المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحجج القيمة. قوله تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: الحجج القيمة. قوله تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ

الحجج القيمة. قوله تعالى: ( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} ) الشرك يطلق على مطلق الكفر كما في قوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء، الآية: 48] الخ ولذا استدل بهذه الآية على خلود الكفار مطلقا، ولا حاجة إليه فإنّ هذه الآية صريحة في العموم، ويكون الشرك أخص من الكفر وهو المراد هنا. قوله:(أي يوم القيامة) يعني أنّ قوله: في نار جهنم المراد به سيصيرون فيها لكنه لتحققه ترك التصريح به أو يقدر متعلقه بمعنى المستقبل فهو بمعناه الحقيقي، وقوله: أو في الحال يعني المراد أنهم في حال كفرهم في الدنيا في النار على التجوّز في النسبة أو في الطرف بإطلاق نار جهنم على ما يوجبها مجازاً مرسلاً بإطلاق اسم المسبب على السبب، ويجوز أن يكون استعارة. قوله:) واشتراك الفريقين الخ) جواب عن سؤال مقدر تقديره إنّ كفر المشركين أشذ من كفر أهل الكتاب ومقتضى الحكمة أن يزاد عذاب من زاد كفره على عذاب غيره، وقد سوى بينهما في هذه الآية بحسب الظاهر ولا شبهة في تفاوت الكفر كما توهم. قوله:(أي الخليقة الخ) قرأ نافع وابن ذكوان البريثة بالهمز فيهما، والباقون بياء مثذدة واختلف فيه، فقيل الأصل فيه الهمزة وعليه كلام المصنف من برأ الله الخلق بمعنى ابتدأهم واخترع خلقهم فهي فعيلة بمعنى مفعولة، والتزم تخفيفها عامة العرب كالذرّية وغيرها، وقيل: إنه غير مهموز من البر المقصور بمعنى التراب فهو أصل بنفسه والقراءتان مختلفتان أصلا، ومادة متفقتان معنى فلا يتوهم أنه يلزم انّ القراءة بالهمز خطأ كما قيل وقد يقال: إنّ المعنى متقارب لشمول الأوّلط الملائكة دون الثاني فتأمّل. قوله: (فيه مبالغات) يعني خلا عنها عديله وبينها بقولى: تقديم المدح الخ والمراد بالمدح قوله: أولئك هم خير البرية لا قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} الخ لوقوع مثله في عديله، وقوله: في مقابلة ما وصفوا به من الإيمان والعمل الصالح والخيرية أيضا ووقوعه في مقابلته، لا ينافي كونه تفضلاً من الله والمبالغة في إظهار ما ذكر

والتصريح به والا فنار جهنم في مقابلة كفرهم أيضا وقوله: والحكم الخ ظاهره أنّ عند ربهم خير وهو جائز وإفادته للمبالغة لأنّ ما كان عند مليك مقتدر وسيد متفضل يكون إكراما عظيماً ووجه الجمع والتقييد غني عن البيان. قوله: (ووصفا بما تزداد لها نعيماً وتثيدا لخلود بالتأييد) ليس المراد بالوصف هنا النعت النحوي بل اللغوي لما مرّ من أنّ جنات عدن علم وكونها علماً هناك، ونكرة هنا كما قيل بعيد جدّا فجملة تجري حال لا صفة وفاعل تزداد ضمير الجنات ونعيما تمييز وجعل التأكيد من المبالغات دون الخلود لاشتراكهما في ذكره. قوله:(استئناف بما يكون لهم الخ) الظاهر أنه إخبار لا استئناف دعاء وإن جاز لأنّ الدعاء من الله بشيء معناه إيجاده مع زبادة التكريم لاستحالة معنى الدعاء الحقيقي عليه تعالى وأيضا يبعده عطف قوله: ورضوا عنه عليه كما لا يخفى والاستئناف نحوي ويجوز أن يكون بيانياً كأنه قنل لهم: فوق ذلك أمر آخر فأجيب بأن لهم ما تقرّبه عيونهم، ولا يلزم كونه للتعليل حتى يقال: يأباه قوله: ذلك الخ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر أو حالاً بتقدير قد. قوله:(ذلك أي المذكور الخ) توجيه لأفراد اسم الإشارة وفيه إشارة إلى أن مجرّد الإيمان والعمل الصالح ليس موصلَا إلى أقصى المراتب، ورضوان من الله أكبر بل الموصل له خشية الله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] ولذا قال الجنيد رحمه الله تعالى الرضا على قدر قوّة العلم والرسوخ في المعرفة فمن قال: إن الأظهر كون الإشارة لما يترتب عليه الجزاء من الإيمان والعمل الصالح فقد غفل عما ذكر وعن أنه لا يكون حينئذ لقوله: ذلك الخ كبير فائدة فتدبر. قوله: (فإنّ الخشية ملاك الأمر) المراد بالأمر السعادة الحقيقية والفوز بالمراتب العلية إذ لولا الخشية لم يترك المناهي والمعاصي، وكل من عرف الله لا بدّ أن يخشا. ولذا قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر، الآية: 28] كما مرّ تحقيقه وقوله: من قرأ الخ حديث موضوع كما مرّت نظائره، تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه وسلم.

