المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لا يأخذه منكم كما ياخذ من الكفار جميع أموالهم، ولا يخفى - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: لا يأخذه منكم كما ياخذ من الكفار جميع أموالهم، ولا يخفى

لا

يأخذه منكم كما ياخذ من الكفار جميع أموالهم، ولا يخفى حسن مقابلته لقوله:{يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} أي يعطيكم كل الأجور ويسالكم بعض المال، وقوله: كربع العشر إشارة إلى الزكاة، وما فصلى فيها. قوله:(فيجهدكم الخ) أي يشق عليكم طلبه للكل، واستأصله أخذ أصله وهو كناية عن أخذ الجميع، وقوله: فلا تعطوا إشارة إلى أنّ المراد من البخل عدم الإعطاء إذ هو أمر طبيعيّ لا يترتب عليه السؤال، وقوله: ويضغنكم أي يوقعكم في الضغن، وهو الحقد، والضمير في يخرج لله أو للبخل أو للسؤال ولا بعد فيه، وقوله: لأنه سبب الخ فالإسناد مجازيّ. قوله: (أي أنتم مخاطبون) وفي نسخة إنكم إشارة إلى أنّ ها مكرّرة للتأكيد داخلة على المبتدأ المخبر عنه باسم الإشارة، وقوله: الموصوفون أي بما تضمنه أن يسألكموها الخ فإنّ الإشارة تفيده كما مرّ تحقيقه في أولئك هم المفلحون فتذكره يعني أنّ هؤلاء المخاطبين هم الذين إذا سئلوا لم يعطوا وأنهم المفتضحون، وجملة تدعون الخ. مستأنفة مقرّرة، ومؤكدة لاتحاد محصل معناهما فإنّ دعوتهم للإنفاق هو سؤال الأموال منهم، وبخل ناس منهم هو بمعنى عدم الإعطاء المذكور مجملا أولاً. قوله:(أو صلة لهؤلاء) هكذا في الكشاف، وهو مذهب كوفيّ، ولا يكون عند البصريين اسم إشارة موصولاً إلا إذا تقدّمه ما الاستفهامية كماذا باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف فيه، وقوله: وهو يعم الخ لأنّ معناه إنفاق مرضيّ لله مثاب عليه مطلقا فيشمل كل ما كان كذلك كالنفقة للعيال، والأقارب واطعام الضيوف، وليس مخصوصاً بالغزو كما يتبادر مته، ولذلك صرح به المصنف، وقوله: ناس يبخلون إشارة إلى أنّ من تبعيضية، وقوله: كالدليل لم يجعله دليلاً لما يلزمه ظاهرا من إثبات الشيء بنفسه لأنه مقرّر له كما مرّ، ووجه كونه كالدليل لأنّ الناس، وكل جماعة منهم من يجود، ومن يبخل. قوله:(والبخل يعدى بعن وعلى) والثاني هو المشهور فيه، وقوله: لتضمنه إن أراد بالتضمن كونه في ضمن معنا. الوضعي فهو على حقيقته، وإن أراد التضمن المصطلح يجري فيه الأقوال السابقة، والظاهر هو الأوّل، والمعنى أنه يمسك الخير عن نفسه أو نحوه مما يناسب مقامه، وقوله: فما يأمركم الخ بيان لأنّ هذه الجملة مبينة مقرّرة لما قبلها، وقوله: ثم لا يكونوا الخ، ثم للتراخي

حقيقة أو لبعد الرتبة عما قبله لأنّ الظاهر توافق الناس في الأحوال، والميل إلى المال، والزهد إذا تعدى بفي فمعناه الترك، والإعراض كما هنا. قوله:(لآنه سئل الخ) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره، وهو على شرط مسلم قال الشارح المحقق: حمل القوم على الملائكة بعيد في الاستعمال، وأمّا الحديث بعده فموضوع كنظائره، ثم مناسبة أوّل هذه السورة، وآخرها لما بعدها ظاهر منتظم غاية الانتظام فالحمد دلّه على حسن الختام، وعلى أفضل أنبيائه وأصحابه الكرام أفضل صلاة وسلام يتحلى بهما جيد الليالي، والأيام.

سورة‌

‌ الفتح

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مدنية) قيل بلا خلاف وفيه نظر، وقيل: إنها نزلت بجبل قرب مكة يسمى ضجنان بضاد معجمة وجيم ونونين بزنة سكران، وقوله: نزلت في مرجع الخ قيل إنه خص هذه السورة ببيان وقت نزولها، وليس من دأبه، ولم يجر مثله في غيرها لدفع توهم كونها مكية لأنه صلى الله عليه وسلم كان بنواحي مكة وقت نزولها سوأء قلنا المدنيّ، والمكيّ بمعناه المشهور أولاً لا سيما وقد ذكر في الهداية أنّ بعض الحديبية من حرم مكة فلو لم يذكر أنّ نزولها بعد الرجوع ربما توهم أنها مكية على أحد الأقوال فيه، والخطب فيه هين. قوله تعالى:( {إِنَّا فَتَحْنَا} الخ (أكده بأن والمخاطب هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا يتوهم منه تردّد، ولا إنكار فيما أخبره الله به لأنّ التأكيد لا يلزمه ما ذكر فقد يكون لصدق الرغبة فيه، ورواجه عنده كما صرّح به التفتازاني مع أنه قد يجعل غير السائل كالسائل المتردد لوجوه لا تحصى، وأيضا التردّد لا يلزم أن يكون ممن ألقى إليه الكلام سواء كان تردّدا في وقوعه أو في تعيين زمانه كما وقع لعمر رضي الله عنه هنا. قوله: (وعد) الوعد

ص: 51

مخصوص بالخبر، وقد يرد لغيره مقيداً، وهو حقيقة أو مجاز على اختلاف فيه، وظاهر عطفه الإخبار عليه أنه عنده إنشاء، وقد مرّ في سورة الأنعام ما يخالفه وفيه اختلاف قيل، والكلام فيه مضطرب فإن قلنا إنه خبر عما يأتي تقيد قوله إخبار بأنه عما مضى حتى يصح التقابل، ثم إنه أورد على أنه إنشاء أنّ الإنشاء منحصر في الطلبي، والإيقاعي وليس واحداً منهما أمّا الأوّل فظاهر، وأمّا الثاني فلأنّ مجرّد قولك! رمنك لا يقع به الإكرام، ولا يحصل، وقيل أصله إنشاء لإظهار ما في النفس مما يسر المخاطب، وما تعلق به وهو الموعود خبر كما قيل كان لإنشاء التشبيه، وهذا كله ناشئ من عدم فهم المراد منه فإن قيل المراد إكرام في المشقبل فهو خبر بلا مرية، وإن قيل معناه العزم على إكرامه، وتعجيل المسرة له بإعلامه فهو إنشاء فتدبر 0 قوله:(والتعبير عنه بالماضي لتحققه) هذا وجه الشبه المصحح والمرجح فإن أخباره تعالى كلها كذلك فهو لتسلية المؤمنين، وتعجيل مسرة البشارة بما هو محقق، ثم إنه على هذا استعارة تبعية، وقد قال السيد استعارة الفعل على قسمين أحدهما أن يشبه مثلاً

الضرب بالقتل، ويستعار له اسمه، ثم يشتق منه قتل بمعنى ضرب ضربا شديدا، والثاني تشبيه الضرب في المستقبل بالضرب في الماضي في تحقق الوقوع فالمعنى المصدري موجود في كل من الطرفين لكنه قيد بقيد يغاير الآخر فصح لذلك اهـ، وقال بعض الأفاضل: يجوز أن يكون اشعارة الماضي للمستقبل تبعية بتشبيه الزمان المستقبل بالزمان الماضي في الظرفية لأمر محقق فلا حاجة إلى تكلف ما التزموه من تصحيحه بتقييد المصدرين بقيدين متغايرين كما مرّ فاكتفوا فيه بالتغاير الاعتباري دون الذاتي المعروف في أمثاله، وقال بعضهم: الداعي له أنّ الزمان مدلول الهيئة، وهي ليست بلفظ، والاستعارة تجري في الألفاظ، وهو ليس بصحيح فإنّ الخبر إذا استعمل مجازاً في الإنشاء كان التصرّف في الهيئة بلا كلام فما زعمه دليلَا ليس بشيء، ثم إنّ المجاز المرسل في الأفعال لا يسمى تبعياً كما يعلم مما وجهوه فلا وجه للتوقف فيه، وأنما أرخينا عنان البيان هنا تبعاً لبعض علماء العصر، وتتميما للفائدة. قوله:(أو بما اتفق له الخ) قيل الظاهر تأخير التعليل، وهو قوله لتحققه عن قوله وفدك لأنه يعم الوجهين، وترك لفظ عنه (أقول) هو غفلة منه فإنهما وإن اشتركا في المجازية نوعان مختلفان فلا يصح نظمهما في سلك واحد إذ الأوّل استعارة، والثاني مجاز مرسل، وهو مجاز المشارفة أو الأوّل فإن أردت تفصيله فانظره في أنواع المجاز من الاتقان، وفي الباب الثامن من المغني فلله درّ المصنف ما أبعد مرماه وأدق نظره، وفي الكشاف عدة له بالفتج، وجيء به على لفظ الماضي على عادة رب العزة سبحانه في أخبار. لأنها في تحققها، وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة كأنه قال يسرنا لك فتح مكة اهـ، وأورد عليه أنه على رأي أهل السنة ظاهر لأنه إخبار بإيجاد الفتح، وتحصيله للرسول صلى الله عليه وسلم بل وقوعه بلفظ الماضي فكان وعداً به على أبلغ وجه، وأمّا على رأيه فدونه خرط القتاد لقوله الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب أو بغيره، وهو من أحوال البشر التي يمتنع إسنادها لضميره تعالى فيجب المصير إلى جعله مجازاً عن تيسيره، واقامة المسبب مقام السبب كقوله تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ} [سورة النحل، الآية: 98] وقد بينه حيث قال كأنه قال الخ فالظاهر حمله على التيسير أي التسهيل الحاصل وقت الإخبار لا الوعد بالفتح المتوقع فإنّ موسى عليه الصلاة والسلام سأله تعالى بقوله: يسر لي أمري أن يسهل أمره، وهو خلافته في أرضه، وما يصحبها كما مرّ، وقد أجيب إليه في موقف الدعاء بقوله: قد أوتيت سؤلك يا موسى، ولم يباشره بعد وحمله على الوعد بإيتاء السؤل له مع كونه خلاف الظاهر لا يجدي فيما نحن فيه إذ غايته كونه عدة بالتيسير المقارن للفتح لا عدة بالفتح نفسه إلا أن يكتفي بالعدة الضمنية المفهومة من تلك العدة أو من الأخبار السابق بالتيسير (أقول) الإسناد هنا مجازي من إسناد ما للقابل للموجد عندنا لأنه الفاعل الحقيقي لغة عند أهل اللسان وإن كان الفاعل في نفس الأمر هو الموجد كما زعمه المعتزلة فالإسناد مجازيّ عندنا، وعندهم فأشار العلامة إلى جهة التجوّز في الإسناد بقوله كأنه الخ، وليس بيانا للتجوّز في الفتح على أنه بمعنى التيسير كما

توهمه وإن كان مجازا مرسلا لا استعارة كما صرّح به، وليس مثله إلا من قلة التدبر، وسوء الظن بالسلف قال

