غوائل عدم القبول كالرياء ونحوه، فحاصله اجعل عملي على وفق رضاك، وقيل المراد بالرضا هنا ثمرته على طريق الكناية.

قوله: (واجعل لي الصلاح الخ) يعني كان الظاهر أصلح لي ذريتي لأنّ لإصلاح متعدّ

ص: 30

كما في قوله وأصلحنا له زوجه فقيل إنه عدى بعلى لتضمته معنى اللطف أي الطف بي في ذريتي، أو هو نزل منزلة اللازم ثم عدى بفي ليفيد سريان الصلاح فيهم وكونهم كالظرف له لتمكنه فيهم، وهذا ما أراده المصنف وهو الأحسن. قوله:(يجرح الخ) أوّله:

فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها

لدى المحل الخ والمراد بذي ضروعها اللبن يعني إن قل لبنها، فلم يكن فيه غنى للضيوف عرقبتها ونحرتها لهم ليأكلوها، وقد جعل يجرح مع تعديه لازما بمعنى يحدث في عراقيبها الجرح كما في الآية 00 وقوله: عما لا ترضاه مأخوذ من قرينة المقابلة. وقوله: المخلصين لأنّ الإسلام بمعنى الانقياد، فهو في معنى الإخلاص وهو المناسب هنا وقوله: لا يثاب عليه إشارة إلى أنّ القبول كالمرادف للثواب وليس المراد بالأحسن الحسن كما توهم وقوله: لتوبتهم ليس ذكر التوبة لأنه لا مغفرة بدونها كما ذهب إليه المعتزلة بل لأنّ قوله: تبت أو لا قرينة عليه. قوله: (كائنين في عدادهم الخ) يعني أنّ الجارّ والمجرور هنا حال ومعنى الظرفية أنهم معدودون من زمرتهم، وعدهم فيهم يقتضي ثوابهم الجزيل مع المغفرة، فكان الظاهر عطفه بالواو لكنه عطفه باو ليغاير المتعلق بالخصوص والعموم، والظاهر أنه من قبيل وكانوا فيه من الزاهدين ليدل على الميالغة بعلوّ منزلتهم فيها إذ قولك فلان من العلماء أبلغ من قولك عالم، ولم يبينوه هنا، ومن لم يتنبه لهذا قال في بمعنى مع. قوله:(مصدر مؤكد لنفسه) يعني أنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر، وهو مؤكد لمضمون جملة قبله لا محتمل لها غيره كقولك: له عليّ كذا عرفا كما أشار إليه بقوله: فإنّ الخ ومعنى المؤكد لنفسه وغيره مفصل في كتب النحو. قوله: (والمراد به الجنس) فهو في معنى الجمع ولذا صح الإخبار عنه بأولئك وهو جمع وقوله: وإن صح الخ جواب لسؤال مقدر على إرادة الجنس بأنه قيل إنها وردت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فكيف يراد به الجنس، فإنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص مدلوله حتى ينافي العموم، وفي تعبيره إشارة إلى عدم صحته لأن مروان قاله لمعاوية لما أراد معاوية عقد البيعة ليزيد فقال عبد الرحمن لقد جئتم بها هرقلية فقال

مروان لتنفير الناس عنه هذا الذي قال لله في حقه والذي قال لوالديه الخ فأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وقالت لو شئت لسميت من نزلت فيه كما رواه النسائي وغيره وأيده الزمخشريّ بأنّ عبد الرحمن رضي الله عنه من كبار الصحابة وهذه الآية في حق الكافر وهو الأصح، وأصله في البخاري كما ذكره ابن حجر ولم يقل، ولو صح لأنّ كثيرا من المحدثين كالسهيلي في الإعلام ذكر أنها نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه فلا وجه للتعبير بها كما قيل. قوله:(وفي أف قراآت) ولغات نحو الأربعين ذكرناها مع تحقيق معناها في سورة الإسراء، وقوله: بنون واحدة مشدّدة، وقرئ بالفك مع الكسر وسكون الياء، وفتحها وأمّا فتح النون فشاذ، وقد قيل إنه لحن لأنّ نون التثنية لا تفتح إلا في لغة رديئة. وقوله: فلم يرجع أحد منهم يعني أن المراد بمضيها هنا إنكار البعث كما قيل:

ما جاءنا أحد يخبر أنه في جنة لمامضى أونار

قوله: (يقولان الغياث) منصوب على المصدرية وضمير التثنية لوالديه والمراد إنكار قوله، واستعظامه كأنهما لجآ إلى الله في دفعه كما يقال العياذ بالله، أو يطلبان أن يغيثه الله بالتوفيق حتى-س جع عما هو عليه وقوله: يقولون يعني إنه معمول لقول مقدر صعطوف على قوله يستغيثان والأحسن أن يقدره يقولان والثبور الهلاك، وقوله: بالحث يعني أنه في الأصل معناه الدعاء بالهلاك، فأقيم مقام الحث على فعل أو ترك للإيماء إلى أنّ مرتكبه حقيق بأن يطلب له الهلاك، فإذا سمع ذلك ترك ما هو فيه وأخذ ما ينجعه كذا في شرح الكشاف للمدقق، وأورد عليه أنه لا يناسب معنى الحث فوجه الدلالة عليه أنّ فيه إشعاراً بأنّ الفعل الذي أمر به مما يحسد عليه، فيدعي عليه بذلك فهو باعث من هذه الجهة، ودفعه ظاهر لمن تأمّله لأنّ المراد الحث على خلاف المدعوّ عل! بسببيته فتدبر. وقوله: على تركه بدل من قوله على ما يخاف بصيغة المجهول، وقوله: بالثبور متعلق بالدعاء، وبالحث متعلق به أيضا وباؤه بمعنى مع أو للملابسة، وقيل: إنها للسببية ولو قال للحث كان أظهر. قوله: (وهو) أي ما ذكر من أنه حق عليه القول بدخول النار أي جزم بذلك لعلم

ص: 31

الله بأنه لا يسلم فلا يصح أن يكون في حق من

تحقق إيمانه لأنّ ما ذكر يدل على أنه من أهلها أي النار وقوله: لذلك أي لما حكى عنه من مقاله، فإنّ الإشارة كإعادة الموصوف وصفاته، وترتب الحكم على الوصف مؤذن بالعلية. وقوله: وقد جب بالبناء للمجهول أي قطع عنه ورفع ذلك إشارة إلى ما ورد في الحديث من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله. وقوله: إن كان أي صح صدوره منه فكان تامّة، و، قوله: لإسلامه متعلق بقوله جبّ، ولا يخفى أنّ خصوص السبب لا يخصص الحكم فاذا أثبته ذلك للجنس لا ينافي خروج بعضهم من أحكامه الأخروية، وما قيل من أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله أولى من قوله: في الكشاف إنه كان من أفاضل المسلمين، وسرواتهم لسلامته عن الإيراد باحتمال سوء الخاتمة، وأنّ هذا في حق الكفار، فلا ينافي ما سيأتي من أنّ المظالم لا تغفر بالإيمان كلام مختل مضطرب لأنّ احتمال سوء الخاتمة لأفاضل الصحابة مما يلتفت إليه لا سيما من هو صدّيق ابن صديق، وما ذكره من المظالم سياتي ما فيه. قوله:(كقوله في أصحاب الجنة) يعني إنه واقع في مقابلته، فهو مثله إعرابا ومبالغة ومعنى. وقوله: على الاستئناف في جواب سؤال مقدر وقوله: مراتب توطئة للتغليب الآتي. وقوله: من جزاء ما عملوا إشارة إلى أنّ الجارّ والمجرور صفة درجات بتقدير مضاف فيه، وجمن بيانية أو ابتدائية، وما موصولة أو مصدرية. وقوله: من الخير والشر بيان لما أو من تعليلية بدون تقدير، وهو ظرف مستقرّ لا متعلق بكل كما قيل إلا أن يراد التعلق المعنوي. قوله:(جاءت على التنليب) أي للدرجات على الدركات لأنّ قوله لكل معناه لكل من الفريقين، والجنسين المستحقين للثواب والعقاب محال، ومراتب سواء كانت درجات أو دركات. وقوله: لكل بحسب الظاهر يأبى التغليب فتدبر. قوله: (وليوفيهاً الخ) فيه مضاف مقدر كما مرّ، وهو متعلق بمحذوف تقديره جازاهم بذلك وقد قرئ في السبعة بالياء التحتية والنون، وقراءة السلمي بتاء فوقية على الإسناد للدرجات مجازا وجملة وهم لا يظلمون حال مؤكدة أو اسنئناف. وقوله: بنقص ثواب الخ تقدّم أنه لو وقع لم يكن ظلماً وتأويله ما مرّ! من أنه لو صدر من العباد كان ظلماً. قوله: (يعذبون بها) يعني أن عرضهم على النار إمّا مجاز عن تعذيبهم من غير قلب، فهو كقولهم عرض على السيف إذا قتل كما مرّ أو بمعناه الحقيقي على القلب وهو الوجه الثاني ولما كان خلاف الأصل مرضه المصنف رحمه

الله وقال أبو حيان إنه لا قلب في قولهم عرضت الناقة على الحوض لأنّ عرض الناقة على الحوض والحوض على الناقة صحيحان، وأنكر القلب في الآية. وقال إنه يرتكب للضرووة ولا ضرورة تدعو إليه هنا، ولا يخفى أنّ الزمخشري لم يخترع القلب في المثال المذكور بل سبقه إليه الجوهريّ، وغيره قال في عروس الأفراح المعروض ليس له اختيار والاختيار إنما هو للمعروض عليه فإنه قد يقبل، وقد يرد فعرض الناقة على الحوض مقلوب لفظا والقلب قد يكون لفظاً كخرق الثوب المسماو، ومعنى كقوله:

كأنّ لون أرضه سماؤه

وأمّا الآية ففي كونها من القلب ما سمعته، وقال السبكيّ إنها من القلب المعنويّ لا اللفظي لأنّ الكفار مقهورون، فكأنهم لا اختيار لهم والنار متصرفة فيهم، فهم كالمتاع الذي يتصرّف فيه من يعرض عليه كقولهم عرضت الجارية على البيع، والجاني على السيف والسوط، ومن الغريب قول ابن السكيت في كتاب التوسعة تقول عرضت الحوض على الناقة وأنما هو عرضت الناتة على الحوض على عكس ما مرّ، وهو مخالف للمشهور (أقول) الدّي لاح لي هنا أنّ العرض إن اعتبر فيه حركة المعروض، أو تحريكه نحو المعروض عليه وارادة المعروض عليه لما عرض عليه باختياره، أو ترجيحه وتمييزه كعرضت الرأي عليه لا يكون عرض الناقة على الحوض والكفار على النار وعكسه حقيقة لتخلف القيود المعتبرة فيما وضع له، ويصح كل منها على المجاز فعرض الناقة والكفار بمعنى السوق لأنّ المعروض يساق للمعروض عليه فهو في معنى وسيق الذين كفروا إلى جهنم وعكسه إعدادها وتهيئتها كقوله:{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة، الآية: 24] لأنّ المعروض يهيا لتوجيهه للمعروض عليه وإن اعتبر الأوّل فقط كان عرض الناقة على الحوض، والكفار على النار حقيقة وعكسه من باب القلب وإن اعتبر الثاني كان على العكس، ومنه عرفت منزع الخلاف وأنّ ما ذكره المعترض كلام سطحي ناشئ من عدم

ص: 32

التدقيق، وما ذكرناه من التوفيق من فيض من بيده أزمة التوفيق، ولبعضهم هنا كلام لا طائل تحتة، وقوله: مبالغة لأنه يقتضي أنها ثابتة، وأنهم جعلوا كالحطب الذي يساق لها وهو إشارة إلى أنّ القلب هنا مقبول لتضمنه نكتة، وهي المبالغة، وفي القلب ثلاثة أقوال معروفة الرد والقبول، والتفصيل بين ما تضمن نكتة فيقبل، وما لا يرد، وهو الصحيح عند أهل المعاني. قوله:(أي يقال لهم) إنما قدره ليرتبط به الكلام، وينتظم وضمير،

وهو راجع إلى يقال المقدر لا إلى أذهبتم، وقوله: باستيفائها إشارة إلى أنّ الجار، والمجرور متعلق بقوله: أذهبتم، وأنّ الجمع المضاف يفيد الاستغراق، وكذا قوله فما بقي الخ، وقوله: بهمزة ممدودة صوابه غير ممدودة، وقوله: واستمتعتم بها عطف تفسير لقوله: أذهبتم، وقوله: بسبب الاستكبار يعني أنّ الباء سببية، وما مصدرية فيهما، وقوله: عن طاعة الله متعلق بالفسوق لأنه بمعنى الخروح. قوله: (وهو رمل الخ) هذا أصل معناه والمراد به منازلهم لأنها كانت ذات رمال كذلك كما أشار إله بقوله، وكانوا يسكنون الخ، وقوله: مشرفة أي قريبة منه ينظر الواقف بها البحر، والشحر بكسر الشين المعجمة، وتفتح وسكون الحاء المهملة، وفي آخره راء مهملة، وهو من أعمال اليمن، وإليه ينسب العنبر والطيب، وقوله: من احقوقف من ابتدائية أي مأخوذ منه لأنّ دائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق أو المراد أنه مشتق منه لأنّ المجرد قد يشتق من المزيد إذا كان أعرف، وأشهر في معناه كما يقال الوجه من المواجهة، وقال التفتازاتي: لم يرد أنّ الحقف مشتق من احقوقف بل الأمر بالعكس، وأنما المراد أنّ بينهما اشتقاقا اهـ، وقيل عليه أنه لا يفيد وجه دخول من الابتدائية على المزيد ما لم يلاحظ ما ذكرناه، وفيه نظر لأنه بناء على أنّ الاشتقاق إنما هو من المجرّد فمن فيه اتصالية لا ابتدائية كما توهه هذا القائل فتدبر. قوله:(الرسل) إشارة إلى أنه جمع نذير بمعنى منذر لا بمعنى الإنذار كما جوّزه الزمخشري فإنه يكون حينئذ مصدرا، وجمعه على خلاف القياس فلا حاجة إليه وأمّا أنّ الأنذر ليس له أنواع مختلفة كما قيل فلا وجه له فانه يختلف باختلاف المنذر به. قوله: (قبل هود وبعده الف، ونشر مرتب، وقد جوّز فيه العكس لكنه غير متأت هنا لأنه قرىء، ومن بعده وهو معين لكون من خلفه بمعنى من بعده، ثم إنّ عطفه من قبيل:

علفتها تبنا وماء باردا

وفيه أقوال فقيل عامل الثاني مقدر، وقيل إنه مشاكلة، وقيل إنه من قبيل الاستعارة بالكناية كما فصلناه في الأمالي فلا يلزم الجمع بين الحقيقة، والمجاز كما قيل وإن كان جائزا عند المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى تكلف إنه باعتبار الثبوت في علمه تعالى أي ثبت، وتحقق في علمه خلوّ الماضين منهم، والآتين نعم هو لازم على تقدير أنه من تنزيل الآتي منزلة الماضي لتحققه كما في قوله:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [سورة الأعراف، الآية: 144 كما ذكره الشارح المحقق، وقوله: والجملة حال أي من فاعل أنذر أي معلماً بأنها خلت أو من المفعول أي عالمين ذلك بإعلامه لهم أو بغيره أو المعنى أنذرهم على فترة من الرسل فلا يؤوّل بما ذكر ويجوز عطفه على أنذر، وقوله: أو اعتراض أي بين المفسر، والمفسر أو بين الفعل ومتعلقه كأنه قيل اذكر زمان إنذار هود بما أنذر به الرسل قبله وبعده وهو أن لا تعبدوا الخ تنبيها على أنه

إنذار ثابت قديما وحديثاً اتفق عليه الرسل فهو مؤكد لما اعترض فيه مع الإشارة إلى أنه مقصود قيد تابع كما في الحالية ولذا رجحه في الكشف مع ما فيه من التفسير بعد الإبهام، والسلامة عن تكلف الجمع بين الماضي، والمستقبل. قوله:(أي لا تعبدوا) فإن مفسرة بمعنى أي لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه وهو الإنذار، والمفسر معموله المقدّر، وقوله: بأن لا تعبدوا الخ على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة فقبلها حرف جر مقدر متعلق بأنذر كما مرّ تحقيقه، وقوله كأنّ النهي الخ. بيان لكون أن لا تعبدوا مفسرا للإنذار أو مقدراً به على الوجهين، واشتمال ماً بعده أو مجموع الكلام على الإندّار لا يغني عما ذكر كما قيل، وقوله: إني أخاف الخ استئناف لتعليل النهي. قوله: (هائل) يعني أنّ عظمه مجاز عن كونه مهولاً لأنه لازم له وكون اليوم مهولاً باعتبار هول ما فيه من العذاب فالإسناد فيه مجازيّ، ولا حاجة إلى جعله صفة العذاب والجرّ للجوار، وقوله: بسبب شرككم يؤخذ من كونه تعليلاً لما قبله، وقوله: لتصرفنا لأنّ أصل معنى الإفك الصرف كما مرّ. قوله: (عن عبادتها) بيان للمراد من صرفهم عنها أو هو بتقدير مضاف فيه، وقوله: من العذاب

ص: 33

وفي الكشاف عن معاجلة العذاب أي عن تعجيله في الدنيا لأنه هو الموعود به دون عذاب الآخرة فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له. قوله: (لا علم لي بوقت عذابكم) هذا مدلول الحصر بإنما مع كون تعريف العلم للعهد فالمراد به العلم بوقت وقوع ما استعجلوه، وقوله: ولا مدخل لي فيه وجه إفادة هذا الكلام لما ذكر إنه وقع جوابا لاستعجالهم العذاب فيكون كناية عن أنه لا يقدر عليه، ولا على تعجيله لأنه لو قدر عليه، وأراده كان له علم به في الجملة فنفي علمه به نفي لمدخليته فيه حتى يطلب تعجيله من الله، وطلب تعجيله هو عين الدعاء المذكور في الكشاف حيث قال: فكيف أدعوه بأن يأتيكم بعذابه في وقت عاجل تقترحونه أنتم، ومن لم يفهمه قال لا حاجة لما ذكره الزمخشري فإنه يجر إلى سدّ باب الدعاء، وبهذا علم مطابقة جوابه لقولهم ائتنا. قوله:(فاستعجل به) فعل مضارع مبنيّ للفاعل منصوب في جواب النفي، ولا وجه لكونه مبنياً للمفعول كما قيل لما عرفت من معناه، وقوله:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} إشارة إلى أنه يفيد الحصر الإضافي بقرينة السياق، وقوله: في أفق أي جانب. قوله تعالى: ( {فَلَمَّا رَأَوْهُ} الخ (في الكشاف الضمير إمّا لقوله ما تعدنا أو مبهم يفسره قوله عارضاً، وهو إمّا تمييز أو حال وهذا الوجه

