المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مخالفا لكلام النحاة كما توهم لأنهم اختاروا النصب في مثله، - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: مخالفا لكلام النحاة كما توهم لأنهم اختاروا النصب في مثله،

مخالفا لكلام النحاة كما توهم لأنهم اختاروا النصب في مثله، وقد بينا لك وجهه، وكون النصب نصا في المقصود دون الرفع. قوله: (إلا فعلة واحدة الخ (فالأمر واحد الأمور بمعنى الشأن، وقوله: بلا معالجة ومعاناة أي مشقة في العمل من العناء، والمراد أن الوحدة بمعنى أنه على وتيرة واحدة ونهج متحداً والوحدة لصفة الإيجاد دون تعلقه، وموجوداته، وقوله: كلمة واحدة فالأمر مقابل النهي وواحد الأوامر، وقوله: في اليسر الخ هو وجه الشبه وفيه وجه آخر مز في تفسير قوله، وما أمر الساعة الخ فتذكره. قوله: (أشباهكم الخ (أصل معنى الأشياع جمع شيعة، وهم من يتقوى بهم المرء من الاتباع، ولما كانوا في الغالب من جنسى واحد أريد به ما ذكر إفا باستعماله في لازمه أو بطريق الاستعارة. قوله: (وكل شيء فعلوه الخ الم يختلف في رفعه قالوا: لأنّ نصبه يؤدّي إلى فساد المعنى لأنك لو نصبته كان التقدير فعلوا كل شيء في الزبر، وهو خلاف الواقع، وأما الرفع فمعناه أنّ كل ما فعلوه ثابت فيها، وهو المقصود فلذلك اتفق على رفعه، وهو من دقائق العربية. قوله: (مستطر (بفتح التاء من السطر أي مكتتب، وروي عن عاصم تشديد الراء بمعنى ظاهر من طرّ الشارب أو هو من الاستطار، وشدد في الوقف على لغة معروفة فيه، ثم أجرى الوصل مجراه، وقوله: ونهر بفتح النون والهاء، وهو مجرى الماء أو الماء نفسه، وقوله ة واكتفى باسم الجنس المفرد أي مع إرادة معنى الجمع بدليل جنات لكنه أفرد لرعاية الفواصل، وقوله: أو سعة أي المراد بالنهر سعة الرزق، والمعيشة لأن

مادته وضعت لذلك كما في قول قيس في طعنة:

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها

أي وسعته، وقوله أو ضياء على الاستعارة بتشبيه الضياء المنتشر بالماء المتدفق من منبعه

أو هو بمعنى النهار على الحقيقة، وإليه يشير قوله من النهار، وقوله: وقرئ بسكون الهاء هو بمعنى المفتوح لغة فيه، وهي قراءة مجاهد وغيره. قوله:(وبضم النون والهاء) أي قرئ بذلك، وهو جمع نهر المفتوح أو الساكن كرهن، ورهن وكلام المصنف يحتملهما فإنّ أسد جمعه أسد بضم الهمزة والسين ويجوز تسكينها وقد قرئ بضم النون، وسكون الهاء على أنه جمع نهر أيضاً، وقيل: هو جمع نهار كسحب وسحاب والمراد أنهم لا ظلمة، ولا ليل عندهم فيها كما قاله القرطبي. قوله:(في مكان مرضئ) فالصدق مجاز مرسل في لازمه أو استعارة، وقيل: المراد صدق المبشر به، وهو الله ورسوله أو المراد أنه ناله من ناله بصدقه وتصديقه للرسل فالإضافة لأدنى ملابسة، وقوله: مقاعد هي قراءة عثمان البتي وهي تبين أنّ المراد بالمقعد المقاعد، ومليك بمعنى ملك، وليس إشباعاً بل هي صيغة مبالغة كالمقتدر كما أشار إليه بقوله تعالى أمره الخ، وقوله: مقربين الخ، إشارة إلى أنّ العندية للقرب الرتبي دون المكاني تعالى الله عنه لا أنّ متعلقه خاص، وإن جاز وفيه إشارة إلى أنّ الظرف حال هنا ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، وصفة لمقعد صدق أو بدلاً منه. قوله:(بحيث أبهمه دّوو الإفهام) بفتح الهمزة ويجوز كسرها، وهذه العبارة لا تخلو من ركاكة، وقلاقة ولو قال على ذوي الإفهام كان أحسن لكن المراد منها معلوم كما يفهم من كلام الكشاف، والمراد أنه أبهم العندية والقرب، ونكر مليكاً ومقتدراً للإشارة إلى أنّ ملكه، وقدرته لا تدري الإفهام كنههما، وأنّ قربهم منه بمنزلة من السعادة، والكرامة بحيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت مما يجل عن البيان، وتكل دونه الأذهان، وليس متعلقا بقوله تعالى: بل راجعاً لجملة ما قبله. قوله: (عن النبتي صلى الله عليه وسلم الخ) حديث موضوع، والمناسبة فيه ظاهرة، وقوله: في كل غب بالغين المعجمة المكسورة، والباء الموحدة المشددة أراد أنه يقرؤها يوماً بعد يوم مستعارة من الغب في سقي الإبل يوماً، وترك السقي يوماً ومنه الغب في الحمى تمت السورة بحمد الله، وأنعامه والصلاة والسلام على أكرم رسله وعلى آله وصحبه.

سورة‌

‌ الرحمن

وتسمى عروس القرآن.

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 128

قوله: (مكية الخ) الأول قول ابن عباس، والثاني قول مقاتل، والثالث نقله في جمال القراء، وقال: إنه استثنى منها بعضهم يسأله من في السموات الخ، وانها ست أو سبع أو ثمان، وسبعون على اختلاف في بعضها هل هو آية أو بعض آية على ما فصله في الإتقان مما ليس هذا محله. قوله:(لما كانت السورة الخ) مناسبة الرحمة للنعم ظاهرة، والرحمن لنعم الدارين بناء على أنه عام إذ يقال: يا رحمن الدنيا، والآخرة كما مر تفصيله في أوّل الكتاب، وقوله: وقدم الخ بيان للنكتة فيما بدأ به وهو تعليمه للقرآن لأنّ المقصود الدين وأصله، وأجله القرآن فلذا قدم لتقدّمه رتبة، وإن تأخر تعليمه عن خلق الإنسان وجوداً، وقوله: أساس الدين لأنه يعلم به، ويؤخذ منه وبه يستدل، وقوله: إذ هو الخ تعليل للأعظمية، والأعزية وقوله: مصدّق الخ لف ونشر مرتب فتصديقه لنفسه لإعجازه لأنه يدل على أنه كلام الله، وإذا ثبت ذلك ثبت حقية ما فيه، وما طابقه فكان مصداقا لسائر الكتب السماوية. قوله:(ثم أتبعه) أي أتبع القرآن، وتعليمه المقدم ك! فه أي ذكره على عقبه، وقوله: إيماء مفعول له لتعليل ذكره بعده من غير فاصل ولقربه من معنى الإشعار عداه بالباء، وكان الظاهر إلى، وقوله: من البيان بيان لما، وقوله: وهو التعبير الخ تفسير للبيان، والضمير ما يضمر في القلب، ويطلق عليه نفسه، وكلاهما صحيح هنا، وقوله: لتلقي الوحي الخ خبر لأنّ خلق البشر الخ. فإذا كان خلقهم إنما هو في الحقيقة لذلك اقتضى اتصاله بالقرآن، وتنزيله الذي هو منبعه، وأساس بنيانه فما قيل: إنّ قوله لتلقي الوحي متعلق بخلق البشر سهوا لا أن يريد للتعلق المعنوي وهو خلاف الظاهر. قوله: (وإخلاء الجمل الخ أليس المراد بإخلائها عنه أنّ حق الثلاث أن تعطف حتى يرد عليه أنّ

