المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عليه إن الإمام الغزالي رحمه تعالى قال: الفرق بين الولي - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: عليه إن الإمام الغزالي رحمه تعالى قال: الفرق بين الولي

عليه إن الإمام الغزالي رحمه تعالى قال: الفرق بين الولي والنبيّ نزول الملك فإنّ الولي يلهم والنبيّ ينزل عليه الملك مع كونه يكون ملهماً فإنه جامع بين النبوّة والولاية، وتنبه له بعض أرباب الحواشي ففسر التلقي من الملك بالإلهام لأنه من نفث الملك بالروع وهو خلاف الظاهر ووده الشيخ الأكبر في الفتوحات، وقال: إنه غلط من قائله دال على عدم ذوقه والفرق بينهما إنما هو فيما ينزل به الملك لا في نزوله فإنه ينزل على الرسول والنبيّ بخلاف ما ينزل به على الولي التابع، وقد ينزل عليه بالبشرى والفوز والأمان في الحياة الدنيا كما قال:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [سورة

فصلت، الآية: 30] إلى آخر ما فصله فأعرفه. قوله: (ليعلم المرتضي) فسره بما يشمل الوجهين وكذا ما بعده محتمل لهما خلافاً لمن قصر بعضها على بعض. قوله تعالى: ( {وَأَحَاطَ} ) قيل: هو معطوف على أبلغوا إن كان ضمير ليعلم للنبيّ الموحى إليه وأما إن كان الضمير لله فهو عطف على لا يظهر أي عالم الغيب فلا يظهر وأحاط بما عند الرسل وأحصى كل شيء عددا ويجوز هذا أيضاً على التقدير الأوّل وقيل: جملة أحاط حالية بتقدير قد وفيها دفع للتوهم الناشئ من الكلام السابق، وقوله: ليتعلق به علمه إشارة إلى أنّ علمه قديم، والمقترن بالزمان تعلقه بالمعلوم وإن تعليل هذا بالعلم الأزلي غير مراد بل هو معلل بتعلقه الحادث واظهاره ليتعلق به الجزاء كما في قوله:{نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ} كما مرّ تحقيقه وقوله: كما هي أي من غير تغيير وتبديل، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع تمت السورة.

سورة‌

‌ المزمل

صلى الله عليه وسلم

هي مكية بجميعها، وقيل: إلا آيتين منها واصبر على ما يقولون وما يليها وقيل، وقوله:

{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ} إلى آخر السورة وآياتها فيها اختلاف كما ذكره المصنف وقيل: هي ثمان عشرة.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (وقد قرئ به (هي قراءة لأبيئ على الأص! وهي شاذة وقوله: وبالمزمل أي بتخفيف الزاي على أنه اسم مفعول أو فاعل من زمل بزنة فعل والكسر قراءة عكرمة، وقوله: الذي زمله غيره هو بيان له على قراءة الفتح وقوله: أو زمل نفسه على قراءة الكسر لأن ذكر الفاعل دون المفعول يدل على أنه حذف مفعوله للعلم به أو نزل منزلة اللازم فلذا لم يبن للمفعول ففيه لف، ونشر مرتب وما قيل من أنه متجه على القراءتين لا وجه له وكذا ما قيل إنه متعبر في الثاني ضرورة فإن تلت: لا بد من أن يكون زمل نفسه أو زمله غيره فأحدهما متعين، والقرا آت كلها متواترة فكيف اجتمعا قلت: هو زمل نفسه من غير شبهة فإن نظر إلى أن كل أفعاله من الله فقدر زمله غيره فلا يرد هذا كما توهم حتى يقال: إنه زمل نفسه، أولاً ثم نام فزمله غيره أو يعكس ولو ترك مثله رأساً كان أحسن، وقوله: سمى به النبيّ-لمجي! أي أطلق عليه في القراآت كلها. قوله: (تهجينا لما كان عليه (التهجين التقبيح وقد تبع في هذه العبارة الزمخشريّ، وشنع عليه صاحب الانتصاف فيها، وقال: إنّ فيه سوء أدب وهو كما قال: واما اعتذاره عنه في الكشف بأنه من ليطف العتاب الممزوج بالرأفة وقد خوطب بما هو أشد منه في قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} فليس بشيء لأنّ الله له أن يخاطب حبيبه بما شاء ونحن لا نجري على ما عامله به بل يلزمنا الأدب والتعظيم لجنابه الكريم، ولو خاطب بعض الرعايا الوزير بما خاطبه به السلطان طرده الحجاب وربما كان العقاب هو الجواب، والحق ما قاله السهيلي رحمه الله تعالى: من أنه تأنيس له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها كقوله-! فه لعلي كرّم الله وجهه: " قم يا أبا تراب " قصدا لرفع الحجاب وطيّ

بساط العتاب وتنشيطاً له ليتلقى ما يرد عليه بلا كسل:

وكل ما يفعل المحبوب محبوب

قوله: (لما كان عليه (متعلق بتهجينا، والمراد نومه متزملاً كما يفعله من لا تهمه الأمور والثؤون على ما في الكشاف وفيه ما فيه، وقوله: أو مرتعداً على ما روي في حديث بدء الوحي، وقوله: دهشة قيل الصواب أدهشه لأن دهش كفرح لازم بمعنى تحيروا أما دهش فهو مدهوش فوضع على صيغة المجهول كزهي ومن ضبطه بالتشديد من التفعيل فقد تعدى المعروف في استعماله

ص: 261

والمصنف كثيرا ما يتسامح في أمر التعدية فلو قيل: إنه ضمنه معنى حير فعداه لم يبعد. قوله: (أو تحسيناً له (هذا أيضاً غير ملائم للسياق لأنه لو استحسنه لم يقل له: قم بل يقول كما قال:

أيها الراقد في لذاته نم هنيئا إنّ عيني لم تنم

وقوله: إذ روي الخ هذا لم يصح وحديث مرط عائشة في ليلة النصف من شعبان بالمدينة لا في بدء الوحي، وقد اعترض عليه في الانتصاف بأن السورة مكية وبناؤه صلى الله عليه وسلم على عائثة كان بالمدينة، وإنما كان ذلك في بيت خديجة كما ورد في الأحاديث الصحيحة والتصدي لتوجيهه بما في جامع الأصول من أنه-شي! تزوج عائشة بمكة قبل الهجرة بثلاث، ودخل عليها بالمدينة فيجوز أن يبيت ليلة في بيت الصديق بعد العقد ويتغطى ببرد لها وباقيه عليها فحكته بعد ذلك أم المؤمنين رضي الله عنها تكلف لا يتأتى مع مخالفته الأحاديث الصحيحة، ومثله لا يكفي فيه مجزد الاحتمال وقد عرفت أنّ هذا الحديث المذكور لم يقع في الكتب الصحيحة كما قاله ابن حجر قال أبو حيان: إنه كذب صريح فترك الاشتغال بالقيل، والقال فيه هو الصواب وقوله: مفروش على عائشة الأحسن أن يقول مطروج، ونحوه إذ القرس يكون على الأرض وما ضاهاها والمرط بكسر الميم كساء من صوف. قوله:(أو تشبيها له في تثاقله الخ) يعني أنه استعارة فشبه عدم التمرن فيما ذكر بالنوم على فراش مغطى ووجه الشبه تعطيل الأمور أو التثاقل فيها وحمله على التجوّز مع صحة الحمل على المعنى الحقيقي كما مز

لأنّ القرينة غير قطعية، ولو جعل كناية كان أنسب بقواعد المعاني والأحسن تركه لما فيه من سوء الأدب كالوجه الأوّل مع مخالفته للقواعد أيضا. قوله:(أو من تزمل الزمل) بالكسر كالحمل لفظا ومعنى فهو استعارة أيضا لكن وجه الشبه فيه مختلف ففي الأول ما مر، وفي هذا شبه إجراء التبليغ بتحمل الحمل الثقيل، ووجه الشبه ما فيهما من المشقة وهذا أحسن مما قبله لكن يرد عليه إنه مع صحة المعنى الحقيقي واعتضاده بالأحاديث الصحيحة لا وجه لادعاء التجوّز فيه وسيأتي في أول المدثر تحقيقه إن شاء الله. قوله:(أي قم إلى الصلاة) هذا على غير وجه التحسين له إذ قام يصلي وفوله: أو داوم عليها على ذلك الوجه ولا وجه لتخصيص الأول بالأوّل والثاني بالثاني كما قيل، والظاهر أنّ معمول قم مقدر عليهما والليل منصوب على الظرفية أو على التوسع والإسناد المجازي، وكسر ميم قم عند الجمهور لالتقاء الساكنين وقرأها أبو السماك بالضم اتباعا لحركة القاف وفتحت أيضاً للتخفيف. قوله:(ونصفه بدل من قليلَا الخ) ذكروا فيه وجوهاً أربعة كما في الكشاف مع كلام فيه فالأول هذا، وهو أن يكون الاستثاء من الليل ونصفه بدلاً من قليلا وهو الوجه الثاني في الكشاف وقدمه المصنف لظهوره وسهولة مأخذه، وموافقته لقراءة النصب ومعناه التخيير بين قيام الضف وما فوقه وما دونه، وضمير منه وعليه حينئذ للنصف بلا كلام إنما الكلام في ضمير نصفه فإن أبا حيان أورد عليه إنه لا يخلو من عود. على المبدل منه أو على المستثنى منه ولا يجوز الأول لأنه يكون استثناء مجهول من مجهول إذ التقدير إلا قليلاً نصف القليل ولا الثاني لأنه يلغو فيه الاستثناء إذ لو قيل: قم الليل نصفه أو زد عليه، أو انقص أفاد معناه على وجه أوضح وأخصر وأبعد من اللبس وقد رده المعرب بأن قوله: استثناء مجهول من مجهول غير صحيح لأنّ الليل معلوم، وكذا بعضه من النصف وما دونه وما فوقه مع أنه لا ضير في استثناء المجهول من المعلوم نحو فشربوا منه إلا قليلا فالصواب إبدال مجهول من مجهول مع أنه لا محذور فيه كجاءني جماعة بعضهم مشاة فمن ظنه محذوراً حتى عين الثاني لم يصب وعلى الثاني ليس الاستثناء لغواً لأن فيه تنبيهاً على تخفيف القيام، وتسهيله لأن قلة أحد النصفين تلازم قلة الآخر وتنبيهاً على تفاوت ما اشتغل بالطاعة وما خلا منها لإشعاره بأنّ البعض المشغول بذكر الله بمنزلة الكل مع البيان بعد الإبهام الداعي للتمكن في الذهن وزيادة التشويق، وقد استدل به من قال: يجوز استثناء النصف وما فوقه على ما فصل في الأصول. قوله: (وقلته بالنسبة إلى الكل) جواب عما يرد عليه من أن النصف كيف يكون قليلاً، وهو مساو للنصف الآخر بأن القلة بالنسبة إلى الكل لا إلى عديله والتزامه بجعل النصف المتحلى بالعبادة لما عف ثوابها كأمثالها وزيادة زيادة على الآخر فلذا

