المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سورة‌ ‌ الطارق لم يذكروا خلافا في مكيتها وفي آياتها خلاف يسير - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: سورة‌ ‌ الطارق لم يذكروا خلافا في مكيتها وفي آياتها خلاف يسير

سورة‌

‌ الطارق

لم يذكروا خلافا في مكيتها وفي آياتها خلاف يسير لأنه قيل: إنها ستة عشر.

بسم الله الرحيم الرحيم

قوله: (والكوكب البادي الخ) المذكور في كتب اللغة أنّ الطارق من الطرق وأصل معناه الضرب بوقع وشدة يسمع لها صوت، ومته المطرقة والطريق لأنّ السابلة تطرقها، ثم صار في عرف اللغة اسماً لسالك الطريق لتصوّر أنه يطرقها قدمه، واشتهر فيه حتى صار حقيقة وأصلاً بالنسبة لما عداه فلا يرد على قوله في الأصل الخ أنّ أصل معناه القرع والوقع دون ما ذكر وتسمية الآتي ليلاً طارقاً لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها، وقوله: للبادي أي للكوكب البادي. قوله: (المضيء) أصل معنى الثقب الخرق فالثاقب الخارق، ثم صار بمعنى المضيء كما في قوله:

نظم الجزع ثاقبه

وقد يخص بالنجوم والشهب، ولذا قيل في توجيه الإطلاق على ما ذكر أنه لتصوّر أنه

ثقب الظلام أو الفلك فقوله: أو الأفلاك معطوف على الظلام ضد الضوء. قوله: (والمراد الجنس) أي بالنجم الثاقب على أنّ تعريفه للجنس، أو كوكب معروف بالثقب وشدّة الإضاءة على أنّ تعريفه للعهد، وقوله: زحل بوزن عمر ممنوع من الصرف ودخول أل عليه علم للكوكب المعروف من زحل بمعنى بعد لأنه أبعد الكواكب السيارة أي أعلاها، وقال الإمام: أنّ الثاقب غلب عليه كما غلب النجم على الثريا إمّا لأنّ ضوءه يثقب سبع سموات أو هو من ثقب بمعنى ارتفع كما ذكره الفراء لأنه أرفع السيارة مكانا فثقب يكون بمعنى أضاء وارتفع، وترك ما في الكشاف من تفسيره بالشهاب الساقط على الشيطان لظهور أنه لا يختص به. قوله:(عبر عنه أوّلاً الخ) يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال: ابتداء والنجم الثاقب لأنه أخصر وأظهر فعدل عنه تفخيما لشأنه فأقسم بما يشترك فيه هو، وغيره وهو الطارق ثم سال عنه وفسره بما ذكر للتفخيم الحاصل من الإبهام، ثم التفسير ومن الاستفهام. قوله:(أي إنّ الثأن الخ) هذا على قراءة

التخفيف وعني به أنّ إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدّر، وكل نفس مبتدأ وعليها حافظ خيره، وما زائدة واللام هي الفارقة، وسماها المصنف فاصلة وهو مخالف للمعروف في اصطلاح النحاة إلا أنّ المعنى واحد، وقد قيل إنه لا حاجة لتقدير ضمير الشأن فإنه في غير المفتوحة ضعيف وأيضا يلزمه دخول اللام الفارقة على جزء الجملة الخبرية الثاني، والمعروف دخولها على الأوّل كما في حواشي التسهيل. قوله:(حافظ رقيب) الحافظ الكاتب أو مطلق الملائكة الحفظة أو الله إلا أنّ قول المصنف بعد. فلا يملي على حافظه إلا ما يسره يدل على أنّ المراد الأوّل، وقوله: فإنّ هي المخففة الخ هذا على أحد المذهبين المشهورين فيها وقيل: إنها نافية واللام بمعنى إلا قال أبو حيان وهي لغة لهذيل نقلها الأخفش. قوله: (على أنها) أي لما المشددة بمعنى إلا الاستثنائية وأنكره الجوهريّ، ورده غيره بأنه لغة لبعض العرب ثابتة، وقال الرضي: لا تجيء إلا بعد نفي ظاهر أو مقدر ولا يكون إلا في المفرغ فالخبر هنا محذوف والتقدير ما كل نفس كائنة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكون عليها حافظ ورقيب، وقوله على الوجهين لأنّ القسم كما يتلقى بأن المؤكدة يتلقى بأن النافية كثيرا كما قرّر في النحو وكل على هذا مؤكدة لأنّ نفس حينئذ نكرة في سياق النفي فتعم. قوله: (لما ذكر الخ الأنه إشارة إلى تفرع هذا على ما قبله وتوجيه لاقترانه بالفاء وليست فصيحة، وقوله: إلا ما يسره ضمير المفعول للإنسان أي ما يسر الإنسان إذا رآه وقت نشر الصحف كما قيل: وأخجلني وصحائفي سود غدا وتطلعي فيها شبيه القاري