ص: 52

الأبهرقي في حاشية العضد الفاعل يجب أن يكون قابلا لفعله فإذا خلق الله شيئا في محل يقوم به يسند ذلك الشيء إلى محله، وإن لم يكن له مدخل في التأثير لا إليه تعالى الخ ما فصله فالعلامة مشى على الحق فيه فزعمه أنه ظاهر على رأي أهل السنة ظاهر البطلان، وكذا قوله الفتح عبارة عن التيسير، وما فرّعه عليه، وفدك بفاء مفتوحة، ودال مهملة مفتوحة، وكاف بلدة معروفة بخيبر، وقوله: لأنها في تحققها إلى قوله وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علوّ شأن المخبر ما لا يخفى قيل أي في مجيء المستقبل بصيغة الماضي لتنزيله منزلة المحقق ما لا يكتته كنهه لأنّ هذا الأسلوب إنما يرتكب في أمر عظيم لا يقدر على مثله إلا من له قهر وسلطان، ولذا ترى أكثر أخباى هـ على هذا النهج (أقول (هـ! فهمه من أنّ فخامته لا تستعمل إلا في أمر عظيم ليس كذلك، إذ اللازم تحقق الوقوع، ولذا لم يعرّج عليه أحد من شرّاحه فالوجه أنّ الفخامة لدلالته على كمال العلم وجلالة القدر حيث استوى عنده الحال، والاستقبال فيقع ما أراده البتة بن غير مانع لقضائه أو تردّد في إمضائه كما قيل، وما قيل عليه من أنّ الأخبار بفعل حادث يدل على علم المخبر بوقوعه الدال على قدرة فاعله قطعاً فإن كان ذلك قد وقع يكون مدلول الخبر مجرّد علم المخبر، وقدرته إن كان الفعل مسنداً إليه وقدرة غيره إن أسند للغير، وإن كان مستقبلاً لم يقع بعد فإن سيق على نهجه فما دل عليه الخبر من العلم أكمل من الأوّل لابتنائه على معرفة المباديء، والدلائل إن لم يكن ناشئا عن عادة فاشية أو قرائن غير خافية، وإن صرف عن نهجه، وأورد على لفظ الماضي، ولم يكن المراد تقريب المدة ولا الوقوع منوطا بالعادة أو المقدمات المعتادة فمرتبة العلم أعلى من الأوّل من حيث إنه ينبئ عن قوّة وثوق المخبر بالوقوع بحسب إحاطته بتعاضد الأسباب، والدلائل، وحال القدرة في الصور الثلاث واحدة هذا فيما يكون المخبر يجري عليه الزمان فإنه لا يعلم من الأزمنة، وما فيها من الحوادث يقيناً إلا ما دخل تحت الوجود بالفعل لأن في غيره لا يؤمن احتمال الخطا في ترتيب مباديه اللائقة، والمدافعة من الأموو العائقة وأمّا إذا كان المخبر هو العليم الخبير، والمخبر به فعل مستقبل عبر عنه بلفظ الماضي يدل ذلك حتما على كمال علمه تعالى لابتنائه على كمال إحاطته بجميع أحوال الوجود، وأحوال كل موجود، وتفاصيل المبادي المؤدّية إلى ذلك، وعلى أنّ الحال، والاستقبال بالنسبة إليه سيان، وما سيكون كما قد كان، ثم إن كان الفعل مسندا له تعالى كما هنا أو متعين الإسناد له كقضي بينهم دل على كمال قدرته أيضاً لإيذانه بأنه لا يتخلف عنه مقدور، ولا يستعصي عليه أمر من الأمور فكلما أراد وجد، وأما المسند لغيره كنادى أصحاب الجنة فالدلالة على كمال العلم، وهو كاف في الفخامة، والدلالة على علوّ شأن المخبر أمّا كمال القدرة فلا لما عرفت أنه إنما يدلّ على قدرة الفاعل لا المخبر فضلاً عن كمالها، وإسناد جميع الأفعال من حيث الخلق إليه تعالى وإن لا تأثير للقدرة

الحادثة، وإن أغضينا عن مخالفة زعم المصنف المستفاد من مباد أخر فلا دلالة للخبرمن حيث هو عليه، ولا للتعبير المذكور قطعاً، والاعتذار بأن كمال العلم المتعلق بفعل الخبر إنما يكون بامتناع عدم مطابقة الخبر للواقع قطعاً، وذلك إنما يتحقق بانسداد جميع أنحاء عدم ذلك الفعل، ولا يتصوّر ذلك مع إمكان تعلق قدرة الفاعل بعدمه إلا بأن تكون جميع القوى، والقدر مقهورة لقدرته، وذلك معنى كمالها فما دل على كمال علمه دل على كمال قدرته غلوّ في الاعتساف، وما ذكره السعد إنما يستقيم فيما أسند الفعل فيه إليه تعالى كما هنا ولعله جعل ذلك إشارة إلى ذلك، وليس كذلك أو اكتفى في تحقق الدلالة المذكورة في المطلق فتحققها في بعض الصور أي ما أسند له تعالى (أقول) ما ذكره وإن تراءى في بادئ النظر غير وارد لأنّ كمال القدرة أشار المحقق لتفسيره بقيد الحيثية، وأوضحه بما يقطع عرق الشبهة بقوله: بحيث الخ يعني أنّ كمال القدرة هنا باعتبار أنّ شيئا لا يتخلف عن مراده سواء كان فعلاً له بالذات أو لا ودلالته على ذلك ظاهرة أمّا عندنا فلقدرته على إيجاده في أيّ زمان أراد بحيث لا يمنعه مانع، وأمّا عند الزمخشري فلأنه مسبب الأيى باب، ورافع الموانع والتمكين منه بيد قدرته منوط فبعد التصريح بهذا كيف يتوجه ما أراد أو يغفل عن المراد، وهو عجيب مته، ولا يصح حمل ما في الكشاف على تفصيله مع قوله

ص: 53

عادة الله في أخباره، وشأن المخبر دون أفعاله وشأن الفاعل فتدبر. قوله:(أو بما اتفق له في تلك السنة الخ)(أتول (هكذا وقع في كتب الحديث أيضاً كما ذكره البغوي مسنداً، وهو معارض لقوله في تفسير قوله: سيقول المخلفون الخ. يعني مغانم الخ فلا يكون في تلك السنة، ويدفع بأنّ التاريخ الذي جعل فيه رأس السنة المحرّم محدث في زمن عمر وضي الله عنه كما في التواريخ الصحيحة، وكان التاريخ في بدء الإسلام بمقدمه صلى الله عليه وسلم للمدينة، وهو في ربيع الأوّل فهو رأس السنة كما في النبراس، وقال ابن القيم: قال مالك: كان فتح خيبر في السنة السادسة، والجمهور على أنه في السابعة، وقطع ابن حزم بأنها كانت في السادسة بلا شك، والخلاف مبنيّ على أنّ أوّل السنة هل هو ربيع الأوّل شهر مقدمه المدينة أو المحرّم وللناس فيه طريقان (قلت) والأوّل هو المصرّح به في الأحاديث الصحيحة وعليه ينبني ما هنا فأعرفه. قوله: (أو أخبار) ظاهره أنّ ما قبله ليس بإخبار وقد مرّ ما فيه، وما قيل من أنّ ما ذكره في تعليل الفتح بالمغفرة لا يجري هنا، ولذا أشار لمرجوحيته ليس بشيء لما أسنده البخاريّ عن البراء رضي الله عنه أنه تال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحتاها فلم نترك منها قطرة فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بماء فتوضأ ثم

تمضمض، ثم صبه فيها إلى آخر القصة، وأيضا هو غفلة عن قوله بعد هذا وإنما سماه فتحاً لأنه كان بعد ظهوره الخ، ولا يخفى ما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى وبه يتجه كون الفتح علة للمغفرة حينثذ كما لا يخفى. قوله:(وظهر له في الحديبية آية عظيمة الخ) قيل: لا يظهر له مدخل في تسمية صلحها فتحاً وليس بشيء لما سمعنه من حديث البخاري، وفي هذه المعجزة العظيمة من الظهور على المشركين ما اقتض الصلح ومناسبته للفتح في غاية الظهور لما فيهما من جامع الظهور، وقد ظهر ببركته الماء في البئر وفي البخاركط إنه نبع من بين أصابعه بوو في الركوة ولا منافاة بينهما لجواز وقوع كل منهما كما في شرح الكرماني. قوله:(وتسبب لفتح مكة) إشارة إلى أنه مجاز مرسل سمي فيه السبب باسم المسبب، وقد كان فيما قبله على الاستعارة بتشبيهه بالفتح، وقيل إنه على عكس هذا لكون الصلح مسببا عن الفتح والظهور على المشركين وفيه نظر، وقوله: أو فتح الروم الخ أشار بقوله: وقد عرف كونه فتحاً إلى وجه التجوّز فيه وتسميته فتحاً لأنّ فيه معجزة له لأنه أخبر عن الغيب فتحقق ما أخبر به في عام الحديبية ولأنه يقال به لغلبة أهل الكتاب المؤمنين، وفي ذلك من غلبته وظهور أمره ما هو بمنزلة الفتح ففي الفتح استعارة لتشبيه ظهوره بالفتح ويحتمل أن يبقى على حقيقته أي فتحنا على الروم لأجلك، وقوله: فتحا للرسول يأباه. قوله: (وقيل الفتح بمعنى القضاء) أي حكم الله والفتح يكون بهذا المعنى في اللغة، ومنه يقال للقاضي فتاح ومرّضه لبعده وعدم ما يدلّ عليه هنا. قوله:(علة للفتح) قيل قصد به الردّ على الزمخشويّ حيث جعل فتح مكة علة للمغفرة، وفيه بحث من وجوه أمّا أوّلاً فلأنّ التعليل الذي ذكرء المصنف لا يفيد إلا علية الفتح للمغفرة كما قاله: وأمّا ثانياً فلأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالإغراض على مذهب أهل الحق فاللام للعاقبة أو لتشبيه مدخولها بالعلة الغائية في ترتبه على متعلقها فكان تعبير الزمخشريّ أوفق للمذهب الحق، وأمّا ثالثاً: فلأنّ الغاية لها جهتا علية ومعلولية على ما تقرّر فلا لوم على من نظر إلى جهة المعلولية لظهور صحته، وهو كلام واهي ا! ناف متخلخل الأطراف إذ ليس في كلام المصنف ما يدل على الردّ بل هو تلخيص له بتغيير التعبير تفنناً كما هو دأبه أمّا الأوّل: فلأنه يصلح للعلية، والمعلولية كما اعترف به وصرّح به في الحواشي السعدية، وأمّا الثاني: فظاهر السقوط لتصريح المحققين بأنّ أفعاله تعالى وإن كانت لا تعلل بالأغراض يترتب عليها

حكم ومصالح تنزل منزلة الأغراض، ويعبر عنها بما يعبر به عنها، وقد قال النسفيّ والكرماني: إنه لا يمتنع في بعض أفعاله تعالى، وأمّا الثالث: فعليه لا له. قوله: (من حيث إنه مسبب الخ (قيل يعني ما يكون سبباً وعلة للمغفرة ينبغي أن يكون فعلا من أفعاله، والفتح ليس كذلك بل هو فعل الله فكيف يكون سبباً لاستحقاق المغفرة، وأجاب بأنّ الفتح وإن كان فعله تعالى إلا أنه لصدوره بما وقع منه من

ص: 54

الجهاد ونحوه من الأفعال الصالحة لأن تكون علة للمغفرة صح أن يجعل الفتح علة لها كأنه قيل إنا خلقنا فيك أسباب الفتح من الجهاد، والسعي في إعلاء الدين ليغفر لك الخ، ولا يخفى أن الفعل يسند حقيقة لمن قام به لا لمن أوجده كما مرّ مراراً فيقال تكلم زبد حقيقة لا تكلم الله وإن أوجد كلامه فيه والفتح الظفر بالبلد وهو صفة العبد قائمة به ولو كان فتحنا بمعنى خلقناكم لم يكن استعارة كما صرّج به المصنف بل مجازا مرسلا فليس المراد ما ذكره بل أنّ المغفرة إذا لم تكن بمحض فضله وترتبت على فعل من أفعال العبد فلا بدّ أن يكون عبادة فلذا جعله جهادا مثمرا لهذه الثمرة، وما ذكره هذا القائل بعيد عنه بمراحل، وفي الكشاف لم يجعل الفتح علة للمغفرة ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة، وهي المغفرة واتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوّك لنجمع لك بين عز الدارين، وأغراض العاجل والآجل أن قال السعد رحمه الله حاصله أنّ الفتح لم يجعل علة لكل من المتعاطفات بعد اللام أعني المغفرة، واتمام النعمة والهداية والنصر بل لاجتماعها ويكفي في ذلك أن يكون له دخل في حصول البعض كإتمام النعمة والنصر العزيز، وتحقيقه أنّ العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك ويكون بمنزلة تكرير اللام، وعطف جار ومجرور على جار ومجرور وقد يكون للاشتراك في معنى اللام كجئتك لتستقرّ في مقامك وتفيض عليّ من أنعامك أي لاجتماع الأمرين، ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي هو لهما، وفيه أنه إذا كان المقصود بعضه فذكر باقيه لغو من الكلام فالظاهر أن يقال لا يخلو كل منها من أن يكون مقصودا بالذات، وهو ظاهر أو المقصود بعضه، وحينئذ فذكر غيره إمّا لتوقفه عليه أو لشدة ارتباطه به، وترتبه عليه فيذكر للإشعار بأنهما كشيء واحد، والأوّل كقوله تعالى:{فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [سورة البقرة، الآية: 282] إلى قوله: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى فليس الضلال علة بل التذكير متوقف عليه كقولهم أعددت الخشب ليميل الحائط فأدعمه كما حققه سيبويه وتبعه العلامة، ومثال الثالث لازمت غريمي لأستوفي حقي وأخليه وليس ما نحن فيه من هذا القبيل، أو المقصود المجموع من حيث هو مؤوّل بما يكون كذلك كما هنا لأنّ جمع عز الدارين محصل مجموع الكلام والى

الثاني أشار في دلائل الإعجاز بقوله: إذا عطف شيء على جواب الشرط فهو على ضربين أحدهما أن يستقل كل بالجزائية نحو إن تأتني أعطك وأكسك، والثاني أن يكون المعطوف بحيث يتوقف على المعطوف عليه كقولك: إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي إذا رجع استأذنت وإذا استأذنت خرجت اهـ، وقد علم مما مضى أنه غير مخصوص بالشرط، ولا بما ذكر فتأمّله فإنه مهمّ جدّاً

