المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أما كتاب الاعتصام للشاطبي: - حقيقة البدعة وأحكامها - جـ ١

[سعيد بن ناصر الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌مدخل كتاب البدعة

- ‌شروط العمل المقبول:

- ‌حقيقة العبادة في الإسلام:

- ‌أساس العبادة ودعائمها:

- ‌ الإنسان عامل مريد *

- ‌ شروط العمل المقبول *

- ‌الشرط الأول: الإخلاص:

- ‌الشرط الثاني: الموافقة للشرع:

- ‌الاعتصام بالسنة

- ‌الاعتصام لغة وإصلاحاً:

- ‌السنة…تعريفها واستعمالاتها

- ‌السنة في الاصطلاح:

- ‌1- السنة بالمعنى العام:

- ‌2- أما السنة بالمعنى الخاص:

- ‌ذم البدع

- ‌ومن الآثار الواردة في ذم البدع:

- ‌لمحة تاريخية عن ظهور البدع

- ‌المبحث الأول:اللمحة التاريخية الموجزة لظهور البدع:

- ‌الفترة الأولى: "فترة ما قبل ظهور البدع

- ‌الفترة الثانية من سنة 36 - 100 ه

- ‌ الخوارج

- ‌الشيعة:

- ‌القدرية:

- ‌المرجئة:

- ‌الفترة الثالثة: 101 - 177ه

- ‌1- غيلان بن مسلم الدمشقي (105ه

- ‌2- الجعد بن درهم توفي بعد عام 118هـ وهو من أهل حران:

- ‌3- الجهم بن صفوان (128ه

- ‌4- واصل بن عطاء (131ه

- ‌5- عمرو بن عبيد بن باب البصري (144ه

- ‌6- مقاتل بن سليمان (150ه

- ‌7- عبد الواحد بن زيد (177ه

- ‌الفترة الرابعة: 178 - 300ه

- ‌ أمهات الفرق الضالة

- ‌1- الشيعة:

- ‌2- الخوارج:

- ‌3- القدرية:

- ‌4- المرجئة:

- ‌5- الصوفية:

- ‌6- المعتزلة:

- ‌7- أشخاص لهم أقوال قامت عليها بدع:

- ‌(أ) ابن كلاب:

- ‌(ب) محمد بن كرام بن عراق أبي عبد الله السجستاني المتوفي سنة 255ه

- ‌(ج) أبو الحسن الأشعري:

- ‌أسباب ظهور البدع

- ‌أحدهما: سبب قدري أزلي:

- ‌والضرب الثاني من أسباب الابتداع:كسبي، وهو على أنواع:

- ‌1- اتباع الهوى:

- ‌2- قلة العلم بالشرع المنزل:

- ‌وفروع جهل المبتدعة بالشريعة كثيرة ومتنوعة منها:

- ‌3- اتباع العوائد:

- ‌1- اتباع الآباء والمشائخ:

- ‌2- اتباع المذهب والطائفة:

- ‌3- ابتاع العادة والعرف والشائع:

- ‌4- أخذ أهل السلطة بها أو سكوتهم عنها:

- ‌5- كون المبتدع من ذوي الفصاحة والبيان:

- ‌6- احتفاء المبتدعة ببعضهم وتعاونهم فيما بينهم:

- ‌موقف السلف من البدع:

- ‌نبذة موجزة لبعض المؤلفات في البدعة ودراسة موجزة لأهمها:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌ أما كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح:

- ‌أما المآخذ فهي:

- ‌أما كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي:

- ‌ أما كتاب الاعتصام للشاطبي:

- ‌أما كتاب (البدعة تحديدها موقف الإسلام منها) للدكتور عزت علي عطية:

- ‌المعنى اللغوي والاصطلاحي للبدعة

- ‌الباب الأول:تعريف البدعة ومفهومها عند أهل السنة وغيرهم

- ‌الفصل الأول:

- ‌أ - المعنى اللغوي للبدعة

- ‌ب - المعنى الاصطلاحي للبدعة إجمالا ً:

- ‌الفصل الثاني: مفهوم البدعة عند أهل السنة وأدلتهم

- ‌أهل الحديث والأثر:

- ‌أهل الجماعة:

- ‌الفرقة الناجية:

- ‌أتباع السلف:

- ‌الطائفة المنصورة:

- ‌الخلف العدول:

- ‌أصحاب السنن:

- ‌1- البدعة تكون في العبادات والمعاملات:

- ‌2- البدعة تكون في العقائد والأقوال والأعمال:

- ‌خامساً: البدعة هي ما ليس له أصل في الدين:

- ‌المراد بالأصل:

- ‌1- كتاب الله سبحانه وتعالى

- ‌2- سنة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌3- الإجماع

- ‌4- قول الصحابي وفعله:

- ‌وهناك أنواع من المرفوع حكماً

- ‌1- قول الصحابي من السنة كذا:

- ‌2- قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا:

- ‌3- قول الصحابي كنا نفعل كذا وكنا نقول كذا:

- ‌4- أن يحكم الصحابي على فعل من الأفعال بأنه طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو معصية:

- ‌5- إذا قال الصحابي قولاً يخالف القياس:

- ‌حجية قول الصحابي:

- ‌تنوعت مذاهب العلماء في هذه المسألة وانقسمت إلى خمسة مذاهب مشهورة:

- ‌المذهب الأول:

- ‌المذهب الثاني:

- ‌المذهب الثالث:

- ‌المذهب الرابع:

- ‌المذهب الخامس:

- ‌من أسباب الوقوع في الابتداع

- ‌2- الجهل بمقاصد الشريعة:

- ‌وهذه القاعدة الشرعية تصوغ لنا مقاصد شرعية أغفلها المبتدعة فضلوا وأضلوا، منها:

- ‌1- النظر إلى الشرع بعين الكمال لا بعين النقص:

- ‌2- الإيقان بأنه لا تضاد بين آيات القرآن، ولا بين الأخبار النبوية، وبين أحدها مع الآخر:

- ‌3- الإيقان بأن لا تعارض بين العقل الصريح والنص الصحيح مطلقا ً:

- ‌3- عدم التسليم للنصوص الشرعية والانقياد لها:

- ‌أ. رد الأحاديث

- ‌ب. إتباع المتشابه من الأدلة

- ‌جـ. معارضة النصوص الشرعية بالأهواء فالصوفي بالكشف والذوق، والمتكلم بالرأي والمنطق والنظر والقياس الفاسد.. أو بما يسمونه قواعد قطعية ذوقية كانت أو عقلية

- ‌د. الاستدلال ببعض النصوص دون النظر في غيرها

- ‌هـ الاعتماد على الحكايات والرؤى والقياسات والأحاديث الواهية والضعيفة

- ‌4- إحداث قواعد ونظريات عقلية أو ذوقية أو سياسية يسير عليها المبتدع وينقاد لها:

- ‌5- اتباع العوائد والمشايخ:

- ‌6- سوء الفهم للقرآن والسنة: وعدم معرفة أقوال السلف:

- ‌بعض تعريفات البدعة

- ‌1- تعريف عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله تعالى

- ‌2- تعريف الزركشي رحمه الله

- ‌3- ابن الأثير

- ‌4- تعريف الجرجاني في كتاب التعريفات:

- ‌5- قول الغزالي في الإحياء:

- ‌6- تعريف محمد عبد الحي اللكنوي الهندي:

- ‌والمفاهيم الخاطئة للبدعة

- ‌1- قول ابن حجر الهيتمي

- ‌2- قول السيوطي في الحاوي:

- ‌3- قول ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري:

- ‌5- قول الشعراني في كتابه المسمى باليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، وهو مصنف لبيان وشرح اعتقاد محي الدين بن عربي:

- ‌6- قول القاضي أبي بكر بن العربي في شرحه للترمذي، عند قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإياكم ومحدثات الأمور)) :

- ‌7- قول يوسف السيد هاشم الرفاعي:

- ‌8- قول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي:

- ‌9- قول محمد علوي مالكي عند ذكره لحديث: (كل بدعة ضلالة) :

- ‌القسم الأول: شُبه الأدلة:

- ‌القسم الثاني من شبه الأدلة:

- ‌والعلماء الذين يحتج بأقوالهم المحسنُ للبدع على أقسام:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

الفصل: ‌ أما كتاب الاعتصام للشاطبي:

وهذا القول من الترهات التي يرويها الصوفية ومن لا علم عنده بالسنة والآثار.