الأولى لا يصح عطفها فكان عليه أن يقول إخلاء الجملتين كما قيل أو يتوهم أن الثالثة هي الشمس، والقمر بحسبان بل المراد أنه لم يذكر عاطف فيها، ولم تورد متعاطفة لا مقرون كل منها بعاطف كما توهم مع أن إخلاء الكل لا يستلزم استحقاق الكل، وإذا ظهر المراد سقط الإيراد، وقوله: لمجيئها على نهج التقدير هذا هو المصحح، والمرجح الإشارة إلى أن كلآ منها نعمة مستقلة تقتضي الشكر ففيه إيماء إلى تقصيرهم في أدائه، ولو عطفت مع شدة اتصالها، وتناسبها ربما توهم أنها كلها نعمة واحدة، وهذا بناء على أن الرحمن مبتدأ خبره ما بعده، وقد قيل: إنه خبر مبتدأ أي الله الرحمن، وما بعده مستأنف لتعديد نعمه وعلم من التعليم، و! وله مقدّر أي علم الإنسان لا جبريل أو محمداً عليهما الصلاة والسلام، وليس من العلامة من غير تقدير كما قيل: أي جعله علامة، وآية لمن اعتبر لبعده، وثم أتبعه عطف على قوله: قدم، وأشار بثم إلى تفاوت الرتبة بينهما، وقيل: لأن الشروع في الفعل بعد مضي مدة من تصور الغرض منه غالباً فجرى هذا على المنوال المعروف في أمثاله، ولا يخفى بعده. قوله:(يجريان بحساب معلوم الخ) فسر الحسبان بوجوه منها أنه مصدر بمعنى الحساب كالكفران، وقيل: هو جمع حساب كشهاب وشهبان، وقيل: اسم جامد بمعنى الفلك من حسبان الرحا، وهو ما أحاط بها من أطرافها المستديرة، وهو غريب لكنه منقول عن مجاهد والجار، والمجرور إمّا خبر بتقدير مضاف أي جري الشمس، والقمر كائن أو مستقر بحسبان أو الخبر محذوف، وهو متعلق به أي يجريان بحسبان، وهذا ما اختاره المصنف، والحسبان عليه محتمل للوجهين الأوّلين، وعلى الأخير هو خبر من غير تقدير. قوله:(والنبات) فسروه به لأنّ اقترانه بالشجر يدل عليه، وإن كان تقدم الشمس، والقمر يتوهم منه أنه بمعناه المعروف ففيه تورية ظاهرة، وقوله: ينقادان الخ إشارة إلى أنه استعارة مصرحة تبعية شبه جريهما على مقتضى طبيعته بانقياد الساجد لخالقه، وتعظمه له. قوله:) وكان حق النظم في الجملتين الخ) هكذا وقع في النسخ بالعاطف في قوله، وأجرى وقد قيل عليه إنّ الظاهر تركه لأنّ الكلام ليس في العطف، وعدمه بل في ذكر ضمير يربطه كما في غيره من الجمل، وليس الكلام في الإجراء وحده بل في كونه بحسبان فكان عليه أيضا أن يقول أجرى الشمس، والقمر بحسبان وجعل النجم، والشجر يسجدان فكأنه أشار بذكر العاطف إلى أنها خبر عن الرحمن فهي كالمعطوفة على الخبر فحقها ما ذكر، وأمّا ترك قوله: بحسبان فلظهوره، وهو أمر سهل فتأمّل. قوله: (في

اتصالهما

ص: 129

بالرحمن) بذكر ضمير يعود عليه، وظاهر أنه خبر أيضاً لا مستأنف كما قيل، وأنّ القطع لأنها مسوقة لغرض آخر وقوله: يغنيه عن البيان فهو مرتبط ارتباطا معنوياً به.

قوله: (لاشتراكهما في الدلالة على أنّ ما يحس به) كان الظاهر ترك قوله به لكنه ذكره لتضمنه معنى الشعور، وهو توجيه لما يقتضيه العطف من التناسب فأشار إلى أنّ التناسب هنا باشتراكهما فيما ذكر، وليس المراد أنّ الدلالة على ما ذكر تتحقق بكل منهما بل لكل منهما مدخل فيها فهي من مجموعهما كما يقال: هما مشتركان في العبد، ونحوه: أو المراد تحقق الدلالة بكل منهما لأنّ كلاً منهما يعلم منه حال الآخر بالمقايسة فلا تسامح في كلامه كما قيل، وليس حق العبارة لإشراكهما بالأفعال دون الافتعال كما توهم، وفي الكشاف إنّ الشمس والقمر سماويان، والنجم والشجر أرضيان فبينهما مناسبة بالتقابل، وأيضا جري الشمس، والقمر انقياد لإرادته كانقياد النجم، والشجر المراد من السجود فالمناسبة بينهما بهذا الاعتبار، ولكل وجهة. قوله:(خلقها مرفوعة الخ الأنها لم تكن مخفوضة، ثم رفعت بل المراد أنها وجدت ابتداء هكذا، وليس من قبيل ضيق فم الركية السابق وقوله: فإنها منشأ أقضيته تعليل لكونه أعلى رتبة أي أشرف من الأرض كما مرّ والرفع المحلي مشاهد غنيّ عن البيان، والرفع في النظم شامل للحسي، والرتبي، ولذا قال: محلاً ورتبة دون أو رتبة لأنه من عموم المجاز أو على مذهبه في جواز الجمع بين الحقيقة، والمجاز فلا غبار عليه، وقوله: ومتنزل أحكامه تفسير لقوله: منشأ أقضيته لأنّ ما قضاه الله يثبت في اللوح المحفوظ، وأمّ الكتاب أوّلاً ويعلم به الله تعالى من في الملأ الأعلى، ويأمرهم بتنفيذه وكله في السماء. قوله: (وقرئ بالرفع على الابتداء) ولا إشكال فيه لأنه جملة اسمية معطوفة على مثلها، وأنما الكلام في النصب في أمثاله مما ولي العاطف فيه جملة ذات وجهين أي اسمية الصدر فعلية العجز هل يستوي فيه الرفع، والنصب مطلقا او يرجح الرفع إن لم يصلح للخبرية، وفيه خلاف للنحاة مفصل في المطوّلات، وقد تقدم في سورة يس في قوله:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [سورة بس، الآية: 39] طرف منه. قوله: (العدل بأن وفر الخ) فالميزان مستعار للعدل استعارة تصريحية، ولكونه أتثم فائدة قدمه، وارتضاه، وقوله في الحديث قامت السموات، والأرض قيامهما بمعنى بقائهما، والمراد بقا من فيهما من الثقلين إذ لولاه أهلك أهل الأرض بعضهم بعضا وأما الملأ الأعلى فهم لا يفعلون غير ما

يؤمرون ولا يجري بينهما ما يحتاج للحكم والعدل فذكر. للمبالغة، وأنّ البقاء للعالم جميعه بالعدل، ولذلك يجوز أن يقصد بقاؤهما في نفسهما فتأمّل. قوله:(أو ما يعرف به الخ) فهو أيضا مجاز من استعمال المقيد في المطلق فما قيل من أنّ قوله: ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن الخ أشذ ملاءمة له، ولذا اقتصر عليه الزمخشريّ غير ظاهر لأنّ كلاً منهما لا يخلو من التجوّز، وما ذكر إنما يؤيده لو أريد به الحقيقة، وإن كان هذا أقرب في الجملة، وقوله: كأنه لما وصف السماء الخ بيان لوجه اتصال قوله: وضع الميزان بما قبله على الوجه الثاني، وقوله: التي هي مصدر الخ وصف للرفعة على أنّ المراد بها الرتبة السابقة كما بيناه. قوله: (لئلا تطغوا فيه) فهو على تقدير الجار وجعلها الزمخشريّ مفسرة لما في وضع الميزان من معنى القول لأنه بالوحي، واعلام الرسل قيل، وهو أحسن مما ذكره المصنف لأنه لا معنى لقوله:{وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} إذ المناسب في الموزون، ونحو. فلا وجه لما قيل: إن المصنف لم يذكر. لعدم تقدم جملة متضمنة لمعنى القول وهو شرطها فإنه غفلة ظاهرة. قوله: (ولا تجأوزوا الإنصاف) هذا جار على التفسيرين للميزان، وإن كان المتبادر منه الوجه الأوّل مع. أنه للاقتصار عليه وجه وقوله: على إرادة القول بتقدير قائلاً ونحوه لا قل كما قيل، ولا ناهية بدليل جزمه وعلى الأوّل نافية ولا ينافيه عطف أقيموا الإنشائي عليه لأنه لتأويله بالمفرد تجرّد عن معنى الطلب، ويجوز كونها ناهية أيضاً، وقوله من حقه أن يسوي، ويعلم منه أنّ الزيادة غير ممنوعة بالطريق الأولى. قوله:(وتكريره مبالفة في التوصية الخ) أي تكرير لفظ الميزان بدون إضماره على مقتضى الظاهر، ويحتمل تكرير الأوّل بالعدل في الوزن لدلالة الجمل الثلاث على معان متقاربة فهي مكرّرة معنى. قوله:(على أن الأصل الخ) متعلق بقراءة الفتح، وهذا بناء على ما ارتضاه بعض أهل اللغة من أنه لم يرد منه إلا لازما هذا هو الذي أراده