قوله: (جميع ما فرط) بجعل المتقدم والمتأخر للإحاطة كناية عن الكل، وقوله: مما

يصح الخ إشارة إلى أنه ليس بذنب حقيقي بل من قبيل حسنات الأبرأر سيئات المقرّبين لعصمة الأنبياء، وقوله: وضم الملك إلى النبوّة كأنه أراد بالملك فتح البلاد واجراء أحكامه فيها تسمحاً والا ففي الحديث: (1 ن الله خيره صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملكاً نبياً كسليمان وعبدا رسولاً فاختار أن يكون عبداً رسولاً ولم يرض الملك حتى لا يسمى خلفاؤه الراشدون ملوكاً فضلَا عنه صلى الله عليه وسلم ولذا قيل: إنه لا يقال في نعته إنه زاهد لأنه لم يختر الدنيا أصلا حتى يقال إنه زهد فيها، وهكذا ينبغي أن يعرف مقامه صلى الله عليه وسلم وفيه تفاسير أخر في الكشاف، وغيره لم يرتضها المصنف رحمه الله. قوله: (في تبليغ الرسالة الخ) فالهداية على حقيقتها فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ المراد زيادة الاهتداء أو الثبات عليه. قوله: (فيه عز ومنعة الخ) العزيز بحسب الظاهر هو المنصور فلما وصف به النصر أشار إلى أنه إمّ للنسبة، وإن كان المعروف فيه فاعل وفعال أو فيه تجوّز في الإسناد إذ هو من وصف المصدر بصيغة المفعولى لا الفاعل لعدم مناسبته للمقام وقلة فائدته إذ الكلام في شأن المخاطب المنصور لا المتكلم الناصر، ومنعة بفتحتين يكون مصدرا وجمع مانع بزنة كتبة، وقيل: هو بتقدير مضاف أي عزيز صاحبه قال الإمام: وذكر الجلالة إشارة إلى أنّ النصر لا يكون إلا من الله وهو من قوله تعالى: {مَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِندِ اللهِ} [سورة آل عمران، الآية: 126] قال: لأنه لا يكون إلا بالصبر، وهو

ص: 55

لا يكون إلا منه تعالى كما قال: {وَمَا صَبْرُكَ إِلَاّ بِاللهِ} [سورة النحل، الآية: 27 ا] لأنه بذكر الله الذي تطمئن به القلوب. قوله: (الثبات) هذا هو أرجح التفاسير وفسرت بالرحمة أيضاً وهكذا هو في كل سكينة وردت إلا ما في البقرة، وقوله: حتى ثبتوا وكان قلقهم لصدّ الكفار لهم عن البيت وقد

ظنوا الرؤيا ناجزة كما ورد في الحديث، وسيأتي وتدحض بمعنى تزل وهو كناية هنا عن القلق. قوله:(يقيناً مع يقينهم) يعني أنّ الإيمان لما ثبت في الأزمنة نزل تجدّد أزمانه منزلة تجدده، وازدياده فاستعير له ذلك ورشح بكلمة مع، وعلى الثاني هو على حقيقته ومن قال: الأعمال من الإيمان، وهو يزيد وينقص لا يحتاج للتأويل ويحتمل أن يكون هذا مراد المصنف، وقوله فيسلط الخ هذا بالنسبة لجنود الأرض أو لمجموع جنود السماء والأرض لأنّ جنود السماء الملائكة ولا يجري فيها ذلك، وقوله: كما تقتضيه حكمته تنازع فيه الفعلان قبله. قوله: (من معنى التدبير) بيان لما إشارة إلى أنّ قوله ولله جنود السموات والأرض كناية عنه، وقوله: ليعرفوا الخ إشارة إلى أن العلة معرفة النعمة وشكرها لكنها لما كانت علة لدخول الجنة أقيم المسبب مقام السبب كما في الكشاف، وقوله: ذلك إن كان إشارة إلى التسليط فهو عذاب دنيوي، وإن كان إشارة إلى إدخالهم الجنة فهو أخروي وتعليقه بفتحنا وأنزل مع تعلق اللام الأخرى به بناء على ما مرّ في البقرة من تعلق الأوّل به مطلقا، والثاني مقيذ أو بتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الفعلين إذ لا يتعلق بعامل واحد حرفا جر بمعنى واحد من غير اتباع، وقوله: أو جميع ما ذكر إمّا على التنازع أو التقدير أي بتقدير ما يشملها كفعل ما ذكر ليدخل الخ. قوله: (بدل الاشتمال) وهو ما كان بينه وبين المبدل منه ملابسة بحيث يدخل أحدهما على الآخر بوجه ما وشرط في الملابسة أن تكون بغير البعضية، والكلية وهل المشتمل الأوّل أو الثاني أو العامل أو معنى الكلام أقوال ارتضى الأخير منها في الإيضاح، والاشتمال هنا لأن إدخال المؤمنين والمؤمنات الجنة وتعذيب الكفار مستلزم لزيادة الإيمان ومشتمل عليه فما قيل من أنّ الاشتمال باعتبار أنّ المؤمنين والمؤمنات يشمل المؤمنين لا وجه له فتأمل. قوله:(ينطيها) هو أصل معناه، ثم كني به عن محوها كالعفو وقوله: وعند حال من الفوز لأنه شأن

صفة النكرة إذا قدمت عليها، وكونه يجوز فيه الحالية إذا تأخر عن قوله عظيماً لا ضير فيه كما توهم. قوله:(عطف على يدخل الخ) ذكر في المعطوف عليه وجوها وأشار إلى صحة العطف على الجميع سوى البدلية لما سيأتي وهو ظاهر إلا إذا تعلق بقوله: ليزدادوا ففيه نوع خفاء وتقريره كالأوّل لأنّ ازدياد إيمان المؤمنين مما يغيظهم أيضاً والغيظ بذلك كفر على كفر مقتض لتعذيبهم وعذاب الدنيا بأيدي المؤمنين، وإمّا تقريره بأنّ اعتقادهم أنه تعالى يعذب الكفار يزيد في إيمانهم لا محالة، وما أوود عليه من أنّ مدخول اللام يجب ترتبه على متعلقها في الخارج نلا يحسم الإشكال ولا يزيل الخفاء فلا وجه له تقرير، وايراداً لأنه لا دلالة في النظم على ما ذكره إلا إذا أوّل يعذب بيجزم باعتقاد أنهم معذبون، وهو في غاية البعد لكنه مترتب على زيادة الإيمان ولزوم الترتب المذكور التزام لما لا يلزم من غير قرينة فتدبر. قوله:(إلا إذا جعلته بدلاً الخ) فيه نظر لأنّ بدل الاشتمال تصححه الملابسة كما مرّ وازدياد الإيمان على التفسيرين مما يغيظهم فلا مانع منه على البدلية، وما قيل في توجيهه من أنّ المذكور في المعطوف يباين المؤمنين فلا يستقيم عطفه على بدل الاشتمال سهو ظاهر لأنّ بدل الاشتمال لا بد فيه من المباينة كسلب زيد ثوبه، وقوله: فيكون عطفاً على المبدل منه هكذا هو في النسغ المعتمدة وفي بعضها سقط منه منه فاحتاج إلى جعله من الحذف والإيصال كالمشترك أو أنّ البدل يكون بمعنى المبدل منه من أبدلته بغيره إذا نحيته ونحن في غنية عنه بما صح في النسخ. قوله: (ظن الأمر السوء) يعني أنّ المراد بالسوء الأمر الذي ظنوه وهو عدم النصرة، وقوله تعالى:{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [سورة الفتح، الآية: 6] إما إخبار عن وقوع السوء بهم أو دعاء عليهم وجملته معترضة، والدائرة مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل من دار يدور سمي به عقبة الزمان، والسوء بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة كرجل صدق، ويقال: رجل سوء ورجل السوء معرفاً ومنكرا وبالضم هو اسم مصدر بصعنى المساءة كما في الصحاح، وليس فيه حصر المضاف

ص: 56

إليه في المفتوح حتى يردّ عليه بقراءة دائرة السوء بالضم أو يردّ بأنّ ما نحن فيه من إضافة الاسم الجامد وما فيها من إضافة غيره وبينهما فرق ظاهر، ويرد عليه ظن السوء إلا أن يريد بالجامد اسم العين وقول المصنف غلب الخ يشير إلى أنه أكثرقي كما عرفت إلا أنّ قوله: وكلاهما في الأصل مصدر فيه لمخالفة إمّا لكلام الجوهريّ، وقد مرّ الكلام عليه مفصلا في سورة براءة.

قوله: (والواو في الأخيرين الخ) يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال فلعنهم فاعد لهم لكنه عدل عنه للإشارة إلى أنّ كلَا منهما مستقل بالوعيدية من غير اعتبار للسببية فيه. قوله تعالى: ( {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية) ذكره سابقا على أنّ المراد به أنه المدبر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته فلذلك ذيله بقوله: عليماً حكيماً، وهنا أريد به التهديد بانهم في قبضة قدرة المنتقم فلذا ذيله بقوله عزيزا حكيما فلا تكرار، وقيل إنّ الجنود جنود رحمة وجنود عذاب والمراد هنا الثاني ولذا تعرّض لوصف العزة فتأمّل. قوله:(الخطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم الخ) إذا كان الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّته كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} [سورة الطلاق، الآية: ا] فهو تغليب ويكون النبيّ مخاطباً بالإيمان برسالته كسائرالمؤمنين وهو كذلك، وقال الواحديّ: هو على اللف والنشر فالخطاب في أرسلناك للنبيّ وفي لتؤمنوا لأمّته والتقدير فعل ذلك لتؤمنوا أو قل لهم لتؤمنوا لأنّ سماعهم مقصود وأورد عليه أنه مناف لقول الشريف في شرح المفتاح في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سورة هود، الآية: 23 ا] فيمن قرأ بتاء الخطاب بتغليب المخاطب على الغائب إذ عبر عنهم بصيغة موضوعة للمخاطب، ولا يجوز اعتبار خطاب من سواه بلا تغليب لامتناع أن يخاطب في كلام واحد اثنان من غير عطف أو تثنية أو جمع اه، وهذه القاعدة وإن قرّرها الرضي وغيره في مباحث اسم الإشارة فليست مطلقة كما يعلم من تتبع كلامهم بل هي فيما إذا لم يكن أحدهما بعضاً من الآخر فإنه حينئذ غير مغاير له بالكلية، وإن لم ينسلخ عنه معنى الخطاب كقوله:

أحيا أباكن يا ليلي الأماديح

قال المرزوقي خاطب الجماعة ثم خص واحدة منها وذكر له نظائر، وقال الرضي في التعجب لا يخاطب اثنان في حالة واحدة إلا أن ينمحي معنى الخطاب عن أحدهما وعلى الوجه الأوّل أحدهما بعض من الآخر وعلى الثاني هو عينه ادّعاء فلا تعدّد كما أشار إليه المصنف أو أنهم ليسوا مخاطبين في الحقيقة مخاطبهم في حكم الغيبة فاحفظه، ومنه تعلم أنّ ما تقدم كلام من لم يطبق المفصل في هذه القاعدة، وقد فصلناها في غير هذا الكتاب وأنه لا غبار عليه سوى عدم الفهم والقول بأنه ليس كلملاما واحداً لتقدير المعلل كما مرّ عن الواحدي لا حاجة

إليه، ولا يلائم ما ذكره المصنف. قوله:(وتعزروه (من العزر وهو أحد معاني التعزير وفي نسخة وتقوّوه فعزره بمعنى أيده وقوّاه، وهذا على المختار من رجوع الضمائر كلها لله لا إنّ الأوّلين للرسول والأخير لله لما فيه من التفكيك، وقوله: أو تصلوا له فإن التسبيح يطلق على الصلاة لاشتمالها عليه، وبه فسر ابن عباس رضي الله عنه هنا وقوله: غدوة وعشياً على الوجهين بإبقائه على ظاهره، وقوله: أو دائما بجعل طرفي النهار كناية عن الجميع كما يقال شرقاً وغرباً لجميع الدنيا. قوله: (لأنه المقصود ببيعته) توجيه للحصر بأنه باعتبار المقصود لأنّ المقصود من بيعة الرسول واطاعته إطاعة الله وامتثال أوامره لقوله: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [سورة النساء، الآية: 80] فبيعة الله بمعنى طاعته مشاكلة أو هو صرف مجاز. قوله: (حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل الا يخفى ما في الحالية لعدم اقتران الاسمية بالواو وقد أباه المصنف ومرّ توجيهه فتذكر. وهو حال من الفاعل، وقيل: هو خبر بعد خبر والتأكيد ظاهر لأنّ قوله: يد الله الخ عبارة عن المبايعة، وفي الكشاف لما قال:{إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} أكده تأكيدا على طريق التخييل فقال: يد الله فوق أيديهم يريد أنّ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام وأنما المعنى تقرير أنّ عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما اهـ، وفي المفتاح أمّا حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كما في قولك فلان بين أنياب المنية ومخالبها، ثم إذا انضم إليها المشاكلة كما في قوله يد الله الخ كانت أحسن وأحسن

