المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(وفي سيا‌ ‌ق الآية لطف الخ الما فيها من النكت إذ - حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي =عنايه القاضي وكفاية الراضي - جـ ٨

[الشهاب الخفاجي]

الفصل: (وفي سيا‌ ‌ق الآية لطف الخ الما فيها من النكت إذ

(وفي سيا‌

‌ق

الآية لطف الخ الما فيها من النكت إذ سمي ما أحدثوه إسلاما تكذيبا لهم في قولهم: آمنا في معرض الامتنان، ثم أمره أن يجيبهم بأنهم كاذبون وأضاف ما أتوا به إليهم في قوله: إسلامكم إشارة إلى أنه أمر غير معتد به فلا يليق الامتنان به، وتمام الحسن في التذييل الدالّ على كذبهم، وعلى اطلاعه على خواص عباده من النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وقوله: فنفى جواب لما وهو قد يقترن بالفاء كما في التسهيل فليست الفاء زائدة فيه كما قيل. قوله: (وسماه إسلاماً الخ) كان عليه أن يقول، وبين أنهم ليس لهم أن يمنوا به ليظهر معه قوله: بأن قال الخ والأمر فيه سهل، وقوله في الحقيقة: إسلام أي انقياد ودخول في السلم، وقوله: وليس بجدير أن يمن بالبناء للمجهول والنائب عن فاعله قوله عليك، وأنما كان كذلك لأنه لعدم مواطأته القلب غير معتدّ به شرعا، وقوله: بل لو صح الخ من كلام المصنف ابتداء لا مقول القول وقوله: في سركم وعلانيتكم أخذه من ذكره عقب الغيب، وقوله: لما في الآية من الغيبة أي من ذكره هؤلاء بضمير الغيبة وما هو في حكمه كقوله: يمنون ونحوه، والحديث المذكور موضوع ومعناه ظاهر تمت السورة الشريفة فلفه الحمد على جزيل الأنعام وعلى سيدنا محمد وآله وصحبه أفضل الصلاة والسلام.

سورة ق قيل وتسمى سورة الباسقات

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (مكية) قيل: بالإجماع، ويرد عليه أنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه استثنى منه قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [سورة ق، الآية: 38] إلى قوله: لغوب لأنها نزلت في اليهود كما أخرجه الحاكم ونقله في الاتقان ولا خلاف في عددها. قوله: (الكلام فيه كما مرّ في ص) يعني من وجوه القراآت وكون الواو قسمية أو عاطفة وكونه تجريداً على نهج مررت بزيد والنسمة المباركة وكونه من الحروف المقطعة أو اسم للسورة أو القرآن لا في كونه فعل أمر لأنه وجه مرجوح لا يلتفت إليه، وأمّا كونه أمراً من قفاه إذا اتبع أثره على أنه أمر معناه اتبع القرآن، وأعمل بما فيه فلا وجه له لأنّ مثله لا يقال بالرأي فلا وجه لذكره، وتوهم جريانه هنا كما قيل وكذا ما قيل إنه أمر بمعنى قف. قوله:(والمجيد ذو المجد والشرف الخ) يعني أنّ المعروف وصف الذوات الشريفة به فوصف القرآن به إمّا على النسب كلاين وتامر وأورد عليه أنه غير معروف في فعيل كما قاله ابن هشام في أنّ رحمة الله قريب وشرفه على هذا بالنسبة لسائر الكتب أمّا غير الإلهية فظاهر وأمّا الإلهية فلإعجازه، وكونه غير منسوخ بغيره. قوله. (أو لأنه كلام المجيد) يعني أنه وصف بوصف قائله على أنه مجاز في الإسناد كالقرآن الحكيم، وقوله: أو لأنّ من علم معانيه الخ هو أيضاً من الإسناد المجازي لكنه وصف بوصف حامله أو هو بتقدير مضاف حذف فارتفع الضمير المضاف إليه أو فعيل فيه بمعنى مفعل كبديع بمعنى مباع لكن الوجه الأوّل أولى لما قدمناه من أنّ مجيء فعيل، وصفا من الأفعال لم يثبته أهل اللغة والعربية كما مرّ تفصيله، وقيل المجد سعة الكرم وصف به القرآن لما تضمنه من خير الدارين. قوله:(إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب) الإنكار مأخوذ من السياق، والتعجب

مما ليس بعجب بل مما هو أمر لازم لا بد منه والإضراب للانتقال من وصف القرآن بالمجيد إلى إبطال تعجبهم مما ليس بعجب. قوله: (أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم) يعني أنّ من بيانية والمراد بكونه منهم أنه من جنس البشر أو العرب، ومعنى كونه من أبناء جلدتهم أنه من نوعهم أو قبيلتهم أو ديارهم فالجلدة مستعارة لما ذكر يقال: فلان أشعر جلدته وأشعر أهل جلدته أي قبيلته فهي أخص من الجنس كما هو معروف في استعمال البلغاء. قوله: (حكاية لتعجبهم) فالفاء لتفصيل ما أجمل كقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ} [سورة هود، الآية: 45] فقال: رب الخ، وقوله: للإشعار بتعنتهم الذي اشتهر في النسخ أنه بنون مشددة ومثناة فوقية تفعل من العنت وهو اللجاج في العناد، وفي نسخة بتعينهم بالياء التحتية والنون والمعنى على الأولى أنه ذكر أولاً مضمرا بياناً لعنادهم لإنكاوهم وتعجبهم مما لا ينكر، ثم أعيد تسجيلا عليهم

ص: 83

بالكفر فلذا أظهر ما يدل عليهم بعد الإضمار، وعلى الثانية أنه أضمر ثم أظهر وكان الظاهر العكس لتعينهم والتسجيل عليهم، ومن العجب ما قيل إنه لتعيبهم تفعل من العيب بالباء الموحدة أي جعلهم ذوي عيب ظاهر بهذا المقال حتى لا يستحقون إظهار الذكر وهو تحريف منه. قوله:(أو عطف لتعجبهم من البعث الخ) والعطف بالفاء لوقوعه بعده وتفرّعه عليه لأنه إذا أنكر الميعوث أنكر ما بعث به أيضاً، وقوله: والمبالغة الخ مبتدأ خبره قوله بوضع الخ، وقوله: لأنه الخ بيان لإفادة ما ذكر للمبالغة أو هو الخبر، والجار والمجرور متعلق بالمبالغة وقوله: يفسره ما بعده فهي للبعث المفسر بقوله: أثذا متنا الخ فإنها جملة مستأنفة لبيان المتعجب منه، وقوله: ثم تفسيره أو تفصيله متعلق بقوله: محذوف دل عليه ما بعده على أنّ الرجع بمعنى الرجوع وقوله: عن الوهم بيان لأنّ البعد معنويّ نزل منزلة الحسيّ فأفاد ما ذكره، وقوله: وقيل الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب يقال هذا رجع رسالتك ومرجوعها ومرجوعتها أي جوابها وعلى هذا فهو من كلام الله لا من كلام الكفرة كما في الوجه السابق، والمعنى هذا جواب بعيد منهم لمن أنذرهم وذلك إشارة لقوله: أئذا متنا الخ ومرضه لبعد.، والدليل على متعلق الظرف