سورة‌

‌ الزلزلة

آيها تسع أو ثمان وهي مدنية وقيل: مكية ورجح الأوّل في الإتقان.

ص: 386

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (اضطرابها المقدّر الخ) الاضطراب تفسير للزلزال لأنه أريد به الحاصل بالمصدر أو

هو مصدر المبني للمجهول لتقدم الفعل المجهول عليه، وأصل معناه التحريك وقوله: المقدر الخ توجيه للإضافة مع أنه كان الظاهر زلزالاً يعني أنّ الإضافة للعهد، وكذا هي في الآخر لتخرج الزلازل المعهودة، وقوله: الأولى أو الثانية رد على الزمخشري إذ جزم بأنها الثانية لأن خروج الأثقال عندها إذ لا يتعين كونهما في وقت واحد أو يعتبر الوقت ممتذا فلا وجه لما قيل: إن جزمه لا موجب له. قوله: (أو الممكن لها (إشارة إلى أن الإضافة للاستغراق لأن الأصل في إضافة المصادر العموم، وفيه إشارة إلى أنه استغراق عرفي قصد به المبالغة. قوله: (وقرئ بالفتح الخ) اختلف النحاة فيه فقيل: هما مصدران، وقيل المكسور مصدر والمفتوج اسم وهو الذي ارتضاه المصنف رحمه الله تعالى فلذا جعله على هذه القراءة اسماً للحركة فيكون انتصابه على المصدرية تجوزا لسده مسدّ المصدر. قوله:(وليس في الأبنية) أي أبنية الأسماء والمصادر لا ينقاس عليها فعلال بالفتح إلا في المضاعف فإنه يجوز فيه الفتح والكسر والأغلب فيه إذا فتح أن يكون بمعنى اسم الفاعل كصلصال ووسواس بمعنى مصلصل وموسوس وليس مصدرا عند ابن مالك وأمّا في غير المضاعف فلم يسمع إلا نادرا سواء كان صفة أو اسماً جامدا وأمّا بهرام وبسطام فمعزب إن فيل: بصحة الفتح فيه، وقد قيل: إنه لم يسمع في غير أربعة ألفاظ وسيأتي تفصيله. قوله: (جمع ثقل) يعني بفتحتين قال في القاموس الثقل محركة متاع المسافر، وكل نفيس مصون وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو المفى الثاني لأنّ متاع البيت من شأنه ذلك، وهذا على الاستعارة ويجوز أن يكون يكسر فسكون بمعنى حمل البطن على التشبيه أيضاً لأنّ الحمل يسمى ثقلَاكما في قوله تعالى:{فَلَمَّا أَثْقَلَت} [سورة الأعراف، الآية: 189] قاله الشريف المرتض في الدرر وأشار إلى أنه لا يطلق على ما ذكر إلا بطريق الاستعارة فمن اعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأنه بمعنى كنوز

الأرض، وموتاها وهو الثقل بالكسر لا غير كما في القاموس والصحاح لم يصب، وقوله: من الدفائن إذا كان ذلك عند النفخة الأولى لأنه من أشراط الساعة وقوله: أو الأموات هو عند النفخة الثانية ففيه لف ونشر مرتب وتخصيصه بالدفائن كما في الكشاف لا وجه له والظاهر أنّ الإخراج مسبب عن الزلزال كما ينفض البساط ليخرج ما فيه من الغبار، ونحوه واختيرت الواو على الفاء تفويضا لذهن السامع كما قيل. قوله: (لما يبهرهم (أي يغلب عقولهم، ويدهشهم وأصل معنى البهر الغلبة ويكون بمعنى العجب كقوله:

ثم قالوا تحبها قلت بهرا

والمراد ما ذكرناه وعلى هذا فالإنسان عام ولا يلزم من السؤال للدهشة إنكار البعث، وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه لشدتها قد يذهل عنها ولأنّ من الكفرة من لا ينكر البعث كأهل الكتاب فلا تلازم بين السؤال والكفر. قوله: (تحدث الخلق بلسان الحال الخ) إشارة إلى أن مفعول تحدث محذوف هنا لقصد العموم ولم يتعر ضلنصب أخبارها هل هو ينزع الخافض أو مفعول به لأن حدث، ينصب مفعولين كنبا وخبر وسيأتي، ولم يذكر المفعول هنا لأنه لا يتعلق بذكره غرض إذ الغرض تهويل اليوم، وأنه مما ينطق فيه الجماد بقطع النظر عن المحدّث كائنا من كان ولسان الحال ما يعلم بالقرائن منها. قوله:(ما لأجله رّلزالها وإخراجها) بدل من أخبارها أو من الضمير المضاف إليه بدل اشتمال، وقوله: وقيل الخ فالتحديث على حقيقته وعلى ما قبله هو أستعارة أو مجاز مرسل لمطلق الدلالة قال الإمام إلى الثاني ذهب الجمهور والمصنف رحمه الله تعالى لم يرتض به ولذا مرضه، وقوله: بما عمل عليها بصيغة المجهول فالمحدث به ما وقع على ظهرها من العباد لا ما لأجله الزلزال، والإخراج وهو قيام الساعة، وقوله: وناصبها أي ناصب إذا وسابقه إن لم نقل بتقدير عامل للبدل، وفي نسخة وناصبهما وهذا على أنّ إذا شرطية والعامل فيها جوابها. قوله:(أو أصل) معطوف على قوله: بدل أي غير تابع فهو منصوب بتحدث أصالة وإذا منصوب بمقدر على الظرفية كتقوم الساعة، ويحشر الناس أو ما ذكر على أنه مفعول به فهي خارجة عن الظرفية والثرطية، ويجوز أن تكون شرطية منصوبة بالجواب المقدر أي يكون مالاً يدرك كنهه ونحوه. قوله:(أي تحدث بسبب إيحاء ربك الخ) يعني أنّ الباء فيه سببية، وهو متعلق بتحدث

ص: 387

وقوله: بأن أحدث الخ تفسير للإيحاء على أنه استعارة أو مجاز مرشل لإرادة لازمه، وفيه لف ونشر مرتب فإن كان تحديثها دلالة حالها فالإيحاء إحداث ما تدل به، وإن كان حقيقيا فالإيحاء إحداث حالة بنطقها كإيجاد الحياة

وقوة التكلم فقوله: أنطقها معطوف على قوله: دلت الواقع صلة ما، وقوله: يجوز أن يكون بدلاً على أنّ الباء للتعدية فيبدل أحد المفعولين من الآخر بدل اشتمال. قوله: (يقال حدثتة كذا وبكذا) بيان لأن العرب استعملته بالباء، وبدونها وهذا مما لا خلاف فيه فلذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى إنما الخلاف في نصب الثاني هل هو على نزع الخافض أو على أنه مفعول به، وحدث وخبر ونبأ وأنبأ ملحقة بأفعال القلوب فتنصب مفعولين أو ثلاثة كحدّثت زيداً عمراً قائما كما ذهب إليه الزمخشري، ونقل عن سيبويه وابن الحاجب خطأهم فيه، وقال: إنما هو متعدّ لواحد وما جاء بعده لتعيين المفعول المطلق، وقال: إذا قلت حدثته حديثاً أو خبر الإنزاع في أنه مفعول مطلق ورد بأنه لم يفرق بين التحدّث والحديث والأوّل هو المفعول المطلق دون الثاني كيف، وهو يجر بالياء فتقول حدثته الخبر وبالخبر والمفعول المطلق لا تدخل عليه الباء، والأوّل غير مسلم فإن أثر المصدر ومتعلقه بل آلته كضربته سوطاً قد يسد مسده والثيخ أبئ من أن يخفى عليه مثله وكذا الثاني فإنه يجعل ما دخلتة الباء غير المنصوب، وفي الكشاف يجوز أن يكون المعنى يومثذ تحدّث بتحديث إن ربك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول: نصحتني كل نصيحة بان نصحتني في الدين انتهى، وتركه المصنف رحمه الله تعالى لخفائه ولا تكلف فيه لجمع الأخبار وكون الباء فيه تجريدية، وليس بعفش بين والقرآن مصون عنه كما قاله أبو حيان وقوله: عفش بعين مهملة، وفاء وشين معجمة كلمة عوامّ المغرب معناها ما يدنس المنزل من الكناسة، ثم إن المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشريّ ذكر استعماليه ليصح إبدال أحدهما من الآخر لأنه يحل محله في بعض استعمالاته فيجوز إبداله منه، وإن كان الأوّل منصوباً وهذا مجرور ولا يرد عليهما قول أبي حيان إن الفعل المتعذي بالحرف تارة وبدونها أخرى لا يجوز في تابعه إلا موافقته في إعرايه فلا يجوز اسنغفرت الذنب العظيم بنصب الذنب وجر العظيم على اعتبار قولهم من الذنب لأنه قياس مع الفارق لأن منع البدل من المنصوب اعتبار الحال جره بالباء لامتناع النعت في مثله لأنّ البدل هو الدقصود فهو في قوّة عامل آخر، وحالة الجر هنا أصلية ومن لم يفهم مراده قال: إنه لا مساس له بالمقام وهو من الأوهام. قوله: (واللام بمعنى إلى) لأنّ المعروف تعدى الوحي بإلى كقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [سورة النحل، الآية: 68] أو هي لام التعليل أو المنفعة من غير تأويل بإلى لأنّ الأرض بتحدّثها مع العصاة يحصل لها تشف من العصاة لتفضيحها لهم بذكر قبائحهم فهي منتفعة بذلك، وهذا على تفسير التحديث بالأخباو بأعمالهم واختار اللام للفاصلة والتشفي تفعل من الشفاء، ومعنا. إزالة ما في النفس من الألم الذي هو كالمرض لها. قوله:(من مخارجهم الخ) فحمله على النفخة الأولى يقتضي اعتبار امتداده، وأمّا تفسيره بصدورهم من مواقفهم إلى الى- ة، أو ألى النار فلا يناسب