ص: 57

اص، يعني أنّ اسم الله استعارة بالكناية تشبيها له بالمبايع، واليد استعارة تخييلية مع أنّ فيها أيضاً مشاكلة لذكرها مع أيدي الناس وامتناع الاستعارة في اسم الله إنما هو في الاستعارة التصريحية دون المكنية لأنه لا يلزم إطلاق اسمه تعالى على غيره، ومن سخيف الكلام ما قيل إنه يلزم من المشاكلة أي ازدواج اللفظ في يبايعونك وأنما يبايعون أن يكون الله تعالى مبايعا وأن لا بد للمبايع من يد فيتوهم له تعالى شيء كاليد وهي القدرة ويطلق عليه لفظ اليد، وهذه الاستعارة منضمة إلى المشاكلة أو يقال المبايعة المنسوبة له تعالى تخييلية تنزيلا له تعالى منزلة رسوله صلى الله عليه وسلم وأثبت له يد على سبيل التخييل ترشيحاً فصار يد الله قد انضم إليها المشاكلة كما حققه السعد، والسيد في شرح المفتاح فما ذكره السكاكيّ غير ما في الكشاف فلا تغتر ربما في بعض الشروح من التخليط والتخبيط هنا، وقد أجمل المصنف ما فصلناه وأقحم لفظ سبيل كما أقحم الزمخشريّ لفظ طريق دفعا لم يتوهم من أن التخييل لا يصح استعماله في حقه تعالى، وقد قيل

الصواب إبدالها بالتمثيل فتدبر. قوله: (بضم الهاء) كما تضم في نحو له وضربه ومن كسرها راعى الياء قبلها، وقوله: في بيعة الرضوان وهي البيعة الواقعة بالحديبية سميت بيعة الرضوان لقول الله تعالى فيها لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك الآية. قوله: (أسلم الخ) هي قبائل من العرب معروفة، وقوله: استنفرهم أي طلب منهم أن ينفروا معه أي يخرجوا معه والخذلان منه تعالى إذ لم يوفقهم لطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: (من يقوم بإشنالهم) أي بأشغال الأهل والأموال فغلب العقلاء على غيرهم في الضمير، وقوله: بالتشديد أي تشديد الغين المعجمة، وقوله: من الله متعلق باستغفر أي اطلب لنا منه مغفرة لذنبنا الصادر منا وهو التخلف فعلى للتعليل، وقوله: تكذيب الخ يعني أنّ كلامهم من طرف اللسان غير مطابق لما في الجنان كناية عن كذبهم، والكذب راجع لما تضمنه الكلام من الخبر عن تخلفهم بأنه كان لضرورة داعية له وهي القيام بمصالحهم التي لا بد منها وعدم من يقوم بها لو خرجوا معه وأما تكذيبهم في الاستغفار وهو أمر وإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب فباعتبار ما تضمنه من اعترافهم، وايمانهم بأنهم مذنبون وأنّ دعاءه لهم يفيدهم فائدة لازمة لهم مع أنّ اعتقادهم يخالفه. قوله:(فمن يمنعكم الخ) فسريملك بيمنع على أنه مجاز عنه أو ضمن معناه لتعديته بمن ولما عقب بقوله: إن أراد بكم الخ لزم تقدير المشيئة بعده لأنه كالتقسيم له واللام إمّا للبيان أو للصلة أي قل لهم إذ لا أحد يدفع ضره ولا نفعه فليس الشغل بالأهل والمال عذراً وفي الانتصاف إنّ فيه لفاً ونثرا وكان الأصل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا ومن يحرمكم النفع إن أراد نفعا لأنّ هذا ورد في الضر مطرداً كقول: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [سورة المائدة، الآية: 17] وكذا في الحديث خطاباً لعشيرته صلى الله عليه وسلم: " لا أملك لكم من الله شيئاً الخ) وفيه بحث. قوله: (ما يضركم) فليس المراد به المعنى المصدري وهو

إمّ الحاصل به أو مؤوّل بالوصف، وقوله: كقتل وهزيمة ظاهر وما قيل عليه من أنّ المراد به ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما حتى تخلفوا عن الخروح لحفظهما والنفع ما ينفع من حفظ المال والأهل، وتعميم الضر والنفع يردّه قوله: بل كان الله بما تعملون خبيراً فإنه إضراب عما قالوا وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدوره كلام أو هي من بيت العنكبوت لأنّ في التعميم إفادة لما ذكر مع زيادة لا تضر بل تفيد قوّة وبلاغة وفي كلام المصنف إشارة إليه، وقوله: تعريض بالردّ أي بردّ اعتذارهم كما قرّرناه من أنه يفيد أن تخلفهم ليس لما ذكر بل لخوف الهلاك وظن النجاة بالقعود، ثم إنّ الإضراب الأوّل ردّ أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم واثبات الحسد والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أظلم مته، وهو الجهل وقلة الفهم كما في الكشاف ويستأصلونهم بمعنى يقطعون أصلهم فكني به عن قتلهم جميعاً. قوله. (وأهلون الخ) جمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل، وقوله: وقد يجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديراً فيجمع كتمرة وتمرات، ويجوز تحريك عينه أيضا فيقال:

ص: 58

أهلات بفتح الهاء فإن قلت كيف يصح قوله: في أهال إنه اسم جمع وشرطه أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أو لا قلت ما ذكرته هو مصطلح النحاة والمصنف والزمخشريّ يستعمله بمعنى الجمع الوارد على خلاف القياس، وإن لم يكن كذلك كما مرّ تحقيقه في الأحاديث الواردة، والمراد بالأهل عشيرته أو أقرباؤه. قوله:(فتمكن فيها) زيته بمعنى حسنه حتى قبلوه فتمكن في قلوبهم، وقوله: وهو الله مرّ تحقيقه في سورة الأنعام، وقوله: الظن المذكور يعني في قوله بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول الخ فتعريفه للعهد الذكرى، وقوله: والمراد التسجيل الخ يعني أنه أعيد ليبين صفة السوء له فلا تكرار فيه أو هو عام فذكره للتعميم بعد التخصيص، والزائغة بالزاي والغين المعجمتين بمعنى الباطلة، وقوله: هالكين فسره به لأنّ بوراً في الأصل مصدر كالهلك بالضم فيوصف به الواحد المذكر وغيره أو هو جمع بائر كعائذ وعوذ وأصل معناه الفساد كما أشار إليه المصنف، وقوله: عند الله بمعنى في علم الله وحكمه وهو توجيه للمضي في قوله: كنتم بأنه باعتبار العلم الأزلي. قوله: (وضع الكافرين الخ) يعني أنّ مقتضى الظاهر

لهم فعدل عنه لما ذكر، وقوله: بكفره لأنّ التعليق بالمشتق يقتضي أنّ مأخذ اشتقاقه علة للحكم عليه بما حكم به كما تقرّر في الأصول، وقوله: للتهويل لما فيه من الإشارة إلى أنه لا يمكن معرفتها واكتناه كنهها، وقوله: أو لأنها نار مخصوصة فالتنوين والتنكير للتنويع أو لأنها اسم لطبقة مخصوصة منها شاعت فيها فلا حاجة لتعريفها باللام كما قيل وسيأتي في سورة تبارك تفصيله، وفيه بحث لأنه لا يصح القول بالعلمية لدخول أل عليه ولا بالغلبة لأنه يلزمه اللام أو الإضافة ولو عرف السعير وقصد تعريف العهد أفاد ما ذكر فالوجه هو الأوّل فتأمّل. قوله:(يدبره كيف يشاء) هذا معناه الالتزامي لأنه إذا اختص به ملكه لزم تصرفه كيف يشاء وهو توطئة لما بعده، وقوله: إذ لا وجوب عليه بل هو معلق بمحض إرادته ومشيثته فالغفران والتعذيب لا مقتضى له سوى إرادته كما هو ظاهر الآية وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة في الإيجاب لما ذبر عليه، ولذا قال في الكشاف: يدبره تدبير قادر حكيم فيغفر ويعذب بمشيئته ومشيئته تابعة لحكمته وحكمته المغفرة للتائب وتعذيب المصر هـ، والمصنف أشار إلى الردّ عليه بما ذكره لما فيه من التحريف والتعكيس الداعي له حمية الجاهلية الاعتزالية كما بينه الشراح. قوله:(فإنّ النفران الخ) دفع لما يتوهم من تدافع كونه غفوراً رحيماً، وكونه معذبا بأنّ الغفران والرحمة بحسب ذاته والتعذيب بالعرض وتبعيته للقضاء، والعصيان المقتضي لذلك كما قرّره المصنف في قوله: بيدك الخير من أنّ الخير هو المقضي بالذات والشر بالعرض إذ لا يوجد شرّ جزئي إلا وهو متضمن لكل خير فالشرية بالعرض والتبع كما فصله في شرح هياكل النور فإن فهمت فنور على نور. قوله: (في الحديث الإلص) أي القدسي ولفظه: (كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي) فالسبق على ما ذكره المصنف بمعنى التقدم الذاتي، وقال التوربشتي المراد بالسبق والغلبة الواقعة في بعض الروايات كثرة الرحمة وشمولها كما يقال: غلب على فلان الكرم وقال الطيبي هو كقوله كتب على نفسه الرحمة أي أوجب على نفسه بوعده لهم أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على الغضب من العقاب فإنه يتجاوز عنه فالمراد بالسبق القطع بالوقوع، فإن قلت صفاته تعالى قديمة فكيف يتصوّر سبق بعضها على بعض قلت: السبق كما في شرح الكرماني للبخاري باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته بخلاف الغضب فإنه يتوقف على سابقة عمل من العبد مع أنّ الرحمة، والغضب ليسا صفتين دلّه بل هما فعلان له، ويجوز تقدم

بعض الأفعال على بعض اص. قوله: (يعني المذكورين) من القبائل في تفسير قوله: سيقول لك المخلفون من الإعراب، وقوله: يعني مغانم خيبر فإنّ السين تدلّ على القرب وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية فهي المرادة هنا كما أشار إليه بقوله: فإنه الخ وقوله: سنة ست قد تقدّم أنه ينافي قوله في أوّل هذه السورة في هذه السنة، وقد سبق التوفيق بينهما وفتح مكة في سنة تسع كما في البخاري. قوله:) فخصها بهم) أي بمن شهد الحديبية وكان ذلك بوحي وفي هذا قرينة

ص: 59

على تقييد إطلاق ما سيأتي من قوله أن يعوضهم الخ ولا ينافي التخصيص المذكور إطلاق بعض مهاجري الحبشة وبعض الدوسيين والأشعريين من ذلك، وهم أصحاب السفينة كما في البخاري فإنه كان اسننزالاً للمسلمين عن بعض حقوقهم لهم أو اًن بعضها فتح صلحاً وما أعطاه لهؤلاء بعض مما صالح عليه، وكله مذكور في السير لكن الذي صححه المحدّثون أنه لا صلح فيها، وقال الكرمانيّ: إنما أعطاهم برضا أصحاب الوقعة أو أعطاهم من الخمس الذي هو حقه وميل البخاري إلى الثاني، ومنه يظهر أنّ ما قيل إنّ الأولى أن يقول بدل قوله: أن يعوّضهم أن يخصهم ليظهر التبديل ويجوز أن يقال المراد جميع مغانم خيبر لأن الجمع المضاف من صيغ العموم لا وجه له فتدبر.