هذه هي جملة المآخذ على كتاب الطرطوشي، وهي بالنسبة لما فيه من العلم والفوائد، كالشعرات البيض المعدودة في الحيوان الأسود.

*‌

‌ أما كتاب الاعتصام للشاطبي:

فهو العمدة في هذا الباب، والمورد لكل من تكلم في البدعة بعده، فقد نزع الشاطبي- رحمه الله في هذا الكتاب بقوة فما رؤي عبقري يفري فرية حتى ضرب الناس حول كتاب الاعتصام بعطن، وعلوا منه ونهلوا وحرموا ليدركوا شأوه فما وصلوا.

ومؤلفه- رحمه الله من العلماء الذين تحروا من ربقة التقليد الأعمى، ونير الجمود والتعصب المذهبي، واستقل في زمن كثر فيه إتباع العوائد والآباء، والمشائخ والمذاهب، مع ما حباه الله من توسع في العلوم الشرعية والعقلية، وإلمام بالأخبار والآثار غير يسير، أما علم الأصول الذي به تفهم مقاصد الشرعية، وقواعدها وكلياتها، فمن أحسن الناس علماً بهو وحسبك في أصول الفقه من بين المؤلفات كتاب الموافقات، وأما اللغة العربية فله فيها الطولى والباع العريض، وقد ذكر مترجموه مؤلفات له في أصول النحو وشرح الألفية، وصفها بعضهم بأنها لم يؤلف مثلها.

فانعقدت لهذا الإمام الجليل ألوية العلم، وجمع بين معرفة الآثار والعلم باللغة، وفهم مقاصد الشريعة، فتأهل لخوض ميدان التأصيل والتقعيد في مجال السنة والبدعة، فأجاد وأفاد، والناظر فيه وفي آثاره في الخلق وما لقيه من قبول ومحبة، يوقن أن أبا إسحاق قد بورك له في علمه وعمله، فرحمه الله ورضي عنه.

ص: 215

وقد ذكر في مقدمة كتابه منة الله عليه في فهم معاني الشريعة ومقاصدها وأن من أعظم ذلك الإيقان بأن كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم لم يتركا في سبيل الهداية لقائل ما يقول، ولا أبقيا لغيرهما مجالاً يعتد فيه.. وأن الدين قد كمل والسعادة الكبرى فيما وضع، والطلبة فيما شرع، وما سوى ذلك فضلال وبهتان وإفك وخسران.

وبين أنه اختار طريق الدليل والمشي مع الجماعة، التي هي السواد الأعظم والسبيل الذي كان عليه محمد-صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم ذكر أنه تولى من الأعمال المتصلة بالناس الخطابة والإمامة، وأراد أن يسلك فيها طريق الاستقامة على السنة، بترك العوائد البدعية التي ألفها جمهور أهل زمانه، وأنه نظر في أمره هذا بين أن يتبع السنة ولو خالف ما اعتاد الناس وألفوا، وما يترتب على هذه المخالفة من اتهامات وأضرار تلحق به، أو يتبع ما ألف الناس من البدع معرضاً عن السنة، ونهج السلف الصالح وأنه اختار متابعة السنة، لأن الهلاك في إتباعها هو النجاة، وأن الناس لن يغنوا عنه من الله شيئاً، وأنه عزم على ذلك متخذاً طريق التدرج في بعض الأمور، فلما أنفذ- رحمه الله عزمه هذا وذلك بترك الدعاء الجماعي في أدبار الصلوات، وترك التزام ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة وترك الدعاء للسلاطين فيها، كانت النتيجة كما قال هو-رحمه الله:(فقامت علي القيامة وتواترت على الملامة، وفوق إلى العتاب سهامه، ونسبت إلي البدعة والضلالة، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة....) .