حينئذ ذكر المنذر والتقدير أنبعث إذا متنا، وقوله: ردّ لاستبعادهم أي للبعث فدفع أصله وهو أنّ أجزاءهم تفرّقت فلا تعلم حتى تعاد بزعمهم الفاسد. قوله: (وقيل إنه جواب القسم الخ) القسم في قوله: ق والقرآن قد اختلف المعربون في جوابه فقيل: محذوف تقديره لتبعثن، وقيل: مذكور وهو قد علمنا ولم يذكر اللام تخفيفاً لطول الكلام، وقيل: هو ما يلفظ من قول وقيل بل عجبوا وقيل: إنّ في ذلك لذكرى. قوله: (حافظ الخ) ففعيل بمعنى فاعل أو مفعول وعليهما فالكتاب الحفيظ استعارة لسعة علمه أو هو تأكيد لثبوت علمه والكتاب الحفيظ اللوح المحفوظ لا استعارة فيه، وقوله: بل كذبوا الخ الأكثر على أنّ المضرب عنه محذوف تقديره ما أجادوا النظر بل كذبوا الخ، وفي الكشاف إنه اتبع الإضراب الأوّل بما يدلّ على ما هو أفظع منه وهو التكذيب بالحق المؤيد بالقواطع فكأنه بدل بداء من الأوّل فلا تقدير فيه وكونه أفظع وأقبح للتصريح بالتكذيب من غير تدبر بعد التعجب منه كما صرّح به، وقيل: لأنّ التكذيب بالنبوّة تكذيب بالمنبأ به من البعث وغيره وهو نظر لمآل كلامه لا غفلة عن مرامه كما توهم. قوله: (أو النبثي) هو أعمّ مما قبله والمراد ليس إنكار ذاته بل إنكار نبوّته وما جاء به وقد يتوهم أنه لا فرق بينه وبين ما قبله، وقوله: أو القرآن قيل المضرب عنه على هذا قوله: ق والقرآن المجيد وفيه نظر، وقوله: وقرئ لما بالكسر أي بكسر اللام وتخفيف الميم وهي قراءة شاذة لجحدر، واللام توقيتية بمعنى عند وما مصدرية. قوله:(مضطرب) فالإسناد مجازيّ مبالغة بجعل المضطرب الأمر نفسه وهو في الحقيقة صاحبه، وقوله: إذا جرج بجيمين بينهما راء مهملة مكسورة بمعتى تحرّك واضطرب لسعته ويجوز أن يكون بحاء مهملة، ثم جيم بمعنى قلق واضطرب أيضاً، وقوله: وذلك الخ تفسير للمراد باضطرابه وهو اختلاف مقالتهم فيه، وعدم ثباتهم وجزمهم، وهو صادق على الأقوال لأنه بحسب الظاهر في النبيّ صلى الله عليه وسلم ويؤول إلى الطعن في النبوّة والقرآن لادّعاء أنه شعر وسحر ونحوه مما تضمنه ما ذكر ويجوز أن يكون اضطراب أمرهم اختلاف حالهم ما بين تكذيب، وتردّد وتعجب إلى غير ذلك وقوله: في خلق العالم لم يقل خلق السموات مع أنه أظهر لأنه توطئة لما ذكر بعده والعالم ما سوى الله، أو المراد به العالم العلوي فعبر به ليشمل الكواكب المذكورة، ومثله سهل. قوله:(فتوق) جمع فتق وهو

الشق، والمراد به هنا لازمه وهو الفضاء بين الجسمين، ولذا فسره بقوله: بأن خلقها الخ لأنها لو لم تكن ملساء بل أجزاؤها متباينة ما بين مرتفع ومنخفض منع ذلك من تلاصقها فلا ينافي هذا أن يكون لها أبواب ومصاعد وإن لم يفسر الفروج بالخلل كالفطور، وهذا بناء على ما ذهب إليه الحكماء وهو مناف لما ورد في الحديث من أنّ بين كل سماء وما فوقها مسيرة خمسمائة عام والرواسي تقدم تفسيرها كالزوج بمعنى الصنف فتذكره. قوله:(متفكر في بدائع صنعه) تفسير للمراد من الرجوع إلى ربه فهو مجاز بتنزيل التفكر في المصنوعات منزلة الرجوع إلى صانعها، وقوله: وهما أي تبصرة وذكرى منصوبان على أنهما مفعولان

ص: 84

له، ونصبهما على المصدرية لفعلين مقدرين محوج إلى كثرة التقدير فلذا لم يتعرض له المصنف، وهذا على التنازع وإعمال الأخير.

قوله: (وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد) فالإضافة لما بينهما من الملابسة والحصيد

صفة لموصوف مقدر، وهو الزرع فليس من قبيل مسجد الجامع ولا من مجاز الأول كما توهم والحصيد بمعنى المحصود، والنخل معطوف على جنات وباسقات حينئذ حال مقدرة لأنه لم تطل حال الإنبات بل بعده، وقوله: فيكون من أفعل على الثاني فهو فاعل والقياس مفعل فهو من النوادر كالطوائح واللواقح في أخوات لها شاذة ويافع من أيفع وباقل من أبقل، وقوله: وافرادها بالذكر أي مع دخولها في جنات كما مرّ في سورة ي!. قوله: (وقرئ باصقات لأجل القاف) وهي لغة لبعض العرب تبدل السين مطرداً صادا إذا وليها خاء أو عين أو قاف أو طاء مهملة أو فصل بينهما بحرف أو حرفين أو تقدمها كما فصل في التصريف، فقرله: لأجل القاف توجيه لهذه القراءة وأنّ الإبدال لقرب مخرج الصاد من القاف، وقوله: أو كثرة ما فيه من الثمر أي من مادة الثمر ففيه تسمح، وقوله: علة أي مفعول له أو حال بمعنى مرزوقاً، وقوله: أو مصدر أي من غير لفظه كقعدت جلوسا واليه أشار بقوله: فإنّ الإنبات رزق بفتح الراء وكسرها