ص: 130

الشيخان كما صرّح به بعض شراح الكشاف، وأمّا ما قيل من أنه لا حاجة إلى ذلك لأنّ خسر جاء متعدياً كقوله:{خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} [سورة الأنعام، الآية: 12]{خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [سورة الحج، الآية: 111 والجواب عنه بأنه ليس هذا من ذاك فإنّ معناه وقوع الخسران بهما، وأنهما معدومان، وهذا المعنى غير مراد هنا إذ المراد لا تخسروا الموزون في الميزان، وكذا إذا جعل

بمعنى النقص فلا محصل له لأنه إذا سلم أنه لا يكون إلا متعديا فلا حاجة للتقدير المذكور نهايته أنه يجعل الميزان مجازاً عما فيه أو يقدر فيه مضاف فتامله فإنه غير محرّر. قوله: (للخلق الخ) هو أحد معانيه في اللغة وقيل هو الجن، والإنس وقيل ما على الأرض، وقوله: ضروب مما يتفكه به أخذه من التنكير بمعونة مقام المدح كتمرة خير من جرادة، وأيضاً هو اسم جنس فيشعر الاقتصار عليه باختلاف الأنواع. قوله:(أو كل ما يكم أي يغطي الخ) يقال: كمه يكمه بالضم كنصره ينصره، وهذا أظهر مما قبله فإنّ ثمر النخل لا كم له كما لا يخفى إلا أن يراد أكمام طلعه قبل أن يصير بلحا، والكم بكسر الكاف في الثمار، وبضمها في القميص، وقد يضم في الأوّل أيضاً كقوله:

نسيمه قد جرّ أذياله وزهره يضحك في كمه

والليف بكسر اللام معروف، وسعفه بفتحتين أغصانه إذا يبست أو ما دام عليها الخوص

فإذا خلا عنه فهو جريد، وكفريّ بضم الكاف وفتح الفاء، وفتح الراء المشددة، والقصر وعاء طلع النخل من الكفر، وهو الستر وقوله: فإنه ينتفع به أي بما يغطي مما ذكر، وهو بيان لفائدة توصيفه لقوله: ذات اكمام، وقوله: كالمكموم متعلق بقوله: ينتفع أي كما ينتفع بالمكموم، وهو ثمره وشحمه. قوله:(كالجذع) وهو خشبتها، وجرمها القائم وهو مثال بعد مثال إشارة إلى الانتفاع بجميع ما فيها فهو بدل مما قبله، ولو عطفه عليه كان أظهر، وفي بعض النسخ كالجشع، والحب والثمرة، وفي بعضها كالجأع، والجمار والثمرة، والحب ذو العصف قيل، وهو الصواب والنسخ مختلفة لكن المقصود منها ظاهر. قوله:(يعني المشموم) إما أن يراد به كل نبات له رائحة طيبة فيشمل الأزهار أو يراد به الريحان المعروف، وإطلاقه على الرزق لأنه يرتاح له، وقوله: أو أخص أي يقدر ناصبه أخص مقدراً، واعترض عليه بأنه لم يدخل في مسمى الفاكهة، والنخل حتى يخصه من بينها، وأجيب عنه بأنه أراد إضمار هذا اللفظ لا الاختصاص الصناعي، وقيل عليه لزوم دخول المنصوب على الاختصاص فيما قبله غير مسلم ألا ترى نحن معاشر الأنبياء، وسبحانك الله العظيم، وأمثاله انتهى، وهذا كله من ضيق العطن فإنّ كونه ليس باختصاص صناعي، وكون الاختصاص لم يشترطوا فيه ما ذكر مما لا شبهة فيه، والمعترض إنما أراد أن ما قدره غير صحيح أو غير حسن بحسب المعنى لأنّ تقدير أخص قد يقتضي بحسب السياق أنّ الكلام فيه ما يشمله، وغيره وما نحن فيه كذلك فتأمله. قوله:

(ويجورّ أن يراد وذا الريحان) على أنّ الريحان بمعنى اللب، وقوله: فحذف المضاف أي وأقيم المضاف إليه مقامه، وقوله: بالخفض بالعطف على العفص والرفع بعطفه على فاكهة. قوله:) وهو فيعلان من الروح) هذا جواب عن اعتراض معروف بأنّ الظاهر أنه من الروح، وهو واوي كما صرّح به أبو علي فلا وجه لقلب الواو ياء حينثذ بأنّ أصله ريحان بالتشديد، وكان أصله ريوحان فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع ياء ساكنة مقدمة، وهو في مثله قياس مطرد لزوما، ثم خفف بعد القلب بحذف إحدى الياءين، وهو قياس مطرد وأمر حسن بحسب اللسان أيضا كهين، وميت وكثير من أمثاله. قوله:(وقيل روحان الخ) أي أصله روحان بفتح الراء، وسكون الواو فقلبت على غير القياس شذوذاً، ولذا مرضه وهذا منقول عن أبي عليئ الفارسي، وقد اعترض عليه بما مرّ واليه يشير كلام المصنف. قوله:(المدلول عليهما الشمول الأنام لهما كما مرّ من تفسيره، والثقلان يدل أيضا على أنّ ذلك هو المراد فلا يرد أنه لم يتقدم هنا فكيف يدل مع تأخر.، والمراد بالدليل هنا الدليل المتعارف في لسان العرب، وعرف البلغاء لا المنطقي حتى يورد عليه أنه عامّ والعامّ لا دلالة له على الخاص بشيء من طرق الدلالة. قوله:) والفخار الخزف (وهو ما أحرق منه حتى تحجر، وقوله: فلا يخالف الخ جمع بين الآيات الوارد فيها ذلك بما ذكر، وقوله: الجن الخ في تفسير الجان أقوال فقيل هو اسم جنس شامل للجن كلهم، وقيل: إنه

ص: 131

اسم لأبيهم كآدم للبشر وهل هو إبليس أو غيره قولان أيضا، وقوله: أبا الجن مفرد منصوب لا جمع أب، وقوله: من الدخان متعلق بصاف لا بيان له. قوله: (بيان لمارج الخ) في الكشاف بيان لمارج كأنه قيل: من صاف من نار أو مختلط من نار انتهى، وفي الكشف يعني أنه إن كان بيانا لمارج فالتنكير للمطابقة، ولأن التعريف لكنه حقيقته، وكأنه قيل: خلق من نار صافية أو مختلطة على التفسيرين، وإن جعلت من ابتدائية فإنما نكر لأنه أراد نارا مخصوصة متميزة من بين النيران لا هذه المعروفة اهـ، والمصنف اختار أحد الوجهين فأعرفه. قوله: (فإنه ني الأصل الخ (بيان لأنه محتاج للبيان لعمومه لكل مضطرب، ومنه الهرج،