قوله: (وقيل قوله الخ) قال البغوي: قال ابن زيد هو قوله تعالى: {فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا} [سورة النوبة، الآية: 83] والأوّل أصوب وعليه عامة التأويل اهـ ولذا مرضه المصنف وقوله: والظاهر أنه في تبوك أي في غزوتها المعروفة فنزول هذه الآيه بعد ذلك بكثير، وفي البحر وقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة معه صلى الله عليه وسلم أعلم بصحته، وقوله: اسم للتكليم أي هو اسم مصدر له والكلم اسم جمعيّ، وسماه المصنف جمعا على اصطلاح أهل اللغة وهو أمر سهل، وقوله: نفي في معنى النهي فالخبر مجاز عن النهي ب الإنشائي، وهو أبلغ وقوله: تهيئهم للخروج بيان للمضاف المقدر. قوله تعالى:) {بَلْ تَحْسُدُونَنَا} ) إضراب عن كونه بحكم الله أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسداً كما سيأتي في

قوله، ومعنى الإضراب الخ، وقوله: أن نشارككم بيان لمفعوله المقدر وقوله. بالكسر أي كسر سين المضارع وهي شاذة والمشهور فيها الضم، وقوله: إلا فهما قليلاً فهو صفة مصدر مقدر، وقوله: وهو أي الفهم القليل، وقوله: بهذا الاسم أي المخلفين من الإعراب، وقوله: مبالغة الخ لتأكيده بتكريره الدال على شناعته، وبني حنيفة كسفينة قوم مسيلمة الكذاب الذين ارتدوا وقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، وقوله: أو المشركين هو مذهب الشافعيّ فإنه لا يقبل منهم الجزية، وعند أبي حنيفة هو مخصوص بمشركي العرب. قوله تعالى:( {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} ) جوّز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً وحالية وصفة لقوم لإخراج من عدا أهل الردة والشرك وليس في كلام المصنف ما يخالفه، ومن قال إنه لا وجه للوصفية قيل: أراد أن مضمونه غير معلوم لهم كما هو شأن الصفات لكنه أمر غير مطرد، وقيل إنه لو كان صفة قيل: يقاتلون أو يسلمون لئلا يتضمن زيادة لا حاجة إليها وتوقف فيه بعضهم، وكله مما نشأ من قلة التدبر فإنه قال: ولا يجوز أن يكون صفة لقوم لأنهم دعوا إلى قتال القوم لا أنهم دعوا إلى قوم موصوفين بالمقاتلة أو الإسلام، اهـ وأصله العطف فعدل إلى أعظم الوصلين وحاصله أنّ المعنى فاسد على الوصفية لأنه لا يفيد أنّ دعوتهم للقتال، وهو المقصود فتدبر، ومنه تعلم حال الحالية. قوله: (يكون أحد الأمرين (كما تدل عليه أو، وقوله: لا غير لأنها لمنع الخلوّ ثم إنهم فعلوا ذلك وحصلوا الغرض فهو خبر عن أمر واقع والاعتراض بأنه يلزم أن لا ينفك الوجود عن أحدهما لصدق أخبار. تعالى وهو منفك بتركهم سدى أو بالهدنة فيلزم أن يؤوّل بالأمر كما في أمالي ابن الحاجب غير سديد لأنهم قوم مخصوصون والواقع أنهم قوتلوا إلى أن أسلموا سواء فسر القوم بثقيف وهوازن أو ببني حنيفة أو فارس والروم على أنّ الإسلام الانقياد وما انفك الوجود عن أحدهما بل وقعا وأمّا امتناع الانفكاك فليس من مقتضى الوضع، ولا الاستعمال فأو للتنويع والحصر لا للشك وهو كثير وقوله: دل عليه قراءة أو يسلموا لأن النصب يقتضي أنّ أو بمعنى إلا أن الخ فيفيد الحصر أو بمعنى إلى أن والغاية تقتضي أنه لا ينفطع القتال بغير الإسلام فيفيده أيضاً فقصره على الأوّل تقصير أو قصور، وأمّا احتمال عطفه على تقاتلون بحسب المعنى لأنه في معنى لتقاتلوهم إذ هو في جواب لماذا ندعي فبعيد لا يرتكب مثله من غير ضرورة داعية له. قوله: (وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه الخ (

ووجهه ما قاله الإمام من أنّ الداعي في قوله: سندعون لا يخلو من أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم أو الأئمة الأربعة أو من بعدهم لا يجوز الأوّل لقوله: قل لن تتبعونا الخ ولا أن يكون عليا كرم الله وجهه لقوله: أو يسلمون فإنه إنما قاتل البغاة والخوارج، ولا من ملك بعدهم لأنهم على الخطا عندنا وعلى الكفر عند الشيعة فتعين أن يكون أبا بكر وعمر

ص: 60

وعثمان وأيهم كان ثبت المطلوب لأنّ إمامتيهما فرع عن إمامته وقد أوجب تعالى طاعة الداعي، وأوعد على مخالفته وهو يقتضي إمامته ولا يرد عليه كما توهم أنّ لن لا تفيد التأبيد لا سيما والمراد منها النهي، أو أنه نفي مقيد أي في خيبر أو ما دمتم على مرض القلب لأنّ مثله لا يكفي فيه مجرّد الاحتمال، وفي البحر أنه ليس بصحيح لأنه قد حضر كثير منهم مع جعفر في موته وحضروا معهءلجي! ز هوازن وتبوك فلا يتمّ ما ذكر إلا إذا عين أهل الردة، وقوله: ومعنى الخ أي على هذا الوجه الأخير كما مرّ تحقيقه فإنّ فارس مجوس والروم نصارى فلا يتعين أحد الأمرين من المقاتلة والإسلام إذ يقبل منهم الجزية فإذا كان يسلمون بمعنى ينقادون تناول قبول الجزية وصح معناه. قوله: (فصل الوعد الخ) أورد عليه بعض فضلاء العصر أنّ آية الوعيد المجمل المذكور وهي قوله: يعذبكم عذابا أليما قرينة للوعد السابق، وهو قوله: فأن تطيعوا الخ والوعيد العام الآتي وهو قوله ومن يتولّ يعذبه عذابا أليماً قرين الوعد العام فكما أنّ الوعيد مكرّر فكذا إعادة الوعد مقرّر فليس في جانب الوعيد ما يكون جابراً لنقصانه عن الوعد الناشئ من الإجمال، وأجيب عنه بأنّ القائل غفل عن تقييد المصنف قوله: بالتكرير بقوله: على سبيل التعميم يعني أنّ التكرير إذا كان بطريق التعميم في الوعيد يكون مقابلا للتفصيل في الوعد فيحصل الجبر، وقيل: الأحسن أن يقال مراده بالتكرير تكريره بخصوصيته، وليس هو كذلك في جانب الوعد لأنّ العنوان فيه مختلف، وهذا المجيب خفي عليه ما قلنا فظن المخلص قوله على سبيل التعميم، ولم يدر أنّ التعميم موجود في صورة الوعد أيضاً ولا يخفى ما في تقريرهم فإنّ المخاطب في الجملة الأولى قوم مخصوصون في جانبي الوعد والوعيد وهم المخلفون والمذكور هاهنا عام فيهما ولذا عبر عنه بالموصول، ولا تكرار في الوعد لتغاير الموعودين بالعموم والخصوص والوعدين بالإجمال والتفصيل لفظاً

ومفهوما بخلاف الوعيد يعني أنّ المصنف أدخل في الإجمال الغنيمة فكيف يكون هذا تفصيله، وسبق الرحمة سبق تقريره والترهيب أنفع لأنّ المقام يقتضيه وبه ينزجر المرء عن المعاصي فيفوز بالسعادة العظمى والترغيب ربما ضر بتأديته للتكاسل. قوله:(روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ (رواه الإمام أحمد رحمه الله، والحديبية بتخفيف الياء تصغير حدباة سمي بها المكان وفي القاموس الحديبية بالتخفيف وقد تشدد بئر قرب مكة أو شجرة اه، والتخفيف هو المختار عند أهل اللغة والتشديد قول ابن وهب وأكثر المحدثين كما في الأذكار وخراش بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها شين معجمة وهو صحابيّ معروف وهكذا هو في السير وفي الاستيعاب فما وقع في بعض النسخ من أنه حواس بالحاء والواو والسين المهملة من تحريف الناسخ، وقوله: هموا به بتقدير مضاف أي بقتله والأحابيش جمع أحبوش وهم قوم من قبائل شتى سموا به قيل: لسوادهم كالحبش، وقيل: لتحالفهم عند جبل يسمى حبشيئ وقوله: فأرجف بقتله أي تحدث الناس به وشاع بينهم والإرجاف إشاعة أخبار لا أصل لها، وقوله: أو أربعمائة هو الأصح عند المحدثين، وجمع بين الروايات بانها بناء على عد الجميع أو ترك الأصاغر والاتباع والأوساط كما في شرح البخاريّ، وسمرة بفتح السين المهملة وضمّ الميم شجرة معروفة، وفي قوله: جالسا تحت سمرة إشارة إلى أنّ قوله تحت الشجرة حال من مفعول يبايعونك ويجوز تعلقه به، وكانت بيعتهم على أن يقاتلوا وقيل على الموت وكان الناس يأتون الشجرة فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأمر بقطعها، وقيل: إنها عميت عليهم فلم يدووا أين ذهبت وحكمته أنه خشي الفتنة بها لقرب الجاهلية وعبادة غير ألله فيهم. قوله: (فعلم) عطف على قوله: يبايعونك لأنه ماض قصد به حكاية الحال الماضية أو علي رضي الله والفاء داخلة على السبب لتأويله بظهر علمه فيصير مسببا فلا يرد ما قيل عليه إن رضاه عنهم مترتب على علمه بذلك مع ما فيه. قوله: (أو هجر (قيل عليه: إنّ هجر كما في النهاية قرية قريبة من المدينة منها القلال أو قرية بالبحرين ولم يذكر أحد أنه غزاها، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسم صالح أهل البحرين وأخذ الجزية من مجوس هجر

والفتح يعم الصلح كما مرّ وهجر يكون اسما أيضاً لجميع أرض البحرين فسقط ما اعترض به سقوطا ظاهرا، ولما فيه من حمل الفتح على خلاف ظاهره مرضه المصنف، وقوله: غالبا الخ لف ونشر مرتب. قوله تعالى: ( {وَعَدَكُمُ} )

ص: 61

قال بعض الأفاضل: المناسبة لما مرّ من ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم بطريق الخطاب وغيره بطريق الغيبة كقوله: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تقتضي أنّ هذا جار على نهج التغليب، وإن احتمل تلوين الخطاب فيه، وقوله: فعجل لكم هذه قيل عليه إن نزلت بعد فتح خيبر لم تكن السورة بتمامها نازلة في مرجعه س! ر كما ذكره في أوّل السورة فهو باعتبار اكثر وإن نزلت قبلها فهو بتنزيلها لتحققها منزلة الحاضرة المشاهدة على أنه إخبار عن ال! ب على عادته تعالى، ولا يخفى بعده فالظاهر أن يجعل المرجع اسم زمان ممتد فتدبر. قوله:(ما يفيء) أي يعود ويرجع من الفيء وبنو أسد وغطفان كانوا حلفاء لأهل خيبر فلما سمعوا بتوجهه ىس! لخيبر ساروا لمعاونة اليهود فسمعوا ضجة، وظنوا أنّ النبيّءشوو والمؤمنين أوقعوا بحبهم فرجعوا أو خلوا بينه وبين خيبر كما ذكره المحدثون، وقوله: هذه الكفة تفسير للضمير المؤنث المستتر في تكون ولو فسر بالكف وجعل تأنيثه باعتبار الخبر صح، وقوله: أمارة تفسير للآية وقوله: من الله بمكان أي لهم رفعة وشأن عند الله فالمكان مجاز عن رتبة الشرف وتنوينه للتعظيم، وقوله: أو صدق بالنصب معطوف على محل إنهم الخ أي إمارة تعرفون بها صدق الرسولءلمج! هـ في وعده لهم، قوله: في حين الخ مؤيد لما مرّ من امتداده، وقوله: وعد المغانم معطوف على قوله: أمارة وكون الآية بمعنى الوعد لأنه يدل على وقوع ما وعد والآية بمعنى الدليل وكذا عنوانا، وعنوان رسول الله-ش! لى فتح مكة في منامه، ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي فتأخر ذلك إلى السنة القابلة فجعل فتح خيبر علامة وعنوانا لفتح مكة، ولا يخفى أنّ معنى العنوان قريب من الإمارة فإنه يتجوز به عن ذلك كقولط ابن الرومي:

وقل من ضمنت خيراً طويته إلا وفي وجهه للخير عنوان

ثم إنّ في قول الزمخشريّ في السنة القابلة نظراً فإنه كان بعد مضي أكثر من سنة فتأمّل. قوله: (والعطف القوله: ولتكون الخ على مقدر لعدم تقدم ما يصلح لعطفه عليه ظاهرا وجوز كونه علة لجميع ما قبله من قوله: وعدكم الخ والتقدير لنفعكم بما ذكر ولتكون الخ، وفي

قوله: لتسلموا الخ لف ونشر والواو عاطفة أيضاً. قوله: (هو الثقة الخ) فسر الصراط المستقيم بما ذكر لأن الحاصل من الكف ليس إلا ذلك ولأنّ أصل الهدى حاصل قبله، وقوله: وأخرى الخ ذكر فيه وجوه من الإعراب كلها ظاهرة وأجروا فيه الوجوه الثلاثة إلا أنّ كونه مجروراً بإضمار رب قيل فيه غرابة لأنّ رب لم تأت في القرآن جارّة مظهرة مع كثرة دورها فكيف تضمر هنا والوارد منها متصل بما الكافة نحو ربما يودّ وفيه نظر، وقوله: على هذه أي على لفظ هذه في قوله: {فَعَجَّلَ لَكُمْ} [سورة الفتح، الآية: 20] هذه والتعجيل بالنسبة لما بعده فيجوز تعدد المعجل كالابتداء بشيئين، وقوله: قضى الخ ليس المقصود بالإفادة كونها مقضية بل ما بعده فلا يتوهم أنه لا فائدة فيه وإذا رفعت بالابتداء فخبرها قد أحاط الخ أو هو مقدر ثمة ونحوه، وقوله: لأنها موصوفة أي بجملة لم تقدروا وقد جوّز فيه عدم الوصفية كقولهم ضعيف عاذ بقرملة. قوله: (بعد) قيل: هو قيد زائد يتعين حذفه، وهو ناشئ من قلة التدبر لأنه مبنيّ على الضم وأصله بعد ما مضى ومعناه إلى الآن وهو لبيان صحة الجمع بين كونه معجلا أو غير مقدور عليه، وليس الموعود من الغنائم معيناً ليدخل فيه الأخرى، ويرد ما قيل على تقدير قضى إنّ الأخبار بقضاء الله بعد اندراجها في المغانم الموعودة لا فائدة فيه، وإنما الفائدة في تعجيلها فتدبر. قوله:(لما كان فيها من الجولة) وهي مرّة من الجولان بمعنى الدور وهو تعبير بليغ وقع في الأحاديث وإشعار العرب القديمة كقوله:

فجلنا جولة ثم انثنينا

فكني به عن الهزيمة مطلقاً أو عن الهزيمة مع الرجوع عن القتال وهي الجولة ثم الهزيمة، ثم الرجوع ومن فسرها بالغلبة على أنّ المراد غلبة الكفار لم يصب. قوله:(استولى) فالإحاطة مجاز عن الاستيلاء التام فهي في قبض قدرته يسخرها له! ن أراد ولذا ذيله بقوله، وكان الله الخ وقوله: لأنّ قدرته ذاتية أي قدرته تعالى مقتضى ذاته ولا مدخل فيها لغير الذات أصلا وما هو بمقتضى الذات لا يمكن أن يتغير، ولا أن يتخلف ويزول

ص: 62

عنها بسبب ما كما تقرّر في الأصول فتكون نسبة القدرة إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغيرة بل متخلفة، وقوله: دون شيء أي منتهية عند. غير متجاوزة له

لأنّ علتها لا تنتهي. قوله: (لانهزموا الأن توليته دبره كناية عن الهزيمة، وقوله: يحرسهم فسر الوليّ بالحارس لمناسبتة للمنهزم وهو أحد معانيه، وقوله: سن الخ إشارة إلى أنّ سنة منصوبة على المصدرية هنا، وقوله: في داخل مكة فهو كباطن الدار وبطن الوادي لداخله، وقوله: أظهركم إشارة إلى أنّ تعدى الظفر بعلى لتضمينه معنى الظهور والعلوّ عليهم أي الغلبة التامّة. قوله: (وذلك أن عكرمة الخ) في الدرّ المنثور كما أخرجه ابن جرير وابن المنذو وابن أبي حاتم عن ابن أبزى أنّ النبئ صلى الله عليه وسلم لما خرج بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر: يا نبئ الله تدخل على قوم لك بنير سلاح ولا كراع فبعث إلى المدينة فلم يدع فيها كراعاً ولا سلاحاً إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بها فأتاه الخبر أنّ عكرمة بن أبي جهل قد جمع عليك في خمسمائة فقال لخالد بن الوليد: يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل فقال خالدا: أنا سيف الله وسيف رسوله فسمي يومنذ سيف الله فقال: يا رسول الله ارم بي إن شئت فبعثه على خيله فلقي كرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم دنا في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم دنا في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل الله وهو الذي كف الخ، والمصنف تبع هنا ما ذكر وهو مطعون فيه لأنّ إسلام خالد رضي الله عنه بعد الحديبية قبل عمرة القضاء، وقيل بعدها وهي في السنة السابعة لا الثامنة كما صححه أصحاب السير، والذي رواه ابن إسحاق وغيره أنه صلى الله عليه وسلم خرج حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريث! قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمر، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبداً، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم، وقال ابن سعد: قدموا مائتي فارس عليها خالد بن الوليد ويقال: عكرمة بن أبي جهل قال: ودنا خالد في خيله حتى نظر إلى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم في خيله فقام بإزائه وصف أصحابه، وحانت صلاة الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف، اهـ فعلم منه أنّ خالد بن الوليد كان في سرية المشركين وأنّ إدخالهم حيطان مكة لم يكن فهو مردود رواية من وجهين. قوله:(وقيل كان ذلك يوم الفتح) أي فتح مكة والإشارة إلى بعث خالد وما بعده وهو إشارة إلى الطعن في الرواية الأولى كما سمعته آنفاً وقيل: الإشارة إلى كف الأيدي والظاهر الأوّل، وقيل: والرواية الأولى غلط منشؤه أنه صلى الله عليه وسلم أمرّ خالد بن الوليد على بعض القبائل يوم فتح مكة فدخل من

أسفلها، وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل جمعا ناساً ليقاتلوا فكان بينهم ما هو قريب من هذا كما رواه ابن إسحاق وابن هشام، قيل: ولا ينافيه قوله: بالحديبية لأنها قريبة من أسفل مكة وقد تبع المصنف في هذا الوهم بعضهم مع شغفه بالاعتراض عليه. قوله: (واستشهد به (أي بما في هذه الآية بناء على أنها في فتح مكة كما هو ظاهر قوله: ببطن مكة لا بما في هذا الحديث من قتالهم، والمستشهد به هو أبو حنيفة رحمه الله ولما دخل عبئ مكة قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فكان هذا أمانا لمن لم يقاتل منهم ولذا قال الشافعي: وغيره أنّ مكة مؤمنة وليست عنوة وقهراً والأمان كالصلح فيجوز بيع دورها وكراؤها وأكثرهم يرون فتحها عنوة لأنها أخذت بالخيل والركاب، وقد يجمع بأنّ بعضها بأمان وهو الطرف الذي دخل منه صلى الله عليه وسلم وبعضها بحرب، وهو ما يقابله فلا يبقى محل للخلاف فتامّل. قوله: (وهو) أي كون ذلك يوم الفتح ضعيف وقد عرفت ما فيه الضعف، وقوله: إذ السورة نزلت قبله أي قبل فتح مكة كما بينه في أوّل السورة، وما قيل عليه من أنه إن أراد أنها بتمامها نزلت قبله فليس بثابت بل هو مخالف للأثر الذي رواه في آخر التوبة والا فلا يفيد مع أنه يجوز أن يكون إخباراً عن الغيب كما مرّ في إنا فتحنا ثم إنه يرد عليه منع دلالته على العنوة فقد يكون الفتح الظفر بالبلد، ولو صلحاً كما قال الزمخشري

ص: 63

الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحاً بحرب أو بغير حرب، اهـ فليس له وجه لأنّ المصنف له أن يلتزم الأوّل ويخص الأثر بالسور الطوال على أنّ مقصوده الرد على الزمخشري، وهو معترف بما ذكره وكونه إخباراً عن الغيب خلاف الظاهر والمتبادر من الفتح ما ذكره المصنف رحمه الله وما ذكره هذا القائل معنى مجازي يحتاج الحمل عليه إلى قرينة، ثم إنّ الفتح وإن كان مطلق الظفر لكن الظفر إذا تعدى بعلى كما هنا أقتضى ما ذكر هنا بخلاف المعدى بالباء كما أشار إليه بعض شزاح الكشاف فتدبر. قوله:) من مقاتلتهم) عدل عن الخطاب مع أنّ تفسيره عليه لأنه المناسب لزمان التفسير، ولو قيل المصدر مضاف للمفعول على أنّ ضمير مقاتلتهم وكفهم ويجازيهم للكفار لا للمؤمنين كانت الغيبة على مقتضى الظاهر فتأمّل. قوله: (يدل على أنّ ذلك الخ الأن صدّ الهدي وعكوفه أي حبسه عن بلوغ محله إنما كان بها، وفاعل يدل المستتر يعود على قوله والهدي الخ وذلك إشارة إلى الصذ ولو جعل الضمير لقوله: هم الذين كفروا الخ لتضمنها للدالّ والإشارة للظفر المار ذكره لاتحاد زمان الصذ والظفر عند المصنف رحمه الله لما مرّ من نزول السورة دفعة واحدة عنده لم يكن به بأس فالرد على قائله بما ذكر من لزوم ما لا يلزم. قوله: (مكانه الذي يحل فيه نحره (على أنّ المحل مكان

الحل لا مكان الحلول، وقوله: والمراد مكانه المعهود لا مطلق المكان إذ هو بالغ محله لأنّ محله حيث أحصر عند الشافعيّ فلا بدّ من هذا التأويل عنده بل مطلقا كما سيأتي. قوله: (وإلا لما نحره الخ) إلا هذه مركبة من أن الشرطية ولا النافية وقد أوقع اللام في جوابها، وقيل: إنه خطأ إذ لم يسمع مثله وإن كثر في كلام المولدين، ووجهه بعضهم بأنه حمل فيه إن على لو وليس بشيء فالصواب أن يقال: لو مقدرة في مثله ترقيا من احتمال العدم إلى الجزم به والتقدير، وإن لم يحمل على المعهود فلو حمل على الأعمّ لما وتقدير الشرط غير عزيز، وأما قول بعض الحنفية أنّ بعض الحديبية من الحرم كما قاله الزمخشري: أو غيره فقال في الكشف إنه خلاف ما عليه الجمهور، وحدود الحرم معروفة من زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولا يعتدّ برواية شذ بها الواقديّ، وقد صرّح البخاري في صحيحه بخلافه نقلاً عن الثقات، وما ووي فيه عن الزهرقي لم يثبت ولذا لم يلتفت المصنف رحمه الله لما في الكشاف. قوله:(فلا يتمهض حجة للحنفية) أي لا يصلح للدليل، والحجة وهو مجاز من نهض إذا قام بسرعة لاستقامته وتوجيهه كما يقال قام الدليل واستقام فإنه مجاز مشهور فيه، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال وهذا دليل لأبي حنيفة على أنّ المحصر محل هديه الحرم فإن قلت: فكيف حل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وأنما نحر هديهم بالحديبية قلت بعض الحديبية من الحرم وروي أنّ مضارب رسول اللهءلمجح كانت في الحل ومصلاه بالحرم فإن قلت فإذن قد نحر في الحرم فلم قيل: معكوفا أن يبلغ محله قلت المراد المحل المعهود وهو منى، اهـ ووجه الاستدلال به أنّ المسجد الحرام يكون بمعنى الحرم وهم لما صدوهم عنه ومنعوا هديهم أن يدخله فيصل إلى محله دل بحسب الظاهر على أنه محله ولا ينافيه أنه نحر في طرف منه كما لا ينافي الصدّ عنه كون مصلاه فيه لأنهم منعوهم فلم يمتنعوا بالكلية أو المقصود من المنع منه المنع من دخول مكة، والوصول إلى الكعبة فحينئذ لا بد من تأويل محله بالمحل المعهود لأنه بلغ محله فورد عليه من طريق الجدل الإلزام بأنه لم يبق فيه محل للاستدلال لاحتماله غير مذهبه أيضا وتقرير الزمخشري فاسد لأنه عليه لا له وهو غريب منه جدّا وقد مز تفصيله في سورة البقرة. قوله:(لاختلاطهم بالمشركين) فيه إشارة إلى أنّ العلم المنفي أوّلاً كناية عن اختلاطهم، وعدم تميزهم كما ذكره في الكشف وبه يندفع التكرار أيضاً واستبعاده ليس بشيء. قوله:(أن توقعوا بهم وتبيدوهم) أي تهلكوهم يعني أن الوطء استعير هنا للبطش المهلك وهي استعارة حسنة واردة في كلامهم قديماً وحديثا ووجهها ظاهر. قوله:

(ووطثتنا وطأعلى حنق وطء المقيد نابت الهرم (

هو من شعر للحرث بن وعلة الذهلي يخاطب به قومه لما قتلوا أخاه أوّله:

قومي هم قتلوا أميم أخي فإذارميت يصيبني دى حممي

والوطء مرّ تفسيره وفسره المرزوقي بالقهر والحنق أشد الغيظ والهرم بسكون الراء المهملة أو الزاي المعجمة

ص: 64

وهما متقاربان معنى لأنهما اسم لنبت ضعيف ترعاه الإبل والمشهور رواية الأوّل ووطء المقيد صفة وطأ بتقدير مثل أو منصوب يفعل مقدر، وذهب السيرافي إلى أنه يجوز نصب مصدرين بفعل واحد استدلالاً بهذا وتأويله ما مرّ، والمراد بالمقيد البعير المقيد وخصه لأنّ وطأه أشد ولذا قيده بالحنق أيضاً، وقال الزمخشري: في شرح مقاماته وطء المقيد مثل في الثقل والمراد بالنابت القريب نباته على حد وليد وطئت كما قاله المرزوقيّ لأنه أضعف ففيه مبالغات بليغة، وروي يابس الهرم وهو أسرع انكسارا أيضاً.

قوله: (1 نّ آخر وطأة وطئها الله بوج) بفتح الواو وتشديد الجيم اسم بلدة أو واد بالطائف والوج

اسم لبعض العقاقير أيضا لكنه معرّب، ولا ينافي كونها آخر وقعة وقوع غزوة تبوك بعدها لأنه لم يقع فيها حرب فلم تكن وطأة كما في النهاية أو المراد آخر وقعة وقعت بالعرب وتلك بالروم.