جعل قليلَا خلاف الظاهر

ص: 262

ولذا لم يعرج المصنف عليه لأن القلة تعتبر في كمية الزمان ولا زيادة فيها والكيفية زيادة ونقصها لا يسمى قلة وكثرة حقيقة بل قوّة وضعفا كما لا يخفى. قوله: (أو نصفه بدل من الليل) بدل بعض من كل وهذا هو الوجه الثاني فهو على نية التقديم، والتأخير وضمير منه وعليه للأقل من النصف المفهوم من مجموع المستثنى والمستثنى منه لأن تقديره قم نصف الليل المخرح قليل منه، وهو الأقل والأقل من النصف الثلث مثلا، والنقص منه بقيام الربع والزيادة على الأقل بقيام النصف وما فوقه فالتخيير على هدّا بين النصف وبين الأقل والأكثر من الأقل، وهو النصف يعني بين الأقل من النصف والأقل من الأقل والا زيد منه وهو النصف بعينه والفرق بينه، وبين الأوّل من وجهين اختلاف مرجع الضميرين وإن الزائد على النصف في الوجه الأوّل داخل في التخيير وفي هذا خارج لأنّ ما-له إلى التخيير بين النصف والثلث والربع وخالف الزمخشريّ في هذا الوجه حيث جعل التخيير فيما وراء النصف والداعي لمخالفته إنه يوافق قوله:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى} [سورة المزمل، الآية: 20] الآية في قراءة الجر في نصفه وثلثه وفيه تكلف، وإن وجهه صاحب الكشف بما فيه دقة فليحرر 0 قوله:(أو للنصف) هذا هو الوجه الثالث، وهو على التقديم والتأخير أيضاً لكن ضمير منه وعليه فيه للنصف لا للأقل منه كما في الوجه الذي قبله، وقوله: والتخيير الخ في الكشف وللاعتناء بشان الأقل لأنه الأصل الواجب كرره على نحو أكرم إمّا زيداً وامّا زيداً أو عمراً، وفيه تكلف لأنّ تقديم الاستثناء على البدل ظاهر في أنّ البدل من الحاصل بعد الاستثناء لأنّ في تقدير تأخير الاستثناء عدولاً عن الأصل من غير دليل ولأنّ الظاهر على هذا رجوع ضمير منه، وعليه إلى النصف بعد الاستثناء لا للنصف المطلق كما في الوجه الآخر، وأيضا الظاهر إنّ النقصان رخصة لا أنّ الزيادة نفل والاعتناء بشأن العزيمة أولى انتهى، وقد قيل عليه إنّ ما ذكره أولاً يرد على الوجه الثاني، وقوله: الظاهر أن النقصان رخصة محل نظر إذ الظاهر إنه من قبيل فإن أتممت عشراً فمن عندك فالتخيير ليى على حقيقته ولو سلم فالأصل لأصالته واشتماله على تخفيف المشقة أولى بالاهتمام به، وفيه بحث وقد قيل هنا وجه آخر، وهو أن يكون نصفه بدلاً من الليل الذي استثنى منه القليل، والتقدير قم الليل إلا قليلا قم نصف الليل أو أنقص! من النصف قليلاً أو زد على النصف فعلى هذا هو كالوجه الأول أيضا التخيير فيه بين قيام النصف والزائد عليه والناقص عنه، ويكون قوله: أو أنقص عطفا على قم المسلط على نصفه والقليل المستثنى مقدار ما تستريح النفس بالنوم فيه وتنشط للتهجد وذلك القليل بالنسبة إلى الكل إمّا النصف أو أكثر منه بقليل أو أقل منه على ترتيب المخير فهي فتأمل. قوله: (أو الاستثناء من

إعداد الليل الا من أجزائه فإن تعريفه للاستغراق إذ لا عهد فيه، وقوله: والتخيير بين قيام النصف الخ فالضمير راجع إليه باعتبار الأجزاء ففيه استخدام حينئذ أو شبهة فتدبر، وقد قيل: إنّ قيام الليل كان فرضا في صدر الإسلام قبل الصلوات الخمس فلما فرضت نسخ هذا كما فصله الزمخشري. قوله:) على تؤدة) بضم المثناة وفتح الهمزة وهو التمهل، وقوله: رتل بسكون التاء ورتل بكسرها واما رتل بفتحتين فمصدر كما في القاموس فضبطه به هنا سهو والمفلج بتشديد اللام اسم مفعول من الفلج وهو أن لا تكون الأسنان متصلة وهو ممدوج لأنه أزين وأنقى للفم. قوله: (إذ كان عليه الخ (هذا هو الصحيح الموافق لما في الكشاف وفي نسخة إذا وهي تحريف، ويجوز أن يكون احترازاً عن القصص والخصائص، وقوله: والجملة تعريفه للعهد يعني إن قوله: إنا سنلقي معترضة بين المعلل، وهو الأمر بقيام الليل والمعلل وهو إن ناشئة الليل الخ، وقيل: هي قوله: ورتل القرآن وهذه قال الطيبي وهو الأظهر لأنها اعترضت بين كلامين متصلين وفي الكشف إنه لا وجه له، وقوله: يسهل التكليف الخ بيان لفائدة الاعتراض وقوله: بالتهجد متعلق بقوله: بالتكليف يعني إنه سيرد عليك في الوحي المنزل عليك تكاليف شاقة هذا بالنسبة إليها سهل فلا تبال بهذه المشقة وتمرن بها لما بعدها، وقوله: ويدل على أنه أي التهجد فهو ثقيل على النفس لأنها تألف نوم الليل والهدو فيه فبينه وبين القرآن مناسبة في ثقل كل منهما على النفوس، وقوله: مشق قيل إنه لم يسمع له فعل مزيد من الأفعال فالأولى أن يقول شاق، وقوله: مضاذ للطبع أي لمقتضاه وهو بالضاد المعجمة وكونه بالمهملة