والمرج وقوله: أطوار خلقتكما المراد به النطفة فما بعدها، وقوله: أفضل الخ المراد جميعها لأنّ الإنسان أفضل من الملك عندنا، ولا يلزم تفضيل الجن عليهم أو المراد الحيوانات، وغيرها مما في العالم السفلي بناء على أنّ المركبات لا تشمل الملك ظاهراً وهو الظاهر، وقوله: أرسلهما أي أجراهما، وهو لا ينافي ما مرّ من أنّ معنى المرج الاضطراب لأنه إذا جرى اضطرب. قوله:(يتجاوران الخ) يعني أنهما إذا دخل أحدهما في الآخر قد يجري فيه فراسخ، ولا يتلاشى ويضمحل حتى يغير أحدهما طعم الآخر، ولونه كما نشاهده، وقد صرح به المصنف في آخر الفرقان، ومرّ ما فيه أو بحري فارس والروم فإنهما يلتقيان في البحر المحيط، وهو مروفي عن قتادة لكنه أورد عليه أنه لا يوافق قوله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج والقرآن يفسر بعضه بعضآ، وقوله: خليجان أي شعبتان من الأصل من خلجه إذا شقه فقوله: يتشعبان منه تفسير له، وقوله: يلتقيان حال مقدرة إن أريد إرسالهما إلى المحيط أو المعنى إيجاد أصلهما إن كان المراد إرسالهما منه ولكل وجهة فتأمل. قوله:) حاجز من قدرة الله) إن أريد بالبحرين العذب، والملح أو من الأرض إن أريد بحرآ فارس، والروم ففيه لف ونشر مرتب، ومعنى يلتقيان على الثاني تجاور أحدهما للآخر بلا تماص، وتلاصق بخلافه على الأوّل كما مرّ وكذا قوله: لا يبغي أحدهما الخ ناظر إلى الأوّل، وقوله: لا يتجاوزان بالمعجمة ناظر للثاني، وقوله: المرجان الخرز الأحمر، وهو البسد، وهذا هو المشهور المتعارف واللؤلؤ على هذا شامل للكبار، والصغار والتمييز بينهما بالوصف، وبه فسر ابن مسعود. قوله:) وإن صح الخ) هو مما لا شبهة في صحته فلو لم يعبر به كان أحسن، وقوله: فعلى الأوّل أي التفسير الأول، وهو أق اللؤلؤ كبار الدرّ والموجان صغاره فيشكل قوله: منهما لأنه خرج من أحدهما، وهو الملح فإقا أنه لامتزاجهما يكون خارجا منهما حقيقة أو أنه نسب لهما ما هو لأحدهما كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واحد منهم كما مز، وفي الانتصاف

إنّ هذا هو الصواب ومثله لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وأنما أريد إحدى القريتين، وكما يقال: هو من أهل مصر، وأنما هو من محلة منها انتهى، ولا يخفى أنّ هذا وإن اشتهر خلاف الظاهر فإمّا أن يكون ضمير منهما لبحري فارس، والروم وهو الأصح أو يقال: معنى خروجه منهما ليس أنه متكوّن فيهما بل إنهما يحصلان في جانب من البحار انصبت إليها المياه العذبة كما قيل: إنّ الغوّاصين نقلوه أو الماء العذب هنا هو ماء الأمطار، واللؤلؤ منه لأنّ الأصداف في شهر نيسان تتلقى ماء المطر بأفواهها فيتكوّن مته، ومما يشاهد في الجدب قلة اللآلى، والأسماك فالماء العذب كاللقاح، والنطف لها كما ذهب إليه الجمهور، وظاهر قوله: فعلى الأوّل أنه على الثاني غير محتاج للتأويل، وليس كذلك فإن المرجان أيضاً لا يتكون إلا في البحر الملح ففي عبارته قصور آخر. قوله:(أو لأنهما لما اجتمعا الخ) أي هما لاجتماعهما، وتلاقي سطحيهما صارا كشيء واحد فنسب الخارح إليهما حقيقة، ولا يخفى أنّ هذا إنما يتم إذا كان تكوّنه في محل اجتماعهما وإذا ثبت هذا لم يحتج لتأويل أصلاً، وقبل ثبوته لا يتم الجواب، واعلم أنه لم يرد في كلام العرب مثل لؤلؤ إلا جؤجؤ بمعنى صدر ودؤدؤ وبؤبؤ. قوله:(ورفع الراء) أي إظهار الرفع على الراء، وقد كان مقدرا على الياء التي في آخره لأنه منقوص فاذا حذفت لالتقاء الساكنين كانت مقدرة عليها أيضاً، وقرأ أبو عمرو برفع الراء لأنّ المحذوف لما تناسوه أعطوا ما قبل الآخر حكمه، وقد سمع هذا من العرب في الشعر المذكور فإنه أظهر فيه الرفع على نون ثمان، وهو منقوص أيضا، وقد مرّ بحثه في الأعراف، والثنايا من الأسنان مقدمها

ص: 132

والشعر في وصف ثغر امرأة، ومعناه واضح. قوله:(المرفوعات الشرع) بضم الشين، والراء جمع شراع وهو القلع من أنشأه بمعنى رفعه أو المرفوعات على الماء، ولم يذكره المصنف لقلة جدواه، وكونه بمعنى المصنوعات أشهر لكنه لا فائدة فيه أيضا، وقوله: الرافعات الشرع على الإسناد المجازي إلى المحل وانشاؤها للأمواج مجاز أيضا، والمراد شقها للماء فهو، وما بعده مجاز أيضاً. قوله:(من خلق موادّ السفن الخ)

تفسير للآلاء بما يناسب ما قبله حتى لا يكون مكررا صرفا، وضمير أخذها للموادّ، وقوله: من للتغليب إذا أريد به مطلق الحيوان أو مطلق المركب بخلاف ما بعده، ولذا قدم ذكره عليه، وقوله: ذاته فالوجه مجاز مرسل بمعنى الذات، وهو مجاز شائع، وقد يخص بما شرف منها. قوله:(ولو استقريت جهات الموجودات الخ) هذا تفسير آخر على أنّ الوجه ليس بمعنى الجارحة مجازا عن الذات بل بمعنى الجهة التي تقصد، ويتوجه إليها فإنه موضوع لهذا لغة أيضا لا بمعنى القصد، والمراد المقصود كما توهم قال أسناذنا المقدسيّ قدس الله روحه: ما هو في حذ ذاته عدم فالأصل بقاؤه على ما هو عليه بحسب الذات إلا الجهة التي يليها الحق أي يتولاها بفضله، ويفيضها عليه من عنده فالمعنى ما سوى الحق من الممكنات فإن أي قابل للفناء في حد ذاته لولا نظر الحق إليه، وإفاضة خلع الوجود عليه لما حصل له تشريف الوجود، ولبقي على ما كان عليه، وهو مفقود فلم يبق بعد نظر الحق إليه على الفناء الذي كان ثابتاً له في حدّ ذاته، وبالنظر إليه نفسه فيمكن أن يراد بالوجه العمل الصالح كما في بعض التفاسير، ومعنى قوله: يلي جهته يمرّب به إليه ويقصد به الجهة التي أمرنا بالتوجه إليها، وهو قد كان في حيز العدم فلما فعله العبد ممتثلاً أمره أبقاه له إلى أن يجازيه عليه، ولك أن تقول هو بالقبول صار غير قابل للفناء لما أنّ الجزاء عليه قام مقامه، وهو باق، وقال بعض مشايخنا: ذلك الوجه الموصوف بعدم الفناء قيوميته تعالى للموجودات، وهي صفة له تعالى غير قابلة للفناء في ذاتها، وتؤمن بها كما أخبر الله، وإن جرينا على مذهب السلف من أنّ الوجه، واليد ونحوهما صفات نثبتها، ولا نشتغل بكيفيتها ولا بتأويلها صح، وصفها بأنها غير قابلة للفناء في حد ذاتها قال بعض العارفين: أبى المحققون أن يشهدوا غير الله لما حققهم به من شهود القيومية، وإحاطة الديمومية، وقال ابن عطاء: الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه فمن رأى الكون، ولم يشهد فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار، وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار اهـ وعلى هذا فهو تفسير آخر لكن في سياقه تسمح لأنه ظاهر في خلافه أو نقول الوجه بمعنى الذات أيضاً لكنها ذات العبد، والمخلوق، واضافته للرّب ليست بيانية بل لامية، والمعنى إلا الذات من حيث استقبالها لربها، ووقوفها في محراب قربها، وضمير ذاته لمن، وهو تفسير واحد، وهذا هو الأقرب والأشبه بمقاصده فافهم، وقال بعض علماء العصر يريد بيان كون من عليها فانيا مع الاتصاف بالوجود، وبيان فائدة لفظ الوجه، وهو أنّ الموجودات الممكنة لها جهات، ووجوه من ذواتها وصفاتها وأحوالها، وتلك الجهات، والوجوه كلها هالكة فانية في حذ ذاتها إلا الوجه الذي يلي جهته تعالى، ويكون