أو هو للحافظ لأنه قيل: إنه تسوءه السيئات في وقت الكتابة ويود انها لم تكن والأوّل أظهر. قوله: (جواب الاستفهام) وإن تعلق بقوله: فلينظر لأنّ المراد أنه في صورة الجواب فلا وجه لما قيل إنه على هذا غير متعلق به أو يقدر استفهام آخر قيل وفيه دليل على مذهب المتكلمين من أنّ الإنسان اسم لهذا الجسم

ص: 345

المخصوص وأنّ الإعادة له لا للروح المجرّدة، وفيه بحث. قوله:(بمعنى ذي دفق) إشارة إلى أنّ الماء مدفوق لا دافق فلذا قيل: إنّ اسم الفاعل بمعنى المفعول كما أنّ المفعول يكون بمعنى الفاعل كحجاباً مستوراً كما مرّ، وهو كلام ظاهري والصحيح أنه بمعنى النسبة كلابن وتامر أي ذي دفق وهو صادق على الفاعل والمفعول، أو هو مجاز في الإسناد فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية كما ذهب إليه السكاكيّ أو مصرّحة بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضا أي يدفعه كما أشار إليه ابن عطية. قوله:(وهو) أي الدفع صبّ فيه دفع، والنطفة لا

توصف بالصب إلا بأحد الوجوه السابقة، وما نقل عن الليث من أن دفق بمعنى انصب فدافق بمعنى منصب من غير تأويل قالوا الصحيح إنه لم يثبت كما صزج به صاحب القاموس وغيره، وقد يقال: إنه بيان لحاصل معناه في الآية لأن أهل اللغة لا يفرقون بين الحقيقة والمجاز فلا وجه لنقله هنا مع التصريح بما ذكر. قوله: (والمراد الممتزج من الماء ير ني الرحم (فصارا بالامتزاج ماء واحداً فلذا فال تعالى: من ماء ولم يقل من ماءين مع أن الإنسان لا يخلق من ماء واحد ولذا كان روح الله عيسى صلى الله عليه وسلم توالده خارق للعادة كما ذكره الحكماء، وقوله: لقوله يخرج الخ إشارة إلى أن الترائب مخصوص بالمرأة كما قال ابن الخازن في تفسيره ترائب المرأة هي عظام الصدر والنحر وقال ابن عباس هي موضعالقلادة من الصدر وعنه أنه ما بين ثدسيى المرأة اهـ، فسقط ما أورد عليه من أن مراده اختصاص الترائب بالمرأة فيكون المراد بما ذكر أنه ماء ممتزج من ماءين لكن الاختصاص ممنوع كما يعلم من تتبع كتب اللغة وقد ذكر السمين ما يقرب من كلام ابن الخازن وعليه استعمال العرب كقوله:

ترائبها مصقولة كالسجنجل

ولولا خوف الإطالة أوردنا له نظائر ولو سلم ما ذكره دفع أيضا بأن تعريفه للعهد والى ما