وفيه تجوّز، وقوله: أرضاً جدبة فهو استعارة، وقد تقدم تحقيقها. قوله:(كما حييت هذه البلدة الخ) يعني المراد بالخروج خروجهم أحياء من القبور فشبه بعث الأموات ونشرهم بقدرته تعالى بإخراج النبات من الأرض بعد وقوع المطر عليها فكذلك خبر الخروج أو مبتدأ فالكاف بمعنى مثل، وقوله: أراد بفرعون الخ فأطلق على ما يشمل اتباعه كما تسمى القبيلة تميما باً سم أبيها وأنما أوّله بما ذكر لأنه أنسب وأتم فائدة، وقوله: لأنهم كانوا أصهاره فليس المراد الأخوة الحقيقية من النسب بل المصاهرة. قوله: (سبق في الحجر والدخان) وهو ما مرّ من أنّ أصحاب الأيكة قوم شعيب عليه الصلاة والسلام كانوا يسكنون غيضة فسموا بها، والأيكة معناها لغة الغيضة وأنّ تبعاً هو الحميري وكان مؤمنا وقومه كفرة، ولذا لم يذم هو وذم قومه والرسق البئر التي لم تبن كما مرّ في الفرقان فلينظر تفصميله ثمة. قوله:(اي كل واحد أو قوم) بالجرّ معطوف على واحد، وقوله: منهم متعلق بهما فإن قيل لم يكذب كل واحد من قوم نوج وثمود وعاد كما صرّح به في غيرآية كقوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} فإنها صريحة في أنّ كل أمّة نبيّ فيها مصدّق ومكذب قلت: الكلية هنا المراد بها التكثير كما في قوله: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [سورة النمل، الآية: 123 فهي باعتبار الأغلب اكثر، وقوله: أو جميعهم فالتقدير كل هؤلاء فكان حقه أن يقال كذبوا لكنه أفرد ضميره مراعاة للفظ كل فإنه مفرد وإن كان جمعاً معنى، وقوله: تسلية للرسول ع! ي! بأنّ عاقبة كل من كذب الرسل الهلاك، والتهديد للكفرة. قوله:(أفعجزنا عن الإبداء) فالعيّ هنا بمعنى العجز لا التعب قال الكسائي: تقول أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز عن الأمر وهذا هو المعروف والأفصح وإن لم يفرق بينهما كثير والخلق الأوّل هو الإبداء، واليه أشار المصنف. قوله:(أي هم لا ينكرون تدرتنا الخ) هذا تصحيح للإضراب بتقدير المضرب عنه لكنه اختصره إذ التقدير إنهم معترفون بالأوّل فلا وجه لإنكارهم للثاني بل هم اختلط عليهم الأمر والتبس، وقوله: لما فيه من مخالفة العادة بيان لمنشأ الالتباس وهو قياسهم أحوال المعاد بهذه النشأة التي لم يشاهد فيها أن يعود شيء بعد موته وتفرق أجزائه، ولذا نكر الخلق الجديد لما أضافه إليهم لأنه لاستبعاده عندهم كان أمرا عظيما فالتعظيم ليس راجعا إلى الله ولا إلى الإيجاد من حيث هو حتى يعترض بأنه أهون من الخلق الأوّل والمناسب تعريفه أو جعل تنكيره للتحقير كما بينه المدقق في الكشف، ومن لم يتنبه لما أرادوه هنا قال: الدلالة على التهوين من وصف الخلق بالجديد لما

تعورف من أنّ الإعادة أهون من الإبداء إلا أنّ التخويف مقصود أيضاً فلذا دلّ بالتنكير على عظمه فحق السامع أن يخافه ويهتم به فلا يعقد على لبس منه. قوله: (والإشعار الخ الو عطفه بأو كان أظهر لأنه وجه آخر أريد بالتنوين فيه الإبهام الذي هو أصل معنى التنكير إشارة إلى أنه على وجه لا يعرفه الناس. قوله: (ومنها وسواس الحلي) بضم الحاء وكسر

ص: 85

اللام وتشديد الياء أو بفتح فسكون والياء مخففة، وهو صوتها إذا تحرّكت وصدم بعضها بعضا، ولذا تظرف بعض المحدثين فقال:

إن قيل شعرك وسواس هذيت به فقد يقال لصوت الحلي وسواس

قوله: (والضمير الخ) أي الضمير في قوله: به إن جعلت الباء صلة لتوسوس بمعنى تصوّت وما موصولة عائد على ما الموصولة، وجوّز فيها حينئذ أن تكون للملابسة أو زائدة والأوّل أولى وإن كانت الباء للتعدية وما مصدرية يعود ضمير به على الإنسان، والمعنى جعل النفس موسوسة للإنسان لأنّ الوسوسة نوع من الحديث وهم يقولون حدث نفسه وحدثته نفسه بكذا كما فال لبيد:

واكذب النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يزري بالأمل

قوله: إ أي ونحن أعلم بحاله الخ) يعني أنه تجوّز بقرب الذات عن قرب العلم لتنزهه عن القرب المكاني إمّا تمثيلاً، وامّا من إطلاق السبب وارادة المسبب لأنّ القرب من الشيء سبب للعلم به، وبأحواله في العادة وقول المصنف لأنه موجبه صريح في أنه أراد الثاني، وكلامه في الكشاف مائل إلى الأوّل والمعنى أنه تعالى أعلم بأحواله خفيها وظاهرها من كل عالم. قوله: الأنه موجبه) بكسر الجيم وفتحها وعلى الأوّل ضمير أنه لقرب الذات وضمير موجبه للعلم أو لقربه وعلى الثاني بالعكس، وهذا بيان لعلاقة التجوّز وقوله: وحبل الوريد مثل في القرب يعني أنه ضرب به المثل في القرب لأنّ أعضاء المرء وعروقه متصلة على طريق الجزئية فهي أشد من اتصال ما اتصل به من الخارج وخص هذا لأنّ به حياته، وهو بحيث يشاهده كل أحد. قوله:(والموت أدنى لي من الوريد) أوّله:

هل أغدون في عيشة رغيد

وهو من شعر لذي الرمة والموجود في ديوانه كما قيل:

فإني وقيا ربها لغريب

ما دون وقت الأجل المعدود نقص ولا في العمر من مزيد

موعود رت صادق الموعود والله أدنى لي من الوريد

والموت يلقي أنفسى الشهود

وقوله: والحبل العرق تفسير للمراد به هنا لأنّ الحبل معناه معروف، واطلاقه على العرق بطريق المشابهة كم يقال حبل الوريد وحبل العاتق لعرقه، وقوله: واضافته للبيان على أنه مجاز عن العرق فإضافته للبيان كشجر الأراك أو لامية كما في غيره من إضافة العامّ للخاص فإن أبقى الحبل على حققته فإضافته كلجين الماء. قوله: (والوريدان الخ) في الكشف إنه بحسب المشاهد المعروف بين الناس فلا يرد عليه أنه مخالف لما ذكره أئمة التشريح في مبدأ العروق، وقال الراغب: الوريد عرق متصل بالكبد والقلب وفيه مجاري الروح فالمعنى أقرب من روحه، وهذا هو ما فسر به بعضهم الوتين، وقوله: يردان من الرأس فالوريد فعيل بمعنى فاعل وعلى ما ذكر من القيل هو فعيل بمعنى مفعول والمراد بالروح ما سماه الأطباء روحا، ويقال له: الروح الحيواني وهو إشارة إلى ما ذكره الراغب من أنّ مبدأه القلب. قوله: (مقدّر باذكر (قيل وهو أولى مما بعده لبقاء الأقربية على إطلاقها ولأنّ أفعل التفضيل ضعيف في العمل، وإن كان لا مانع من عمله في الظرف كما فصله في الكشاف إذ الكلام في رفع الفاعل الظاهر ونصب المفعول به، وقوله: وفيه إيذان أي في تعلقه بأقرب على هذا الوجه، وقوله: لكنه أي الاستحفاظ وهو تعيين الحافظ لا طلبه، وقوله: يثبط بمعنى يعوّق صفة تشديد لأن توكيل حافظ به يكتب كل ما صدر عنه مقتض لما ذكر، وقوله: للجزاء متعلق بتأكيد. قوله:) كالجليس (يعني فعيل بمعنى مفاعل كرضيع لمراضع ونديم لمنادم ومثله كثير كما في شرح التسهيلى، وقوله: فحذف الأوّل ولم يقل قعيد ران عاية للفواصل وقوله:

فأنى وقيا ربها لغريب

مثالى للحذف من أحدهما لدلالة الآخر إذ الحذف فيه من انثاني لا من الأوّل عدى

اختلاف فيه، وقوله: وقيل الخ مرضه لأنه ليس على إطلاقه بل إذا كان فعيل بمعنى مفعول بشروطه وهذا بمعنى فاعل ولا يصح فيه ذلك إلا بطريق الحمل على فعيل بمعنى مفعول، وقوله: ما يرمي به إشارة إلى أنّ معنى اللفظ الرمي من

ص: 86

الفم تقول لفظت النواة إذا رميتها من فيك، ثم شاع في التلفظ فصار حقيقة فيه. قوله:(ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب) يعني إن كاتب الحسنات يكتب ما فيه الثوأب، وكاتب السيئات يكتب ما فيه العقاب فلا يكتب واحد منهما المباج لأنه لا ثواب فيه، ولا عقاب ويشهد له الحديث المذكور فالعموم في قوله: ما يلفظ من قول مخصوص بما ذكر لأن الكتابة للجزاء عليه فما لا ثواب، ولا عقاب له مستثنى حكماً وما قيل من أنه يكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه فتسمية كاتب السيئات، وكاتب الحسنات شاهدة على خلافه، ويجمع بينهما على ما أشار إليه السيوطي في بعض رسائله بأن يكتب كلى ما صدر عنه حتى المباحات فإذا عرضت أعمال يومه محى منها المباحات، وكتب ثانياً ما له ثواب أو عقاب، وهو معنى قوله: يمحو الله ما يشاء، ويثبت فللقول بكتابة المباح وعدمها وجه فلا منافاة بين القولين، والحديثين، وأنما عطف الحديث بالواو، ولم يقل ففي الحديث كما قيك لأنه لا دليل فيه على ما ذكر إذ هو ساكت عما عداهما، وقيل: إنه كالتفسير للأية لذكره تعدد الكاتبين، وظاهر النظم وحدتهما وفيه نظر، والحديث المذكور رواه الطبريّ وذكره ابن حجر. قوله:(لما ذكر استبعادهم البعث) بقوله: {أَئِذَا مِتْنَا} الآية، وتحقيق قدرته ما دلّ عليه قوله:{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ} ، وتحقيق علمه بقوله:{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ} الخ وقوله: أعلمهيم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب بقوله: ونفخ في الصور، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد فإن التعبير بالماضي لتحققه الذي صيره يشرف من الوقوع لأنّ كل آت قريب، وما تهيأ أسبابه، ووقعت مقدماته فهو في حكم الواقع. قوله:(شذّته الذاهبة بالعقل) أي المذهبة العقل فالباء للتعدية، وهو بيان لأنّ السكرة استعيرت

للشدة، ووجه الشبه بينهما أنّ كلاً منهما مذهب للعقل فالاستعارة تصريحية تحقيقية، ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية، واثبات السكرة لها تخييل كما قيل: للموت كأس وكل الناس ذائقها

والمقام لا ينبو عنه كما قيل ثم الأوّل أقرب، وقوله: حقيقة الأمر تفسير للحق بأنه الأمر المحقق، وقوله: الموعود الحق فهو صفة مشبهة موصوفها مقدر، والحق مقابل الباطل أو الحقيق اللائق، وقوله: من الموت والجزاء تفسير له على الوجوه كلها لا للأخير كما قيل، وقوله: فإنّ الإنسان الخ تعليل لقوله الذي ينبغي. قوله: (أو مثل الباء في تنبت بالدهن) يعني أنها للملابسة، وهو أوجه الوجوه فيها، وإن قيل إنها زائدة ونحو ذلك مما لا يجري هنا، وقراءة سكرة الحق أي سكرة الأمر المحقق، وقوله: سكرة الله لأنّ الحق من أسمائه تعالى، وقوله: للتهويل لأنّ ما يجيء من العظيم عظيم. قوله: (والخطاب للإنسان) الشامل للبز والفاجر لتقدم ذكره في قوله، ولقد خلقنا الإنسان، وفي شرح الكشاف للطيبي، وجاءت سكرة الموت الخ إن اتصل بقوله: في لبس من خلق الخ وما معه فالمشار إليه بذلك الحق، والخطاب للفاجر أي جاءك أيها الفاجر الحق الدّي أنكرته، وإن اتصل بقوله، ولقد خلقنا الإنسان الخ فالمشار إليه الموت والالتفات لا يفارق الوجهين، والثاني هو المناسب لقوله، وجاءت كل نفس معها سائق الخ بعده، وتفصيله ألقبا في جهنم كل كفار عنيد، وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد اكل فلا وجه لما قيل: إنّ الوجه الأوّل أرجح:

وللناس فيما يعشقون مذاهب

قوله تعالى: ( {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} ) هذا مناسب لكون الخطاب للفاجر فإذا كان للإنسان فالأصل يوم الوعد، والوعيد فاكتفى باحد القرينين لا لمراعاة الفاصلة كما قيل فإنها حاصلة إذا ذكر الوعد مقدّما، وقوله: أي وقت ذلك الخ يعني أنه لا بد فيه من تقدير المضاف لأنّ الإشارة ليست إلى اليوم بل إلى ما وقع فيه، وهو النفخ، وقوله: يوم تحقق الوعيد قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف آخر كما قدر قبل ذلك، ولا حاجة إليه لأنه إشارة إلى أنّ إضحافته إليه للملابسة التامّة بينهما باعتبار أنّ تحققه، وايجاده فيه، ولو جعلت الإشارة إلى وقت ذلك لقيام القرينة

عليه لم يحتج لتقدير أصلاً، وقوله: والإشارة الخ لأنّ اسم الإشارة كالضمير فيكون لاسم مصرح به أو في ضمن مشتق كما في قوله: اعدلوا هو أقرب للتقوى. قوله: (وقيل السائق كا! لب السيئات) هذا بناء على ما مرّ من أنّ الخطاب للإنسان الشامل للبر والفاجر، وأنما مرضه لأنه لا قرينة تدلّ على أنّ المراد بالسائق كاتب السيئات، وأمّا كونه