أعرب، وأفصح وأنما كان أعرب أي أبين، وأظهر لما في عود الضمير لما من الخفاء لأنّ المرئيّ يكون الموعود باعتبار المآل، والسببية له، والا فليس هو المرئي حقيقة لكنه اعترض عليه بأنّ الضمير إنما يكون مبهماً مفسرا بما بعده في باب رب، ونعم وبأنّ النحاة لا يعرفون تفسيره بالحال، وقد مرّ فيه كلام في البقرة. قوله:(متوجه أوديتهم) أي في مقابلتها، واضافته لفظية إذ هو مضاف لمعموله، وليس بمعنى المضيّ، وقد وقع صفة للنكرة، وكذا قوله ممطرنا، وقوله قال هود قدره ليتم النظام، ويتوجه الإضراب، ولو قدر قل بقرينة القراءة به كان أتم، ولا وجه لتقدير قال الله كما في تفسير البغوي: وهذا كالعطف التلقيني، والبدلية من ما أو من هو، وقوله: صفتها أي صفة ربح لكونه جملة بعد نكرة، ويجوز في جملة تدمر أن تكون مستأنفة، وقوله من نفوسهم الخ إشارة إلى أنه استغراق عرفي، وقوله: نابضة حركة من نبض بمعنى تحرّك، وليس من إضمافة الصفة للموصوف لأنه لا يتأتى في قابضة سكون، وهما على وتيرة واحدة بل هو صفة أي حال نابضة، أو قابضة، والإضافة للحركة، والسكون بيانية. قوله:(وفي ذكر الأمر الخ) توجيه لتخصيصها بالربوبية مع عمومها بأنه لفوائد ككونها مما يدل على ربوبيته، وقدرته القاهرة وأنها مأمورة مسخرة إلى غير ذلك من الفوائد، وقوله: وقرئ يدمر بالياء التحتية من دمر الثلاثي كقعد، ورفع كل على الفاعلية، وقرئ بالفوقية من الثلاثي مع نصب كل وحذف العائد إذا كان الضمير للأشياء، والتقدير بها يدمر فتأمّل، وقوله: ويحتمل معطوف على قوله فيكون العائد الخ، وقوله: لا يتقدم الخ لكونه بأمر لا يعدوه، وهو بيان لوجه الإمهال، وترك التعجيل. قوله: (فجأتهم (إما من المفاجأة أو الفاء رابطة له بما قبله، والفعل بعدها من المجيء، وهو إشارة إلى أن الفاء فصيحة، وقوله: بحيث لو حضرت الخ يعني أنّ الخطاب له صلى الله عليه وسلم على الفرض، والتقدير، ويجوز أن يكون عاما لكل من يصلح للخطاب، وقوله: وقرأ عاصم الخ هو بضم الياء التحتية، وصيغة المجهول، وقرأها الأعمش

بالفوقية، والرفع أيضاً، والجمهور على أنه يمتنع لحاق التأنيث مع فصل إلا في الضرورة كقوله:

وما بقيت إلا الضلوع الجراشع

وفيه كلام في محله. قوله: (في الحظيرة) هي مكان يجعل في أطرافه الحطب، ونحوه ويدخل فيه، وقوله: فأمالت الأحقاف أي حملت الرياح، وأدخلتها مساكنهم، وضمير كشفت للريح أيضا أي أزالت ما حملته وسفته من الرمال. قوله: (توجب التكرير لفظاً الا معنى لأنّ الأولى موصولة لكنه فيه شبه التكرار الثقيل، ولذا قال من ذهب إلى أنّ أصل مهماما ما على أنها ما الشرطية مكرّرة للتوكيد قلبت ألف الأولى هاء فرارا من ثقل المعاد، وقوله في الذي الخ يعني هي موصولة أو موصوفة، والجملة الشرطية صلة أو صفة وقوله: صلة أي زائدة للتأكيد، وهم يعبرون عن مثله بالصلة تأدّباً، وهرباً من إطلاق الزائد عليه لأنه ليس زائدا مستغنى عنه بلا فائدة بلى لا بد فيه ما يحسنه في الجملة. قوله:

(يرجى المرء ما أن لا يراه ويعرضر دون أدناه الخطوب)

ص: 34

يرجى يحتمل أن يكون بمعنى يؤمّل، وكونه لا يراه كناية عن بعده وهو وصف له بالحرص، وأنه يحرص على الأمور البعيدة عنه، ويجهد في حصولها مع أنّ خطوب الدهر أي حوادثه قد تحول بيته، وبين أدنى شيء إليه، وأقرب منه، ويحتمل أنه بمعنى يخاف من أمور لا يدركها، وهو يتضرّر بأدنى شيء أي أقربه أو أقله وهذا كما في المثل قرأ أخاف عليه لا حرّاً، وقيل معناه تعرض الخطوب، والبلايا عند بلوغ أدنى شيء مما يؤمله، وهو يرجيه ظانا أنه خير له كقوله:{وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 216] أو هو كقوله: المرء قد يرجو الرخاء مؤملاً والموت دونه

قوله: (والأوّل أظهرا لسلامته من الزيادة والحذف، وقوله: وأوفق الخ أمّا من الأخير فظاهر، وكذا من الثاني لأنّ أن الشرطية لا تقتضي الوقوع، ولا عدمه حتى تكون نصا في موافقته فلا وجه لما قيل الموافقة متحققة على تقدير الشرطية أيضا، وأفرد السمع في النظم وجمع غيره لاتحاد المدرك به، وهو الأصوات، وتعدد مدركات غيره ولأنه في الأصل مصدر