منسوبا إليه فإنه الباقي وحده، وذلك الوجه الباقي يطلق عليه لفظ الوجود لكونه مظهر النور الإلهي المنوّر له من الله الذي هو نور السموات والأرض، وبهذا التقرير اندفع توهم التدافع بين تفسير الوجه أوّلاً بالذات وثانياً بالذي يلي جهته فتأمله فإنه من مزال الأقدام، وقد طلع الصباح فأطفئ المصباح. قوله:(ذو الاستنناء المطلق الخ) فسره بما ذكر لأنّ الجلال العظمة، وهي تقتضي ترفعه عن الموجودات، وتستلزم أنه غنيّ عنها ثم ألحق بالحقيقة، ولذا قال الجوهرفي: عظمة الشيء الاسنغناء عن غيره، وكل محتاج حقير، وأمّا الإكرام فظاهر وقال الكرماني: إنه تعالى له جهات عدمية مثل لا شريك له، وتسمى صفات الجلال، وصفات وجودية كالعلم والحياة، وتسمى صفات الإكرام اهـ، وفيه تأمّل. قوله:) مما ذكرنا الخ) تفسير للآلاء أيضاً، وإبقاء ما لا يحصى إشارة إلى ما مز في تفسير وجه وبك، وقوله: أو مما يترتب الخ بجعل الآلاء هي نفس الفناء لأنه مراحل البقاء وقيل: إنه كناية عما ذكر، وخطاب ربك غير خطاب ربكما، ولذا أفرد مع تثنيته إمّا لأن المخاطب النبيّ! ت أو هو عامّ لكل من يصلح للخطاب لعظم الأمر، وفخامته واندراج الثقلين فيه اندراجا أولياً، ولا كذلك

ص: 133

الثاني فلذا أبقاه على ظاهره، وهو الذي ارتضاه الطيبي. قوله:(في ذواتهم الاستناد وجودهم إليه تعالى بدأ وبقاء، وقوله: نطقاً كان أي ما يدل على الحاجة، وقوله: كل وقت الخ. قيل عليه إنه بحسب الظاهر مخالف لما مرّ في تفسير قوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ} [سورة القمر، الآية ت 50] لاقتضائه عدم التدريج ولذا قيل جف القلم فالتوفيق بينهما أنّ الأوّل باعتبار تقديره في الأزل وهذا باعتبار تعلق الإرادة باحداثه في وقته المعين له كما قيل إنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها وهذا معنى قوله: يحدث الخ. قوله: (وفي الحديث الخ) رواه ابن ماجه وابن حبان وغيرهما عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وقوله: وهو

ردّ لقول اليهود الضمير لما في الآية من قوله: كل يوم وما في الحديث تفسير لها، ولذا قيل: إنّ الآية نزلت في اليهود، وقوله: مما يعسف تفسير للآلاء كما مرّ، ومكمن العدم محل كونه أي اختفاؤه، وهو استعارة حسنة، وفيه إشارة لما قدمه. قوله:) ستتجرّد لحسابكم وجزائكم الخ (التجرّد بمعنى الفراغ، ويقال: تجرّد للأمر إذا جد فيه لأنّ الجد في الأمر يلزمه ترك ما عداه وليس المراد أنه مجاز مرسل لاستعمال الفراغ في لازمه، وهو التجزد كما توهم فإنّ التجرّد كالفراغ في أت تعالى لا يوصف به بل المراد أنه جعل انتهاء الشؤون إلى شأن واحد وهو جزاء المكلفين فراغا على سبيل التمثيل لأنّ من ترك أشغاله إلى شغل واحد يقال: فرغ له، واليه فشبه حال هؤلاء وأخذ. تعالى في جزائهم فحسب بحال من فرغ له، وجازت الاستعارة التصريحية أيضا لاشتراك الأخذ في الجزاء فقط والفراغ من جميع المهام إلى واحد في أنّ المعنيّ به ذلك الواحد كما في المفتاح كذا في شرح الكشاف، وذلك إشارة إلى التجوّد لهما أو لهما باعتبار ما ذكر، وكذا ضمير غيره أو هو للجزاء فإنه المقصود. قوله: (وقيل تهديد الخ (لما كان الفراغ يفتضي لغة سابقية عمل، والفراغ للشيء يقتضي لاحقيته أيضاً استعمل الثاني للتهديد كأنه فرغ عن كل شيء لأجله فلا شغل له سواه فيدل على التوفر في النكاية، وهو كناية فيمن يصح عليه، ومجاز في غيره. كما فهما نحن فيه وليس الخطاب للمجرمين على هذا لأنّ توله: أيها الثقلان يأباه نعم المقصود يالتهديد هم، ولا مانع من تهديد الجميع أيضاً، وقوله: فإنّ المتجرّد الخ بيان لكون القول المذكور يدل على التهديد كما بيناه. قوله: (أي سنقصد إليكم) يعني أنه ضمن معنى القصد أو حمل عليه إذ هو يتعدى بإلى بخلاف الفراغ فإنه لا يتعدى بها، وأمّا القراءة المشهورة فلا تحتاج لهذا كما توهم، وإن كان الفراغ على ضربين فراغ عن شغل، وقصد لشيء فتأمل. قوله:(سميا " لك لثقلهما على الأرضر الخ (لم يجعله من ثقل الدابة، وهو ما يحمل عليها على طريق الاستعارة لأنه لا حاجة إليه فالقول بأنه أولى لا وجه له، ورزانة الرأي، والقدر مجاز كثقل اقكليس، وقريب منه قول الحسن سميا ثقلين لثقلهما بالذنوب، والثقل يقال: لكل ذي قدر وزنة صما يتنافس فيه، ومنه الحديث (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي) . قوله: (إن قدرتم

الخ) أصل الاستطاعة طلب طواعية الفعل، وتأتيه ثم جعل نفيه بمعنى نفي الإرادة، والقدرة فلذا فسره بما ذكر، ثم إنه تعالى لما ذكر أنه لا محالة مجاز للعباد عقبه بقوله: إن اسنطعتم الخ. لبيان أنهم لا يقدرون على الخلاص من جزائه، وعقابه إذا أراده فما قيل إنه غير مناسب لما قبله وما بعده مكابرة. قوله: " ن قدرقم أن تنفذوا الخ) فالمراد بالنفوذ دخولهم في السماء بعد الصعود لها أو في الأرض، وقوله: ببينة تفسير للسلطان فإنه يكون بمعنى الحجة كما يكون بمعنى القوّة والقهر، وفي العروج على البينة استعارة مكنية، وتخييلية لتشبيهها بالسلم. قوله:(أي من التنبيه والتحذير الخ) مبني على الوجه الأوّل وكون السلطان بمعنى القوّة، وقوله: مما نصب الخ على الثاني، وأنّ السلطان الحجة، وجعل الأدلة العقلية مصاعد لما فيها من العلو، والنقلية معارج تفننا، واشارة لسهولتها. قوله:(ودخان الخ) ولما كان المعروف فيه المعنى الآتي بما ذكره، والبيت للأعثى من قصيدة، والسليط الزيت، وما يوقد به المصابيح، وقيل: ومنه السلطان لتنوير الوجود بعدله، وضمير فيه للضوء، ويجوز رجوعه للسراح، والأوّل أولى، وقوله: مذاب أخذه من قوله: يرسل بمعنى يصب، والا فمعناه الصفر مطلقاً، وفسر الشواظ باللهب مطلقاً، وقيل: إنه اللهب الذي معه دخان، وقيل: الصافي منه الأحمر، وجملة يرسل الخ مستأنفة في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم ومن في قوله: من نار ابتدائية لا بيانية حتى يلزم كون الشواظ في قراءة الجرّ مفسراً باللهب، والدخان

