الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى اللغوي والاصطلاحي للبدعة
الباب الأول:
تعريف البدعة ومفهومها عند أهل السنة وغيرهم
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول:
أ - المعنى اللغوي للبدعة
.
ب - المعنى الاصطلاحي للبدعة إجمالا ً.
الفصل الثاني:
مفهوم البدعة عند أهل السنة وأدلتهم.
الفصل الثالث:
مفهوم البدعة عند غير أهل السنة وشبههم ومناقشتها.
فالفصل الأول ذكرت فيه المعنى اللغوي والاصطلاحي للبدعة، أما المعنى اللغوي فيدخل فيه: أصل استعمال لفظ بدعة في لغة العرب، ثم الاشتقاقات اللفظية لهذه الكلمة، وانتقال دلالة لفظ بدعة من الأصل اللغوي إلى الاستعمال الشرعي، والترابط بين المعاني اللغوية في أصل الاستعمال، والمعاني الشرعية بعد الانتقال.
وأما المعنى الاصطلاحي للبدعة، فيأتي على سبيل الإجمال، وذلك باختيار التعريف الذي يتطابق مع مفهوم أهل السنة والجماعة للبدعة، مع ذكر بعض محترزاته، وشرح بعض معانيه ثم أورد تعريفات أخرى متلائمة مع هذا التعريف، وإن لم تكن من حيث الشمول والإحاطة على مستوى التعريف المختار.
ثم يأتي الفصل الثاني، وفيه ذكر بعض مفهوم البدعة عند أهل السنة، وأدلتهم على ذلك مبتدئا ً ببيان معنى المفهوم في هذا الفصل، وفي الذي يليه.
ثم يأتي الفصل الثالث وفيه ذكر بعض المفاهيم الخاطئة، والتعريفات المغالطة للبدعة عند غير أهل السنة، مبينا ً المراد بغير أهل السنة، ثم ذكر الشبهات التي اعتمد عليها هؤلاء في تعريفاتهم، مع مناقشتها ونقض الاستدلال بها.
الفصل الأول:
ويشمل:
أ - المعنى اللغوي للبدعة.
ب - المعنى الاصطلاحي للبدعة إجمالا ً.
أ - المعنى اللغوي للبدعة:
البدعة مصدر (بَدَعَ) ولهذه الكلمة في كتب اللغة ذكرٌ يتناول أصل استخدامها عند العرب، والمعاني التي تدل عليها هذه الكلمة، ثم انتقال هذه المعاني إلى دلالات أخرى اشتقت من المعاني الأصلية لكلمة بدع.
فأما أصل استعمالها في لغة العرب فأصلان:
(
…
أحدهما: ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، والآخر: الانقطاع والكلال) .
وشواهد هذين الأصلين في لغة العرب كثيرة، ومن ذلك:
قولهم: وهو يتعلق بالأصل الأول: (بدعتُ الرَّكيَّ، إذا استنبطتها، ركيَّ بديع: حديثة الحفر، وقول العرب: لست ببدع في كذا وكذا، أي لست بأول من أصابه هذا) .
وقال في معجم مقاييس اللغة: (والعرب تقول: ابتدع فلان الركي إذا استنبطه) .
فهذا في معنى الأصل الأول الذي هو: (إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة) .
أما الأصل الثاني وهو الكلال، والانقطاع، فإنه يأتي من (بَدَعَ) بهذا المعنى مضارعا ً
(أبْدِعَ) و (أَبْدَعَ) واسم مفعول (مُبْدِع) .
ففي كتاب العين: (
…
وأُبْدِع البعير فهو مُبْدِع، وهو من داء ٍ ونحوه، ويقال هو داء بعينه) .
وأُبْدِعَتْ الإبل: إذا تركت في الطريق من الهزال.
وأبدع الرجل: إذا حسر عليه ظهره) .
وقال في معجم مقاييس اللغة: (
…
أبدعت الراحلة إذا كلت وعطبت وأبدع بالرجل إذا كلت ركابه وبقي منقطعا ً به) .
وفي الحديث: (إن رجلا ً أتاه فقال: يا رسول الله صلى إني أبدع بي فاحملني) .
ويقال: الإبداع لا يكون إلا بضلع، وقد نقل هذا صاحب لسان العرب وزاد بعده
(
…
يقال: أبدع فلان بفلان إذا قطع به وخذله، ولم يقم له بحاجته ولم يكن عند ظنه به، وأبدع به ظهره) .
قال الأفوه:
ولكل ساع سنة ممن مضى تَنْمي به في سعيه أو تبدع
وفي حديث الهدي: (فأزْحَفَتْ عليه بالطريق فَعَيَّ بشأنها إن هي أُبْدِعَتْ) . أي: انقطعت عن السير بكلال أو ظلع، كأنه جعل انقطاعها عما
كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعاً، أي: إنشأ أمر خارج عما اعتيد عليه منها، ومن الحديث:(كيف أصنع بما أُبْدَع عليَّ منها) .