ذكر أو لا يشير الزمخشري بتفسيرها بعظام الصدر حيث تكون القلادة وهو جمع تريبة، وقيل: الترائب التراقي. قوله: (ولو صح أنّ النطفة الخ (إشارة إلى ما طعن به بعض الملحدة بأن التطفة لا تخرج من بين الص! لب والترائب سواء أريد مخرجها البعيد أو القريب وفي قوله: لو صح إشارة إلى ما قاله الإمام من أنه غير صحيح فإنه مبني على تخيلات لا أصل لها فاللائق بنا أن نتبع ما نطق به الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه وندع التقليد لمثل هؤلاء. قوله:) من فضل الهضم الرابع) إشارة إلى ما تقرّر في الطب من أن الغذاء ينضهم أوّلاً في الفم بالمضغ وثانياً في المعدة بطبخها له بالحرارة الطبيعية الموقدة في مطبخها، ثم تجذب صفوته بعروق متصلة بها إلى الكبد فتهضمه هضما ثالثاً، ثم إلى الأعضاء جميعها فينهضم فيها هضماً رابعاً بعده لتنمية الأعضاء وبقائها وما زاد على ذلك ينفصل عن جميع الأعضاء إلى مقر المني بعد أن أوح فيه خلاق القوى والقدر ما يستعد به للتوليد والتخلق، وقوله: ومقرها الخ شروع في بيان ما طعن به بأنّ مقرها العروق المذكورة ومبدؤها جميع الأعضاء فكيف يكون مخرجها بين الصلب والترائب. قوله: " نّ الدماغ أعظم الأعضاء الخ) هذا شروع في الجواب

بعد المنع المشار إليه بقوله: لو صح أي لا نسلم صحته، ولا يلزمنا تأويل كلام الله ليوافق خيالات هؤلاء، ولو سلم تولده من جميع الأعضاء فأعظمها في ذلك الدماغ، ولذا كان المنيّ مشابها له لونا ورطوبة، وغير ذلك ورأينا مكثر الجماع يضعف دماغه فدلنا ذلك على أنّ له دخلا قوياً في التوليد، وقوله: بالضعف الباء متعلقة بالإسراع للتعدية أي يجعل الإفراط في الجماع الضعف سريعا فيه، وقوله: وله أي للدماغ خليفة أي قائم مقامه في كل ما يكون كالمعونة المذكورة، والنخاع مثلث النون خيط أبيض في جوف عظم الرقبة ممتد إلى الصلب ويتشعب منه شعب كثيرة إلى الأضلاع وينزل إلى الترائب على ما بين في علم التشريح والصلب، والترائب أقرب إلى وعاء المني في مقره فلهما زيادة مدخل في توليدها وقرب مقرها بالنسبة إلى سائر الأعضاء، ولذلك خصا بالذكر من بينها. قوله:(وشعب كثيرة الخ) قيل عليه إن تلك الشعب أعصاب لا تجويف لها فلا تعلق لها بالدماغ، وتخصيص الترائب بالنساء غير ظاهر وقد مرّ ما فيه، ئم قيل إنّ الوجه انّ النخاع والقوى الدماغية والقلب كلها تتعاون في إبراز ذلك الفضل على ما هو عليه قابلاً للتوليد وقوله: بين الصلب والترائب عبارة مختصرة جامعة لتأثير الأعضاء الثلاثة فالترائب تشمل القلب، والكبد

ص: 346

وشمولها للقلب أظهر، والصلب النخاع ويتوسطه الدماغ ولم يحتج للتنبيه على مكان الكبد لظهوره لأنه دم نضج وأنما ينبه على ما خفي كالصلب والدماغ (قلت) ولو جعل قوله من بين الصلب والترائب كناية عن البدن كله لم يبعد، وقوله: وقرئ الخ والكل لغات في الصلب بمعنى واحد. قوله تعالى:) {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ} ) أي إعادة الإنسان ونثره من مقدوراته تعالى لأنه ليس بأعظم من إيجاده من نطفة تمني، وقوله: والضمير أي في قوله: إنه وضمير رجعه للإنسان، وقوله: تتعزف إشارة إلى أنّ الابتلاء الاختبار، والمراد به الاستنباء عنه كناية لازمة وهو التعرّف والتميز، وتمييز سرائره لتمييز عقائده وينبني عليه تمييز أعماله كما أشار إليه المصنف. قوله:) وهو ظرف لرجعه (وفيه وجوه أخر وهي مبنية على أن ضمير رجعه للإنسان أو للماء على معنى أنه تعالى قادر على رجع الماء إلى حاله الأوّل أو إلى مقره فلذا قيل إنه متعلق بقادر أو ناصر، وقيل: عامله مقدر كاذكر أو يرجع وأمّ ما اختاره المصنف فقد أورد عليه أنه يلزم فيه الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبيّ فأجيب تارة بأنه جائز لتوسعهم في الظروف، وأخرى بأنّ الفاصل هنا غير أجنبيئ، وقيل: إن فصله كلا فصل لأنه في نية التقديم عليه وفيه ما فيه. فوله: (من منعة (بفتح الميم والنون بمعنى القوّة، وحكي اسكان النون في لغة ضعيفة وقال الطيبي: إنه بالسكون لا غير والمفتوج جمع مانع ككاتب وكتبة وليس بمراد هنا وإن جوّز على أن المراد به أمور مانعة فإنه تعسف، وقوله: يمنعه

