المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إما أن يتصل بقوله: للمكذبين كأنه قيل: ويل يومئذ للذين - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: إما أن يتصل بقوله: للمكذبين كأنه قيل: ويل يومئذ للذين

إما أن يتصل بقوله: للمكذبين كأنه قيل: ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا الخ أو بقوله: إنكم مجرمون على الالتفات كأنه قيل: هم أحقاء بأن يقال لهم: كلوا وتمتعوا، ثم علله بكونهم مجرمين وكونهم إذا قيل لهم صلوا لا يصلون كذا في الكشف نقلا عن الحواشي. قوله:(لا نجبي (كذا صح رواية في الحديث من التجبية بالجيم، والباء الموحدة وهي الانحناء على هيئة الراكع أو الساجد ووقع في بعض النسخ لا ننحني بنونات وحاء مهملة ولكن الذي رواه الزمخشري هو الأوّل، وقوله: فإنها الضمير للهيئة أو للفعلة أو للتجبية المفهومة من الفعل، وقوله: مسبة أي عار يستحق فاعله السب كما في قولهم: الولد مجبنة. قوله: (واستدل به الخ) إذ لو لم يكن للوجوب لم يذموا بالترك مطلقا وعدم الامتئال، ودلالته على المخاطبة بالفروع لأنهم أمروا الصلاة وذكر تعذيبهم بتركها فلو لم يخاطبوا وتجب عليهم ما عذبوا وعوقبوا على تركها والكلام عليه مفصل في الأصول، وقد مرّ الكلام عليه أيضاً. قوله:(بعد القرآن) قالوا إنه على أسلوب بعد ذلك تنبيها على أنه لا حديث يساويه في الفضل أو يدانيه فضلاً عن أن يفوقه، ويعلوه فلا حديث أحق بالإيمان منه يعني البعدية للتفاوت في الرتبة كثم هنا، وقوله: من قرأ سورة والمرسلات الخ حديث موضوع كغيره مما مر تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيد الأنبياء العظام وآله وصحبه الكرام.

سورة‌

‌ النبأ

وتسمى سورة عم يتساءلون وهي مكية بالاتفاق وآياتها أربعون أو إحدى وأربعون.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (أصله عما قحذف الألف) وقد قرئ به على الأصل في الثواذ وهو مخالف للاستعمال، واختلفوا في الداعي له والعلل النحوية حالها في الضعف معلوم فقال الزجاج: لأنّ الميم فيها غنة فشارك الأنف مخرجها في ذلك فكأنها حرف مكرر فتحتاج للتخفيف، وهذا يقتضي حذفها من ما الموصولة واً جيب بأنها تحصنت بالصلة، ولذا لم تحذف من ماذا المركبة، وقيل: لما خرج عما هو حقه من الصدارة ضعف فطرأ عليه التغيير ولتركبه مع الجار ثقل فاقتضى التخفيف، وقيل: حذفت تفرقة بينها وبين الموصولة، وخص بالجز لشدة الاتصال وقيل: لكثرة الدوران، وأورد عليه أنّ التفرقة تحصل بالعكس فلا بد من ضميمة لكثرة الدوران فلا يستقل الأوّل وجها، واثبات الكثرة فيه دون غيره دونه خرط القتاد وقيل: اختص لتقدمه لأنّ الشيء يسئل عنه، ثم يخبر فخص بالتصرف لتقدمه وفيه نظر وقد تقدم في الصف ما فيه. قوله:(لما مر) قد تقدّم ما فيه إلا أنه قيل: حذف منه الألف إما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصداً للخفة لكثرة استعمالها انتهى وفيه إن حذف الألف من ما الاستفهامية عند دخول حرف الجر عليها لازم واجب كما في الكشاف، ثم قال: ولم تحذف من غيرها للفرق ودفع الالتباس وحصول التخفيف، ولم يعكس لكثرة استعمال ما الاستفهامية فما فيه أحسن من عبارة هذا القيل فتأمله. قوله:(ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه) يعني أنّ الاستفهام لصدوره عن علام الغيوب لا يمكن حمله على حقيقته فجعل مجازا عما ذكر، وقيل عليه إنه لا يليق بشأنه أن يكون شيء عظيم مشبهاً بما يخفى عليه وهو لا يخفى عليه خافية، ورد بأنه ورد على طرز مخاطبات العرب فالاستفهام أو التشبيه بالنسبة إلى الناس، ولذا قال بعض المتأخرين إنه جاء على نهج الاستفهام إشعاراً بأنه خارج عن دائرة علوم الخلق لعظمته فحقه أن يعتني به، وسعأل عنه فلا حاجة إلى أن يقال: أنّ الاستفهام جرد للتفخيم بقطع النظر عن الخفاء وغيره ولا يرد ما توهمه بعض فضلاء العصر من أنه حينئذ يمكن إبقاؤه على معناه الحقيقي حتى يجاب بأنه عدل إلى المجاز لأنه أبلغ فتدبر. قوله: إكأنه لفخامته خفي جنسه) قد علمت ما يرد عليه، ودفعه فهو استعارة

تبعية فشبه الأمر المحقق شأنه بما يخفى جنسه على الناس لا على السائل والمتكلم فيسأل عنه لانتفاء نظيره ويستعمل لفظ المشبه به في المشبه كما أوضحه المصنف رحمه الله تعالى. قوله: (والضمير لأهل مكة الخ) وإن لم يسبق ذكرهم للاستغناء عنه بحضورهم حسا

ص: 299

قيل: مع ما في الترك من التحقير والإهانة للإشعار بأنه مما يصان عنه ساحة الذكر الحكيم، ولا يتوهم العكس لمنع المقام عنه فلا يرد أنّ في تركه إيهام فخامته وتعيينه لعظمته، وعلو صيته حتى يعلم وإن لم يذكر كما توهم ونحوه هي راودتني، وقوله: يتساءلون عن البعث الخ وتخصيصه بالبعث لأنّ قوله: ألم نجعل الأرض الخ من أدلته كما ستراه فسقط ما قيل إنه يجوز أن يكون عن القرآن أو النبوّة أو غير ذلك. قوله: (أو يسألون الرسول عليه السلام والمؤمنين عنه) على أنّ الضمير لأهل مكة، والتساؤل متعد لمفعول السؤال ومفعوله مقدر هنا وهو ما ذكر، واستشهد له بما ذكر من كلام العرب لأنّ التفاعل في الأصل مطاوع فيكون لازماً وفاعله فاعل المفاعلة ومفعولها معاً فتقول ضارب زيد عمراً وتضارب زيد وعمرو فلا يتعدى إلا لمفعول غير الذي فعل بك مثل فعلك كما في قولهم تعاطينا الكأس، وتفاوضنا الحديث ولذا قال البطليوسي: في شرح أدب الكاتب من قال تفاعل لا يكون إلا من اثنين ولا يكون إلا لازما فقد غلط لأنه يكون من واحد متعدياً كقول امرئ القيس:

تجاوزت أحراساً وأهوال معشر عليّ حراص لو يسرون مقتلي

وجاء من اثنين وهو متعد إلى اثنين كقوله أيضاً:

فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغمن ذي يثماريخ! ال

وظن قوم أنّ هذا مخالف لقوله سيبويه رحمه الله لا يكون تفاعلت إلا من اثنين ولا يكون معملا في مفعول كيف، وقد قال بعده وقد يجيء تفاعلت على غير هذا إلى آخر ما فصله وأطال فيه، وفيه تحقيق في شرح المفصل لابن يعيش وأشار إليه في آخر الباب الرابع من المغني، ومنه تعلم أنّ ما نقل عن الزمخشريّ من أنه إذا كان المتكلم مفردا تقول دعوته فإذا كان جماعة تقول تداعيناه فوضعوا تفاعل موضع فعل إذا كان في الفاعل كثرة مراعاة لمعنى التشارك بقدر الإمكان لا وجه لنقله هنا فإنّ تفاعل يكون بمعنى فعل كثيراً، وإن لم يتعدد فاعله كتواني زيد وتداني الأمر بل حيث لا يمكن التعدد نحو تعالى الله عما يشركون وهذا مما صرحوا به في المتون كالتسهيل، وغيره فما قيل من أنه إنما يتم الاستشهاد بما ذكر إذا كان مجيء تفاعل بمعنى فعل قياساً ليس بشيء فتأمّل. قوله:(أو للناس) عموما سواء كفار مكة وغيرهم من المسلمين، وهو معطوف على قوله: لأهل مكة وسؤال المؤمنين ليزدادوا خشية وايماناً، وسؤال غيرهم استهزاء ليزيدوا كفرا وطغياناً وحذف المفعول على التعدي في الوجه