وأدت مقاومته العملية لهذه البدعة المعتادة أن نسب إلى الرفض، وبغض الصحابة، وإلى اتهامه بأنه يجوز الخروج على السلطان، والتخلي عن طاعته، وأنه يقول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه

وأنه يلتزم الحرج والتنطع في الدين

ص: 216

وغير ذلك من التهم.

وكانت أرض الأندلس-آنذاك- قد انحسر فيها مد الإسلام واستولى النصارى على كثير من المدن والبلدان، ويكاد ينحصر النفوذ الإسلامي في مملكة غرناطة الممتدة في الجزء الجنوبي من الأندلس إلى ساحل البحر الأبيض، ومضيق جبل طارق.

وكانت الفتن بين الدويلات المفتتة، قد أضعف قوة المسلمين والتصارع بين أبناء الأسر المالكة على تفتيت الفتات المتبقي، قد أثخن أهل ملة الإسلام والاضطرابات والثورات على أشدها، والنصارى يزحفون وبعض ملوك المسلمين يحاربهم، وبعضهم يحارب معهم، وأهل العلم على أقسامهم منهم من قصد للتأليف والتدريس، ومنهم من انزوى للنسك والعبادة، ومنهم من سعى يجاهد ويحرك حميات ذوي البصائر ويستنهض عزمات أهل القلوب، ويقاوم انحرافات أهل الترف والمعاصي، وأهل البدع والمحدثات، ويحاول مد ظل الإسلام الذي تقلص، ورفع لواءه الذي تنكس، وكان من أجلاء هذا الصنف الإمام الشاطبي- رحمه الله وقد ألف كتابه-الاعتصام- في هذه الأجواء المشحونة، والأحوال المتردية.

وبعد أن حصل عليه من الإنكار ما سبق ذكره، اجتهد في تتبع النظر في البدع، أصول وقواعد قررت الشريعة، وفروع وجزئيات كثيرة لكنها منتظمة تحت تلك الأصول والقواعد، ورأى الالتباس بين السنة والبدعة، وقع بين الناس بسبب كثرة البدع وانتشارها، ودوام الإكباب عليها، وسكوت العلماء عنها مع قلة من صنف في البدعة على الخصوص من حيث التأصيل، وأن الوجوب متأكد بالنسبة إلى من عنده فيها علم، كل ذلك أداه إلى وضع كتاب يشتمل على بيان البدع، وأحكامها وما يتعلق

ص: 217

بها من المسائل أصولاً وفروعاً، وسماه الاعتصام قال فيه:(وأنا أرجو أن يكون كتب هذا الكتاب الذي وضعت يدي فيه، من هذا القبيل، لأني رأيت باب البدع في كلام العلماء مغفلاً جداً، إلا من النقل الجلي، كما نقل ابن وضاح، أو يؤتى بأطراف من الكلام لا يشفي الغليل بالتفقه فيه، كما ينبغي ولم أجد على شدة بحثي عنه إلا ما وضع فيه أبو بكر الطرطوشي، وهو يسير في جنب ما يحتاج إليه فيه، إلا ما وضع الناس في الفرق الثنتين والسبعين، وهو فصل من فصول الباب، وجزء من أجزائه فأخذت نفسي بالعناء فيه، عسى أن ينتفع به، واضعه وقارئه وناشره وكاتبه والمنتفع به وجمع المسلمين أنه ولي ذلك ومسديه بسعة رحمته) .

والكتاب المطبوع المتداول مقسم على عشرة أبواب:

الباب الأول: في تعريف البدعة وبيان معناها.

الباب الثاني: في ذم البدع وسوء منقلب أهلها. وهو على سبعة فصول، ذكر في كل فصل وجها من الذم الوارد في النقل، أو المعروف بالعقل.