ص: 134

معاً، ولا حاجة أيضاً إلى تقدير موصوف أي شيء من نحاس كما توهم أو يقال هو معطوف على شراظ، وجرّ للجوار فإنه تكلف ما لا داعي

له، وقوله: أو صفر معطوف على دخان، وقوله: نحس بضمتين جمع نحاس كلحف جمع لحاف، ونون نحاس تكسر في لغة، وبه قرمما أيضا. قوله:(فإنّ التهديد لطف) إذ به ينزجر الشخص عن المعاصي فيفوز بالنعيم المقيم فبهذا الاعتبار كان من الآلاء، وهو بيان لكون ما ذيل به مناسبا له. قوله تعالى:( {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} الخ) إذا شرطية جوابها مقدر أي كان ما كان مما لا تطيقه قوّة البيان أو وجدت أمراً هائلاً أو رأيت ما يذهل الناظرين، وهو الناصب لاذا ولهذا كان مفرّعا ومسبباً عما قبله لأنّ في إرسال الشواظ ما هو سبب لحدوث أمر هائل أو رؤيته في ذلك الوقت. قوله:(حمراء كوردة) فهو ثبيه بليغ وقوله: التجريد أي البديعي لأنه بمعنى كانت منها أو فيها وردة مع أنّ المقصود أنها نفسها وردة. قوله: (ولئن بقيت الخ) هو من قصيدة لقتادة بن مسلمة مذكورة في الحماسة وأوّلها:

نكرت عليّ من السفاه تلومني سفهاءتعجزبعلهاوتلوم

وقرله: ولئن وقع في الحماسة فلثن بالفاء، وقوله: تحوي الغنائم أي تحوزها مضارع حوى، وفي رواية نحو الغنائم بنصبه ظرفاً لأرحلن، وقوله: أو يموت بالنصب أي إلا ان يموت كريم، وعني بالكريم نفسه على طريق التجريد وهو محل الاستشهاد إذ لو لم يجرد من نفسه كريما لقال أو أموت. قوله:(مذابة كالدهن) فالدهان بالكسر بمعنى الدهن لأنه اسم آلة، ومعناه ما يدهن به، وفيه وجوه من الإعراب ككونه خبرا بعد خبر وصفة وردة، وحالاً من ضمير كانت على رأي من أجازه، وكلام المصنف رحمه ألله يحتملها، وقوله: أو جمع دهن كرمح ورماح، وإذا كاك بمعنى الأديم الأحمر فقيل: هو مفرد، وقيل: هو جمع أيضاً كما فصله السمين، وقوله: مما يكون بعد ذلك، ولما لم يكن انشقاق السماء من الآلاء جعله من النعم باعتبار أنه مقدمة لدخول الجنة، وما معه فتدبر. قوله:(لآنهم يعرقونهم بسيماهم) إشارة إلى أنّ قوله: يعرف

المجرمون الخ استئناف لتعليل انتفاء السؤال، والمجرمون من وضع الظاهر موضع المضمر للإشارة إلى أنّ المراد بعض من الإنس، وبعض من الجن كقوله:{لَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [سورة القصص، الآية: 78] وقوله: ذوداً ذودا الذود طائفة من الإبل، واستعارة لهم تشبيهاً لهم بالبهائم، وقوله: وأما قوله الخ توفيق بين الآيتين بأنه باعتبار المواقف فنفى السؤال عنهم في محل لا ينافي السؤال عنه في آخر، وقد تقدم نظيره أو السؤال المنفيّ سؤال التعرّف، والمثبت سؤال التوبيخ، والتقريع وهذا جواب آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله فلا وجه لتفسيره به كما قنل، وقوله: والهاء الخ، ولو جعل للمذكور صح أيضاً، وقوله: باعتبار اللفظ فإنه مفرد، وتقدمه رتبة لأنه نائب عن الفاعل، وهو بيان لما يصحح كونه مرجعا مع تأخره لفظا، وقوله: في هذا اليوم بيان لارتباطه بما قبله، وتوجيه لكونه من الآلاء، والنعم وقوله: فيؤخذ بالنواصي الخ الباء كالتي في أخذت بالخطام فهي للآلة، وقيل: إنها للتعدية لتضمينه معنى يسحبون، ولا وجه له لأنّ سحب لا يتعذى بالباء فإن أراد ما ذكر فلا حاجة للتضمين، وفيه كلام في الدر المصون والناصية مقدم الرأس، وليست أل فيه عوضاً عن الضمير كما توهم. قوله:(مجموعاً بينهما) بغل، ونحوه أو في الأخذ بعنف، وقوله: وقيل: يؤخذون بالنواصي الخ فالواو بمعنى أو التي للتقسيم ولذلك مرضه لأنه خلاف الظاهر بالنواصي متعلق بيؤخذون كما في النظم، ولا وجه لكونه بدل اشتمال من يؤخذون كما تيل. قوله تعالى: ( {هَذِهِ جَهَنَّمُ} الخ (مقول قول مقدر معطوف على قوله: يؤخذ الخ. أو مستأنف في جواب ماذا يقال لهم لأنه مظنة للتوبيخ، والتقريع أو حال من أصحاب النواصي، وكان أصله التي كذبتم بها فعدل عنه لما ذكر للذلالة على استمرار ذلك، وبيانا لوجه توبيخهم وعلته، وقوله: يحرقون بها بيان للواقع أو بيان لما أريد من الطواف بينها، وهو الظاهر. قوله: (بلغ النهاية في الحرارة (وهو اسم منقوص كقاض من أنى يأتي إذا غلى، وقيل: إنه بمعنى حاضر وقد تقدم تفصيله في سورة الأحزاب، وقوله: وقيل الخ فبين للتقسيم كما تقول هو بين الخوف وبين الرجاء. قوله: (موقفه الذي يقف فيه الخ (يعني أنّ مقام اسم مكان، وهو المكان الذي يقف فيه الخلق للحساب لأنهم قائمون فيه لانتظار ما يراد بهم ويحل عليهم، وإضافته للرب لامية لاختصاص الملك

ص: 135

يومئذ به تعالى بحسب نفس الأمر، والظاهر لا أنه موقف مقام للزب لأنه منزه تعالى عن مثله فالإضافة اختصاصية لا لأدنى ملابسة كما توهم. قوله: (أو قيامه على أحواله الخ (هذا معنى ثان المقام فيه مصدر ميمي بمعنى القيام أي من خاف قيام ربه، وقيامه بمعنى مراقبته له، وكونه مهيمنا عليه حافظاً لأحواله كما في قوله

تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سورة الرعد، الآية: 33] . قوله:) أو مقام الخائف عند ربه الخ (أي المقام لمن خاف، واضافته للرب لأنه عنده فهو كقول العرب ناقة رقود الحلب أي رقود عند الحلب فذهب الكوفيون إلى أنه بمعنى عند وزادوا الإضافة العندية، والجمهور على أنها لامية كما صرّح به شزاح التسهيل، وليس من الإضافة لأدنى ملابسة أيضا، وقوله: بأحد المعنيين أراد به معنيي المقام، وهو كونه اسم مكان أو مصدرا ولا فرق بينه، وبين الأوّل إذا كان أسم مكان إلا في تخصيص المكان بالخائف، وتغاير الإضافة على رأي الكوفيين وأما على الثاني فهو ظاهر لأنّ القيام على ظاهره لا بمعنى الحفظ، والإضافة غير تلك الإضافة، وقوله: تفخيما وتهويلا لأنّ العندية، والمكانية محال في حقه تعالى فالمراد بها ذلك فما قيل: المراد أنه باحد المعنيين المذكورين، وهو موقفه الذي يقف فيه للحساب، ويحتمل أن يريد بأحد المعنيين أيهما كان لكن لا تخلو صحة المعنى الثاني عن تكلف كلام ناشئ من قلة التدبر. قوله: (أو ربه) أي التقدير خات ربه، ومقام مقحم، وليس المراد أنه زائد حقيقة بل زيادته بالنظر إلى أصل المعنى المراد، وأنه يصح بدونه لأنه غير زائد بل هو ذكر لأنّ الكلام كناية عن خوف الرب، واثبات خوفه له بطريق برهانيئ بليغ لأنّ من حصل له الخوف من مكان أحد يهابه، وإن لم يكن فيه فخوفه منه بالطريق الأولى، وهذا كما يقول المترسلون: المقام العالي، والمجلس السامي، وكما في الشعر المذكور، واليه أشار المصنف بقوله: للمبالغة. قوله: (كقوله الخ) هو من قصيدة للشماخ مدح بها عرابة بن أوس الخزرجي أولها:

إلا نومي طوى لي وصل أروى ظنون آن مطرح الظنون

وماء قد وردت لوصل أروى عليه الطيركالورق اللجين

ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين

والقصيدة في ديوانه مشهورة، ومعنى ما ذكر أنه يصف تبكيره للقاء محبوبته فقوله: وماء

البيت يعني به أنه ورده، وهو خال من الناس قبل كل أحد، واللجين بفتح اللام الذي خبط حتى تلجن أي تلزح، وقوله: ذعرت به القطا الخ. خصهما لأن القطا أنكى الطيور، والذئب أنكى السباع، والشاهد في قوله: مقام الذئب فإذا لم يكن للذئب فيه مقام لزم أن لا يكون ذئب، وقوله: كالرجل اللعين أي المطرود الذي خلفه من يطلبه فإنه لا ينام ويرد الميا. قليلا، وتفسيره بما يتخذ في المزارع على هيئة رجل لتخويف الوحوس، والطيور وطردها وإن ذهب إليه كثير ممن شرحه لكن الأوّل أظهر، وأبلغ وضمير به وعنه للماء في البيت الذي قبله. قوله:

(جنة الخ) بيان لوجه اختيار التثنية دون الإفراد والجمع، وقوله: بعد مبنيّ على الضم أي بعد هذه الآية، وقوله: ذواتا تثنية ذات بمعنى صاحبة فإنه إذا ثنى فيه لغتان ذاتا على لفظه، وهو الأقي! كما يثنى مذكره ذوا والأخرى ذواتا بردّه إلى أصله فإنّ التثنية تردّ الأشياء إلى أصولها، وليس تثنية الجمع كما يتوهم، وتفصيله في باب التثنية من شرح التسهيل، وهو صفة جنتان أو خبر مبتدأ مقدر أي هما، وقوله: جمع فن ومعناه النوع، ولذا استعمل في العرف بمعنى العلم. قوله:(وهي الغصنة) بكسر الغين المعجمة، وفتح الصاد المهملة جمع غصن كقرط وقرطة فضمير هي للأفنان إذا كانت جمع فن أو للفنن، وتأنيثه لتأنيث خبره، والأفنان ما دق، ولان من الأغصان كما قاله ابن الجوزي، وتفسيره بالأغصان كما في القاموس تسمح على عادة أهل اللغة في التعريف بالأعم، وفرع الشجرة ما قام على الساق من القضب الغليظة، وأطرافها هي أفنانها فمن قال إنه الغصنة تأنيث غصن بالضم فقد تعسف مع ما فيه من الركاكة الغنية عن البيان. قوله:(وتخصيصها) أي الأفنان مع أنها ذوات قضب، وأوراق وثمار إلى غير ذلك مما في الأشجار لأنّ في ذكرها ذكراً للأوراق، والثمار والظلال المقصودة بالذات على طريق أخصر، وأبلغ لأنه كناية كما في شروح الكشاف. قوله: (حيث شأؤوا في الأعالي

ص: 136

والأسافل الخ) إشارة إلى فائدة قوله: يجريان، والقرينة عليه ما علم من وصف عيون الجنة فالقرينة خارجية وقوله: قيل الخ يعني أنهما سميا بهذين الاسمين، وسيأتي معناهما، وقوله: صنفان لأنّ الزوح يكون بمعنى الصنف كما مرّ، وقكئين مدح للخائفين يعني هو إمّا حال من قوله: خاف، وجمع رعاية لمعناه بعد الإفراد رعاية للفظه، وقيل: عامله محذوف أي يتنعمون متكثين 6 والمراد بالمدح أنه منصوب باعني مقدراً لا أنه نعت مقطوع ولا منصوب على الاختصاص إذ لا وجه له، وقوله: لأنّ من خاف في معنى الجمع راجع للوجهين. قوله: (وجنى) اسم أو صفة مشبهة بمعنى المجني، وهو الثمر الذي يجني أي يؤخذ من أغصانه، وكسر الجيم لغة فيه، وقوله: فإنّ جنتان يدل على جنان لأنه يلزم من أنه لكل خائف جنتان أن

يكون فيها جنان، ويساتين كثيرة فلا حاجة إلى قول الفراء أنّ العرب توقع ضمير الجمع على المثنى كما في الأشباه، والنظائر النحوية. قوله:(أو فيما قيهما الخ) فضمير فيهن للبيوت، والقصور المفهومة من الجنتين أو للجنتين باعتبار ما فيهما مما ذكر كما هو المعروف في أمثاله في الدنيا، وقوله: أو في هذه الآلاء فضمير فيهن للألاء، والظرفية مجازية كما يقال للمتنعم هو في النعيم، وفي اللذات، والمجموع ظرف مجازيّ فلا يتوهم أنّ المناسب للفرس على لا في مع أنه غير مسلم، وقد قيل إنه شبه تمكنهم على الفرش بتمكن المظروف في الظرف، وإيثاره للأشعار بأنّ أكثر حالهم الاستقرار عليها، ولذا قيل: متكئين على فرس ولا يضرّه تقدّم {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} على ذكر الاتكاء على الرفوف فتأمّل. قوله: (نساء قصرن الخ) قال ابن رشيق في قول امرى القيس:

من القاصرات الطرف لو دلث محول من الذرّ فوق الأنف منها الأثرا

أراد بالقاصرات الطرف أنها منكسرة الجفن خافضة النظر غير متطلعة لما بعد، ولا ناظرة

لغير زوجها ويجوز أن يكون معناه أنّ طرف الناظر لا يتجاوزها كقول المتنبي: وخصرتثبت الأبصارفيه كأنّ عليه من حدق نطاقا

اص فاسم الفاعل مضاف لمفعوله، ومتعلق القصر محذوف للعلم به أي على أزواجهن أو المعنى قاصرات طرف غيرهن عن التجاوز لغيرهن. قوله:(لم يمس الانسيات الخ) ظاهر قوله: الإنسيات، والجنيات أنها زوجات لا حوريات، ولكنه سيصرّح بخلافه كما سيأتي، والطمث الجماع، وهو المراد بالمس، وأصله خروج الدم، ولذلك يقال: للحيض طمث، ثم أطلق على جماع الأبكار لما فيه من خروج الدم، ثم عم لكل جماع، وقد يقال: إنّ التعبير به ل! شارة إلى أنها توجد بكرا كلما جومعت وقوله: دليل على أنّ الجن يطمثون أي يحيضون، ويدخلون الجنة، ويجامعون فيها كالإنس لبقائهم فيها منعمين كبقاء المعذبين منهم في النار، وهو أصح الأقوال قال في الانتصاف: إنه ردّ على من زعم أن الجن المؤمنين لا ثواب لهم، وأنما جزاؤهم ترك العقوبة، وجعلهم ترابا اهـ كما قيل ذلك في سائر الحيوانات، وهذا هو القول الثاني، وقوله: بضم الميم هي لغة فيه، وما ذكره من الدليل يؤخذ من السياق، ومقام الامتنان. قوله:) وبياض البشرة وصفائهما) أي الوجنة، والبشرة وهذا بناء على أنّ المرجان