السابق لأنّ المستعظم السؤال بقطع النظر عمن سئل ويجوز أن يكون لصون المسؤول عن ذكر. مع هذا السائل. قوله. (بيان لشأن المفخم) أو للمفخم شأنه يعني ليس صلة بتساءلون لأن عمّ صلته بل هو صلة محذوف مستأنف للبيان، ولا يصح إبداله من الأوّل فإنّ معناه عن النبأ العظيم أم عن غيره، وهذا لا يطابقه أعيد الاستفهام أم لا كما قيل وليس بشيء فإنه يجوز فيه البدلية كما ذكره المعرب ولا يلزم إعادة الاستفهام لأنّ الاستفهام غير حقيقي ولا أن يكون عينه كما ادعاه لجواز كونه بدل بعض وما قيل لا نسلم عدم المطابقة إذا أعيد الاستفهام لغو من الكلام لا يتم بسلامة الأمير والسلام. قوله:(قراءة يعقوب عمه) وبها قرأ البزي أيضا ووجه التأييد أنه على الوقف أو نيته، وهو يدل على أنه غير متعلق بالمذكور لأنه لا يحسن الوقف بين الجار، والمجرور ومتعلقه لعدم تمام الكلام. قوله:(يجزم النفي الخ) الوجه الأوّل على أنّ الضمير لأهل مكة، وما بعده على أنه للناس عامّة وكان عليه أن يزيد في الثاني التوقف والشك كما قيل ويجوز أن يفسر الاختلاف بزيادة الخشية والاستهزاء، قيل: ويجوز أن يكون الإقرار والإنكار على الأوّل أيضا، وضميرهم للسائلين والمسؤولين ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر وتفكيك الضمائر. قوله:) ر! عن التساؤل) بمعناه الظاهر أو بمعنى السؤال كما مر، وقوله: ووعيد عليه هو على الأوّل ظاهر، وعلى الثاني بتغليب المنكرين، وقوله: تكرير للمبالغة لأنه لم يذكر مفعول العلم فإمّا أن يقدر سيعلمون حقيقة الحال وما عنه السؤال أو سيعلمون ما يحل بهم من اأ! عقوبات، والنكال وتكريره مع الإبهام يفيد مبالغة لأنه إذا قيل لزيد لم تدعو ثم كرر كان أبلغ في الزجر. قوله: (وثم للإشعار

ص: 300

بأن الوعيد الثاني أشدّ) قال السمين التكرار للتوكيد وزعم ابن مالك أنه من التوكيد اللفظي، ولا يضره توسط حرت العطف والنحويون يأبون هذا ولا يسمونه إلا عطفا وإن أفاد التأكيد انتهى، ولا محصل له وكان عليه أن يقول: وأهل المعاني يأبونه لما بينهما من شدة الاتصال فإنّ ما ذكره المفسرون، والنحاة هنا مخالف لما ذكره أهل المعاني في الفصل، والوصل والتوفيق بينهما كما أشاروا إليه إنّ ثم هنا للاستبعاد والتفاوت الرتبي فكأنه قيل لكم: رح وزجر شديد بل أشذ وأشد وبهذا الاعتبار صار كأنه مغاير لما قبله، ولذا خص عطفه بثم غالبا، وما ذكره أهل المعاني ليس على إطلاقه ولم يقل بأن الرد، والوعيد الثاني لأنّ الوعيد يتضمن الرح أيضاً فاكتفى به مع القرينة السابقة. قوله: (وقيل الأوّل عند النزع (وهو ما يكون عند خروج الروح وزجر الملائكة، وعلمه بما يشاهده بانكشاف الغطاء، والثاني في القيامة زجر ملائكة العذاب ومشاهدة العقاب فثم في محلها لما بينهما من البعد الزماني، ولا تكرار فيه كما في الوجه السابق عليه، وكذا فيما بعده أيضا ولا فصل فيه بكلا بين

المتعاطفين كما توهم لتغاير الزجرين والعلمين وليس بياناً لكون الوعيد الثاني أشذ كما تو وإن كان في نفسه كذلك. قوله: (على تقدير قل لهم سنعلمون) أي قل لهم كلا ستعلمو وأنما اقتصر على ما ذكر لبيان المقدر وما اقتضى تقديره فلا يتوهم أنّ التقدير بعد كلا كما لظهور خلافه، ولو جعل من الالتفات كما ذكره الإمام استغنى عن التقدير. قوله: (تذكير

فهو متصل بما قبله لأنه دليل على إثبات المسؤول عنه فكأنه بتقدير قل كيف تنكرون أو تشكو فيه، وقد عاينتم ما يدل عليه من القدرة التامّة والعلم المحيط بكل شيء، والحكمة الما المقتضية أن لا يكون ما خلق عبثاً ولو لم تكن الإعادة كان أشذ العبث وهي أسهل من ال! د ومن كان عظيم الشأن والقدرة ينبغي أن يخاف ويخشى وينزجر بزواجره عما ردعهم وأوعد عليه، والمهاد البساط أو الفراش والمهد مصدر صار اسما لما يعد للصبي لينام فيه فهو تشبيه بليغ كالأوتاد، وهذه القراءة شاذة كما صرحوا به فلا ينافي هذا قول المصنف رحمه تعالى في طه إنه قرئ هنا وفي الزخرف مهدا ولم يختلفوا في الذي في النبأ أي اتفقوا قراءته مهادا كما يتوهمه بعض القاصرين فقوله: مصدر الخ بيان للمهد، وقيل إنه راجع وللمهاد لأنهما بمعنى كما في القاموس، وقوله: ذكرا وأنثى أي كل زوج ذكر وأنثى فلسى الظاهر ذكوراً واناثاً كما قيل. قوله: (قطعاً عن الإحساس الخ (لما ذهب أكثر أهل اللغة إلى السبات النوم كما نقله في القاموس، وغيره فيصير المعنى جعلنا نومكم نوماً ولا فائد احتاج إلى التأويل، فأول بوجوه كما فصله الشريف المرتضى في الدرر فقيل: إنّ معنا الأصل القطع يقال: سبت الشعر إذا حلقه وهو يرجع إلى معنى القطع دمان قال ابن الأنبار

لم يسمع السبت بمعنى القطع كما في الدرر، فلما انقطعت الحواس الظاهرة عن الإدراك ذلك راحة لها أريد بالسبات مجازا الاستراحة فلذا رد الشريف على ابن الأنباري في قوله يسمع سبت بمعنى استراج بأنه أريد الراحة اللازمة للنوم وقطع الإحساس كما أشار المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: إزاحة لكلالها بالمعجمة أي إزالة لتعبها ويجوز إهما والأول أولى ولذا سمي النوم سبتا لفراغ وراحة لهم فيه، وقيل: أصل السبت التمدد كا يقال: سبت الشعر إذا حل عقاصه هذا تحقيق الوجه الأول وفيه هنا كلام سخيف لا طائل

في بعض الحواشي رأينا تركه خيراً من ذكره. قوله: (أو موتاً (أي كالموت على التشبيه

وهذا على أنه ورد في اللغة بهذا المعنى وذكره حينئذ لأنه مشابه للأحياء بعد الموت فمن على هذا قادر على البعث الذي عنه يتساءلون فيكون هذا كقول الله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}