(
…
وأُبْدِعَ علي ما لم يسم فاعله،
…
وفي المثل: إذا طلبت الباطل أبدع بك) .
وقد ذكر علماء اللغة ما اشتق من لفظة (بدع) من ألفاظ ومعان أنقل منها هنا ما له علاقة بموضع البحث:
ففي كتاب العين:
(البدع: إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة، والله بديع السماوات والأرض، ابتدعها ولم يكونا قبل ذلك شيئا ً يتوهمهما متوهم وبدع الخلق.
البدع: الشيء الذي يكون أولا ً في كل أمر، كما قال تعالى: (قل ما كنت بدعا ً من
الرسل) ، أي: لست بأول مرسل
…
ابتدعت: جئت بأمر مختلف لا يعرف
…
البدعة: اسم ما ابتدع من الدين وغيره
…
ما استحدث بعد رسول الله صلى - الله عليه وسلم - من أهواء وأعمال، ويجمع على: البدع) .
وفي جمهرة اللغة: (كل من أحدث شيئا ً فقد ابتدعه، والاسم البدعة، والجمع: البدع) .
وفي الصحاح: (أبدعت الشيء: أخرجته لا على مثال، والله تعالى بديع
السماوات والأرض
والبديع: المُبْتَدِع.
والبديع: المُبْتَدَع.
وشيء بِدّع بالكسر: أي: مُبْتَدِع.
البدعة: الحدث في الدين بعد الإكمال
…
بدعة: نسبة إلى البدعة) .
وفي معجم مقاييس اللغة: (
…
أَبْدِعَتُ الشيء قولا ً وفعلا ً، وإذا ابتدأته لا عن سابق مثال
…
وابتدعت الراحلة إذا كلت
…
أبدع بالرجل إذا كلت ركابه أو عطبت وبقي منقطعاً به
…
ومن بعض ذلك اشتقت البدعة) .
وبعد ذكر أصل الاستعمال والاشتقاقات اللفظية من كلمة (بدع)، أذكر الترابط بينها وبين الاستعمالات الشرعية أو بمعنى آخر: اذكر الدلالة المشتركة بين الأصل اللغوي والاشتقاقات اللفظية والاستعمال الشرعي على ضوء ما ذكر آنفا ً.
أما الأصل اللغوي بالمعنى الأول فإنه يتفق تماما ً على البدعة بالمعنى الشرعي، إذ هو كما مضى (ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال) .
أو (إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة) .
وهذا المعنى ينطبق على البدعة الشرعية؛ لأنها إحداث في دين الله وابتداء أشياء في الشرع لا دليل عليها منه، واختراع ما يضاهي المشروع بما ليس له ذكر
فيه، وبما ليس عند فاعله معرفة ولا برهان (فإن جميع البدع إنما هي رأي على غير أصل) .
والأصل الثاني في استعمال كلمة (بدع) هو: الانقطاع والكلال مأخوذ من الإبداع وهو المرض الذي يصيب الإبل فيمنعها عن المسير، من هزال أو عطب أو كلال.
فكأن العرب جعلوا الانقطاع الإبل عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعا ً، أي: إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها.
وهذا المعنى ينطبق على البدعة بالمعنى الشرعي، إذ المبتدع حين ينشىء بدعته مضاد للشرع ومراغم له ((حيث نصب المبتدع نفسه نصب المستدرك على الشريعة، لا نصب المكتفي بما حد له)) .
وهذا هو عين الانقطاع، بل هو أشنع انقطاع وأخبثه، لأنه يزيح الإنسان عن تحصيل كمال خلقه بالعبودية التامة لله، والتي لا تتحقق إلا باتباع الشارع، (
…
فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلاهم، وأقربهم إلى الله وأقواهم، وأهداهم أتمهم عبودية لله
…
وهذا هو حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله، وانزل به كتبه، وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره مشرك، والمتنع عن الإسلام له مستكبر) .
فإذا حصل هذا الانقطاع تبعه انقطاع عن تحصيل لذاته في العاجلة والآجلة، بمرض قلبه واسوداده وانتكاسه (فإذا اسود وانتكس عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطران متراميان به إلى الهلاك:
أحدهما: اشتباه المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفا ً ولا ينكر منكرا ً وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرا ً والمنكر معروفا ً، والسنة
بدعة والبدعة سنة، والحق باطلا ً والباطل حقا ً.
الثاني: تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وانقياده للهوى واتباعه له) .
وهذا هو حال البدع؛ - نسأل الله العافية - تنقطع بالإنسان عن الوصول إلى مراداته، وفي المثل: إذا طلبت الباطل أبدع بك وكل من ابتدع في دين الله ما ليس منه وقع في الوهن والضعف والكلال، إما بالانقطاع عن العمل المشروع كما هو حال كثير من المبتدعة في الأعمال
…
وإما بانقطاع إرادة القلب عن التلقي من الشرع، كما ذكر ربنا سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل (وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها) .