تنبيه: قوله: آخر وطأة الخ هو بعض حديث وهو أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ومعه الحسن والحسين رضي الله عنهما وقال: " إنكما ريحانتاي وأنكما لمبخلة ومجبنة وإنّ آخر وطأة وطأها الله بوج ومناسبة " آخر الحديث لأوّله خفية لم أر من بينها غير ابن الأثير في الجامع الكبير فقال: معناه أني مع شدّة محبتي لكما مفارق عن قريب لأنّ هذه آخر غزواتي وهو كلام نفيس جدّاً. قوله: (أو من! ميرهم) بكسر الهاء أي ضمير هؤلاء المذكورين أو بضمها أي من ضمير هو لفظ هم، وقوله: من جهتهم إشارة إلى أنّ من ابتدائية. قوله: (كوجوب الدية والكفارة (وجوب أحد هذه الأمور مذهب الشافعي لا مذهب أبي حنيفة لأنّ دار الحرب تمنع من ذلك عندنا لا عنده لكن الزمخشريّ ذكر ما ذكره المصنف رحمه الله وهو حنفيّ، وفيه كلام في أوّل الفصول العمادية فليحرّر وفي عدّ الثالثة من المعرّة نظر. قوله: (متعلق بأنّ تطؤهم) المراد بالتعلق المعنويّ لا النحويّ لأنه حال من الضمير المرفوع كما اختاره المصنف رحمه الله أو المنصوب كما جوّزه غيره، وجوّز الحالية من ضمير منهم وكونه صفة لمعرّة واختاره الإمام واعترض على الأوّل بأنّ فيه تكراراً من غير فائدة فالأولى أن يجعل في موضعه وقال المدقق في الكشف بعد قول الزمخشري متعلق بأن تطؤهم الخ على أنه حال من ضمير المخاطبين ولا تكرار مع قوله: لم تعلموهم سواء جعل أن تطؤهم بدل اشتمال من رجال ونساء أو من

المنصوب في لم تعلموهم أما على الثاني فلأنّ المعنى لولا مؤمنون لم تعلموا وطأتهم، واهلاكهم وأنتم غير عالمين بإيمانهم لاحتمال أنهم يهلكون من غير شعور مع إيمانهم بسبب الكف عن التكذيب فيعتبر فيه العلمان فمتعلق العلم في الأوّل الوطأة وفي الثاني أنفسهم باعتبار الإيمان، وأما على الأوّل فلأنّ قوله: بغير علم لما كان حالاً من فاعل تطؤهم كان العلم بهم راجعاً إلى العلم باعتبار الهلاك كما تقول: أهلكته من غير علم فلا الإهلاك عن شعور ولا العلم بإيمانهم حاصل، ولما كان المعرفتان مقصودتين كان الوجه ما آثرة جار الله، ولك أن تجعل لم تعلموهم كناية عن الاختلاط وفي كلامه إشارة إلى هذا وفيه ما يدفع التكرار أيضاً اهـ، محصله وحاصله أنّ متعلق العلمين متغاير فيهما فلا يلزم التكرار على كل حالة وهما لكونهما مقصودين بالذات صرح بهما وإن تقاربا أو تلازما في الجملة، وما قيل على الشق الأوّل من أنّ التعلق الثاني علم من لم تعلموهم لأنّ المبدل منه ليس منجي حقيقة، ولو سلم فضمير تطؤهم للمؤمنين والمؤمنات والمعنى لم تعلموا وطأ المؤمنين فيتضمن التعلق الثاني ويفيده لظهور أنّ عدم العلم بوطئهم لعدم العلم لإيمانهم مع أنه يتبادر من الكلام حينئذ معنى غير صحيح، وهو وطؤهم عالمين بهم لتوجه النفي إلى القيد غير صحيح إذ لا شبهة في أنّ العلم بهم غير مراد كما أنّ العلم بإيمانهم كذلك في الثاني، وكذا ما أورد على الثاني من أنّ ضمير المفعول في البدل عائد على رجال ونساء موصوفين بانتفاء العلم عنهم وعن إيمانهم فيعلم منه كون الوطء بلا شعور ولا نسل قصد التنصيص على كل منهما، وهذا ما عناه الإمام وهو كله على طرف الثمام. قوله:(وجواب لولا محذوف الخ) الجواب قوله: لما كف الخ، وما ذكره من المعنى هو حاصله على الوجوه وفيه ترجيح للإبدال من رجال ونساء ولذا قدر كراهة لأنّ البدل هو المقصود والوطء غير واقع ولولا تقتضي وقوع ما بعدها، وقوله: بين أظهر الكافرين إشارة إلى ما مرّ تحقيقه في الاختلاط. قوله: (علة لما دل عليه كف الأيدي الخ) يشير إلى أن

ص: 65

الكف المذكور معلل بصون من بمكة عن المؤمنين فهذه العلة علة للعلة أو للمعلل بها، وهذا أحسن من جعله علة للجواب المحذوف أو لما يدل عليه كأنه قيل لكنه كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدّى إلى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة الخ، ولا ينافي هذا كون قوله: فتصيبكم الخ يفهم منه أنّ الكف المذكور معلل بصون المخاطبين لا بصون من بمكة من المؤمنين لأنه لا مانع من تعدّد العلل لأنها ليست عللاً تامّة حقيقية حتى لا يقبل ذلك كما توهم. قوله: (أي في توفيقه) إشارة إلى أنه إن كان المراد بمن يشاء المؤمنين فالرحمة التي يريد أن يدخلهم فيها التوفيق لزيادة الخير والطاعة لا لأصله لئلا يكون تحصيلاً للحاصل فليس احترازاً عن الرحمة من غير عمل حتى يكون اعتزالاً كما قيل فإن كف الأيدي عن أهل مكة وصون من فيها من المؤمنين، وابقاءهم على عملهم وطاعتهم توفيق لهم بزيادة الخير والطاعة وإن أريد بهم

المشركون كان المراد من الرحمة التي أدخلهم فيها الإسلام لاً نهم إذا شاهدوا مغ تعذيبهم بعد الظفر بهم لاختلاط المؤمنين بهم اعتناء بهم رغبوا في الإسلام، والانخراط في سلك المرحومين فظهر وجه كون قوله: ليدخل علة لكف الأيدي عن أهل مكة لصون من فيها من المؤمنين لأنهم إذا صانهم الكف المذكور أظهروا إيمانهم لمعاينة قوّة الدين وشوكة الإسلام ويقتدي بهم الصائرون للإيمان فلا وجه لجعل اللام مستعارة من معنى التعليل لما يترتب على الشيء تشبيها له بالعلة الغائية كما قيل لأنه عدول عن الحقيقة المتبادرة من غير داع للعدول سوى إظهار الفضول. قوله: (لو تزيلوا) جوز فيه الزمخشري أن يكون كالتكرير لقوله، ولولا رجال الخ على أنّ الجواب لهما لمرجعهما إلى معنى واحد ولا يرد عليه أنّ معناهما متغاير مغايرة ظاهرة لأنّ كراهة وطئهم لعدم تميز الكفار الذي هو مدلول الثاني فهو كبدل الاشتمال فتأمّل. قوله:(لعذبنا الذين كفروا منهم الخ) منهم هنا للبيان وزانها وزان منهم فيما سيأتي، وقوله: بالقتل إشارة إلى أنه دنيوقي والا لم يكن للو موقع، والأنفة بفتحتين الاستكبار والاستنكاف، واذعان الحق الانقياد له وأما الإذعان بمعنى الفهم أو سرعته فليس من كلام العرب، وحويطب تصغير حاطب بمهملتين ومكرز بكسر فسكون، ثم راء مهملة ثم زاي معجمة وظاهره أنه لم يكتب ما ذكره أوّلاً، وفي كتب السير أنه كتبه ثم محاه وصورة المكتوب باسمك اللهمّ هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الفه سهيل بن عمر وصلحا على وضحع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيه الناس أو يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة وانه لا إسلال ولا إغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وسيأتي في الممتحنة نقضهم لهذا العهد، وكانوا يكتبون باسمك اللهمّ وكتبها النبيّ ىلمجبوو حتى نزلت سورة النمل، والقابل أصله العام

القابل وهو معناه عرفاً. قوله: (فهنم المؤمنون الخ) ضمير عليه لسهيل وعداه بعلى لتأويله بيوقعوا البطش عليه والسكينة الصبر والتحمل هنا، وقوله: اختارها لهم تفسير لألزمهم كما في الكشاف وهذا مما لم يبين وجهه الشراح فكأنه أراد به أنه لا لزوم للكلمة على هذين الوجهين فإنّ ضميرهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه وهم لم يلزموا بها ولكنهم لما كتبوها مخالفين للمشركين في هاتين الكلمتين بإرشاده تعالى فقد اختارها لهم دون من عدل عنها لبسمك اللهم، ومحمد بن عبد الذ لأنها كلمة جليلة هم أحق بالهداية لها فالإلزام مجاز عما ذكر من اختيارها لهم وأمرهم بها قال الراغب: لزوم الشيء طول مكثه معه، والإلزام لما بالتسخير من الله أو بالقهر من الإنسان والزام بالحكم الأمر كما هنا. قوله:(أو الثباث الخ) هو تفسير الحسن فالمراد بالكلمة ما عاهدوا عليه الله والزامه أمرهم بالوفاء والثبات عليه فكلمة التقو! كلمة مخصوصة، وهي قولهم في الأصلاب بلى مقرّين بوحدانيته والإلزام الأمر بالثبات والوفاء به كما مرّ. قوله:(لأنها) أي الكلمة على الوجه الأخير سببها أي التقوى فإضافتها لها لأدنى ملايسة أو هي على تقدير المضاف فهي إضافة اختصاصية حقيقية، وقوله من غيرها وفي الكشاف من غيرهم قيل وهو الأظهر لأنه معنى قوله: أهلها فتدبر. قوله: (فيعلم أهل كل شيء الخ)

ص: 66

إشارة إلى أنّ علمه بالأهلية هي المرادة وبه يلتئم التذييل والتكميل لأنه يدخل فيه دخولاً أوليا فإذا علمه على أتم الوجوه وهو القادر الحكيم يسره له. قوله: (والمعنى صدقه في رؤياه) أي حقق صدقها عنده كما هو عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفيه إشارة إلى أنه على الحذف والإيصال وفي شرح الكرماني كذب يتعدى إلى مفعولين يقال: كذبني الحديث، وكذا صدق كما في الآية وهو غريب لتعدي المثقل لواحد والمخفف لمفعولين اكل، وهذه الرؤيا كانت قبل خروجه للحديبية، وقال مجاهد: كنت بالحديبية والأوّل هو الأصح، وقوله: قال بعضهم الخ هو عبد الله بن أبيّ وعبد الله بن نفيل ورفاعة بن الحرث وهذا القول على طريق الاعتراض وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: نحوه على طريق الاستكشاف ليزداد يقينه. قوله: (ملتبساً به الخ) هذا كلام مجمل يحتمل أنه حال من الرسول أو ظرف لغو لصدق أو حال من الفاعل أو من الرؤيا أي ملتبسة بالحق لتأويلها بما يراه كما يشير إليه ما بعده وإن كان الأظهر ملتبسة ورؤيا الأنبياء

وحي لا تتخلف. قوله: (وهو القصد إلى التمييز الخ) أي ليس المراد بالحق مطابقة الرؤيا للواقع بل مطابقة ما يلابسها للواقع وهو القصد المذكور لأجل ذلك التمييز أخره للعام القابل، وقوله: وأن يكون قسماً الخ فقوله: لتدخلن جوابه على الوجهين والوقف حينئذ على الرؤيا وقد كان جواب قسم مقدر كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله: (تعليق للعدة بالمشيئة الخ) جواب عما يقال من أنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق منه تعالى بالمشيئة، ولذلك ذهب بعض النحاة إلى أنّ أن تكون بمعنى إذ ومنه هذه فأجاب أوّلاً بأنه تعليم للعباد وهو معنى قول ثعلب اسنثنى فيما يعلم استثناء الخلق فيما لا يعلمون وفيه تعريض بأنّ وقوعه من مشيئته لا من جلادتهم وتدبيرهم فيكون كقوله:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [سورة يوسف، الآية: 99] وما-له أنه للتبرك وهو من وضع الظاهر موضع الضمير وأصله لتدخلنه لا محالة إلا إن أشاء عدم الدخول فهو وعد لهم عن ظاهره لأجل التعريض بهم والإنكار على المعترضين على الرؤيا فيكون من باب الكناية وفيه دقة فتدبر. قوله: (أو إشعارا الخ) جواب ثان بأنّ التعليق راجع إلى دخولهم جميعاً ونظيره ما قيل إنه ناظر إلى الأمن ورده صاحب الكشف بأنه لا يدفع السؤال لأنّ الدخول المخصوص أيضا خبر من الله، وهو ينافي الشك وليس نظير قول يوسف عليه الصلاة والسلام {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ} [سورة الكهف، الآية: 23] إذ لا يبعد منه صلى الله عليه وسلم أن لا يعرف مستقراً لأمر من الأمن أو الخوف فلا بدّ من التأويل بأنّ الشك راجع إلى المخاطبين أو بأنه تعليم للعباد ويدفع بأنّ المراد إنه في معنى ليدخلنه من شاء الله دخوله منكم فيكون أيضاً كناية عن أنّ منهم من لا يدخله لأنّ أجله يمنعه منه فلا يلزم الرجوع لما ذكر. قوله: (أو حكاية لما قاله ملك الخ) هذا هو الجواب الثالث والرابع وما لهما الحكاية عن الغير فهو إما الملك الموكل أو النبيّ المرسل وردّه صاحب التقريب بأنه كيف يدخل في كلامه تعالى ما ليس منه بدون حكاية، وسلمه شراح الكشاف لظنهم أنه وارد غير مندفع، ولك أن تقول في دفعه إنّ المراد أنّ جواب القسم بيان للرؤيا، وقائلها في المنام الملك وفي اليقظة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي في حكم المحكيّ في دقيق النظر كأنه قيل: وهي قول الملك أو الرسول الخ ولا يخفى أنه وإن صحح النظم لا يدفع البعد وقد مرت الإشارة إلى جوابين كون أن بمعنى إذ أو رجوع التعليق للأمن. قوله: (حال من الواو) المحذوفة من قوله: لتدخلن الخ لالتقاء الساكنين، وقوله: محلقاً بعضكم الخ ففيه تقدير أو هو