، والتي لم تمت في منامها الآية، وفي الدرر يجوز أن يكون المراد جعلنا نومكم سباتا ليس بموت فأراد سبحانه أن يمتن علينا بأن جعل نومنا الذي يضاهي بعض أحواله الموت ليس بمخرج عن الحياة، والإدراك وليس بموت وفي وجه السبات النوم الطويل الممتد ولذا قيل لمن كثر نومه مسبوت والامتنان به لما فيه من عدم الانزعاج انتهى، والعجب أنّ بعضهم عكس هذا بناء على ما في القاموس من تفسيره بالنوم الخفيف ففسره بالخفيف ليصح الحمل وعني بعدم إطباقه وهو تعسف. قوله:(وهو أحد التوقيتين) أي المذكور في الآية

ص: 301

السابقة وهو إشارة لوجه الشبه بينهما، وقوله: وأصله القطع أيضا فيه تسمح أي أصله المأخوذ منه السبت بمعنى القطع وقد علمت ما فيه وتردد ابن الأنباري في ورود السبت بمعنى القطع والمسبوت من طال نومه كما مرّ. قوله: (غطاء يستتر بظلمته الخ (خص مزيد الاختفاء، وهو لباس أي كاللباس لإحاطة ظلمته لكل أحد لأنه في مقام الامتنان وهو نعمة أقوى من حقه كما قال:

وكم لظلام الليل عندي من يد تخبرأن المانوية تكذب

وبهذا يظهر حسن ذكره بعد النوم مع الإشارة إلى حكمة جعل النوم ليلا لأنّ النائم معطل الحواس فكان محتاجا لساتر عما يضره فهو أحوج ما يكون للدثار، وضرب خيام الأستار فانظر حسن هذا الاتساق. قوله:) وقت معاس) يعني أنه مصدر ميمي بمعنى المعيشة وهي الحياة، وقع هنا ظرفا كما يقال: آتيك خفوق النجم وطلوع الفجر لأنه لم يثبت مجيئه في اللغة اسم زمان إذ لو ثبت لم يحتج لتقدير مضاف فيه هذا ما ظهر من سياقه، وقيل: إنّ معاشا في كلام المصنف رحمه الله تعالى متعين للمصدرية، وأما في النظم فمحتمل لكونه مصدرا واسم زمان وتفسيره محتمل لهما وفيه نظر، ولما فسر السبات بالقطع عن الحركة أو بالموت فسر المعاس بما فيه الحركة أو بالحياة إشارة إلى ما بين قوله: وجعلنا النهار معاشا وقوله، وجعلنا نومكم سباتا فن المطابقة المعنوية كما بين قوله: وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا أيضا فالحياة في الوجه الأوّل على الحقيقة لأنّ المراد بالمعاش ما يعاس به فيكون وقته وقت الحياة الأولى، وفي الثاني الانبعاث من النوم فسمي حياة كما سمي النوم موتا مجازا، وقوله: أو حياة بالجر معطوف على قوله: معاش وتبعثون بمعنى تنتبهون، ولا يخفى تناسب القرائن وأنه ليس في بعضها زيادة استطرادية. قوله تعالى:( {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} ) عدل عن خلقنا هنا لأنه أريد تشبيهها بالقباب المبنية فلا يتوهم أنّ البناء ما يختص بأسفل البيت مع أنه غير مسلم. قوله:) من وهجت النار إذا أ! اءت (والمعنى سراجاً مشرقا منيرا مضيثا وجعل هنا متعد لواحد

ويجوز أن يتعدى لاثنين لكنه مخالف للظاهر للتنكير فيهما، وإن قيل السراج وهي لانحصارها في فرد كالمعرفة، وقوله: بالغاً في الحرارة أي متناهيا، وهو من صيغة المبالغة فيه. قوله: (شارفت أن يعصرها الرياح الما كانت المعصرات السحاب وهي معصورة لا عاصرة ومعصرة، والقراءة فيه باسم الفاعل فسروه على وجوه تبينه من غير تكلف منها أنّ الهمزة فيه للحينونة كما يقال: أجذاذاً حان وقت جذاذه أي جاء وقته، وهو المراد بالمشارفة هنا والأفعال يكون لهذا المعنى كثيرا كاحصد إذا حان وقت حصاده، أو الهمزة لصيرورة الفاعل ذا المأخذ كأعسر وأيسر، وقال الدينوري: لأنها مكنت الرياح من اعتصارها وانزال مطرها كآكل النخل إذا أمكن من ذلك ورد بأن الصواب إنه من العصر أو العصرة، وهي الملجأ قال:

فارس يستعيب غيرمعاب ولقدكان عصرة المنجود

قوله: (أو الرياح) فهو صفة الرياح والهمزة والأفعال بحاله أيضاً إذا كان من العصر، وقوله: أعصرت الجارية كان الطبيعة حان أن تعصر دم حيضها فإن كان من الإعصار وهي الريح الشديدة التي ترفع الغبار كالأعمدة فبناء أفعل التفضيل على هذا للنسبة، ونسبة الإنزال للمعصرات من باب بنو فلان قتلوا قتيلاً، ويجوز اعتبار التجريد ونقل الإمام عن المازني أن المعصرات السحائب ذوات الأعاصير فإنها لا بد أن تمطر مع الأعاصير، وهو الأظهر كما قيل ولا يخفى ما فيه فإنّ الإعصار ريح فكيف ينسب لنفسه فهو لا يصح بدون التجريد والمراد بكونه من ذلك الباب نسبة ما للبعض للكل لتعدده وكثرته ومن هذا علم وجه ترجيح قول المازنيّ فتدبر، وأما جعل المعصرات السموات كما روي عن الحسن، وقتادة ففيه تكلف وهو مبنيّ على أنّ المطر ينزل من السماء للسحاب فلذا تركه المصنف رحمه الله تعالى، والكلام عليه في الكشاف وشروحه. قوله:(وإنما جعلت مبدأ للإ. لزال الخ) إشارة إلى أنّ من هنا للابتداء، وقيل: إنها للسببية، وقوله: تدرّ بالدال المهملة أفعال من الدر وهو اللبن والأخلاف جمع خلف بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام، وهو ضرع الناقة وقوله: قرئ بالمعصرات أي بباء السببية، والآلية وفتح الصاد كما في بعض

ص: 302

الحواشي ووجه التأييد أنها ظاهرة في الرياح فإن بها ينزل الماء من السحاب، وقوله: إنما جعلت الخ جواب عما يرد عليئ تفسيرها بالرياج، وهي لا تنزل منها الأمطار بأنها كالمبدأ الفاعل للإنزال فصح استعمال من الابتدائية التي للتعليل هنا، وقد ورد أنه تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب فإن صح فالإنزال منها ظاهر. قوله:(منصباً بكثرة) تفسيره بالمنصب إشارة إلى أنه من صب اللازم فإنه الاكثر في الاستعمال والكثرة من صيغة المبالغة، وقوله: يقال ثجه أي صبه فهو متعد وثج بنفسه على أنه