(والظاهر من سياق الآية مع ما قبلها وما بعدها: أن الله سبحانه يقصد إلى ذم الابتداع في الدين، ويبين أنه مناف للفطرة أن يهن ويضعف عن القيام بها، لأنها مخالفة ومجافية للفطرة والعقل السليم
…
فأما الدين الذي شرعه الرب العليم الحكيم لإتمام النعمة على عباده، فإنه لإصلاح الإنسانية، وأخذها إلى الصراط المستقيم بفطرة الله التي فطر الناس عليها) .
والبدعة تخلف صاحبها وتخذله، إذ يحسب أنه على شيء وهو يطلب الأجر كمن يطلب الماء من السراب، حتى إذا جاءت أعماله لم يجدها شيئا ً ووجد الله عنده فوفاه حسابه
…
وهذا معنى قول العرب: فلان أبدع بفلان إذا قطع به
وخذله ولم يقم بحاجته ولم يكن عند ظنه به) .
ويقول أهل اللغة: (الإبداع لا يكون إلا بظلع) ويقولون: (
…
أبدعت به راحلته: أي ظلعت) .
وهذا المعنى ينطبق على الابتداع في دين الله، إذ البدعة ظلع واعوجاج في نفس صاحبها وفي عمله.
وذلك باتباع الهوى، ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء؛ لأنههم اتبعوا أهواءهم، وما تشتهيه أنفسهم، وما تمليه عقولهم، ولم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورا ً فيها من وراء ذلك. وهذا الظلع الذي يبدع بصاحبه هو الذي سماه الله (زيغا ً) في قوله تعالى: ((فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله
…
)) .
وفي الحديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية على عائشة ثم قال: ((فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)) ، فإبداع أهل البدع: انقطاعهم عن السير في صراط الله المستقيم الذي ذكره في قوله تعالى: ((وأن هذا صراطي مستقيما ً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)) .
(
…
فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة، والسبل
هي سبل أهل الاختلاف الحائرين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع..) .
وبعد فهذا بيان معاني ودلالات لفظ (بدعة) وما اشتق منها:
1-
البدعة:
اسم يطلق على العمل المحدث ذاته، والجمع بدع.
ففي كتاب العين: (البدعة: اسم ما ابتدع من الدين وغيره) .
وفي الصحاح: (البدعة الحدث في الدين بعد الإكمال) .
وفي الجمهرة: (
…
كل من أحدث شيئا ً فقد ابتدعه، والاسم البدعة والجمع بدع) .
وفي التعريفات: (البدعة هي الفعلة المخالفة للسنة وهي الأمر المحدث) .
وقال في الاعتصام: (
…
وقد يسمى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة، فمن هذا العمل سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة) .
والبدعة: (اسم هيئة من الابتداع كالرفعة من الارتفاع) .
قال الشاطبي: (
…
فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع، وهيئتها هي البدعة
…
) .
والدليل الشرعي على أن لفظ البدعة يراد به العمل المحدث قوله صلى الله عليه وسلم:
(فإن كل محدثة بدعة) .
2-
الابتداع:
مصدر للمضارع ابتدع يبتدع. ويطلق على الاستخراج للبدعة.
أي: أن إيجاد البدعة وإحداثها يسمى ابتداعا ً.
ففي مسند الإمام أحمد أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرةً فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت، أجاءك من أمير المؤمنين أمر فيما فعلت أم ابتدعت، قال لم يأتني أمر من أمير المؤمنين ولم أبتدع، ولكنه أبى الله عز وجل علينا ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك) .
وفي كتاب العين: (ابتدعت: جئت بأمر مختلف لم يعرف
…
) .
وفي جمهرة اللغة: (وكل من أحدث شيئا ً فقد ابتدعه) .
ويطلق الابتداع على الفعل المبتدع ذاته فتقول: هذا ابتداع، ولو كان الفاعل مقلدا ً غير مخترع.
ومثل هذا الابتداع في المعنى: الإحداث والاختراع.
3-
المُبْتَدَعْ:
اسم مفعول دال على الحدث ومفعوله، ويراد به الأمر المحدث ذاته، ومن ذلك قول معاذ بن جبل رضي الله عنه: (
…
فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتبعوني
وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة) .
4-
المُبْتَدِعْ:
اسم فاعل دال على الحدث وفاعله، ويراد به الذي وقعت منه البدعة، والجمع: مبتدعة.
(وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفا ً في الذم) .
وفي صحيح البخاري: (باب: إمامة المفتون والمبتدع) .
ومن كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (
…
ألا وإني لست بقاض، ولكني منفذ، ولست بمبتدع ولكني متبع
…
) .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (
…
سمي المبتدع في الدين مُبتدعا ً لإحداثه فيه ما لم يسبق إليه غيره) .
5-
التَّبَدُّعْ:
وردت في اللغة بمعنى مبتدع، ففي اللسان:(تبدَّع: أتى ببدعة) ، ووردت بمعنى التحول من السنة إلى البدعة.