صغار اللؤلؤ فتخصيصه بالتشبيه به لأنه كما في الكشاف أنصحع لونا وبياضا من كباره قيل، ولا يخالفه قوله:{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [سورة الصافات، الآية: 49] لأنّ بياضه مخالط لقليل من الصفرة، وهو أحسن ألوان الأبدان كما قالوه ثمة لجواز كون المشبهات بالمرجان غير المشبهات بالبيض، وفيه نظر فتأمّل. قوله: (لمن دونهم من أصحاب اليمين (قيده به لخروج من ليس من أصحاب اليمين عنها رأسا لكنهم دون هؤلاء في المرتبة، والخوف حينئذ أشذه إذ لا يخلو مؤمن من خوف ربه. قوله: (خضروان (في تهذيب الأزهري الدهمة السواد، وقيل: مد هامّة لشدة خضرتها، ويقال: اسودّت الخضرة إذا اشتدّت خضرتها اهـ، واليه أشار المصنف رحمه الله بما ذكره، وقوله: تضربان إلى السواد أي تميل إليه لأنّ الشديد الخضرة كذلك، وقوله: وفيه أي، وفي وصفهما بأنهما مد هامّتان إشعار بما ذكره لأنّ الأشجار توصف بأنها ذوات أفنان كما أنّ النبات يوصف بالخضرة الشديدة فالاقتصار في كل منهما على أحد الأمرين مشعر بما ذكر، والتفاوت لأنّ الجنة الكثيرة الظلال، والثمار ليست كغيرها فلا وجه لما قيل: يكفي في تحفق الدهمة النبات، والرياحين ولا

ص: 137

محصل له. قوله: (وهو أيضاً أقل (لأن الفوران أقل من الجري فكما أنّ الجنتين دون الأوليين عيناهما دون عينيهما، وأقل ماء منهما، وقوله: وكذا ما بعده من قوله: فيهما فاكهة، ونخل ورمان فإنه أقل من قوله: من كل فاكهة زوجان، والمقصور في الخيام أدنى من القاصرات الموصوفة بما مرّ والاتكاء على الرفرف أقل من الاتكاء على الفرس. قوله: (واحتج به أبو حنيفة رحمه الله الخ (لأنّ الشيء لا يعطف على نفسه، وأنما يعطف على غيره لكنه إن دل الدليل على أن عطفه لأفراده من جنسه تعظيما له كعطف جبريل على الملائكة، ونحو ذلك لم يكن فيه دليل، والى ذلك أشار المصنف رحمه الله بقوله: بياناً لفضلهما، وبين ذلك بأنّ فيهما مع التفكه كذائية في ثمر النخل، ودوائية في الرمّ ن كما بينه الأطباء، والغذائية، والدوائية بالنسبة لثمرات الدنيا، والا فقد مرّ أنّ كل ما فيها متفكه به إذ لا حاجة فيها لدواء، ولا غذاء. قوله: الا يجمع الخ) لأنّ أصل اسم التفضيل ذلك

خصوصا إذا نكر، وأمّا كون المراد أنه لا يجمع جمع سلامة كما قيل ففيه نظر لأنه يقال: الأكرمون والكبريات، ونحوه وهو كثير في الكلام الفصيح إلا أن يريد جمع المؤنث، وقراءته على الأصل مؤيد لأنه ليس اسم تفضيل. قوله:(قصرن) بالبناء للمجهول أي منعن، والمخدرة هي التي لا تخرج من الخدر غالبا، والخدر بيت الشعر في الأصل، ثم عمّ، وقوله: أو مقصورات الطرف الخ، وهو على هذا دون قاصرات الطرف لما فيه من الأشعار بالقسر في القصر، وأمّا على تفسيره الأوّل فكونه دونه ظاهر، وإن لم يلاحظ كونها مخدّرة في الأوّل أو يجعل قوله كالياقوت، والمرجان كناية عنه لأنه مما يصان كما قيل:

جوهرة أحقاقها الخدور

مع زيادة الصفات المادحة فتأمّل. قوله: (كحور الأوليين الخ) أي المعنى فيه المعنى في

حور الأوليين، وهو أنه لم يمس الإنسيات إنس، والجنيات جن كما مرّ، وقوله وهم أصحاب الخ. فالضمير في قوله: قبلهم راجع إلى أصحاب هاتين الجنتين المدلول عليهما بذكرهما وفي بعض النسخ وهم لأصحاب الجنتين، وهو أظهر، وهو صريح في أن السابقة حوريات لكن قوله: الأنسيات، والجنيات يأباه إلا أن يكون جعل ما للإنس إنسيا، وما للجن جنيا، ولا مانع منه فتأمّل. قوله:(وسائد الخ) الوسادة والمتكأ، والمخدة والمسند بمعنى والنمارق جمع نمرقة، وهي الوسادة الصغيرة، والطنفسة والمراد الثاني إذ هو المغاير لما قبله، ولا ينافيه الاتكاء، وقوله: جمع رفرفة إن أراد الجمع اللغوي لم يناف كونه اسم جنس كتمر وتمرة أو اسم جمع كما ذهب إليه بعضهم، والا فهو أحد الأقوال فيه، واختاره لقوله: خضر. قوله: (أو ذيل الخيمة) كم أنه لا يعرف الاتكاء عليه لا يناسب الامتنان به، وقد ذكره كثير من المفسرين كالراغب وغيره فإن كان مأثوراً فلعل خيام الجنة، وأخبيتها يحشو بعض أذيالها، وتدعم حتى تكون كالمساند لمن فيها فيعتمد عليها كما يعتمد على أسفل الجدران أو يقال: الاتكاء، والامتنان ليس بها بل بها، وبما يوضع عندها من الفرش، والنمارق العبقرية فتأمّل. قوله:(العبقريّ الخ) فمعناه في الأصل كل عجيب غريب من الفرس وغيرها، ولذا قيل في حق الفاروق لم أر عبقريا يفري فريه، ولتناسي هذه النسبة قيل إنه ليس بمنسوب بل هو مثل كرسي، وبختي كما نقل عن قطرب فلا منافاة بينهما كما توهم، وقوله: ولذلك جمع حسان

وهو صفته فقد تطابقا بحسب المعنى المراد.

تنبيه: في الكشاف، وعباقري كمدائني نسبة إلى عباقر في اسم البلد، وروى أبو حاتم عباقري بفتح القاف، ومنع الصرف، وهذا لا وجه لصحته اهـ، وفي المحتسب رويته عن قطرب عباقري بكسر القاف غير مصروف، وعن أبي حاتم بفتح القاف غير مصروف أيضا، وقال لو كسروا القاف، وصرفوا لكان أشبه بكلام العرب كالنسب إلى مدائن مدائني، وهو ما لا يستنكر شذوذه في القياس دون الاستعمال كاستحوذ، وإذا كان قد جاء عنهم عناكيب، وتخربوت وتخار بيت كان عباقرفي أسهل منه من حيث إنّ فيه حرفا مشدداً يجري مجرى حرف واحد ومع ذلك هو في آخر الكلمة كياء بخاتيّ وزرابي ليس لنا أن نتلقى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله إلا بقبولها، والاعتراف بها اهـ قال ابن هشام، ومن خطه نقلت ما محصله إنّ كونه من النسبة إلى الجمع شذوذا كمدائني باطل فانّ من قرأ بها قرأ فارف خضر يقصد المجانسة، ولو كان كما ذكر كان مفرداً، ولا يصح منع صرفه كمدائني، والرواية صحيحة

ص: 138