لازم يعني أنه ورد لازماً ومتعدياً وجعله الزجاح في النظم من المتعدي لأنه لكثرته كأنه يصب نفسه، ويجوز حمل تفسير المصنف وحمه الله تعالى عليه على أنه بيان لحاصل المعنى إلا أنه خلاف الظاهر. قوله:(أفضل الحج الخ) هو حديث صحيح معناه أفضل أعمال الحج التلبية، والنحر وهو شاهد على أنه متعد بمعنى الصب وقوله: أي رفع الخ لف ونشر مرتب تفسير للعج والثج، وقوله: وقرى ثجاحاً أي بجيم، ثم حاء مهملة فإن قلت العصر المعتاد فيه إنه لا يحصل منه الماء الكثير فكيف هو مع الثج قلت: هو غير مسلم، ولم سلم فاصله هنا مقطوع عنه النظر أو القلة نسبية فتدبر. قوله ة (ما يقتات به الخ) ما موصولة ويقتات افتعال من القوت بمعنى يكون قوتا كالحنطة، ويعتلف أن يكون علفا وهو غذاء الحيوان الأهلي، والحشيش اليابس من النباتات فما ذكر عبارة عن غذاء الإنسان والحيوان، ولا ينافي ما ذكر كون الحب إنما يخرج بواسطة النبات فالقوت خاص بالإنسان، والعلف للحيوان وليس فيه لف، ونشر لأنّ الإنسان يأكل النبات أيضاً، ويجوز أن يكون لفا ونشراً كما في الكثير الأغلب في كل منهما فإنه كني به عما ذكرناه، وقوله: ملتفة تفسير لا لفافاً ببيان المراد منه إجمالاً وقوله: بعضها ببعض مبتدأ وخبر أي بعضها ملتف ببعض، والجملة مفسرة لقوله: ملتفة أو بعضها بدل من المستتر في ملتفة بدل بعض وقوله: ببعض متعلق بملتفة لا فاعل فإنه كان الظاهر ملتفا وإن جاز بتكلف. قوله: (جمع لف كجأع) واجذاع، واللف بمعنى الملفوف صفة مشبهة وفعل يجمع على أفعال باطراد ولما كان لف المفرد غير معروف في اللغة والاستعمال احتاج لإثباته بشاهد ولذا ذهب كثير إلى أنه جمع لا واحد له من لفظه، وهو كثير واختار. الزمخشري لسلامتة عن التكلف. قوله:

(جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر)

فاللف بمعنى ملتفة الأشجار والنبات والعيش بمعنى المعيشة، ومغدق في الأصل من الغدق، وهو الماء الكثير فتجوّز به هنا عن السعة والرفاهية وندامى جمع ندمان بمعنى نديم وزهر جمع أزهر بمعنى مشرق، والمراد بكونهم بيضاً زهرا أنهم حسان يصف طيب الزمان والمكان، وحسن الأخوان. قوله:(لفيف) بمعنى ملفوف وفعيل يجمع على أفعال كشريف وأشراف، وأنما اختلف النحاة في كونه جمعاً لفاعل كما مرّ. قوله:(أو لف) بضم اللام أي

إلفافاً جمع لف بالضم وهو جمع لفاء كخضراء الممدود فيكون جمع جمع، وهذا قول ابن قتيبة وما قبله قول الكسائيئ، وقال في الكشاف: بعد نقله عنه وما أظنه واحدا له نظير من نحو خضر واخضار وحمر واحمار يعني أنه بعيد لأنّ نظائره لا تجمع على أفعال إذ لا يقال: خضر وإخضار وحمر واحمار لأن جمع الجمع لا ينقاس ووجود نظيره في المفردات لا يكفي كما توهم، وقوله: كخضراء الخ لم يرد أنه سمع فيه ذلك حتى يقال له: أثبت اللوح، ثم انقش لأنه مثال مفروض لا شاهد منقول حتى يعترض عليه كما قيل: نعم سوقه لا يخلو من ركاكة ما. قوله: (أو ملتفة بحذف الزوائد) يعني ألفافاً جمع لملتفة لأنه مفرد مسموع بلا كلام إلا أن مثله يجمع على ملتفات قياساً لا على ألفاف، فلذا قدر حذف زوائده ليكون ثلاثياً يجمع مثله على أفعال وادعى الزمخشري أنه قول وجيه إلا أنه كما قاله المعرب تكلف لا حاجة إليه فإنه لا يعرف في العربية حذف الزوائد المسمى عند النحاة ترخيماً في مثله لأنهم اصطلحوا على تسمية حذف الزوائد ترخيما كما يسمى حذف آخر المنادى ترخيما وأنما عرف في التصغير، والمصادر ولذا قال المدقق في الكشف فيه إنه لا نظير له أيضاً لأن تصغير الترخيم ثابت إما جمعه فلا انتهى قيل: واللوامح والطوائح ليس منه كما مر في الحجر، وما في الكشف غير مسلم فإنه وقع في كلامهم لكنه لقلته لم يتعرضوا له. قوله: (في علم الله تعالى أو في حكمه (وفي الكشاف في تقدير الله وحكمه

ص: 303

والمراد بحكمه ما حكم به وقضاه في الأزل أيضاً لا تعلق إرادته كما توهم حتى يقال إنه مبني على أن تعلق الإرادة كالإرادة أزليّ إمّا لو كان حادثا فليس الثبوت إلا في علمه وأنت خبير بأنه لا وجه له، ولما أثبت البعث بالدليل القاطع كان مظنة السؤال عن وقته متى هو، وما هو فقال إنّ يوم الفصل الخ وأكده لأنه مما ارتابوا فيه فلا وجه لما قيل إنه ليس محلا للتأكيد أيضاً. قوله:(حداً تؤقت به الدنيا الخ) تؤقت بمعنى تحد لأنها تنتهي عنده، إذ هو أوّل أيام الآخرة، وهو يوم القضاء بين الخلق أو يوم الثواب والعقاب وهو اليوم الآخر الذي يجب الإيمان به، ولذا كان يوم ينفخ الخ بدلاً أو بيانا له فإن نفخ الصور واتصال الأرواح بالأجساد والحشر في الآخرة فظهر فساد ما قيل من أنه نهاية أيام الدنيا وآخر مخلوقاتها لأنه لا يخلق بعده شيء منها، ولذا يقال له اليوم الآخر. قوله:(أو حدا للخلائق ينتهون إليه) يعني أنّ الميقات أخص من الوقت، وهو الوقت المحدود كالميعاد والميلاد لتوقيت زماني الوعد والولادة فبين أنّ ذلك الوقت إمّا حد للدنيا، وامّا حد للخلائق على المعنيين، وكونه حداً للدنيا ظاهر وأمّا كونه حدا للخلائق فلانهم يرجعون إليه لتتميز أحوالهم ويعلم الشقي من السعيد. قوله:(روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ) قال ابن حجر أنه حديث موضوع وآثار الوضع لائحة عليه،

والقردة جمع قرد وقوله: يسحبون الخ تفسير لقوله: منكوسون، وعمي جمع أعمى، وقوله: يتقدرهم أي يكرههم كما تكره الأمور القدرة وأهل الجمع هم أهل المحشر، وقوله: يلبسون مشدد ومخفف، وما قيل من أنه لا بدّ من التغليب في قوله: فتأتون إذ لا يمكن الإتيان للمصلوب والمسحوب على الوجه ولا من غير أيد وأرجل ليس بشيء فإنّ أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، والقادر على البعث قادر على جعلهم ماشين بلا أيد وأرجل وأن يمشي بهم عمد النار التي صلبوا عليها، وقد قيل له صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم فقال:! الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم " مع أنه لا يلزم أن يأتوا بنفسهم لجواز أن تأتي بهم الزبانية فأعرفه. قوله: (ثم فسرهم بالقتات) بفتح القاف كالنمام لفظا ومعنى والمراد به الجنس، ويجوز ضم قافه على أنه جمع قات بمعنى نمام وتشصيصه بهذه الصورة لأنها معهودة في المسخ وهو لما غير ما نقله وكذب غير الله صورته، وأهل السحت هم الذين يأكلون الحرام غير الربا كالرشوة وهم أيضا يعدلون عما أحله الله لغيره فلذا غيرت صورتهم، وجعل الجائرين منكوسين لعدولهم عن الحق والمعجبين بأعمالهم عمياً لنظرهم لأنفسهم، ومن خالف قوله: عمله أصم أبكم لأنه لم يسمع ما قاله للناس في حق نفسه والمؤذي لجاره على صورة تؤذي أهل المحشر والسعاة لمشيهم إلى السلاطين قطعت أطرافهم والتابعين للشهوات على عمد النار تشهيرا لتعذيبهم، وألبس من تكبر ثياب القطران لأنها غاية المذلة فكان الجزاء من جنس العمل فأعرفه، وقوله: الخيلاء هو بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة التحتية واللام والمد أصل معناها المعروف فيها أنها بمعنى التكبر فإمّا أن يكون وصف هنا بالمصدر أو هو جمع خائل كجاهل وجهلاء. قوله: (وشقت) إشارة إلى أنّ المراد بالفتح المضاف للجميع ليس ما عرف من فتح الأبواب، وإن جاز لكن هذا هو الموافق لقوله:{إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [سورة الانشقاق، الآية: ا، {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [سورة الانفطار، الآية: ا] ونحوه فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً والفتح يكون بمعنى الشق كفتح الجيوب وما ضاهاها وأمّا حمله على فتح الأبواب على أنّ السماء تمى أبوابها وتشقق أيضا فلا وجه له لأنها إذا شققت لا تحتاج لفتح الأبواب، وإذا جاء نهر الله بطل