من نسبة ما للجزء إلى الكل والقرينة عليه أنه لا يجتمع الحلق والتقصير فلا بد من نسبة كل منهما لبعض منهم، وقوله: محلقين الخ حال مقدرة لأنّ الدخول في حال الإحرام لا في حال الحلق والتقصير. قوله: (حال مؤكدة القوله آمنين وهذا إن كان حالاً من الضمير المستتر في آمنين وهو بمعناه فإن أريد لا تخافون تبعة في الحلق أو التقصير ولا نقص ثوإب فهي مؤسسة، وقوله: بعد ذلك قيل إنه ذكره لئلا يتكرر فيلغو مع قوله: آمنين لأنّ اسم الفاعلى للحال والمضارع هنا للاستقبال وفيه أنه لا تكون الحال حينئذ مؤكدة إلا أن يكون بحسب الظاهر المتبادر والاستئناف بيانيّ في جواب سؤال تقديره فكيف حالهم بعد الدخول. قوله تعالى: ( {فَعَلِمَ} الخ)

ص: 67

الظاهر عطفه على قوله: لقد صدق الله فالترتيب باعتبار التعلق الفعلي بالمعلوم إذ المراد ما لم تعلموا من الحكمة الداعية لتقديم ما يشهد لصدقه، وقيل: هو للترتيب الذكري، وقوله: في تأخير ذلك لم يقل كما في الكشاف في تأخير فتح مكة إلى العام القابل لما يرد عليه من أنه لم يقع في تلك السنة بل في السنة الثامنة، وإن ارتكب التكلف في تأويله بالتجوّز أو بتأويل الفتح بدخولهم معتمرين، وقوله: من الحكمة الخ لو فسر بما قدّمناه كان أنسب بالفاء فإنّ فيما ذكره إباء ما عنها ما لم يؤوّل بأظهر معلومه لكم وهو الحكمة المذكورة فتدبر. قوله: (من دون دخولكم المسجد) قدّمه لأنه أظهر وأقرب والزمخشريّ اقتصر على الثاني لأنه أنسب بما بعده، وقوله: لتستروح في الأساس يستروح بمعنى يستريح وضمن معنى تطمئن، وتسكن فلذا عدى بإلى وقوله: الموعود أي الفتح ااسموعود وهو فتح مكة، وقوله: ملتبساً به يعني أنّ الجار والمجرور حال من المفعول والباء للملابسة والتباسه بالهدى بمعنى أنه هاد، وقوله: بسببه فالباء للسببية أو للتعليل وهما متقاربان وعليه فهو ظرف لغو متعلق بقوله أرسله، وقوله: ليعليه هذا أصل معنى الظهور لأنه من أظهره إذا جعله على ظهره فلذا كني به عن العلوّ وعن كونه بادياً للرائي، ثم شاع في ذلك وصار حقيقة عرفية، وقوله: بنسخ الخ لأن علوه على جميع الدين والمراد ما يدان به من الشرائع والملل فيشمل الحق والباطل، وتعريفه للجنس وظهوره على الحق بالنسخ وعلى الباطل ببيان بطلانه أو بالتسليط على أهله، وقوله: إذ ما الخ تعليل لمقدر وهو قد تحقق ذلك أو لقوله بتسليط المؤمنين على أهله، وقوله: من الفتح أي فتح مكة أو خيبر. قوله: (على أنّ ما وعده (من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح أو

المغانم كائن، وقوله: بإظهار المعجزات متعلق بقوله: شهيدا لأنّ المراد بشهادته تأييده له فهو على الوجه الثاني، وقيل إنه متعلق بهما معا فانّ شهادته على كينونة الوعد وعلى حقية ما ادّعاه من النبوّة إنما هو ب! ظهار المعجزات على يد النبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه نظر. قوله:(جملة مبينة الخ) على أنّ محمدا مبتدأ ورسول الله خبره وهو جار على الوجهين فإنه إن كان على أن ما وعده كائن فكينونة ما وعده لازمة لكونه رسولاً من الله إذ هو لا يوعد إلا بما هو محقق ولا يخبر إلا عن كل صدق مصدق كما لا يخفى، وعلى كون المشهود عليه النبوّة فهو أقرب وأنسب، وقيل: إنه على الثاني وقوله: صفة أو عطف بيان أو بدل وأيدت التبعية بأنه قرئ رسول الله بالنصب على الاختصاص، ولذا ضعف كونه مبتدأ والمحذوف ضمير تقديره هو أي المرسل بالهدى، وقوله: خبرهما أي المعطوف والمعطوف عليه على تقد! س الابتدائية ووفع أشدّاء الخ فإما على النصب على المدح أو الحالية المعطوف والمعطوف عليه على تقدير الابتدائية ورفع أشذاء الخ فإما على النصسب على المدح أو الحالية عن المقدر في معه فالخبر تراهم الخ. قوله: (والمعنى الخ) يعني فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين فالثاني وهو قوله: رحماء الخ تكميل لو لم يذكره لربما توهم أنهم لاعتيادهم الشدة على الكفار قد صار ذلك لهم سجية في كل حال وعلى كل أحد فلما قيل: رحماء بينهم اندفع ذلك التوهم فهو تكميل واحتراس كما في الآية المذكورة فإنه لما قيل أذلة على المؤمنين ربما توهم أنّ مفهوم القيد كير معتبر، وأنهم موصوفون بالذل دائما وعند كل أحد فدفع بقوله: أعزة على الكافرين فهو كقوله: حليم إذا ما الحلم زين أهله على أنه عند العدوّ مهيب

قوله: (لأنهم مشتغلون الخ (فالرؤية بصرية وركعاً سجداً حال وأشار بقوله: في أكثر إلى

أنّ المضارع للاستمرار وأنه استمرار عرفي بجعل اكثر بمعنى الجميع واعطائه حكم الكل وأنه عبر بالركوع والسجود عن الصلاة مجازاً مرسلا، وقوله: الثواب والرضا تفسير للفضل والرضا على اللف والنشر المرتب، وقوله: بيانها فكأنه قيل سيماهم التي هي أثر السجود، وقوله: أو حال الخ المراد بالجار والمجرور في وجوههم الواقع خبرا وهذا ما اختاره المعرب، وعلى ما قبله هو خبر مبتدأ تقديره هي من أثر السجود ولا يخفى ما في كلامه من التسامح في التقابل. قوله:(وقد رويت ممدودة) وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر كقوله:

غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياءلاتشق على البصر

قوله ة (إشارة إلى الوصف المذكور) وهو من قوله: أشداء إلى هنا وأفرده لأنّ الوصف مصدر شامل للقليل

ص: 68

والكثير وفيه إشارة إلى وجه أفراده مع تعدد الأوصاف أو هو باعتبار ما ذكر ولذا قيل هو إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة، والبعد للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل، وقيل: البعد باعتبار المبدأ، ولو قيل هذا التوهم أنّ المشار إليه هو الوصف الأخير أعني سيماهم في وجوههم من أثر السجود، والمراد بالسيما المذكورة نور وبياض في وجوههم يعرفون به يوم القيامة، وقيل: استنارة وجوههم في الدنيا لكثرة صلاتهم بالليل قيل: مواضع سجودهم يوم القيامة ترى كالقمر ليلة البدر، وقيل: هو صفة الوجه من سهر الليل وقيل: الخشوع حتى كأنهم مرضى وما هم بمرضى. قوله: (أو إشارة مبهمة يفسرها كزرع (الأصل في الإشارة إن تكون لمتقدم وأنما يثار إلى المتأخر إذا كان نعتاً لاسم الإشارة نحو ذلك الكتاب، وقد مرّ في سورة البقرة في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [سورة الفتح، الآية: 29] أنه قد يشار لما بعده تفخيماً له وتعظيما لشأنه كما أنّ الضمير يعود على ما بعده كذلك فتأمّل. قوله: (صفتهم العجيبة) قد مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وقوله: تمثيل الخ فقوله: كزرع خبر مبتدأ مقدر تقديره مثلهم أو هم وهذا بناء على أنّ ذلك إشارة إلى الوصف، وقوله: أو تفسير بناء على أنّ الإشارة مبهمة، وقوله: أو مبتدأ معطوف على قوله عطف. قوله: (فراخه) بكسر الفاء جمع فرخ كفرع لفظا ومعنى يقال: فرخ الزرع إذا تهيأ للانشقاق، وأصل الفرخ ما تولد من الحيوان أو الطاثر قال الراغب الشطأة فروع الزرع وهو ما خرج منه، وتفرع في شاطئه أي جانبه وجمعه أشطاء وقوله: بتخفيف الهمزة أي قلبها ألفاً بعد نقل حركتها لما قبلها، ويحتمل أن يكون مقصوراً. قوله:(فقوّاه من الموازرة الخ) قال أبو حيان: كونه من الموازرة خطأ فإنه لم يسمع في مضارعه توازر بل توزر وهذه شهادة نفي غير مسموعة، على أنه يجوز أن يكون ورد من بابين واستغنى بأحدهما عن الآخر ومثله كثير مع أنّ السرقسطي نقله عن المازني حيث قال في أفعاله: أزرت الرجل أعنته، قال أبو عبيدة: الإزر الظهر يقال: آزرني أي كان لي ظهراً، وقال ابن الأعرابي: الإزر القوّة يقال منه: أزرني أي قوّاني قال تعالى: {أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} وقال أبو عثمان: وآزر الشيء غيره ساواه وحاذاه وأنشد لامرئ القيس:

بمحنية قدآزرالضال نبتها ببحرجيوس غانمين وخيب

ومنه قوله تعالى: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} اص. قوله: (فصار من الدقة الخ) فهو كاستحجر الطين وهو ينبئ عن التدريج ويحتمل أنه للمبالغة كاستعظم، وقوله: سؤقه بالهمزة أي بإبدال الواو المضموم ما قبلها همزة كما في قراءة يؤقنون بالهمزة، وقوله: يعجب الزراع حال أي معجبا لهم وكثافة الزرع كثرة فروعه وأوراقه. قوله: (وهو مثل ضربه الله الخ) في الكشاف وهذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام وترتيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قوّاه الله بمن آمن معه كما يقوّي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها، وهذا ما قاله البغويّ من أنّ الزرع محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه والمؤمنون فجعلا التمثيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته والمصنف رحمه الله جعله للصحابة فقط ولكل وجهة، وعن بعض الصحابة إنه لما قرأ هذه الآية قال: تمّ الزرع وقد دنا حصاده. قوله تعالى: ( {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ) قال في المواهب: إنّ الإمام مالكا رحمه الله استنبط من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة فإنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة فهو كافر ووافقه كثير من العلماء اهـ، وهو كلام حسن جدّاً. قوله:(علة لتشبيههم بالزرع) أي لاتخاذه تعالى لهم على وجه يشبه الزرع في القوّة والنماء، وليس المراد به التمثيل فإنه ركيك فتدبر. قوله تعالى:( {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم} ) أخر منهم هنا عن قوله: عملوا الصالحات، وقدم عليه في آخر سورة النور لما مرّ من أنّ عمل الصالحات لا ينفك عنهم، وهو ثمة لبيان الخلفاء والعمل الصالح ليس بلازم لهم حتى لا ينعزلوا بالفسق وأرجع البغوي ضمير منهم للشطء باعتبار المعنى ولا يخفى بعده، ويجعل من بيانية سقط حجة من طعن به على الصحابة وجعلها تبعيضية، وقوله: من قرأ سورة الفتح الخ حديث موضوع وأمره مشهور تمت السورة بحمد الله ومنه.

ص: 69