ص: 87

يقتضي تخصيصه بالفجار إذ ليس لغيره كاتب للسيئات فلا وجه له لشموله للفريقين بذكر الشهيد معه كما عرفته. قوله: (وقيل السائق نفسه الا يخفى ضعفه لأنّ المعية تأباه والتجريد بعيد، وقوله: أو قرينه يعني شيطانه المقارن له في الدنيا هو أيضا مما لا قرينة في النظم عليه مع أنّ جعل الأعمال شهيدا غير ظاهر وأمّا اقتضاؤه تخصيص كل نفس بالفجار فلا. قوله: (ومحل معها النصب على الحال) قيل: الأولى أن يجعل استئنافا بيانياً وقال أبو حيان: معها صفة وما بعده فاعلى به لاعتماده أو المبتدأ، والخبر صفة وأورد عليه أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف، ومضمون هذه الجملة غير معلوم فلا يكون صفة إلا أنّ يدعي به ولذا عبر عنه بالماضي، وقد مرّ غير مرّة أنّ ما ذكره غير مسلم، وأنّ ما ذكره أهل المعاني ليس المراد به ظاهره فتذكره، ولا تغتر بما ذكر. قوله:(لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة) هذا، وإن تبع فيه المصنف الزمخشريّ محل بحث لأنّ الإضافة للنكرة تسوغ مجيء الحال منها، وأيضاً كل يفيد العموم، وهو من المسوّغات كما في شرح التسهيل، وما ذكره تكلف لا تساعده قواعد العربية، والمراد منه كما نقل عن الزمخشريّ أنّ كل نفس في معنى كل النفوس لأنّ الأصل في كل أن تضاف إلى الجمع كأفعل التفضيل يعني أنّ هذا أصله، وقد عدل عنه في الاستعمال للتفرقة بين كل الإفرادي، والمجموعي فسقط ما قيل من أنه مسلم في كل المجموعي فتدبر. قوله:) على إضمار القول) فيقدر يقال لها أو، وقد قيل لها ليرتبط معناه، واعرابه بما قبله، وقوله: والخطاب لكل نفس أي عامّ لكل من يصلح للخطاب كما في قوله: {وَلَوْ تَرَىَ} [سورة الأنعام، الآية: 93] وقوله: إذ ما من أحد الخ دفع لما يتوهم من أنّ المراد بالغفلة عدم العلم بالبعث، وكل نفس ليست كذلك لأنّ المراد بالغفلة الذهول عن أخطارها بالبال بعد العلم، وهو قلما يخلو عنه أحد، ولذا خصه بعضهم بالنفس الكافرة، وقد أيد هذا بأنّ تنكير الغفلة، وجعله فيها، وهي فيه يدل على

أنها غفلة تامّة مقتضية لعدم العلم بها رأساً وفيه نظر. قوله: (ويؤيد الأوّل) أي كون الخطاب للنفس لتأنيثه والقراءة المشهورة ليست على تأويل النفس بالشخص كما قيل ومثل له بقوله:

يا نفس إنك باللذات س! رور

لأنّ التعبير بالنفس في الحكاية لا يستدعي اعتباره في المحكي حتى يحتاج إلى التأويل

كما في المفال المذكور لأنّ الفرق بينهما ظاهر، واعلم أنّ الغفلة جعلت غطاء وهو إمّا غطاء الجسد كله أو العينين وعلى كليهما يصح فكشفنا الخ أمّا على الثاني فظاهر وأمّا على الأوّل فلأن غطاء الجسد كله غطاء للعين أيضا. قوله:(قال الملك الموكل عليه) في الدنيا لكتابة أعماله، وهو الرقيب السابق ذكره فأفراده لتأويله كما مرّ في الرقيب وقوله: حاضر لدقي من العتاد، وهو الإعداد والإحضار ويقال: فرس عتد أي حاضر العدو كما قاله الراغب: فهذا إشارة لما في صحفه. قوله: (أو الشيطان الذي قيض له) أي سخره الله له فهو مقارن له يغويه فيكون معه ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد عليه مع شيطان يقول ما ذكر، وقد كان مقرونا به في الدنيا وفي الآخرة أتى به معه أيضا ولا يلزم منه تخصيص كل نفس حتى ينبني على قول غير مرضيئ بل هو تفصيل لما تضمته العموم كما مرّ، وقوله: هذا ما عندي الخ تفسير لقوله: هذا ما لدي الخ على القول الثاني، وقوله: في ملكي وفي خسخة ملكتي وهو بمعناه أيضا والمراد إنه مسخر له في قبضة تصرفه وتملكه وعتيد بمعنى معدّ للعذاب وهذا إشارة للشخص نفسه، وقوله: فعتيد صفتها كقوله: لديّ وتركه لظهوره، وأمّا تعلقه بما فلا وجه له وعلى الموصولية لديّ صلتها، وقوله: فبدلها بناء على أنه يجوز بدل النكرة من المعرفة وإن لم توصف إذا حصلت لفائدة بإبدالها وأمّا تقديره بشيء عتيد على أنّ البدل هو الموصوف المحذوف الذي قامت صفته مقامه، أو ما الموصولة لإبهامها أشبهت النكرة فجاز إبدالها منها فضعيف لما يلزم الأوّل من حذف البدل، وقد أباه النحاة والثاني يقول به من يشترط النعت فيه فهو صلح من غير تراض للخصمين. قوله:(خطاب من الله للسائق والشهيد) على أنهما ملكان لا ملك جامع للوصفين كما مرّ وعلى كل حال فهذا فيه قول مقدر كما مرّ، ورجح الوجه الثاني لأنه يشهد له قوله تعالى:{رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [سورة ق، الآية: 27] والقرآن يفسر بعضه بعضا ولذا اقتصر المصنف عليه فيما بعده، وقوله: أولو أحد أي لملك واحد من خزنة النار أو المراد

ص: 88

بقوله: سائق وشهيد كما مرّ. قوله: (وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل الخ (على أنّ أصله