كما مرّ وأيضاً مسموعهم من الرسل متحد. قوله: (ليعرفوا تلك النعم) بيان للجميع لأنها تعرف بسائر الحواس فبالسمع يصل المرء إلى معرفة الشرائع، وغير ذلك مما هو من أجل النعم، وبالبصر يرى ما أنعم به عليه من الملابس، والمحاسن وغيرها، ومن الغفلة ما قيل إنه متعلق بالأفئدة فقط، والسمع ليسمعوا النذر، والأبصار ليبصروا آيات الآفاق والأنفس فيعتبروا ويتعظوا وقوله، وهو القليل بيان لأنّ من تبعيضية، وهي تحتمل الزيادة في المصدر فقوله: القليل حينئذ بيان لمعنى تنويته، وما في قوله: فما أغنى نافية أو استفهامية ولا يضره زيادة في المصدر فقوله القليل حينئذ بيان لمعنى تنوينه، وما في قوله. فما أغنى نافية أو استفهامية ولا يضر. زيادة من بعده كما زعم أبو حيان لأنها تزاد في غير الموجب، وفسروه بالنفي والنهي، والاستفهام فقوله: صلة أي متعلق بالنفي الصريح أو الضمني. قوله: (طرف جرى مجرى التعليل الخ) أشار في الكشاف إلى تحقيقه بأنه ظرف أريد به التعليل كناية أو مجاز الاستواء مؤدّي التعليل، والظرف في قولك ضربته لإساءته، وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه إلا أن إذ وحيث غلبتا دون سائر الظروف في ذلك حتى كاد يلحق بمعانيهما الوضعية اهـ، وهو كلام نفيس وفي ذكر الغلبة إشارة إلى جريانه في غيرهما لكنه خلاف الكثير الأغلب، ومن فهم منه الاختصاص بهما فقد أخطا، وفي قول المصنف، وكذلك حيث إشارة لذلك، وقوله: من القرى بتقدير مضاف أو تجوّز عن أهلها لقوله: لعلهم يرجعون، ولو عمم لخرابها صح، وحجر بكسر فسكون. قوله:(من حيث إنّ الحكم مرتب الخ) يعني أنّ كونه علة باعتبار ما أضيف هو إليه لأنه كاللام، والعلة المترتب عليها الحكم ما بعدها. قوله:(فهلا منعتهم الخ) يعني أنّ لولا هنا للتوبيخ، والتنديم لدخولها على الماضي، والمراد بنصرهم منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه، وقوله: وأول مفعولي الخ مبتدأ، والراجع صفته، ومحذوف خبره، وفي نسخة المحذوف معرّف على أنّ الخبر الراجع، وهو صفته وقوله، وثانيهما أي مفعولي اتخذ لتعدّيه لاثنين كما لا يخفى، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال: ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً، وا-لهة بدلاً منه لفساد المعنى؟ وللشراح فيه كلام طويل الذيل في الكشف، وحاصله أنّ المفعول الأوّل الضمير المحذوف، والثاني آلهة، وقرباناً حال وما عداه

فاسد معنى فقال المطرزيّ، لأنه لا يصح أن يقال تقربوا بها دون الله لأنه تعالى لا يتقرّب به ومعناه ما في الانتصاف أنه يصير الذم متوجها إلى ترك اتخاذ الله متقربا به لأنك لو قلت لعبدك اتخذت فلاناً سيدا دوني فقد وبخته على نسبة السيادة لغيرك، والله تعالى لا يتقرّب به، ولكن يتقرّب إليه، وهذا معنى ما نقله عن المصنف من أت لا يصح أن يقال تقرّبوا بها من دون الله لأنّ الله لا يتقرّب به، وأنما يتقرّب إليه وأراد أنه إذا جعل مفعولاً ثانيا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانا بدل الله أو متجاوزين عن اتخاذه قربانا لآلهتهم، وهو معنى فاسد، والاعتراض بأن جعل دون بمعنى قدام، وأنّ قربانا قد قيل إنه مفعول له أي متقرّب له فهو غير مخصوص بالمتقرّب به، وجاز أن يطلق على المتقرّب إليه، وحينئذ يلتئم الكلام غير قادح لأنه مع قلة استعماله لا يصلح ظرفا للاتخاذ، وأمّا قوله: فهو غير مخصوص بالمتقرّب به فليس بشيء لأنّ جار الله بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الامتناع على أنّ قوله بل ضلوا عنهم