ص: 263

مفاعلة من الصد كما قيل: لا يلتفت إليه. قوله:) أو رصين لررّانة لفظه (معطوف على قوله: ثقيل، وهو تفسير آخر له فمعنى كونه: ثقيلآ إنه لأحكام لفظه وقوة معانيه أطلق عليه ثقيل بمعنى راجح على ما عداه لفظا ومعنى لأنّ الراجح من شأنه ذلك فتجوز به عنه، وقوله: أو ثقيل على المأمل الخ هو مجاز أيضا عن المشقة كما في الوجه الأول، وتصفية السر بمعنى الإخلاص وتوجيه الذهن، وقوله: في الميزان عبارة عن كثرة ثواب قارئه فهو تجوز أيضا باستعماله في لازمه، وقوله: على الكفار أي صعب. قوله:) أو ثفيل تلقيه (يعني يثقل عليه نزوله والوحي به بواسطة الملك فإنه كان يوحي إليه على أنحاء منها أن لا يتمثل له الملك، ويخاطبه بل يعرض له حال كالغشي لشدة انجذاب روحه للملأ الأعلى بحيث يسمع ما

يوحى به إليه ويشاهده، ويحسه هو دون من معه وفي هذه الحالة كان يحس في بدنه ثقلا بحيث إن وركه كان على فخذ بعض الصحابة في تلك الحالة فكادت تكسرها، وهذا لا يعلم حقيقته بالتقرير، وقوله: فيفصم من أفصم إذا أقلع ومعناه يفارقه، وقوله: يرفض بالفاء والضاد المعجمة بمعنى يسيل. قوله: (وعلى هذا) أي على هذا الوجه دون الوجوه المتقدمة يجوز كونه صفة للمصدر فينتصب انتصابه لقيامه مقامه، والتقدير إلقاء ثقيلاً فليس صفة قول حينئذ، وقوله: والجملة أي جملة إنا سنلقى أيضاً على هذه الأوجه ظاهره إنه على جميعها ما عدا الأول فإنها فيه معترضة كما صرّح به وهو كذلك لأنّ أحكامه ومتانة معانيه تناسب قراءته ليلا في التهجد ليتدبرها، وكذا ما بعده في احتياجه للتأمل وكذا كثرة ثوابه تخفف ثقله ومشقته، وكذا صعوبته على الكفار تقتضي قراءته ليلاً لئلا يؤذوه وهو حكمة الأسرار في صلاة النهار أوّلاً وكذا ما بعده، فما قيل من أنه لا يتمشى في بعض الوجوه فهو تغليب كلام ناشئ من قلة التأنل فيه، وقوله: مستأنف خبر وكان الظاهر أن يقول مستأنفة، وقوله: للتعليل متعلق به أو خبر أوّل. قوله: (من نشأ من مكانه إذا نهض وقام (وفي شرح البخاري للكرماني نشأ بمعنى قام لغة حبشية عرّبوها والذي ذكره اللغويون إنه عربي من نشأت السحابة إذا ارتفعت، والمراد به النفس القائمة كما بينه المصنف رحمه الله، وقوله: نشأنا البيت لا أعرف صاحبه، وقوله: نشأنا بمعنى قمنا ونهضنا، وخوص جمع خوصاء وهي الناقة الغائرة العينين من الهزال وهو المراد هنا، وقيل: الناقة الضخمة وتوصف به الأعين وقد تلطف بعض المتأخرين في قوله:

لطيبة قدحثتنا النوق نسري وأعينهن نحوالنخل خوص

وبري بمعنى أذهب مستعار من بري العود والقلم وألصق بمعنى نكس وخفض ونيها بفتح

النون بمعنى شحمها وصحح الفتح في الكشف، والذي في القاموس الكسر وبعدها مثناة تحتية مشذدة، والمشرفات العالية والقماحد جمع قمحدة وهي ما خلف الرأس يقول: قمنا إلى نياق هزلت من كثرة السير، وقوله: أو قيام الليل فهي مصدر من نشأ بمعنى قام كالكاذبة، وقوله: على أنّ الناشئة له أي لليل يعني مسندة إليه مجازا كما يقال: قام ليله وصام نهاره وليس المراد إنها موضوعة له كما توهم، وقيل المراد إنّ إضافته على معنى اللام وقوله: أو العبادة التي تنشأ بالليل على أنّ الإضافة اختصاصية أو بمعنى في أو هو كمكر الليل على التجوّز في النسبة، واذأ

كان بمعنى الساعات فالإضافة اختصاصية، وقوله: تحدث واحدة بعد أخرى أي متعاقبة فلا يرد عدم شأوله للساعة الأولى مع أنه على التغليب فلا حاجة لتعميمه لآخر ساعات النهار كما قيل. قوله: (هي أشدّ وطأ) من مقابلها على التفاسير السابقة ووطأ منصوب على التمييز، وقوله: كلفة أي تكليفا ومشقة تفسير لوطأ على أنه من قوله: اللهمّ اشدد وطأتك على مضر كما مرّ تحقيقه في سورة الفتح فيكون على هذا أفضل، وإذا كانت بمعنى الثبات فهي من وطئ الرجل الأرض فيكون أفضل، وأوفق بمبادي حاله فإذا أريد الساعات كلها أو بعضها يكون المراد القيام فيها، وقوله: وقرأ أبو عمرو الخ بكسر الواو وفتح الطاء والمذ بعده على أنه مصدر واطا وطاء كقاتل قتالاً. قوله: (لها أو فيها (الأوّل على أنّ المراد بالناشئة النفس أي أشد وطأ لمواطأة القلب، وقوله: فيها على إنّ المراد بالناشئة القيام أو العبادة أو الساعات أي أشدّ وطأ لمواطأة قلب القائم فيها لسانه والإسناد على هذا مجازي. قوله: (أو موافقة) معطوف على قوله: مواطأة القلب، والمواطاة