إشارة إلى أنه لنفي المانع من نفسه ومن غير.. قوله: (ترجع) بالتاء الفوقية وبالبناء للفاعل أو المفعول فإنّ المشهور إنّ رجع يتعدى ومصدره الرجع ويلزم ومصدره الرجوع، فإن قلنا إن الرجع يكون مصدرا للازم بمعنى الرجوع أيضاً فهو ظاهر والا فنقول هو مصدر المبني للمفعول بناء على القول به أيضا فرجع المفسر به مجهول أو هو بحذف زائد الرجوع للازدواج ولا مانع أيضاً من كونه مصدر المتعدي لإوجاع الله لها لكن تجوز في نسبته للسماء وكونه مسندا لها بتقدير المفعول أي رجع الكواكب بعيد جداً، وقوله: تحرّك عنه بحذف إحدى تاءيه وأصله تتحرك فإن كان بمعنى المطر فلا تكلف فيه، وقوله: يحمل الماء من البحار هو قول ضعيف، وقوله: وعلى هذا أي على أنه مفسر بالمطر فالسماء ما علا أو السحاب بمعناه المعروف كما مر. قوله: (ما تتصدع عنه الأرض الخ) فهو اسم للنبات أو مصدر بمعنى الشق والظاهر أنه على الأوّل مجاز، وللتوصيف بما ذكر علم أنه ليس المراد القسم على البعث بنفس السماء والأرض كما في قوله: " نتم أشد خلقاً أم السماء بناها الخ فلا وجه لما قيل إنّ المقصود أنهما في أنفسهما من شواهده فتدبر. قوله: (1 ن القرآن) هذا أولى من إرجاعه لما تقدّم من القدرة على الإحياء لأنّ القرآن يتناوله وما بعده أنسب به كما في شرح الكشاف فلا وجه لإرجاعه لحديث الحشر كما قيل، وقوله: فاصل الخ فالمصدر بمعنى الفاعل وهو أحسن من كونه بمعنى المفعول، وقوله: في إبطاله الخ عدل عن قول الزمخشري في إبطال أمر الله واطفاء نور الحق لأن هذا أتم انتظاماً وإن كان ذلك أملأ فائدة. قوله: (في استدراجي لهم الخ) فالكيد هنا استعارة تبعية أو تمثيلية بتشبيه إمهال الله لهم ليستدرجهم بالكيد وبهذا يظهر تفريع أمره بإمهالهم. قوله: (فلا تشتفل الخ) الإمهال التأني، والانتظار فقوله: لا تستعجل على أنه بمعنى تأنّ فإن زمان القتال وأمرك بإهلاكهم لم يأت فالفرق بينهما ظاهر، وقوله: إمهالاً يسيراً تفسير لقوله: رويدا على أنه صفة مصدر مقدّر فإن في إعرابه وجوهاً منها هذا كما فصله المعرب. قوله: (والتكرير الخ) يعني كان مقتضى الظاهر إذا كرر للتأكيد اتحاد اللفظ فيهما فكرّر هنا مع

اتحاد المعنى، وغيرت البنية إذ الأوّل من التفعيل والثاني من الأفعال ولاختلاف اللفظ فيهما أعرب الثاني بدلاً، ولو قيل إنه تأكيد كان أقرب. قوله:(وتغيير البنية لريادة التسكين) المراد بالتسكين إمّا الإمهال لأنه بمعنى التأني، وهو كالتسكين في المعنى أو ما فسره في بعض الحواشي بتسكين الغضب الذي في صدر النبيّ صلى الله عليه وسلم على الكفار بطلب التشفي منهم، ووجه دلالة التغيير في البنية على ما ذكر الإشعار بالتغاير وهو آكد من مجرد التكرار فكان كلاً منهما كلام مستقل دال على الأمر بالتأني، وهو أقوى من الدلالة بلفظ واحد فلا خفاء فيه كما قيل وأمّا القول بأن الأمر فيهما دل على الإيجاب، والأفعال دل على عدم التدريج، والتفعيل دل على

ص: 347