نهر معقل وعبر عن الثق بالفتح إشارة إلى كمال قدرته حتى كان تشقق هذا الجرم العظيم كفتح الباب بسهولة وسرعة وهو معطوف على تأتون ولا مخالفة بينهما لأنّ المراد تفتح وعبر الماضي لتحققه، ولو جعل حالاً بتقدير قد كان وجهاً حسنا كما في الكشف. قوله:(فصارت الخ) إشارة إلى أن كان من الأفعال الناقصة، ومعناها اتصاف المبتدأ بالخبر في الزمن الماضي نحو كان زيد فائماً وقد ترد بمعنى صار كما ذكره ابن مالك في التسهيل، وغيره فتدل على الانتقال من حال إلى أخرى كما في قوله تعالى:{فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} [سورة الواقعة، الآية: 6] والسماء بالثق لا تصير أبواباً حقيقية فلا بدّ من تأويلها فأما تشبه شقوقها بالأبواب في السعة، والكثرة تشبيها بليغاً أو يقدّر فيه مضاف كما ذكره

ص: 304

المصنف. قوله: (في الهواء كالهباء (أي رفعت من أماكنها في الهواء، وذلك إنما يكون بعد تفتيتها وجعلها أجزاء متصاعدة كالهباء، فقوله: كالهباء حال أي كائنة كالهباء، وقوله: مثل سراب الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ، وقوله: إذ ترى الخ تعليل له يتضمن وجه الشبه بالسراب فإنّ الجامع إنّ كلاً منهما يرى على شكل شيء وليس به فالسراب يرى كأنه بحر وليس كذلك، والجبال إذا فتتت وارتفعت في الهواء ترى كأنها جبال وليست بجبال بل غبار غليظ متراكم يرى من بعيد كأنه جبل لا إنها تجري جريان الماء فيزيد عطش الكفرة إذا راؤها وظنوها ماء كما توهم فإنّ كلام المصنف يأباه وفي نسخة أي التفسيرية بدل إذ.

قوله: (موضع وصد) ظاهره إنّ مفعالاً يكون اسم مكان، وبه صرّج الراغب والجوهريّ

وغيره والذي في كتب النحو أنه اسم آلة كمفعل بكسر الميم أو صفة مشبهة للمبالغة كمنحار، والظاهر أنه حقيقة فيها ولا حاجة إلى ادّعاء النقل والتجوّز ورصد بفتحتين مصدر بمعنى الترصد والترقب وفي بعض الحواشي إنّ المصدر بسكون الصاد وفيه نظر فالرصد يكون مصدرا كالحذر واسماً بمعنى الراصد واحداً وجمعاً، وقوله: من فيحها أي من إصابة ضرر فيحها وهو حرّها ولهبها ولا مانع من حمله على ما يشملهما. قوله: (كالمضمار الخ) تضمير الخيل أن تسمن ثم ترد لما كانت عليه مدّة معينة، وتلك المدة تسمى مضماراً وكذا الموضع كما ذكره الجوهريّ، وقوله: أو مجدة الخ بزنة اسم الفاعل من الجدّ وهو الاجتهاد والتقيد التام، وقوله: لئلا يشذ أي يخلص منها وينفرد وهذا بناء على أنّ مفعالاً للمبالغة والحاصل أنه إما اسم مكان أو صيغة مبالغة، وقوله: على التعليل أو بتقدير لام جرّ قبلها، وقوله: لقيام اأ! ساعة متعلق بالتعليل يعني

كان يوم الفصل وهو يوم القيامة المعلل قيامه لأنهم يرصدون مما ذكر، وقوله: لقيام الخ باللام الجارة دون الباء والتقدير كان ذلك لإقامة الجزاء ولا يلزمه فتح إنّ للمتقين الخ كما قيل لأنّ به يتمّ الجزاء فتدبر. قوله: (للطاغين) جوّز فيه خمسة أوجه أن يكون خبرا آخر لكانت أو صفة لمرصاداً أو لمآبا قدم عليه فانتصب حالاً وأن يتعلق بمرصاداً أو مآبا وفصل المصنف له عن قوله مرصاداً، وذكره مع مآبا فيه إشعار بترجيح الثالث والخاس! ، وقوله: مرجعاً وماو! الأوجل معنا. الوضعي والثاني بيان للمراد منه بطريق الكناية هنا، وقوله: هو أبلغ لأنه صيغة مبالغة وصفة مشبهة تدل على الدوام والثبوت، ومن قرأ بالأوّل نظر إلى أنّ قوله: أحقاباً مفيد لتلك المبالغة، وقوله: مآبا بدل من مرصاداً بدل كل من كل على الوجو.، وقيل إنه على تفسيره الثاني لا يتأتى فيه البدلية، وفيه نظر. قوله:(دهورا متتابعة) إشارة إلى أنّ الأحقاب يفيد التتابع في الاستعمال بشهادة الاشتقاق فإنه من الحقيبة، وهي ما يشد خلف الراكب والمتتابعات يكون أحدها خلف الآخر كما صرّج به الزمخشريّ، وقوله: وليس فيه الخ دفع لما يتوهم من أن جعل لبثهم أحقابا أي سنين يقتضي تحديده وانتهاءه، وقد ذهب إليه بعض الملاحدة وقوله: لجواز الخ دفع لشبهة القائل بأن منطوقه سنين متتابعة، وهو لا يستلزم التناهي ومن غفل عما قرّرناه قال: إن الأحقاب لا تقتضي التتابع وكأنه حمله عليه لتبادره منه، وأغرب منه ما قيل إنّ التتابع من الأحقاب لأنها زمان والزمان متعاقب الأجزاء غير قار، وقوله: لو صح إشارة إلى المنع الوارد عليه مستنداً إلى ما روي عن الحسن من أنه زمان غير محدود، ولذا فسره بعض اللغويين بالدهر وصيغة القلة لا تنافي عدم التناهي أيضا لتأويلها بما ذكر لا لأنه ليس له جمع كثرة فهي مشتركة لثبوت الحقب في جمعه كما ذكره الراغب. قوله:(وإن كان الخ) كان تامّة أي وإن وجد وصح أنّ فيه ما يقتضي التناهي أو دلالتها على الخروج، ولو بعد زمان طويل فهو مفهوم معارض بالمنطوق الصريح في خلافه كآيات الخلود كقوله:{وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [سورة المائدة، الآية: 37] إلى غير ذلك من النصوص المجمع عليها. قوله: (ولو جعل قوله الخ (جواب عما يتراءى من الآية من تناهي عذاب الكفار لتقييده بقوله: أحقاباً بأن ما ذكر إذا كان حالاً كما ذكر يكون قيداً للبث على تلك الحالة فبعد الأحقاب يكون لهم لبث على حال آخراً، وأحقابا ليس قيداً للبث لأنه منصوب بلا يذوقون وقوله: جنساً آخر من العذاب أي غير ذوق الحميم والغساق، ولم يلتفت إلى كون جملة لا يذوقون الخ صفة أحقاب لأنه خلاف الظاهر حينئذ لعود ضمير فيها إليها ولأنه لا يندفع به الإيهام