ص: 35

ينادي على فساده أرفع ا! لنداء، والله أعلم، وقيل أيضا البدل، وإن كان هو المقصود لكن لا بد في غير بدل الخالط من صحة المعنى بدونه، ولا صحة لقولهم اتخذوهم من دون الله قربانا أي ما يتقرّب به لأنّ الله لا يتقرّب به بل يتقرّب إليه فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانا متجاوزين الله في ذلك، وأما حذف أحد مفعولي باب علمت فقد مرّ في آل عمران، وفي الإيضاح فساده لأنه لا يستقيم أن يقال كان من حق الله أن يتخذ قربانا وهم! ، لخذوا الأصنام من دونه قربانا كما استقام كان من حق الله أن يتخذ إلها، وهم اتخذوا الأصنام من دونه آلهة، وهو قريب مما مرّ والمصنف رحمه الله جنح إلى أنه يصح أن يقال الله يتقرّب به أي برضاه، والتوسل به والفساد إنما يلزم لو كان معنى من دون الله غيره أما إذا كان بمعنى بين يديه فلا كما قاله بعض الثراح، وإليه ذهب أبو البقاء، وغيره وفي النظم وجوه أخر من الإعراب فصلها السمين، وأبو حيان فليحرّر هذا المقام فإنه من مزالّ الأقدام. قوله:(أو! لهة) عطف على قوله: قربانا، وقوله: عن نصرهم بالنون، ويجوز أن يكون بالباء التحتية فلا يلزم إنهم كانوا يمرأى منهم كما قيل لكن الأول هو الموافق لما في الكشاف وعليه أكثر النسخ وقوله: امتناع الخ. هو إشارة إلى أنّ في ضلوا استعارة تبعية. قوله: (وذلك الاتخاذ الخ) فالإشارة إلى الاطخاذ المذكور، وجعلها الزمخشريّ إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم فقدّر فيه مضافاً أي أثر ءإفكهم لأنّ امتناع النصرة، وضلالهم عنهم أثر للإفك بمعنى الصرف عن الحق، وكذلك اتخاذهم آلهة كذلك فالإفك والافتراء على هذا شيثان متغايران، وقد رجح ما في الكشاف كما

بيته شراحه، وقوله: أفكهم بالتشديد وصيغة الماضي، وآفكهم با أصمذ على زنة المفاعلة أو أصله أفعل، وما بعده اسم الفاعل. قوله:(أملناهم إليك (المراد، وجهناهم لك، وفي معنى النفر كلام سيأتي تفصميله في سورة الجن، وقوله: حال أي من نفراً لأنه نكرة موصوفة، وحمله على المعنى بجمع ضميره لأنه اسم جمع فهو في المعنى جمع، وعلى كون الضمير للقرآن فيه تجوّز وإذا كان للرسول فيه التفات. قوله: (أي منذرين إياهم) فمفعوله محذوف للفاصلة، وفي نسخة مخوّفين داعين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ووادي النخلة معروف بين مكة، والطائف، ومنصرفه مصدر بمعنى انصرافه. قوله:(من الطائف) أي لما ذهب إلى دعوتهم قبل الهجرة كما بين في كتب السير لا في غزوته لهم فإنّ السورة مكية، ولم تستثن هذه الآية منها كما مرّ. قوله:(قيل إنما قالوا ذلك الخ) مرضه لأنه لا دليل عليه، وكذا ما بعده فانّ اشتهار أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، وانتشار أمر دينه أظهر من أن يخفى لا سيما على الجن، والأحسن ما في شروح البخاري في حديث ورقة بن نوفل، وقوله: لما شاهدوا أمر النبيّ لمجيرو، وهذا هو الناموس الذي نزل على موسى دون أن يذكر عيسى لأنّ موسى متفق عليه عند أهل الكتابين، ولأن الكتاب المنزل عليه أجل الكتب قبل القرآن وكان عيسى مأموراً بالعمل بالتوراة، وقوله: من الشرائع أقي الأحكام الفرعية أو ما يشمل العقائد فهو من ذكر العامّ بعد الخاص، وقوله: وآمنوا به أي بداعي الله أو بالله لقوله: يغفر لكم. قوله: (بعض ذنوبكم (فمن تبعيضية، وقوله: فإن أن مظالم أي حقوق العباد، وليس هذا على إطلاقه فإنها ساقطة أيضا عن الحربي كالقتل، والغصب، وما نقله الطيبي من الحديث الدال على مغفرة المظالم مطلقاً غير مسلم فإنه مؤوّل عند المحدثين، وقد قيل إنه لم يرد وعد المغفرة للكافر على تقدير الإيمان في كتاب الله إلا مبعضة، والسر فيه

أنّ مقام الكافر قبض لا بسط فلذلك لم يبسط رجاؤه كما في حق المؤمن. قوله: (واحتج أبو حتيفة الخ) قال النسفيّ في التيسير: توقف أبو حنيفة في ثواب الجن في الجنة، ونعيمهم لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى، ولم يقل بطريق الوعد في حقهم، إلا المغفرة والإجارة، وهو مقطوع به، وأما نعيم الجنة فموقوف على الدليل، وهذا وهو الظاهر يدل على توقف أبي حتيفة في شأنهم لا الجزم بعدم ثوابهم كما هو ظاهر كلام المصنف رحمه الله إلا أن يؤوّل بنفي القطع فيه فالمذاهب ثلاثة وتوابع التكليف الثوإب، والعقاب في الآخرة، والمؤاخذة في الدنيا كما في قوله:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} [سورة الأنعام، الآية: 132] والاقتصار على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب، والمقام مقام الإنذار فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب. قوله:(ولم يتعب ولم يعجز) هذا بناء على أنّ العيّ في التعب، والعجز على حد واحد، وفيه خلاف لأهل اللغة