ص: 264

الموافقة فيهما إلا أنه على الأوّل اعتبر التوافق بين القلب واللسان وعلى هذا بين الحال، والمراد لله وهو على الوجوه كلها ولا يخفى أن الخضوع والإخلاص في الليل أقوى منه في النهار، وقوله: وأسد مقالاً من السداد بالسين المهملة وأحسن في تفسير مقابل الأشدّ بالأمد وقيلا فيهما مصدر لكنه في الأوّل عامّ للأذكار والأدعية وفي الثاني مخصوص بالقراءة، وحضور القلب مجاز عن عدم تشتيت الأفكار وهدّوا لأصوات بالدال المهملة سكونها وكل منهما راجع لكل مما قبله لا أنه لف ونشر إذ لا داعي للتخصيص فيه. قوله:(تقلباً في مهماتك) جمع مهمّ وأصل السبح المرّ السريع في الماء فاستعير للذهاب مطلقاً كما قاله الراغب وقوله: قرئ سبخا أي بالخاء المعجمة والنفش بالنون والفاء والشين المعجمة تفريق أجزاء ما ليس بعسر التفريق كالقطن والصوف فقوله: ونشر أجزائه تفسير له. قوله: (ودم على ذكره) فسره به لأنه لم ينسه حتى يؤمر بذكره والمراد الدوام العرفيّ لا الحقيقي لعدم إمكانه، وقوله: ليلاً ونهارا مأخوذ من ذكره مطلقا بعد تقييد ما قبله ولأنّ مقتضى السياق أنه تعميم بعد تخصيص، وقوله: كل ما يذكره من التذكير، وفي نسخة يذكر به وهي تحتمل التخفيف والتشديد، وقوله: دراسة علم يعني به العلوم الشرعية لأنها هي المذكرة بالله. قوله: (وانقطع الخ) لأنّ البتل القطع، ومنه البتول للمنقطعة عن الرجال، وقوله: جرد نفسك المراد

تفريغها عن غيره وفيه إشارة إلى ما مرّ في قوله: {أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} فتذكره:

فما بالعهد من قدم

حتى يحتاج للإعادة وقوله: ولهذه الرمزة الخ يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال: تبتل تبتلا فعدل عنه لما ذكر لمراعاة الفاصلة، وليدل على أنه ينبغي له تجريد نفسه عما سواه ومجاهدته فلذا ذكر التبتيل الدال على فعله بخلاف التبتل فإنه لا يدل إلا على قبول الفعل كالانفعال وهذا أحسن ما في الكشاف. قوله:(وقيل بإضمار حرف القسم) وجه ضعفه ظاهر لأنّ حذفه من غير ما يسدّ مسده وابقاء عمله ضعيف جداً كما بين في العربية مع أنه خص بالجلالة الكريمة نحو الله لأفعلن كذا، وقد نقل هذا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال أبو حيان إنه لم يصح عنه لأنّ إضمار الجارّ لم يجزه البصريون إلا مع الجلالة خاصة، ولأنّ الاسمية المنفية في جواب القسم تنفي بما لا غير، وتنفي بلا الفعلية وردّه العرب بأنّ ابن مالك أطلق في وقوع الجملة المنفية اسمية أو فعلية جوابا للقسم سواء كانت منفية بما أو لا أو إن وهو غير صحيح لأنّ كلامه في التسهيل، وإن كان ظاهره الإطلاق إلا أنه قال في شرح الكافية أنّ الجملة تقع جوابا للقسم مصدرة بلا النافية لكن يجب تكرارها إذا تقدّم خبرها أو كان المبتدأ معرفة نحو والله لا في الدار رجل، ولا امرأة ووالله لأزيد في الدار ولا عمرو فقال ثمة أبو حيان ردّا عليه إنه غلط فإنّ النحاة لم يذكروا وقوع الاسمية منفية بلا في جواب القسم فكيف يرد عليه بما يعتقده، وهما وغلطا ومن الناص! من اغتر به هنا. قوله:(مسبب عن التهليل) أي قوله: لا إله إلا هو، ولذا قال: بعده فإن توحده الخ لا يقال إنّ هذا مقتضى ألوهيته لا مقتضى الوحدانية فإنّ مقتضاها أن لا يوكل إلا إليه لأنه لو كان له سبحانه شريكا لم يستلزم ذلك أن يفوّض له الأمور لجواز تفويضها لغيره من الآلهة، وقيل المراد الاتكال النافع وهو لا يكون إلا بالتوحيد فتأمّل. قوله:(بأن تجانبهم وتداريهم اليست المجانبة مخصوصة بالقلب فإنّ الآية مكية قبل الأمر بالقتال والمكافأة المجازاة على فعلهم وكفرهم، وقوله: تكل الخ إشارة إلى اتصاله بما قبله وقوله: {ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} [سورة المزمل، الآية: 11] هو معطوف أو الواو للمعية. قوله: (وكل إلئ أمرهم) قدم الجارّ والمجرور للتخصيص كما أشار إليه بقوله: فإنّ بي غنية عنك الخ يعني أنّ قول القائل: ذرني واياه في مقام الأمر بالاستكفاء فيه

مبالغة لأنه أمر بالترك المقتضي لعدم المنع فجعل ترك الاستكفاء منعاً وانه لو لم يكن ذلك لحصلت الكفاية قيل للإشارة إلى أنه في غاية الاقتدار عليه فقوله: ذرني والمكذبين كناية عما ذكر والتنعم الترفه، والتقلب في أنواع النعم. قوله:(زماناً الخ) يعني نصب قليلاً إمّا على الظرفية أو المصدرية وذكره للإشارة إلى أن التفعيل ليس للتكثير في الفعل ولا للتدريج بل لتكثير المفعول، وقوله: تعليل للأمر يعني لقوله: ذرني وما عطف عليه فكأنه قيل: فؤض أمرهم إليّ لأنّ عندي ما انتقم به منهم أشذ الانتقام، وقوله: الئكل بالكسر والفتح القيد الثقيل وقيل الشديد، وعن الشعبي إذا ارتفعوا استقل بهم، وقوله: طعاما ينشب في الحلق أيمما يتعلق به فلا