ما بعده، ومن الأولى ابتدائية والثانية بيانية والى متعلقة بيصدر والصدور الخروج للبعث، ويومئذ منصوب بيصدر. قوله:(جزاء أعمالهم) إشارة إلى أنه على تقدير مضاف فيه لأنّ الرؤية بصرية والمرئي يومئذ جزاؤهم، أو أعمالهم تجوز بها عما يتسبب عنها من الجزاء، وقوله: تفصيل ليروا بالإضافة أو التنوين، وقوله: ولذلك قرى الخ يعني قرى بره بصيغة المجهول من الإراءة فإنه ظاهر في التفصيل لأن الفاء، وإن دلت على ذلك فقد تكون لمجرد التفريع، وقوله: بإسكان الهاء من يره وصلا فيهما وباقي السبعة يضمها موصولة بواو وصلا وساكنة وقفا. قوله: (ولعل حسنة الكافر الخ) وقد ورد في الأحاديث ما يؤيده كما هو مشهور في حديث أبي طالب، وفي الانتصاف كون حسنات الكافر لا يثاب عليها، ولا ينعم بها صحيح وأما تخفيف العذاب بسببها فغير منكر وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن حاتماً يخفف الله عنه لكرمه لكنه قيل على المصنف رحمه الله تعالى أنه نسي ما قدّمه في تفسير قوله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [سورة الفرقان، الآية: 23] وفي تفسير قوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [سورة هود، الآية: 6 ا] وهو المصرّح به في قوله: فلا يخفف عنهم

ص: 388

العذاب وبه صرّج المصنف رحمه الله تعالى أيضاً لأن أعمال الكفرة محبطة قال في شرح المقاصد بالإجماع بخلاف أصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا فإن الخلاف في إحباط عملهم بين أهل السنة، والمعتزلة معروف (قلت) يرد عليه أن الكفار مخاطبون بالتكاليف في المعاملات، والجنايات اتفاقا، واختلفوا في غيرها ولا شك أنه لا معنى للخطاب بها الأعقاب تاركها وثواب، فاعلها ثوابا وأقله التخفيف فكيف يدعي الإجماع على الإحباط بالكلية، وهو مخالف لما صرّح به في سبب نزول هذه الآية والذي يلوح للخاطر بعد استكشاف سرائر الدفاتر أنّ الكفار يعذبون على الكفر بحسب مراتبه فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل ولا عذاب المعطلة كعذاب أهل الكتاب، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهية ويعذب على المعاصي غير الكفر أيضاً وقد صرّح به الإمام في سورة الماعون مفصلاً، وقوله: يضاعف له العذاب أي عذاب الكفر والمعصية لقوله: زدناهم

عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون فما يقابل الكفر من العذاب لا يخفف لأنه لا يغفر أن يشرك به أي بكفره، وما في مقابلة غيره قد يخفف بالحسنات، ومعنى الإحباط المجمع عليه أنها لا تنجيهم من العذاب المخلد كأعمال غيرهم وهذا معنى كونه سراباً وهباء، وما في التبصرة وشرح المشارق وتفسير الثعلبي من أنّ أعمال الكفرة الحسنة التي لا يشترط فيها الإيمان كإنجاء الغريق، واطفاء الحريق واطعام أبناء السبيل يجزي عليها في الدنيا ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين بالإجماع للتصريح به في الأحاديث فإن عمل في كفره حسنات، ثم أسلم اختلف فيه هل يثاب عليها في الآخرة أم لأبناء على أنّ اشتراط الإيمان في الاعتداد بالأعمال، وعدم إحباطها هل هو بمعنى وجود الإيمان عند العمل أو وجوده، ولو بعد لقوله في الحديث:" أسلمت على ما سلف لك من خير " غير مسلم ودعوى الإجماع فيه غير صحيحة لأن كون وقوع جزائهم في الدنيا دون الآخرة كالمؤمنين لأن ما في الدنيا كمؤنة السيد لعبده المطيع له، وتعهده بلوازمه بخلاف عبده العاصي له فلا يلزمهم ذلك بمقتضى الفضل، والكرم مذهب لبعضهم وذهب آخرون إلى الجزاء بالتخفيف وقال الكرماني: إنّ التخفيف واقع لكنه ليس بسبب عملهم بل لأمر آخر كشفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجائه وقال الزركشيّ من أنواع الشفاعة التخفيف عن أبي لهب لسروره بولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم واعتاقه لثويبة جاريته حين بشرته بذلك فاحفظه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، ولذا رخينا له عنان البيان وبه سقط ما أورد على المصنف رحمه الله تعالى من تناقض كلامه فتدبر. قوله:(وقيل الآية الخ الما كان الأوّل جواباً عما قيل: إنه كيف يرى كل أحد جزاء ذرات الأعمال خيرها وشرها، وأعمال الكفرة محبطة وسيئات المؤمنين منها ما يغفر، وهذا ينافي الكلية المذكورة دفعه أوّلاً بأن الإحباط بالنسبة للثواب والنعيم لا بالنسبة للتخفيف فالمراد برؤية جزاء السيئة ظهور استحقاقه له، وإن لم يقع وعلى هذا العموم غير مقصود لأن فيه قيدا مقدرا ترك لظهوره، والعلم به من آيات أخر فالتقدير {مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} إن لم يغفر أو الموصول الأول عبارة عن السعداء والثاني للأشقياء، فلا ينافي ما ذكر أيضاً ومرضه لأنه خلاف الظاهر لا لما قيل من أنه لا يناسب مذهب أهل الحق لأنه لم يصرّح بأن الإحباط لأصحاب الكبائر حتى ينافي المذهب الحق لجواز إرادة الكفار بقرينة السياق فتأمل. قوله: (لقوله أشتاتاً) الظاهر أنه تعليل لكون المراد بمن الأولى السعداء، وبالثانية الأشقياء فان الأشتات فسر بما محصله فريق في الجنة وفريق في السعير فالظاهر أن ترجع كل فقرة لطائفة ليطابق المفصل المجمل ولأن إعادة من تقتضي التغاير الحقيقي، وقيل: إنه تعليل لقوله: تفصيل قبل ولو أريد برؤية الأعمال إنها تجسم لترى ظلمانية ونورانية، أو ترى كتبها أو ترى نفسها لأنه يجوز رؤية كل شيء عرضاً وغيره فحين يراه حسنا أو مغفوراً يزداد سروره

وحين يراه غير ذلك يزداد حزنه، وغمه وقد ورد في الحديث ما يؤيده فلا حاجة لما مر من الأجوبة ولا يخفى أنه خلاف الظاهر المتبادر من السياق. قوله:(من قرأ سورة إذا زلزلت) الحديث هو وإن كان مروياً بسند ضعيف في تفسير الثعلبيّ فيقوّيه، ويعضده ما رواه ابن أبي شيبة مرفوعاً إذا زلزلت تعدل ربع القرآن فظهر أنه حديث صحيح ليس كغيره من أحاديث الفضائل، تمت الس! ورة بحمد الله والصلاة والسلام على أعظم الرسل العظام، وآله وصحبه الكرام.

ص: 389