الق ألق ثم حذف الفعل الثاني، وأبقى ضميره مع الفعل الأوّل فثني الضمير للدلالة على ما ذكر كما في قوله: فإن تزجراني أصله تزجرني تزجرني بدليل قوله: يا ابن عفان ومعنى البيت ظاهر، وهذا القول منقول عن المازني ولا يخفى بعده وهل هو حقيقة أو مجاز لم يتعرّضوا له فحرّره، وقوله: بدل من نون التوكيد لأنها تبدل ألفا في الوقف فأجرى الوصل مجراه، وقوله: كثير المنع من صيغة المبالغة، والخير يطلق على المال لغة وقوله: عن حقوقه المفروضة مأخوذ من المقام وقرينة الذم، وقوله: وقيل الخ فاً لصيغة للمبالغة باعتبار كثرة بني أخيه أو باعتبار تكرّر منعه لهم لا باعتبار استمراره كما لا يخفى، ومرضه المصنف لأنه لو كان المراد هذا كان مقتضى الظاهر أن يقول مناع عن الخير. قوله:(وخبره فألقياه) أي فيقال في حقه ألقياه أو لكونه في معنى جواب الشرط لا يحتاج للتأويل، وقوله: تكريرا للتوكيد الخ مخالف لما ذكره أهل المعاني من أنّ بين المؤكد والمؤكد شدة اتصال تمنع من العطف، إلا أنه قيل إنه نظير قوله: فلا تحسبنهم الخ والفاء هنا للإشعار بأنّ الإلقاء للصفات المذكورة أو من باب وحقك ثم حقك نزل التغاير بين المؤكد والمؤكد والمفسر والمفسر منزلة التغاير بين الذاتين بوجه خطابي، ولا يدعي التغاير الحقيقي لأنّ التأكيد يأباه فما قيل إنه نظير قوله:{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} [سورة القمر، الآية: 9] لأنّ المراد كذبوه تكذيبا عقب تكذيبا لا يصح تفسير كلام المصنف به إلا أن يريدانه توجيه آخر للنظم ولو جعل العذاب الشديد نوعا من عذاب جهنم ومن أهواله على أنه من باب ملائكتة وجبريل كان حسنا (أقول) قال ابن مالك في التسهيل فصل الجملتين في التأكيد بثم إن أمن اللبس أجود من وصلهما، وذكر بعض النحاة الفاء وذكر الزمخشريّ في الجاثية الواو أيضاً واتفق النحاة على أنه تأكيد اصطلاحيّ وكلام أهل المعاني في إطلاق منعه غير سديد فالحق ما ذكره المدقق فاحفظه. قوله:(فإنه جواب لمحذوف دل عليه الخ) قيل إنه تعليل لمقدمة مطوية دل عليها ما قبله، وهي إنّ هاهنا تقاولاً وفي كلامه تسامح فإن قال: جواب لسؤال ناشئ عن ذلك المحذوف يعني إنه مبنيّ على المسامحة وتنزيل منشأ

السؤال منزلة السؤال نفسه، وقوله: دل عليه الخ يعني أنّ الدليل على التقاول وأنّ ثمة محذوفا هو قوله: لا تختصموا، وهذا القول يدل على تعيين ذلك المحذوف كما بينه في الكشاف فتأمّل. قوله:(بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف الخ الأنهما جملتان خبريتان، وقد اجتمع مفهوماهما في حالة واحدة بخلاف ما قبل هذه فإنه كلام إنشائي غير مقارن لمضمون هذه الجملة فيدل على مقاولة مطوية، وقوله: فأعنته عليه دفع لما يتوهم من التدافع بين مضمون هدّه الجملة ومضمون قوله: هذا ما لديّ عتيد على التفسير الثاني فإنه عين الإطغاء بأن ما مز هو تزيينه له بوسوسته له، واعانته على كفره من غير تسليط له عليه كقوله: {مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} كما مرّ تفسيره وأشار إليه بقوله: فإنّ إغواء الشيطان الخ. قوله: (عالمين بأني أوعدتكم الخ (أوّل تقديم الوعيد بالعلم لتصح الحالية ويكون بين الحال وعاملها مقارنة زمانية، وإن كان ماضيا بحسب الظاهر فإن الاختصام في الآخرة وتقديم الوعيد في الدنيا فلا مقاربة بينهما فضلا عن المقارنة إلا إذا أوّل بالعلم بتقدّمه، وقوله: على أنّ قدّم بمعنى تقدّم فهو لازم يعدّى بالباء. قوله: (ويجوز أن يكون بالوعيد حالاً) من الفاعل أو المفعول والباء للملابسة أو المعية والمعنى قدمت هذا القول موعداً لكم به أو حال كون القول ملتبسا بالوعيد، وقوله: واقعاً على قوله: الخ يعني أنه مفعوله مراداً به لفظه أي قدّمت هذا القول. قوله: (وعفو بعض المذنبين الخ) هذا بناء على أنّ الوعد والوعيد كل منهما إخبار من الله بثواب أو عقاب فلا يجوز تخلفه لئلا يلزم الكذب في إخباره، وما يقع من التخلف في الوعيد لأسباب تخصصه كتوبة الموعود أو إرادة الله ومشيئته للعفو عنه، وقيل: إنّ الوعد لا يتخلف لأنه ينافي الكرم بخلاف الوعيد فإنّ تخلفه بمقتضى الكرم ولا يلزم الكذب إمّ لما ذكر أو لأنه إنشاء ولذا قال الشاعر في المدح:

وأني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

ص: 89

وأمّا في حق الكفار فالوعيد على عمومه لقوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [سورة النساء، الآية: 48] . قوله: (فأعذب من ليس لي تعذيبه) وقد سبق

الوعد بأنه لا يصدر ذلك عنه فلو صدر كان في صورة الظلم لمخالفته لقضائه وحكمه الأزلي لا لأنه ممتنع في نفسه فلا يرد عليه أنه مخالف لمذهب أهل الحق من أنّ له تعالى تعذيب المطيع واثابة العاصي، وصيغة المبالغة تقدم تحقيقها وأنها إمّا لكثرة العباد أو لأنه لو صدر عنه ما يخالف حكمته كان ظلما عظيما فتذكره. قوله:(سؤال وجواب الخ) يعني أنه استعارة تمثيلية تخييلية على ما مرّ من تفصيله في عرض الأمانة على السموات والأرض، وعدم قبولهما لها وقد ردّ هذا في الانتصاف، وقال: إنّ الله قادر على أن يخلق فيها إدراكاً ونطقاً كما خلق ذلك في الحصى والجذع حتى سبح ولا داعي لتأويل النصوص مع إمكان إبقائها على ظاهرها، وهو كلام حسن وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. قوله:(والمعنى أنها مع اتساعها الخ) ذكروا فيه وجوها ثلاثة أحدها: أنها تمتلئ بحيث لا تقبل الزيادة مع اتساعها فيكون الاستفهام إنكارياً معناه النفي لقوله: {لأَملأنَّ جَهَنَّمَ} [سورة الأعراف، الآية: 18] فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا والثاني أنّ المراد الدلالة على سعتها بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلوّ كانه يطلب الزيادة فالاستفهام للتقرير أو على حقيقته لكنه بالفرض والتقدير، أو أنه تمثيل لثدة توقدها وزفيرها وتهافت الكفرة والعصاة وقذفهم فيها حتى كأنه طالبة للزيادة فقوله: حتى تمتلئ إشارة إلى أنه استعارة وتمثيل للامتلاء إلا أنه قيل عليه لفظ التخييل غير مناسب هنا فتأمّل، فإن قلت الوجه الثاني وهو كونها فيها فراغ مناف لصريح النظم من قوله:{لأَملأنَّ جَهَنَّمَ} الآية قلت: لا منافاة بينهما كما توهم لأنّ الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها، وإن كان فيها فراغ كثير كما يقال: إنّ البلد ممتلئة بأهلها ليس فيها دار خالية مع ما بينها من الأبنية والأفضية، أو هذا باعتبار حالين فالفراغ في أوّل دخول أهلها فيها ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئئ وأمّا دفع المخالفة بماورد في الحديث من أنه يضع فيها رب العرش قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فيحصل حينئذ الامتلاء فمما لا يبغي ذكره لأنّ هذا