ص: 265

يسوغ. قوله: (ونوعا آخر من العذاب (فسره به لأنّ تنوينه للتنويع ولأنه يعلم من المقابلة أيضا، وقوله: لا يعرف كنهه إلا الله من إيهامه وتنكيره. قوله:) ولما كانت العقوبات الأربع) هي النكال وما بعده وشرع في بيان اشتراكها بقوله: فإن الخ والانهماك زيادة التقيد في الاستكثار من الشيء، وقوله: تبقى مقيدة الخ ضمير حبها وبها للشهوات وهو بيان لاشتراكهما في الإنكال والقيود فقيد الأجسام حديد وقيد الأرواح عدم التجريد والبدن لمنعه لها عن الاتصال بعالم القدس والقيود والأغلال، وترك بيان ذكر قيد الجسد لظهوره، وقوله: متحرّقة بالتاء الفوقية أو النون بيان لجحيم الروح، وهو بعدها عن عالم القدس وجحيم البدن معلوم، وقوله: غصة الهجران بيان لما للروح من طعام الفجار وأمّا طعام أولئك في النار فظاهر، وقوله: معذبة بالحرمان إشارة إلى نصيبها من العذاب المبهم، وقد اقتدى بالإمام فيما ذكره فيكون الإنكال وما بعده مشتركاً بين عذاب الروج والبدن، وهو مجاز في الثاني حقيقة في الأوّل فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز أو عموم المجاز من غير قرينة، وليس في الكلام ما يدل عليه بوجه من الوجوه. قوله: (فسر العذاب (في قوله: عذابا أليما بالحرمان وهذا جواب لما، وقد أشار لتفسيره بما ذكر قبيله يعني، والحرمان عن لقائه مما يعذب به الأرواح لبعدها وحجبها عمن تحب والأشباج لعدم نظرها وتمتعها بلقاء من تحب، ولما كان الرضوان أعظم ثوابا كان الحرمان أشذ عقابا، ومن العجب ما قيل هنا إنه علق تفسير العقوبة الرابعة بالحرمان عن لقائه على كون العقوبات مشتركة، ومن جملة ذلك كونها معذبة بالحرمان، وفيه رائحة دور وتحير في جوابه، ثم اعترف بأنه تشوّس عليه فهمه، ولا يخفى أن الحرمان الذي جعله مشتركا هو الحرمان من الأنوار القدسية بحيث تبقى في ظلمة الضلال، والغضب والمقت ولا شك في

مغايرته للحرمان عن لقائه تعالى فحديث الدورّ باطل ووجه وقوعه جواباً أنه لما علم أن ما ذكر أمور اشتركت فيها الأرواح والأجساد، ودلّ تنكير العذاب وتهويله على أنه أعظم أنواع العذاب المشترك ولا أشذ مما ذكر فسر به كما أشرنا إليه أوّلاً لكن المدعي محتاج إلى التنوير فتدبر. قوله تعالى:( {يَوْمَ تَرْجُفُ} الخ) فيه وجوه فقيل إنه متعلق بذرني، وقيل: صفة عذابا وقيل متعلق بأليماً والذي اختاره المصنف رحمه الله إنه منصوب بالاستقرار الذي تعلق به لدينا أي استقر ذلك العذاب لدينا، وظهر يوم ترجف الخ وترجف مبنيّ للفاعل، وقرئ مبنياً للمجهول من أرجف في الشواذ. قوله:(رملَا مجتمعاً) فهو تشبيه بليغ، وقوله: فعيل بمعنى مفعول أي في الأصل، ثم غلب حتى صار له حكم الجوامد، وقوله: لأنه وفي نسخة كأنه وهي المتداولة، وأنما قال: كأنه لأنّ الظاهر إنه اسم وضع له ابتداء وليس بصفة مشبهة، فما قيل: إنه لا يعرف لإيراد كأنه وجه لا يعرف له وجه وكونها رملا يترتب على الرجفة لكنه ترك فيه ذكر حرف التعقيب، وعبر بالماضي مع أنّ ما تسبب عنه مضارع لتخييل أنه سبق الرجفة فكأنه حصل المسبب قبل السبب مبالغة في عدم تخلفه عنه، واتصاله به حتى يتوهم أنه كان قبله كما قاله بعض الفضلاء، وقوله: منثورا أي صارت ككثيب انتثر وكونه كثيبا باعتبار ما كان عليه قبل النثر فلا تنافي بين كونه مجتمعا ومنثورا وليس المراد إنها في قوّة ذلك، وصدده كما توهم ولا فرق بيته وبين تفسيره بما يطرج تحت الأرجل كما قيل. قوله:(من هيل هيلَا إذا نثر) كلاهما فعل مجهول، وقوله: يا أهل مكة فيه التفات من الغيبة في قوله: فاصبر على ما يقولون والمكذبين إن كان الخطاب لهؤلاء، والمراد بهم المكذبون من أهل مكة فإن كان هذا عاما فالظاهر أنه ليس من الالتفات في شيء، وقوله: بالإجابة والامتناع عدل عما في الكشاف من قوله: يشهد عليك بكفركم وتكذيبكم لأنّ أهل مكة شامل للمؤمنين والكافرين وتخصيصه لأنه المناسب للمقام فليس ما هنا أولى منه، وقوله: لأن المقصود الخ إذ المقصود ذكر من تكبر على الرسل وعاقبته وقد يقال: لم يعين لأنه معلوم غنيّ عن البيان. قوله: (عرقه لسبق ذكره (ولو نكر أوهم مغايرته له وليس بمراد فالتعريف فيه للعهد الذكري، وقوله: لا يستمرأ أي لا يعد مريئا لذيذاً، وقوله: للمطر العظيم أي العظيم قطره. قوله:) فكيف تتقون أنفسكم (لا يخفى ما فيه فإن اتقى لا يتعدى لمفعولين حتى يقدر له مفعول آخر وأنما الذي غرّه قول الزمخشري في تفسيره فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة، وهوله إص وقد ناقشه

