الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5- قول الغزالي في الإحياء:
(فليس كل ما أبدع منهيا ً عنه، بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة، أو ترفع أمرا ً من الشرع مع بقاء علته
…
) .
قوله: (فليس كل ما أبدع منهيا ً عنه) يحتمل البدع الشرعية والبدع الدنيوية، فأما الشرعية فمنهي ٌ عنها كلها بلا استثناء، وأما الدنيوية فالأصل فيها الإباحة ويدخلها الابتداع بالشروط السابقة في الفصل السابق، ومقصد كلام الغزالي كما يظهر من سياق الكلام وسياقه: البدع الدنيوية؛ لأنه كان يرد على من قال بأن الموائد والمناخل والشبع من البدع.
وقوله: (بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة، أو ترفع أمرا ً من الشرع مع بقاء علته) عليه مآخذ:
أ. المضاد للسنة والرافع لأمر من الشرع مع بقاء علته يصح أن يكون معصية، كما يصح أن يكون بدعة.
ب. اعتبار البدعة المنهي هي المضادة للسنة أو الرافعة للحكم الشرعي الثابت، اعتبار يتعلق به أكثر أهل البدع، وخصوصاً في البدع الإضافية.
نعم لا توجد بدعة إلا ويرفع مثلها في السنة، ولكن ذلك على وجه العموم، فقد توجد بدع لا يقابلها سنة أصلا ً، وهذا هو الفهم الصحيح للأثر:((ما من أمة ٍ تحدث في دينها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة)) .
فرفع السنة لا يشترط فيه أن تكون في مقابل البدعة على التخصيص، بل إذا قابل البدعة سنة رفعت إحداهما بالأخرى، ولكن يحدث بدع لا يقابلها على وجه الخصوص سنن.
فهل يقال بأن هذا الأمر المحدث ليس ببدعة، لكونه لم يرفع سنة ثابتة، ولم يلغ حكما ً شرعيا ً باقي العلة؟ ..
إن البدعة منهي ٌ عنها سواء ً كانت في مقابل سنة أو لم تكن وسواء ٌ رفعت أمرا ً من الشرع أو لم ترفع.
فهذا الاشتراط في وصف البدعة منقوض بعموم النصوص الناهية عن البدع، والآثار السلفية الذامة لها، فلم يكن السلف رحمهم الله في نهيم عن البدع ينظرون إلى الأمر المبتدع بهذا المقياس، بل كانوا ينهون عن كل بدعة.. قابلت سنة ورفعت حكما ً أم لا.
وهذا الاشتراط عمدة من استحسن بعض البدع، وأضرب لذلك مثالاً واحدا ً: وهو احتجاج بعض المؤلفين بهذا الاشتراط الذي وضعه الغزالي، على جواز بدعة المولد النبوي، وجواز التزام عبادة معينة في وقت ٍ معينٍ لم يأمر بها الشرع.
فقال في معرض رده على الشاطبي حينما شبه اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بعمل أهل الجاهلية لكونه عيداً لم يشرعه الله (
…
إن تشبيهه من اتخذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً أو من التزم عبادة ً معينة ً في وقت ٍ معين ٍ بمن فعل من الجاهليين ما فعل في دين إبراهيم من البدع غير مقبول، فالجاهليون الذين ضُرب بهم المثل خالفوا الأصل، وغيروا الحكم، وأبطلوا ما أمر الله به، واستدلوا به ما شاء لهم الهوى، ثم تأولوا ذلك وعللوا له، أما من حدد لنفسه كيفية خاصة للذكر أو هيئة معينة له، أو نحو ذلك، فلم يبطل شرعاً أو يسقط حكما ً أو يبدل آية، وصلاته هي الصلاة المعهودة، وذكره هو الذكر الوارد، وما دام لم يلزم الناس بما ألزم نفسه، ولم يفرضه عليهم كتشريع محتوم قصد به مشابهة الشارع فيما شرع فلا ينبغي تشبيهه بالجاهليين في تغييرهم شريعة إبراهيم عليه السلام .
على هذا الكلام كثير من المآخذ بيد أن الذي يهمنا هنا هو قوله: (فلم يبطل شرعاً أو يسقط حكما ً أو يبدل آية) ، وهو شبيه بكلام الغزالي آنف
الذكر
…
إلا أن المؤلف زاد مقصده وضوحاً، حين تحدث عن البدعة بمفهومها الشرعي، فقال:
(وقيدها بعضهم بما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسيلم وخالف سنته وهو ما اخترناه وأقمنا الدليل عليه) .
فاشتراطه وصف المخالفة للسنة في قوله: (يبطل شرعا ً أو يسقط حكما ً) هو مثل قول الغزالي: (بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة، أو ترفع أمرا ً من الشرع) ، وقد أخذ هذا المعنى تلميذه ابن العربي المالكي، فقال:
(وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة) .
وهذه الأوصاف وإن كانت تصح على البدع في عمومها، ولكنها لا تصلح أن تكون شروطا ً لاعتبار الأمر بدعة، لأن القاعدة الكلية في ذلك هي قوله صلى الله عليه وسلم:((كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) ، فلا معنى لهذا الاشتراط سوى حصر البدع في هذه الأوصاف، وقد علم أن البدع كثيرة متنوعة، وليست كل واحدة منها في مقابل سنة أو رافعة لحكم شرعي، وعلى هذا نقول: إن كل بدعة أحدثت في هذا الدين فهي ضلالة، سواء ً كانت معطلة لحكم شرعي أو سنة نبوية أم غير معطلة، فإنها كلها منهي عنها، ومذموم، ومع اختلاف درجات الذم، وهذه هي الأوصاف القائلة بأن البدعة هي المضادة لسنة ثابتة أو الرافعة لأمر من الشرع مع بقاء علته، أو المبطلة لحكم شرعي، أو المصادمة لنص شرعي في مقابلها أو المخالفة لهدي نبوي يقابلها، أو أن البدعة هي ما نهي عنها بخصوصها، كل هذه الأوصاف لا تصلح أن تكون حدا ً حقيقيا ً لمعنى البدعة، وإن كان بعض