ص: 305

الناشئ من ظرفية

الأحقاب للبث بتقييد الأحقاب بشيء بخلاف ما إذا قيد اللبث المظروف فإنه لا يلزم من انتهاء زمان المقيد انتهاء زمان المطلق الظاهر بحسب المتبادر فتدبر، وقيل: لأنّ الصفة والحال متقاربان فيعلم الوصف بالقياس عليه، ولا يجب إبراز الضمير إذا كان الواقع صفة جارية على غير من هي له فعلا بالاتفاق وأنما الخلاف في اسم الفاعل وهو معروف في كتب النحو، وهو غفلة عن قول ابن مالك في شرح التسهيل المرفوع بالفعل كالمرفوع بالصفة إذا حصل الإلباس نحو زيد عمرو يضربه هو حتى اعترض الدماميني على من قيده بالصفة، وقال إنه ليس بجيد إلا أن الفرق بينهما أنّ الإبراز في الصفة واجب مطلقاً ألبس أم لا بخلاف الفعل فادعاء هذا القائل الاتفاق ناشئ من عدم النظر في المبسوطات، والذي غرّه فيه كلام الكافية وشرحها مع أنه سهو لأن ضمير يذوقون الراجع لغير من هو له الواو وهو بارز هنا لا مستتر فإن أراد بالبروز الانفصال فهو مع أنه خلاف الظاهر غير مسلم. قوله:(احتمل الخ) بين المعنى على الحالية ولم يبينه على كونه معمولاً ليذوقون لأنه خلاف الظاهر، وأنما ذكره لمجرّد احتماله لا أنه مقبول عنده حتى يعترض عليه، وكذا ما قيل: إن المراد باللابثين ما يقابل المتقين فيشمل العصاة والتناهي نظرا للمجموع. قوله: (ويجوز أن يكون جمع حقب (كحذر بمعنى محروم من النعيم، وهو حال من الضمير المستتر في لابثين وحرمانه كناية عن أنه معاقب، ولذا فسره بما بعده على أنه صفة كاشفة أو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب وقوله: والمراد بالببرد الخ فلا ينافي أنهم قد يعذبون بالزمهرير، وكون البرد بمعنى النوم مجاز كما قيل: منع البرد البرد، وقيل إنه لغة لبعض العرب، وقوله: مستثنى من البرد هو بناء على أنه بمعنى الزمهرير لأنه أشد البرد فإن كان بمعنى الصديد كان مستثنى من شرّابا فكان المتبادر تقديمه لكن نكتة تأخيره ما ذكر والحميم مستثنى من الشراب ففيه لف ونشر غير مرتب، والاستثناء متصل وقد جوّز فيه الانقطاع أيضا فتأمّل. قوله: (جوزوا بذلك) وفي نسخة جزوا وهو إشارة إلى أنه مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر، ووفاقاً مصدر وافقه وهو صفة جزاء بتقدير مضاف أو بتأويله باسم الفاعل أو لقصد المبالغة على ما عرق في أمثاله، وقوله: أو وافقها وفاقا وجه آخر بجعله مصدر الفعل مقدر من لفظه كما في جزاء، ومعنى كونه موافقا لأعمالهم أنه بقدرها في الشدّة والضعف بحسب استحقاقهم كما يقتضيه عدله وحكمته والجملة من الفعل المقدّر ومعموله جملة حالية أو مستأنفة والجملة التي بعدها صفة جزاء على تقدير الفعل. قوله:(وفاقاً) بكسر الواو وتشد- د

الفاء كما ضبطه السمين، وهي قراءة شاذة لابن أبي عبلة وأبي حيوة، وقوله: وفقه يفقه بالكسر والتخفيف كورثه يرثه أي وجد. موافقاً " لحاله وهو متعد لواحد على اختلاف فيه وقيل إنه لازم لأنّ قول العرب وفق أمره يفق روي أمره بالرفع ووقع في الإيضاح بالرفع والنصب على أنه كغبن رأيه ورأيه، وحكى ابن القوطية وفق أمره أي حسن بالرفع كذا في شرح أدب الكاتب، فقول المصنف كذا ليس مفعولاً ثانياً كما توهم لأنه لم يذصب أحد من أهل اللغة إلى تعديه لمفعولين بل هو كناية عن الفاعل فوفقه بمعنى وافقه وصادفه جزاء موافقا لعمله، وليس وصف الجزاء بالوفاق وصفا بحال صاحبه. قوله:(بيان لما وافقه هذا الجزاء) المراد به ما مرّ قبيله من قوله: إن جهنم الخ ووجهه أنهم لما أنكروا البعث وجحدوا الآيات وكذبوا الرسل عذبوا بأشدّ العذاب، ولم ينفس عنهم الكرب لأن كفرهم أعظم كفر ومثله يكفي للبيان ولا حاجة لتعسف ما قيل من أن نيتهم الاستمرار على الكفر لقوله:{لَا يَرْجُونَ} الخ فيوافقه عدم تناهي اللبث والعقاب، ولما بدلوا التصديق الذي به تثلج الصدور بالتكذيب جعل شرابهم الحميم والغساق إلى غير ذلك مما تكلفوه من غير داع له، وقوله: تكذيبا إشارة إلى أنه مصدر مثله. قوله: (وفعال) أي بالكسر والتشديد الخ يعني أنه مطرد كثير في مصدر فعل، وقال ابن مالك في التسهيل إنه قليل وفعال المخفف مصدر فعل لكنه مطرد في المفاعلة، وقوله: فصدقتها الخ بيت من مجر والكامل وزنه متفاعلن أربع مرات وضمير صدقتها، وكذبتها للنفس والمراد أنه يصدق نفسه تارة بأن يقول إنّ أمانيها محققة وتكذيبها بخلافه أو على العكس كما قيل:

اكذب النفس إذا حدثتها إنّ صدق النفس يزري بالأمل

ص: 306

والبيت قيل إنه للأعشى. قوله: (وإنما اقيم) أي الكذاب مخففاً بمعنى الكذب، وقوله:

كذبوا في تكذيبهم يعني أنه على هذه القراءة يفيد أنهم كدّبوا الآيات وكذبوا في تكذيبهم، ونفيهم لها ووجهه ما مرّ في قوله:{أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [سورة نوج، الآية: 7 ا] لأنه من الإيجاز وفعله الثلاثي إما مقدر أي كذبوا باتاتنا وكذبوا كذابا، أو هو مصدر للفعل المذكور باعتبار تضمنه معنى كذب الثلاثي فإنّ تكذيب الحق الصريح يستلزم أنهم كاذبون فيفيد ما ذكر، وبدل على كذبهم في تكذيبهم على الوجهين ولكنه على التقدير أظهر، ولذا قيل إنه المراد للمصنف وله وجه في الجملة. قوله:) أو المكاذبة الخ (معطوف على الكذب في قوله: بمعنى الكذب فيكون على هذا كالقتال بمعنى المقاتلة، وقوله: فإنهم الخ إشارة إلى أنّ المفاعلة ليست على معنى أن كلا منهم كذب الآخر بل على معنى أنّ كلا اعتقد كذب الآخر فنزل اعتقاده منزلة فعله لا على أنّ الكذب مخالفة الاعتقاد، وهذا يقتضي نصبه بفعل مقدر فيؤيد التقدير في الوجه