ص: 36

فقال الكسائيّ: يقال أعييت من التعب، وعييت من انقطاع الحيلة، والعجز والتحير في الأمر، ومنهم من لم يفرق بينهما، وفي جمع المصنف رحمه الله بين التعب، والعجز إشارة إلى عدم الفرق بينهما. قوله:(والمعنى أن قدّرته الخ) فالمراد بكونها واجبة أنها لازمة للذات غير منفكة عنها، وما كان بالذات لا يتخلف، ولا يختلف كما تقرّر في الأصول فعدم العيئ والتعب مجاز عن عدم الانقطاع والنقص وقوله: أبد الآباد عبارة عن الدوام، ولو بلازمان، وقوله: قادر إشارة إلى أنه خبر أنّ. قوله: (ويدل عليه قراءة يعقوب يقدر (هنا، وفي يس في إحدى الروايتين عنه، وهذه القراءة موافقة أيضا للرسم العثماني أي يدل على أنّ قدرته لا تنقطع المضارع الدال على الاستمرار، وقوله: فإنه مشتمل الخ إشارة إلى ما مرّ من أنّ الباء تزاد بعد النفي، وما في حيز أنّ مثبت لكنه لانسحاب النفي عليه عومل معاملة المنفيّ، وقوله: ولذلك أجاب الخ أي لكونه في حكم النفي لأنّ بلى يختص بجواب النفي، وتفيد إبطاله على الصثمهور، وإن ورد في الإثبات نادراً، وأجازه بعض النحاة فهو في معنى أليس بقادر فلذا أكد بقوله: {أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . قوله: (يكون كالبرهان) ولذا قيل إنه كبرى لصغرى سهلة

الحصول! فكأنه قيل: إحياء الموتى شيء، وكل شيء مقدور له تعالى فينتج أن إحياء الموتى مقدور له، ويلزمه أنه قادر على أن يحيي الموتى، وقوله: بقول الخ تقديره، ويقال لهم يوم يعرض الخ أليس الخ، وقيل هو حال فتقديره، وقد قيل وفيه نظر والظاهر أنها معترضة، وقوله، والإشارة إلى العذاب الخ بقرينة التصريح به بعده، وقوله: بكفركم إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله: (ومعنى الأمر الخ) فهو تهكم، وتوبيخ وإلا لكان تحصيلاً للحاصل، وليس تكوينا كما قيل أن يراد إيجاد عذاب غير ما هم فيه، والتوبيخ من قوله بما كنتم تكفرون، وقوله تعالى:{فَاصْبِرْ} الخ الفاء عاطفة لهذه الجملة على ما تقدم، والسببية فيها ظاهرة كما قاله المعرب أو هي جواب شرط مقدر أي إذا كان الأمر على ما تحققته من قدرته الباهرة فاصبر الخ، وفسر العزم بالثبات، والاجتهاد في تنفيذ ما يريد وأولو العزم إما الرسل مطلقاً فمن بيانية، وهذا أحد الأقوال فيه أو طائفة مخصوصة منهم فمن تبعيضية، وفي تعيينهم أقوال كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله:( {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ} الخ) أولو العزم من له عزم، ومعناه لغة مفصل في كتب اللغة قال شمر العزم، والعزيمة ما عقدت قلبك عليه من أمر، والعزم أيضاً القوّة على الشيء، والصبر عليه فالمراد به هنا المجتهدون المجدون أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم، وقدره وقضاه عليهم، ومطلق الجدّ والجهد، والصبر موجود في جميع الرسل بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكثير من الأولياء فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل وأنّ من بيانية لا تبعيضية فكل رسول من أولي العزم، وارتضاه المصنف رحمه الله، وقدمه فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص، ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال أحدها أنهم جميع الردمل، والثاني أنهم أربعة نوح، وإبراهيم وموسى ومحمد، والثاني أنهم خمسة: محمد ونوج وابراهيم وموسى وعيسى، والرأبع أنهم ستة بزيادة واحد كهرون أو داود، والخامس أن! م سبعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى كما ذكره السيد علي، وفي في خزينته، والسادس أنهم تسعة: نوح وابراهيم، واسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب، وموسى وداود وعيسى كما في القاموس هذا هو المشهور، وقد يزاد وينقص، وتوجيه التخصيص أنّ المراد بهم من له جد، وجهد تامّ في دعوته إلى الحق وذيه عن حريم التوحيد، وحمى الشريعة بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية، والبدنية وأموره الخارجية كمبارزة كل أهل عصره كما كان لآدم، ونوح أو لملك جبار في عصره، وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية كنمروذ إبراهيم، وجالوت داود وفرعون موسى، ولكل موسى فرعون، ولكل محمد أبو جهل وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوّة قدسية، ونفس ربانية كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص، وهذا مما كشفت بركاتهم سرّه. قوله: (أولو الثبات

الخ) إشارة إلى معنييه، والجذ بكسر الجيم وتشديد الدال الاجتهاد، وقوله: أصحاب الشرائع قالوا هو على احتمال التبعيض إلا أنّ الرسول لا يكون إلا صاحب شرع مبلغ فلا يناسبه بحسب الظاهر، وقد قيل إنه

ص: 37