ص: 266

أبو حيان بأن اتقى

متعد لمفعول ووقى لاثنين فكيف يفسر به ولا وجه له وما قيل اعتذاراً للمصنف بأنه جعل يتقون بمعنى يقون فعداه لمفعولين كما فسره به جار الله خطأ صريح كما أنّ ما قبله تعصب قبيح. قوله: (عذاب يوم) يشير إلى أنه مفعول به بتقدير مضاف فيه لأنّ المخوف عذابه لا هو، ولو جعل نفسه مخوفاً لم يبعد، ويكون هذا بيانا لحاصل المعنى وفي الكشاف يجوز في يوما أن يكون ظرفاً أي كيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا، ويجوز أن ينصب بكفرتم أي كيف تتقون الله، وتخشونه أي جحدتم يوم القيامة والجزاء، وقوله: وهذا على الفرض والتمثيل بالعطف بالواو في بعض النسخ على أنه وجه واحد، والمعنى أنه شبه يوم القيامة وما فيه من الأهوال بيوم يسرع فيه التسبب لهجوم الهموم والأحزان، ثم أطلق لفظ المشبه به على المشبه وشاع فيه حتى صار مثلا إذ لا يصير الولدان شيباً حقيقة فهو تمثيل بيوم مفروض إذ لا نظير له في الخارج، وأمّا على النسخة المشهورة وهي العطف بأو الفاصلة فقيل عليه إنه لا يعرف له وجه فليتأمّل. قوله: (وأصله أنّ الهموم الخ الأن الروج ينقبض إلى داخل فتنطفئ الحرارة الغريزية ولا تنضج الغذاء فيستولي البلغم على الأخلاط، وهو موجب لابيضاض الشعر بتقدير العزيز الحكيم، ولذا قيل:

فإنّ الشيب نوار الهموم

قوله: (ويجوز أن يكون وصف اليوم بالطول (لتعارفه أولاً فيما بينهم فإذا وصفوا يوما

بأنه طويل يقولون فيه ذلك فكان مقدار أيام لو عدت كانت سنين يبلغ بها الطفل سن الشيخوخة، وورد هذا على ما تعارفوه كقولهم: ما لاح كوكب، ونحو. فلا يرد ما في الكشف من قوله فيه ضعف لأنه أطول من ذاك وأطول فليس المراد على هذا وصفه بالشذة بل هو كناية عن طوله، وليس المراد به التقدير الحقيقي. قوله:(والتذكير) إن قلنا إنه مؤنث سماعي فإن كان يجوز تذكيره وتأنيثه من غير تأويل كما تقل عن الفرّاء فلا حاجة لتأويله والا فيؤوّل بما ذكر، وقيل: هو للنسب أي ذات انفطار، وفيه نظر. قوله:(بشدّة ذلك اليوم) وقع في نسخة باللام ولفظ به متصل بمنفطر وفي غيرها بالباء مع تأخر لفظ به عند. فهو تفسير له، وقوله: على عظمها الضمير للسماء ولم يذكره لإيهامه العود على اليوم وهو متعلق بمشتق، وقوله: الباء للآلة على جعله آلة للشق مبالغة في شدّته. قوله: (الضمير لله عز وجل العلمه من السياق، وهو مصدر مضاف لفاعله كما أشار إليه المصنف، وقوله: الموعدة بزنة اسم الفاعل مخففا ومشدّداً وجوّز الفتح فيه على معنى موعد بها، وهو تكلف ومعناه الناطاقة

بالوعيد والمراد الآيات القرآنية، وقوله: إن يتعظ قدره به لمناسبة ما قبله وهو قوله: إنّ هذه تذكرة أي عظة والمعروف في مثله أن يقدر من جنس الجواب أي فمن شاء اتخاذ سبيل لله فل، والمراد أنه يستقيم ويحكم عليه بأنه اتعظ إلا أن يراد بمشيثته الاتعاظ الاستطاعة المقارنة للفعل وفيه نظر. قوله:(أي يتقرّب إليه) يعني اتخاذ السبيل سبب للتقرب فذكر السبب وأريد مسببه فهو الجزاء في الحقيقة فالمعنى من نوى أن يحصل له الاتعاظ تقرّب إلى الله فقربه سبب لتقربه له كما يدل عليه عقد الشرطية، وهو سبب بعيد. قوله:(استعار الأدنى الخ) يعني أنه في الأصل اسم تفضيل من دنا إذا قرب فاستعير للقلة بتشبيه أحدهما بالآخر وظاهر كلام المصنف أنه مجاز مرسل، واستعارة لغوية لأن القرب قلة الأحياز بين الشيئين فاستعمل في لازمه وفي مطلق القلة. قوله:(وقرأ ابن كثير الخ) في الكشاف قرئ بالنصسب على إنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف والثلث، وهو مطابق لما مرّ من التخيير بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقصى منه، وهو الثلث وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين، وقرئ بالجرّ أي تقوم أقل من الثلثين ومن النصف والثلث، وهو مطابق للتخيير بين النصف وهو أدنى من الثلثين والثلث وهو أدنى من النصف والربع وهو أدنى من الثلث وهو الوجه الأخير اهـ، وفيه إشارة إلى أنّ الاعتماد على الوجه الثاني والأخير وما سواهما احتمالات كما قيل، والتفاوت بين القراءتين معلوم له تعالى وإن لم يجتمعا لأنّ الاختلاف بحسب الأوقات فوقع هذا في وقت ووقع هذا في آخر فكانا معلومين له والأمر إن كان وارداً كالأكثر لزم إمّا مخالفة النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أمر به أو اجتهاده والخطأ في موافقة الأمر، وكلاهما غير صحيح أما الأوّل فظاهر وأما الثاني فلأنّ من جوّز اجتهاده وخطأه فيه يقول: إنه لا يقرّ على الخطأ كما