الحديث من المتشابهات التي لا بدّ من تأويلها. قال ابن فورك في كتاب مشكل الأحاديث والآيات: إنه حديث صحيح روي عن أبي هريرة رضي الله عنه هكذا قال: إنّ جهنم لن تمتلئ حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول: قط قط وروي رجله بدل قدمه في رواية غير صحيحة، وقد اتفقوا على أنه مؤوّل فقال النضر بن شميل: إنّ القدم هنا الكفار الذين سبق في علمه تعالى دخولهم النار، والقدم تكون بمعنى المتقدم كقوله: قدم صدق وقال ابن الأعرابي قريباً منه أيضا وقال بعضهم القدم هنا بعض مخلوقاته أو أقدام بعضهم أضيف إليه تعالى لأنه عن أمره وحكمه، وقيل: الجبار جنس من الكفرة جبارون وقيل: المراد بهم إبليس وشيعته فإنّ لفظ الجبار غير مختص بالله تعالى وكذا رواية الرجل مؤوّلة فإنها تكون بمعنى الجماعة فلا بد من تأويله فأخذه على ظاهره ودفع المخالفة به مما لا يليق. قوله: (أو أنها من شدّة زفيرها الخ) هذا كما في الكشف مرتب على التمثيل والتصوير، والحاصل أنّ نفي الزيادة وإثباتها إمّا على ظاهره أو هو كناية عن الاستكثار فلا يرد عليه أنه للإنكار وهو غير مناسب لكون المخاطب هو الله كما قيل إذ إرادة المعنى الحقيقي غير لازمة ولو سلم فهو مجاز لا كناية، وقوله: كالمستكثرة الخ ناظر لشدة الزفير والحدّة والطالبة للزيادة ناظر لتشبثها بالعصاة فهو لف، ونشر وكل منهما ناظر إلى تفسير هل من مزيد أيضا ففيه لف ونشر آخر. قوله:(مصدر كالمحيد) وفي نسخة كالمميد من ماد إذا تحرّك فهو مصدر ميمي أو هو اسم مفعول أعل أعلال المبيع وهو ظاهر، وقوله: أو ظرف لنفخ لا يخفى بعده مع كثرة الفوامحل التي لا تصلح للاعتراض، وارادة التعلق المعنوي على أنه مما تنازع فيه الأفعال السابث ة كلها وتعلق بالأخير منها على الأرجح وذكر الأوّل التعيين المشار إليه فيه، خلاف الظاهر ولا يصح الحمل عليه من غير قرينة، وذلك في قوله: ذلك يوم الوعيد حينئذ الإشارة إليه لتقدّمه رتبة وإن تأخر لفظاً فحينئذ لا يحتاج إلى تقدير مضاف فيه كما إذا كان إشارة إلى النفخ وأمّا الاعتراض بأنّ زمان النفخ ليس يوم القول إلا إذا

ص: 90

فرض ممتدّاً واقعا في أجزائه وإن كان الحامل عليه عدم احتياجه إلى التقدير فيجوز أن يكون ذلك إشارة إلى زمان النفخ الدال عليه الفعل فلا يحتاج للتقدير أيضا فقد دفعه المعترض، وادّعاء البعد فيه سهل والإشارة إلى زمان الفعل مما لا نظير له بخلاف الإشارة لمصدره. قوله:(مكاناً غير بعيد) فهو صفة للظرف قام مقامه، وانتصب انتصابه فهو متعلق

بقوله: أزلفت وعلى كل حال فهو للتأكيد ودفع التجوّز كما في الحالية فإنه بعد ذكر أنها قربت لا يحتاج إلى كونها غير بعيدة والحالية من الجنة وهي مؤنثة فلذا أوّله بتقدير شيء أو تأويل الجنة بالبستان أو لكونها على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المذكر، والمؤنث فعومل معاملته وأجرى مجراه، وقوله: على إضمار القول أي مقولاً لهم وهو حال من المتقين. قوله: (بدل من المتقين بإعادة الجار) مرّ الكلام فيه وأنه لا حاجة إليه، أو الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور. قوله:(بدل بعد بدل) يحتمل أنه بدل من كل المبدل من المتقين وهو الأولى أو أنه بدل من المتقين أيضا بناء على جواز تعدّد البدل، والمبدل منه واحد وقول أبي حيان تكرار البدل والمبدل منه واحد لا يجوز في غير بدل البداء وسره أنه قد طرح فلا يبدل منه مرّة أخرى غير مسلم فإنّ ابن الحاجب في أماليه جوّزه ونقله الدماميني في أوّل شرحه للخزرجية وأطال فيه، وكون المبدل منه في نية الطرح ليس على ظاهره فأعرفه، وقوله: أو بدل من موصوف أوّاب الخ بناء على جواز حذف المبدّل منه وقد جوّزه ابن هشام في المغني لا سيما وقد قامت صفته مقامه حتى كأنه لم يحذف. قوله: (ولا يجوز أن يكون) أي من خشي الرحمن في حكم أوّاب بأن يجعل صفة للمقدر مثله، ولذا لم يبدل من أوّاب لأنه لو أبدل منه كان له حكمه فيكون صفة والأسماء الموصولة لا يقع منها صفة إلا الذي على الأصح، وإن جوز بعض النحاة الوصف بمن أيضاً لكنه قول ضعيف كما بين في المفصلات. قوله:(على تأوبل الخ) لأنّ الإنشاء لا يقع خبراً بغير تأويل ولا يخفى تكلفه لما فيه من التقدير وتاويل ضمير الجمع، وقوله: ملتبسة إشارة إلى أنّ الباء للملابسة، وقوله: حيث خشي عقابه الخ إشارة إلى أن تليس الخشية بالغيب إمّا باعتبار المخشوّ منه، وهو الله أو المخشي نفسه، وهو العقاب أو الخاشي بأن يخاف الله في خلوته كما يخافه في جلوته لأنه لا يخفى عليه خافية وقوله: خشي عقابه يحتمل أنه بيان لحاصل المعنى، وهو الظاهر أو لتقدير مضاف فيه قبل الرحمن كما قيل. قوله:) وتخصيص الرحمن) دون غيره من أسماء الله مع أنّ غيره مما يدعو للخشية بحسب الظاهر أنسب إذ الرحمة ربما تقتضي عدمها للاتكال عليها فأجاب بأنّ صرف