السابق. قوله: (فكأن بينهم مكاذبة) أتى بأداة التشبيه، وهي كأنّ إشارة إلى أنه مجاز لأنه لا مكاذبة بينهم لكن نزل الاعتقاد منزلة الفعل كما بيناه وبعضهم ظنه كان الناقصة، وما قيل عليه من أن المكاذبة مقابلة الكذب الحقيقي بالكذب الحقيقي، ولو تجوّز استعمل في مقابلة الكذب الاعتقادي بالكذب الاعتقادي، وأمّا تسمية مقابلة ما هو صدق في اعتقاد كل منهما باعتبار أنه كذب في اعتقاد الآخر مكاذبة فبعيد جداً، انتهى مغالطة وسفسطة لا طائل تحتها، وقد أطال بعض فضلاء العصر في تزييفه لكنا تركناه لطوله من غير فائدة فيه. قوله:(أو كانوا مبالغين في الكذب الخ) يعني أنه مجاز من وجه لأنّ المفاعلة والمغالبة تقتضي الاجتهاد في الفعل فأربد به لازم معناه، أو هو استعارة له باعتبار ما ذكر، وقوله: وعلى المعنيين أي كونه بمعنى الكذب أو المكاذبة وفيه رد على الزمخشري لأنه قصره على الثاني، وقوله: يؤيده أي كونه حالاً وكذابا في هذه بضم الكاف، وتشديد الذال إمّا جمع كاذب كفساق أو صيغة مبالغة كما قالوا: كبار وحسان للمبالغة في الوصف وإليه أشار بقوله: ويجوز أن يكون. قوله: (فيكون صفة للمصدر) أي تكذيبا مفرطا كذبه وأنما جعله صفة للمصدر لا حالاً لأنه مفرد فالتقدير تكذيبا كذاباً فيفيد المبالغة والدلالة على الإفراط في الكذب لأنه كليل أليل وظلام مظلم ومثله يفيد مبالغة قوية كجد جده، وعلى كل حال فإسناده مجازي ليفيد المبالغة كما تقرر في محله فما قيل التكذيب إن كان بمعنى الإيقاع والأحداث فنسبة إفراط الكذب له مجازية، وإن أريد الحاصلى بالمصدر فهو حقيقي لاتصاف الخبر بالصدق، والكذب ليس كما ينبغي ولا يوافق الشرح فيه المشروح وانه لا تأييد فيه على المبالغة كما توهم. قوله:(بالرفع على الابتداء) والنصب على الإضمار على شريطة التفسير وقوله يتشاركان فيكون منصوبا بفعل هو موافق له معنى فأما يؤول أحصينا بكتبنا أو كتابا بإحصاء ويحتمل الاحتباك على الحذف من الطرفين، والضبط أصل معناه الإمساك وشاع في معنى الإحصاء وقوله: لفعله المقدر أي كتبنا كتابا والاعتراض قيل إنه لتأكيد كفرهم وتكذيبهم بالآيات بأنهما محفوظان للمجازاة والأحسن ما في شروح الكشاف م! ن أنه تاكيد للوعيد السابق بأنه كائن البتة لضبط معاصيهم عنده تعالى، وما قيل من أنّ الأوجه عطف المنصوب على اسم أنّ والجملة بعده على خبرها، وكذا في الرفع هو معطوف عليه باعتبار المحل ولا اعتراض، وانه الأنسب لبيان موافقة الجزاء للأعمال تكلف غني عن الردّ. قوله: (مكتوباً في اللوح الخ (وقيل: إنه تمثيل لإحاطة علمه بالأشياء لتفهيمنا وإلا فهو تعالى غنيّ عن

الكتابة والضبط، ولا يخفى أنه ميل لمذهب الحكماء وأنه لا لوح ولا حفظ ولا كتبة والذي عليه أهل السنة خلافه، وليس هذا لاحتياج إنما هو لحكم تقصر عنها العقول. قوله:(مسبب عن كفرهم بالحساب) وتسبب الذوق والأمر به في غاية الظهور، وما قيل من أنه مسبب على قوله لا يذوقون الخ في غاية البعد لفظا مع ما فيه من كثرة الاعتراض، وإنّ تسبب الأمر بالذوق على ذوقهم لا تخفى ركاكته لمن له ذوق سليم. قوله:(ومجيئه على طريقة الالتفات الخ) لتقدير إحضارهم وقت الأمر ليخاطبوا بالتقريع والتوبيخ، وهو أعظم في الإهانة والتحقير ولو قدر القول فيه لم يكن التفاتاً، وقوله: وفي الحديث الخ في ثبوته كلام لابن حجر

ص: 307

ووجه الأشدية أنه تقريع في يوم الفصل، وغضب من أرحم الراحمين وتأييس لهم بقوله: فلن نزيدكم مع ما في لن من أنّ ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة كما قيل. قوله: (فوزا) على أنه مصدر ميمي وما بعده على أنه اسم مكان، وقوله: بدل الاشتمال على أنه بمعنى الفوز، وهو الظفر بالمطلوب وهو النجاة من العذاب أو النعمة أو كلاهما وبدل البعض على أنه موضع الفوز والرابط مقدّر، وتقديره حدائق هي محله أو فيه ونحوه، قيل: ولا يخلو على الأوّل من التكلف وانه يجوز أن يكون بدل كل على الاذعاء أو منصوبا بأعني مقدرة، وقوله: فلكت أي استدارت مع ارتفاع يسير، وهو يكون في سن البلوغ وأحسن الشبوبية وثدي بضم المثلثة وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء التحتية جمع ثدي وهو معروف، ولدات جمع لدة بزنة عدة من تساوى في السن ووقت الولادة. قوله:(وأدهق الحوض ملأه) قيل: لو قال ودهق الحوض ملأه كان أحسن لأنهما بمعنى والمصدر الواقع في النظم للثلاثي، وقيل: إنه إشارة إلى استعمال دهق وأدهق بمعنى لكنه استغنى عن ذكر الثلاثي لأنه يعلم من ذكر مصدره، وقوله: كذبا أو مكاذبة إشارة إلى ما مرّ قريباً من معنيي المخفف كما عرفته، وقوله: إذ لا الخ لبيان المفاعلة فهو متعلق بمقدّر أو بيسمعون، ويكذب بالتشديد لا بالتخفيف كما توهم حتى يكون علة للجميع لأنّ نفي الكذب نفي للتكذيب والمكاذبة وهو من التكلفات الباردة. قوله:(بمقتض وعده) جزاء مصدر مؤكد منصوب بمعنى إنّ للمتقين مفازا لأنه في معنى جازاهم بالفوز، وقوله: بمقتضى وعده للرد

على المعتزلة في زعمهم وجوب إثابة المطيع وعقاب العاصي، ونحن نقول: لا يجب عليه شيء لكن وعدنا بكرمه ذلك، وهو لا يخلف الميعاد فكان كأنه جزاء على العمل حقيقة، ولولاه لتنافى كونه جزاء وارشاده أضاف الرب إلى النبيّ دونهم تشريفاً له، وقيل: لم يقل من ربهم لئلا يحمل على أصنامهم، وهو بعيد جدّاً. قوله:(وقيل منتصب به الخ) قائله صاحب الكشاف، ومرضه المصنف، ولم يرتض به قيل: لأنّ النحاة قالوا: إنما يعمل المصدر إذا لم يكن مفعولاً مطلقا، وقال أبو حيان: أنه جعل جزاء مصدرا مؤكدا لمضمون جملة أنّ للمتقين الخ والمصدر المؤكد لا يعمل بلا خلاف للنحاة لأنه لا ينحل لفعل وحرف مصدري وردّ بأن ذلك إذا كان الناصب للمفعول المطلق مذكورا إمّا إذا حذف لازما كان الحذف أو جائزاً ففيه خلاف هل هو العامل أو الفعل، وما نحن فيه منه فإنّ جزاء مصدر مؤكد كما قال غايته: إنه اختار أعمال المصدر ولعل وجه التمريض مرجوحية أعمال المصدر قال الرضي: الأولى أن يقال العمل للفعل على كل حال، وقيل: في ردّه أيضا أنّ المفعول المطلق لا يعمل إلا إذا حذف عامله وجوباً، وهو هنا كذلك لأنّ فاعل فعله وهو ربك متعلق به، هذا زبدة ما في الحواشي تبعاً لشرّاح الكشاف) وعندي) أنه خلط وخبط والحق ما قاله أبو حيان لأنّ المذكور هنا هو المصدر المؤكد لنفسه أو لغيره والذي اختلف فيه النحاة غيره قال: ناظر الجيش نقلاً عن ابن مالك المصدر على ضربين ضرب يقدو بالفعل وحرف مصدري، وضرب يقدر بالفعل وحده وهو الآتي بدلاً من اللفظ بفعله وأكثر وقوعه أمرا ودعاء وبعد استفهام والأمر كقوله:

فندلا زريق المال ندل الثعالب

والدعاء كقوله:

يا قابل التوب غفرانا مآثم قد ~ أسلفتها أنا منها خائف وجل

والاستفهام كقوله:

أعلاقة أمّ الوليد بعد ما

الخ اهـ وهذا هو المختلف فيه عند النحاة وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فأعرفه. قوله:

(من أحسبه الشيء إذا كفاه) أي مأخوذ من هذه المادة لا مشتق حتى يكون على القول المرجوح في اشتقاق المصدر من الفعل، ويكون الفعال بالفتح مصدر الأفعال، وحساباً صفة لعطاء وإن كان مصدراً لتأويله بالمشتق ولذا فسر. بكافياً أو هو على تقدير مضاف أو وصف به مبالغة، وقوله: حسبي أي يكفيني. قوله: (أو على حسب أعمالهم) حسب بفتح السين أو سكونها، والمراد على قدرها، وقيل: عليه أنه غير مناسب هنا لمضاعفة الحسنات، ولذا لم يقل وفاقاً كما في السابق ويدفع بأنه بعد المضاعف جاء هو وأضعافه على حسبها أيضا أو ما ذكر هو

الأصل وما زاد تفضلاً وتكرّما بمقتضى وعده، وقيل: معناه عطاء مفروغا عن

ص: 308

حسابه لا كنعم الدنيا وفيه نظر. قوله: (وقرئ حساباً) أي بالفتح والتشديد على وزان صيغ المبالغة وهو بمعنى المحمسب بكسر السين أي بزنة اسم الفاعل، وهذا بناء على أن فعالاً يكون صفة من الأفعال وفيه كلام لأهل العربية، ونقل الراغب عن بعض أهل اللغة أن فعالاً لا يجيء صفة من الأفعال وجبار من جبر لا من أجبر فليحرّر. قوله:) بدل من ربك الخ (وفي إبداله تعظيم له أيضا وايماء إلى ما في الآثار المقدسة لولاك لما خلقت الأفلاك، ورفعه الحجازيان نافع وابن كثير وأبو عمرو، ولو أعرب في الرفع خبر مبتدأ مقدر على أنه نعت مقطوع لتوافقت القراءتان، وقوله: صفة له أي لربك أو لرب السموات على الأصح عند المحققين من جواز وصف المضاف إلى ذي اللام بالمعرف بها فلا يرد عليه أنه ممنوع عند النحاة كما توهم مع أنه إنما يرد لو أراد أنه صفة رب السموات، ولو أراد صفة ربك كما يؤيده قراءة من جره مع رفع ما قبله فلا فتأمله. قوله: (إلا في قراءة ابن عامر الخ) في النسخ هنا اختلاف واختلال وتحريره ما في النشر قال: اختلفوا في رب السموات والأرض، فقرأه يعقوب وابن عامر والكوفيون بخفض الباء والباقون برفعها واختلفوا في الرحمن فقرأ ابن عامر ويعقوب وعاصم بخفض النون، والباقون برفعها اهـ، وللرحمن هنا وفيما سياتي موقع بليغ جدا. قوله: الا يملكون خطابه الخ (ظاهره أنّ منه بيان مقدم للخطاب، وسيأتي تحقيقه وهو دفع لما يتوهم من منافاة هذه الآية للشفاعة الآتية فإنّ للشفيع مقالاً وخطاباً مع الله بأنّ المنفيّ هنا خطاب الاعتراض لا الشفاعة، والرجاء وما بعده من ذكر الصواب دال عليه، ويجوز أن يكون عاما خص منه ما بعده وهذا غير ما في الكشاف إذ المعنى أنهم لا يتصرّفون في خطاب الأمر والنهي تصرّف الملاك فيزيدون وينقصون كما يريدون، وهو من قوله: لا يملكون، وقد حققه المدقق في الكشف، ثم قال: وأمّا منه في التنزيل فصلته ولم يذكر لظهوره، والمعنى لا يملكون من الله خطابا واحداً أي لا يملكهم الله ذلك كما تقول ملكت منه درهماً إشارة إلى أن مبدأ الملك منه، وهذا أظهر أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب وهذا وجه آخر في الآية فيه منه صلة خطاباً كما تقول خاطبت منك على معنى خاطبتك كبعت زيدا وبعت من زيد فمنه بيان مقدم على المصدر لا صلة يملكون، وقد قيل عليه إنّ تعدى الخطاب لم يثبت في اللغة، وكذا البيع لا يتعدّى بلا واسطة إلا إلى المبيع لا إلى المشتري فينبغي أن يجعل منه صلة يملكون أي لا يملكون منه تعالى في ذلك اليوم خطابا باعتراض ونحوه، وهذا عجيب فإنه لم يقل إنه صلة الخطاب حتى يرد عليه ما

ذكر إذ هو في الوجه الأوّل جعل من ابتدائية متعلقة بيملكون، وفي الثاني جعلها بيانية فهو ظرف مستقر لكنه تعسف في قوله: خاطبت منك وأمّ تعدّي البغ بمن فصحيح ذكره صاحب المصباح، وحاصل ما ذكره أنّ النظم يحتمل وجهين أي لا يقدرون على أن يخاطبوه فالخطاب منهم أو لا يصلون لسماع خطاب منه لكنه عقده على عادته، ولولا ظن الإغفال كان ترك مثله أولى من ذكر.. قوله:(لأنهم مملوكون الخ) يعني أنّ ذواتهم وصفاتهم وأملاكهم وكل ما يتعلق بهم جوهراً أو عرضاً مخلوق له تعالى، وهو مالكه فله التصرّف فيه كما يشاء لأنه لا يمنع أحد منا من التصرّف في ملكه مع أنه غير حقيقي فكيف بمالك الملك على الإطلاق فلا يجب عليه شيء من ثواب، وعقاب ولا يسئل عما يفعل وفيه ردّ على المعتزلة، وقوله: تقرير الخ لأنهم إذا لم يتملكوا بغير إذن لم يملكوا الخطاب كما لا يخفى. قوله: (فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلانق الخ) هذا بعينه في الكشاف لكنها كلمة حق أريد بها باطل ثمة فإنّ الخلاف في أفضلية الملائكة بمعنى كثرة الثواب، وما يترتب عليها من كونهم أكرم على الله وأحب إليه لا بمعنى قرب المنزلة من الله ودخول حظائر القدس، ورفع ستارة الملكوت بالاطلاع على ما غاب عنا مع النزاهة وقلة الوسايط، وغيره فإنهم أفضل بالاعتبار الثاني بلا خلاف فيه وهذا كما نشاهده من حال خدام الملك، وخاصة حرمه فإنهم أقرب إليه من وزرائه والخارجين من أقربائه وليسوا عند. بمرتبة واحدة وإن زادوا في التبسط والدلالة عليه، ولذا عطف قوله وأقر بهم الخ على أفضل الخلائق عطفاً تفسيرياً ومته تعلم أنّ الخلاف هنا لفظيّ مع أنّ بعض أهل السنة، وعلماء الشافعية ذهبوا إلى تفضيل الملك مطلقا حتى ادّعى بعضهم أنه مراد المصنف، ومذهبه:

وللناس فيما يعشقون مذاهب

قوله:

ص: 309