ص: 267

ذكره البزدوي فالصواب إنه وارد بالأقل لكنهم زادوا حذرا من الوقوع في المخالفة كما روي وفي كلام المصنف فيما بعده إشارة إليه هذا حاصل ما في بعض الحواشي، وفيه يحث. قوله:(ويقوم ذلك جماعة الخ) إن لم نقل بفرضية قيام الليل مطلقاً أو على غير النبيّ صلى الله عليه وسلم من المؤمنين بأن يجب عليهم دونهم فلا كلام فيه وإن قلنا بالفرضية في صدر الإسلام على الكل، فالآية لا تخالفه أيضاً بناء على ما يتبادر من التبعيضية فإنه لا يتعين كونها تبعيضية بل تجعل بيانية، وأما احتمال الفرضية على الجميع وأن يقوم البعض في بيته والبعض معه! لئبعيض باعتبار المعية فيأباه ظاهر النظم، وكلام المصنف ولا حاجة إلى دعوى ظهور فساده لما فيها من الفساد. قوله: (كما هي إلا الله (زأد كما هي ليصح الحصر وهو توطئة لما بعده،

وقوله: يشعر بالاختصاص إشارة إلى أنه لا يتعين فيه ذلك كما في الكشاف، فإنه مخالف لما بينه السكاكي من عدم إفادة هو عمرو وأمثاله الحصر فإن اختص بالجلالة الكريمة، وبناء فعل من أفعاله تعالى عليها لا يجري في جميع ما ذكر ونقل المخالفة فيه بينهما كما ذهب إليه بعض شراح الكشاف وفي كلام المصنف إشارة مّا إليه، وقوله: ويؤيده أي يؤيد أنّ المراد الحصر فيما ذكر، وقوله: لن تحصوا عدد الأوقات إشارة إلى أنّ الضمير عائد لمصدر مقدّر كاعدلوا هو ولذا أفرد وذكر ولم يقل بخصوصهما لاحتماله لغير المراد منه يعني أنه تعبير لتفاوت مقادير الأيام والليالي، ففرض مقدار معين منه دائما يشق عليهم. قوله:(بالترخيص! في توك القيام الخ) إشارة إلى أنّ المراد بقوله: تاب عليكم ليس قبول التوبة فإنه غير مناسب هنا كما في غير. بل هو استعارة للترخيص وعدم المؤاخذة كما أنّ من قبلت توبته لا يؤاخذ فسببه الترخيص بقبول التوبة في رفع التبعة واستعمل لفظ المشبه به في المشبه كما في قوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ} [سورة البقرة، الآية: 187، والتبعة بفتح التاء المثناة وكسر الموحدة الإثم والمؤاخذة به، وقوله: المقدر أي هنا وفيما تقدم من قوله: قم الليل. قوله:) كما عبر عنها الخ) يعني أنه مجاز ذكر فيه البعض وأريد الكل، وقوله: على التخيير المذكور كما فصله، وقوله: فنسخ به أي بهذا الترخيص في عدم تعين مقدار معين منه ووجوب مقدار مّا منه، ثم نسخ بالصلوات الخمس! وفي بعض الشخ ترك قوله: فنسخ به فكأنه لم يجعل رفع التقدير مع بقاء الوجوب نسخاً وفيه نظر.

تنبيه: في شرح البخاري لابن حجر ذهب بعضهم إلى أنّ صلاة الليل كانت مفروضة،

ثم نسخت بقيام بعض الليل مطلقاً، ثم نسخ بالخمس وأنكره المروزي وذهب بعضهم إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة اهـ، وقوله: أو {فَاقْرَؤُوا} الخ فالأمر بالقراءة على ظاهره من غير تجوّز فيه فيكون رخص لهم في ترك جميع القيام، وأمروا بقراءة شيء من القرآن ليلا من غير مشقة عليهم لينالوا ثوابه بالأحياء بالقراءة والأمر للندب وفيما قبله للإيجاب. قوله: (يبين حكمة أخرى (يعني غير ما تقدم من عسرة إحصاء تقدير الأوقات، وقوله: ولذلك أي لكون هذا حكمة للترخيص كرّر الحكم بقوله: فاقرؤوا ما تيسر منه وفي قوله: مرتبا عليه أي على الاستئناف إشارة إلى أن اختلات المرتب عليه فيهما بحسن

التكرار، وقوله: وقال هكذا هو بالواو فيما رأينا من النسخ وفي بعضها بالفاء فقال: والأولى أصح لما في هذه من الإبهام لغير المراد وإن أمكن أن يبين لها وجه آخر كما قيل: إنّ المراد تكرير الحكمة المقتضية مع الحكم، ولذا قال فقال الخ وكرّر فعل العلم للإيذان بأنّ كلا منهما حكمة مستقلة في الترخيص. قوله:(والضرب في الأرض) وحقيقته السير والسفر وفي الآية الإشارة إلى أت السفر لكسب الحلال ونحوه فيه أجر كأجر المجاهد لما قرنه به مع ما فيه من المخاطرة واحتمال الهلاك المقرب له منه وقوله: الصلاة المفروضة فيه بحث لأنه إن أريد بها ما مرّ ينافي الترخيص، وإن أريد بها غيرها فهو لم يفرض حين نزول الآية فليتأمل. قوله:(وآتوا الزكاة الواجبة) هذا إمّا بناء على أنّ هذه الآية مدنية لأنّ الزكاة لم تفرض بمكة أو فرضت من غير تعيين للانصباء والذي فرض بها تعيين الانصباء، والقول بتقدم النزول على الحكم لا وجه له مع أنّ القائل قد صرّج بما ذكر في غير موضع، وقوله: المفروضة والواجبة تفنن في العبارة لأنّ الشافعية لا ي! فرقون بين الفرض والواجب. قوله: (أو بأداء الزكاة على أحسن وجه (بكونها من أطيب ماله واعطائها للمستحق من غير تأخير لأن القرض لما كان يعطى بنية الأخذ لا يبالي بأقي

ص: 268