الخشية قريب من الناس، وهم بنن الرجاء والخوف فلما ذكر الخوف وصف المخوف منه بما يشعر بأنهم لهم وجاء أيضاً كما أشار إليه بقوله: رجوا الخ والثاني إنّ هذا إنما يكون أنسب إذا أريد التحريض على الخشية أمّا إذا أريد مدح الخاشي بأنه خاس له على كل حال غير تارك للخشية اغترارا برحمته كما في قوله: لو لم يخف الله لم يعصه كان ذكر الرحمن أنسب كما أشار إليه بقوله: أو بأنهم يخشون خشية الخ. قوله: (إذ الاعتبار الخ) يعني هو وإن كان وصفا لصاحبه لكنه في الحقيقة صفة للقلب لأنّ المعتبر رجوعه، وقوله: سالمين الخ يشير إلى أنّ الجارّ والمجرور حال وأنه إمّا من السلامة أو من التسليم والتحية من الله أو الملائكة، وقوله: يوم تقدير الخلود لأن الإشارة إلى وقت الدخول، وهو ليس زمان الخلود فلا بد لصحة الحمل من تقدير مضاف أي ابتداء الخلود وتحققه وهو أحسن مما قدّره إذ هو المعروف في الحال وما نحن فيه ليس كذلك، وكون الإشارة إلى زمان السلام لا يصح من غير تأويل بما ذكر ونحوه كالأعلام بالخلود كما توهم، وكذا ما قيل من أنه لكونه ابتداء الخلود جعل يوم الخلود لما بينهما من الملابسة أو اليوم بمعنى الزمان وهو كالشيء الواحد والإشارة لم بعده كهذا أخوك. قوله:(فخرقوا في البلاد) هو أصل معناه الحقيقي، وقوله: وتصرفوا فيها تفسير للمراد منه فالتنقيب التصرف فيها بملكها ونحوه، وقوله: أو جالوا الخ فالتنقيب السير وقطع المسافة وفي الأساس خرقت المفازة قطعتها والنوق مخراق المفازة، وما قيل من أنّ الثاني لم ينقل عن أحد مما لا وجه له ومقام المصنف رحمه الله أجل من ذلك، وقوله: فالفاء الخ لأنها عاطفة على معنى ما قبله أي اشتدّ بطشهم فنقبوا الخ وتصرفهم فيها

ص: 91

مسبب عن اشتداد بطشهم بخلاف الجولان في البلاد حذر الموت فإنه وإن وقع عقبه لا تسبب له عنه وقوله: وأصل التنقيب الخ هذا باعتبار معناه العرفي وإلا فأصله ني اللغة التخريق كما مرّ. قوله تعالى: ( {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} الخ) أي هل من مخلص من أمر الله قيل والجملة عن إضمار قول هو حال من واو نقبوا أي نقبوا في البلاد قائلين هل من محيص أو على إجراء التنقيب مجرى القول أو هو كلام مستأنف لنفي أن يكون لهم محيص وعلى الأوّل يقدر الخبر هل لنا وفي كلام المصنف إشارة

إلى أنّ من زائدة في المبتدأ والخبر وهو لهم أو لنا مقدّر. قوله: (ويؤيده الخ (لأنّ الأمر للحاضر وقت النزول من الكفار، وهم أهل مكة لا غير والأصل توافق القرا آت معنى وفيه التفات على هذه القراءة، وقوله: بالكسر أي كسر القاف المخففة على أنه ماض معلوم، وقوله: حتى نقبت أقدامهم فهو بتقدير مضاف مجاز من قبيل المشفر وعلى كون المراد أخفاف مراكبهم الإسناد فيه مجازي أو هو بتقدير مضاف ونقب الخف تخرقه، وحفاه ورقته من كثرة المشي، وقوله: أكثروا السير إشارة إلى أنّ نقب الإقدام كناية عن كثرة السير وهي كناية مشهورة فلا ينافيه قوله في الفاموس نقب في البلاد سار كما قيل. قوله:) قلب واع الخ) على أن القلب الذي لا يعي ولا يفهم بمنزلة العدم أو على أنه موصوف بصفة مقدرة والأوّل أحسن، وقوله: أصغي تفسير لإلقاء السمع فإنه بميله للاستماع كأنه ملق لسمعه، ثم إنه قيل أو لتقسيم المتذكر إلى تال وسامع أو إلى فقيه ومتعلم أو إلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمّل فيما عنده وقاصر محتاج للتعلم فيتذكر إذا أقبل بكليته وأزال الموانع بأسرها والحامل على تفسيره بما ذكر. أنه لو لم يراع نحوه كان الظاهر العطف بالواو لأنّ الفهم لا ينافي الإصغاء فتدبر وجملة وهو شهيد حال من فاعل ألقى. قوله:(حاضر بذهنه) يعني شهيد إما من الشهود، وهو الحضور والمراد المتفطن لأنّ غير المتفطن كالغائب فهو استعارة أو مجاز مرسل والأوّل أولى أو هو بمعنى شاهد وفيه مضاف مقدّر أي شاهد ذهنه، وكون الباء في قوله بذهته للتعدية وشهيد بمعنى يشهد كما قيل تعسف وقوله: أو شاهد بصدقه على أنه من الشهادة والمراد شاهد بصدقه أي مصدق له لأنه المؤمن الذي ينتفع به أو هو كناية عن المؤمن لقوله: {وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [سورة الحج، الآية: 78] . قوله: (تفخيم) لأنّ التنكير يكون للتعظيم ولذا أشعر بما ذكره لأنه إنما يتذكر القلب العظيم، وقوله: واستراح يوم السبت ولذا حرّموا العمل فيه، وهذا مما زعموا أنه في التوراة كما أشار إليه المصنف. قوله ة (ما يقول المشركون الخ) وهو متعلق بما

قبله من فوله: ولقد خلقنا الخ على الوجهين، وقيل إنه على الثاني متعلق بما تلي من أوّل السورة إلى هنا ولا يخفى بعده، وقوله: والتشبيه أي تشبيه الله بغيره إذ نسبوا له الإعياء والاستراحة ونحوه من كفرهم وقوله: عما يمكن يعني من البعث والحشر وما يوجب التشبيه ما مرّ عن اليهود، وقوله: حامداً الخ إشارة إلى أنّ قوله بحمده حال. قوله: (وسبحه بعض الليل) يجوز أن يكون من الليل مفعولاً لفعل مضمر يفسره المذكور باعتبار الاتحاد النوعي والعطف عليه للتغاير الشخصي كما يشير إليه قوله: وسبحه بعض الليل وأن يكون مفعولاً لقوله: سبحه على أنّ الفاء جزائية والتقدير مهما يكن من شيء فسبحه من الليل، وقدم المفعول للاهتمام به وليكون كالعوض عن المحذوف ولتتوسط الفاء الجزائية كما هو حقها كما سيأتي في سورة الطور ففرّق الوجوه كما هو دأبه، لا لوجود مخصص لبعض الوجوه ببعض المواطن فتأمّل، وقوله: بعض الليل إشارة إلى أنه مفعول لتأويله بما ذكر كما مرّ تحقيقه في قوله ومن الناس من يقول آمنا فتذكره. قوله: (من أدبرت الصلاة) وقع بعد قوله: قرأ الحجازيان وحمزة بالكسر وهو الصحيح وتقدّم عليه في بعض النسخ فيكون بيانا لمأخذ الدبر، وقوله: وقيل المراد الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة قولك التسبيح التنزيه، وعلى هذا فهو من إطلاق الجزء أو اللازم على الكل أو الملزوم. قوله:(لما أخبرك به) يعني أنه مقدر لأنه المراد وإن كان الأمر مطلقا، ثم أتى بقوله: يوم ينادي الخ بياناً لذلك المقدر وسلك هذا لما في الإبهام، ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به كما أشار إليه المصنف ولذا أمر بالاستماع قبل ذكر النداء، وقوله: أو جبريل هو الأصح لأنّ إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي

ص: 92