الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الأوصاف ينطبق على المحدثات في وصف من هذه الأوصاف مخالف للنصوص الشرعية ولطريقة السلف الصالح، ويكفي لكي توقن ببذلك أن ترى كيف كان السلف ينكرون كل محدثة في دين الله بالزيادة أو النقصان بالفعل أو الترك من غير اعتبار لوجود هذه الأوصاف المذكورة آنفاً، ثم إذا تأملت هذه الأوصاف وجدت أنها تتضمن في حالة حصر البدعة في وصف ٍ واحد ٍ منها تعطيلاً واضحاً لقوله صلى الله عليه وسلم:((كل بدعة ضلالة)) وإسقاطاً بينا ً لمراده عليه الصلاة والسلام؛ لأن كل وصف من هذه الأوصاف معلوم حكمه على وجه الخصوص..
فمثلا ً العمل المصادم للنص، معلوم حكمه، وكذلك ما نهي عنه بخصوصه أو ما خالف هديا ً ثابتاً أو أبطل سنة صحيحة..
ثم إن الزعم بأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)) ما كان متصفا ً بأحد هذه الأوصاف، إحالة على ما لا يمكن حصره من المنهيات والمخالفات، سواء ً كانت بدعا ً أو معاصٍ، وفي ذلك اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه أخفى ما يجب عليه بيانه، وبين ما لم يرد ظاهره، فإن بين قوله:(كل بدعة ضلالة) وهذه الأوصاف فرق كالفرق بين العموم والخصوص، فإن زُعم أن المراد بالحديث أحد هذه الأوصاف، أدى ذلك إلى اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالتلبيس على أمته لأنه تكلم بلفظ ٍ عام، وأراد معنى خاصاً وأطلق القاعدة الكلية ومراده الوصف الجزئي المقيد..
ومن هنا يتبين أن هذه الأوصاف لا يجوز حمل الحديث على واحد ٍ منها ليكون هو المقصود والمراد بلفظ البدعة.
6- تعريف محمد عبد الحي اللكنوي الهندي:
بعد أن ذكر المعنى اللغوي للبدعة، تحدث عن المعنى الشرعي الخاص، فقال:
(هو الزيادة في الدين أو النقصان منه الحادثات بعد الصحابة، بغير إذن الشارع لا قولا ً، ولا فعلا ً، ولا صريحا ً ولا إشارةً، فلا يتناول العادات أصلا ً بل يقتصر على بعض الاعتقادات، وبعض صور العبادات
…
) .
وهذا التعريف وإن كان فيه بعض الصواب، كقوله عن البدعة:(هي الزيادة في الدين أو النقصان منه)، وكقوله:(بغير إذن الشارع) ، إلا أنه يحتوي مع ذلك على جملة من المبهمات المجملة، التي تحتاج إلى إيضاح وتفصيل، وجملة أخرى من الأخطاء..
فأما المجمل في التعريف فقوله: (الحادثات بعد الصحابة) .
وهذا يحتاج إلى إيضاح، فليس كل ما أحدث في زمن الصحابة سنة مقبولة، وهذا راجع إلى ما سبق الحديث عنه عن الكلام على مفهوم البدعة عند أهل السنة.
ويمكن تلخيصه هنا بما يناسب المقام، وهو أن قول الصحابي وفعله إذا خالف النص فهو غير معتبر، وإذا خالفه صحابي آخر فينظر في المسألة بمقياس الأدلة، ومقاييس الترجيح المذكورة في كتب الأصول والمصطلح، وإذا قال قولاً لم ينتشر ولم يعلم فيه خلاف من أحد فهو محل خلاف، والراجح أنه حجة، وكذلك ما كان في حكم المرفوع فهو حجة، وما عدا ذلك فما حدث في زمانهم فلا يجعل حجة، فضلا ً عن كونه سنة، والدليل على ذلك إنكار بعض الصحابة على بعض أمور حدثت، مثل إنكار ابن عباس رضي الله عنهما على معاوية رضي الله عنه حين مسح في طوافه أركان البيت الأربعة.
وإنكار سلمان الفارسي رضي الله عنه على أبي الدرداء حين كتب إليه أن: (هلم إلى الأرض المقدسة) فكتب إليه سلمان: (إن الأرض لا تقدس أحدا ً، وإنما يقدس الإنسان عمله) ، وغير ذلك.
أما قوله: (بغير إذن الشارع لا قولا ً ولا فعلا ً ولا صريحا ً ولا إشارة)، ففي قوله:(ولا إشارة) إجمال يحتاج إلى بيان، فكم من مبتدع في الأحوال والسلوك بنى بدعته على ما يدعيه من إشارات النصوص، وقد اشتهر في مناهج تفسير القرآن (التفسير الإشاري) الذي تعتمد عليه الصوفية في فهمها لنصوص القرآن.
وإن قصد بالإشارة: إشارة النص الذي: هو العمل بما يثبت بنظم الكلام لغة ً، لكنه غير مقصود، ولا سبق له النص: كقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن) سبق لإثبات النفقة، وفيه إشارة إلى أن النسب إلى الآباء
…
) فهذا المعنى محتمل، ويختلف الحكم عليه باختلاف الأفهام التي تستنبط الأحكام من النصوص، إلا أن قاعدة (لا اجتهاد مع النص) ، وقاعدة (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) تحكم هذا الفهم وتضبطه، وتحكم عليه بالقبول أو الرد.
أما قوله عن المعنى الشرعي للبدعة، وأنه (لا يتناول العادات أصلا ً) فهذا خطأ ظاهر، وقد سبق بيان دخول البدع في العادات والمعاملات، وسيأتي الكلام عنها بعون الله في الفصل الرابع من الباب الثاني بتفصيل أوسع.
والأصل في هذا الباب: قصة الثلاثة الذين سألوا عن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم: فكأنهم استقلوها، فمنع أحدهم نفسه من النوم، والآخر من الأكل نهاراً والثالث من تزوج النساء.
ومثل ذلك قصة الرجل الذي نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام صومه، وترك الصمت والشمس والقيام.
قال الحافظ ابن رجب: (فمن تقرب إلى الله بعمل ٍ لم يجعله الله ورسوله قربة ٍإلى الله فعمله باطل مردود عليه - إلى أن قال - كمن تقرب إلى الله بسماع الملاهي أو بالرقص أو بكشف الرأس في غير الإحرام) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (اتخاذ لبس الصوف عبادة وطريقاً إلى الله بدعة) .
فإذا كانت العادات مما يراد به القربة إلى الله سبحانه، وليس لها هذا الوصف شرعا ً فهي بدعة بلا شك، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد زجره للثلاثة الذين استقلوا عبادته، فألزموا أنفسهم بترك بعض المباحات زيادة ً في القربة إلى الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (لكني أصوم وأفطر وأصلى