الباب الثالث: في أن ذم البدع والمحدثات عامة.

وقد تكلم في هذا الباب عن عموم الضلالة فيكل بدعة وأجاب عن شبه المبتدعة، ومن قسم البدع إلى حسن وقبيح كل ذلك وغيره مندرج تحت ثمانية فصول.

الباب الرابع: في مآخذ أهل البدع في الاستدلال، وفيه يبين أقسام الناس من حيث الرسوخ في العلم وعدمه، وكيفية استدلالهم بالشرع، ومعنى إتباع المتشابه، والتحريف، وأنواع الأدلة والاستدلالات التي يعتمد عليها المبتدع من الشرع أو من غيره، وقد جعل هذه المعاني موزعة على عشرة فصول.

الباب الخامس: في البدع الحقيقية والإضافية، والفرق بينهما، وتحته

ص: 218

عشرون فصلاً، ذكر فيها حدود البدعة الحقيقية وأمثلتها، والإضافية وأمثلتها، واستطرد في بيان البدعة الحقيقية وأقسامها لكثرة الإشكال الحاصل فيها، وتكلم عن حكم العمل المتذرع به إلى البدعة وأصله مشروع، وحكم الذرائع عموماً

وعالج في هذا الباب رهبانية الصوفية، وأخذهم بالشدة على أنفسهم والمشقة على أجسادهم، ثم بدعة الدعاء الجماعي أدبار الصلوات.

الباب السادس: في أحكام البدع، وأنها ليست على رتبة واحدة، وتحته ثمانية فصول، تناول فيها التفاوت الحاصل بين البدع بسبب تفاوت متعلقاتها، وأنها تنقسم إلى كبائر وصغائر، ومحرمة ومكروه تحريماً وأن عموم لفظ الضلالة يشمل كل هذه الأقسام.

الباب السابع: في الابتداع: هل يدخل في الأمور العادية أم يختص بالأمور العبا دية؟ .. وحصر الكلام في فصلين، تحدث فيهما عن أفعال المكلفين في نظر الشرع، وأن لكل فعل حكمه، ثم يبين كيفية دخول الابتداع في الأمور العادية، وضرب على ذلك أمثلة عديدة تدل على دخول الابتداع في العادات والمعاملات.

الباب الثامن: في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان، وفيه خمسة فصول، وقد بدأ الباب بتبيان معنى المصالح المرسلة، ثم ضرب لها عشرة أمثلة، من المأثور والمعقول.. ثم أتبع ذلك بالكلام عن الاستحسان، وذكر له عدة تعريفات، شملت مسألة الحسن والقبيح، العقليين، ومسألة الاستحسان الفقهي والأصولي، ثم ضرب على ذلك عشرة أمثلة، ثم بين تعلق أهل البدع بالاستحسان، ورد على احتجاجاتهم، وبين بالدليل سقوط ما تعلقوا به، وكشف الإشكالات الواردة في هذا الباب.

الباب التاسع: في السبب الذي من أجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين.. وقد أطال في هذا الباب، وتعرض لكثير من القضايا الاعتقادية والعملية، مفصلاً ذلك ضمن خمسة وعشرين مسألة.

بدأ ببيان أسباب الاختلاف الواقع في الفرق، وأنها كسبية وغير كسبية.

ص: 219

ثم بين وجوه الاختلاف الكسبي، وبين أحكام المبتدع من خلال هذه الوجوه من حيث الأعذار، وعدمية التكفير والتفسيق، ومتى يطلق مسمى الفرقة، والكلام عن تعيين الفرق وحصرها في عدد معين، ثم الكلام عن خواص وعلامات أهل الفرقة والابتداع، وحكم أهل الفرق من حيث الكفر وعدمه، ومعاني نصوص الوعيد الواردة فيهم.. ثم تحدث عن الفرقة الناجية، وأوصافها، ومعنى الجماعة، وعلى من يطلق هذا الوصف.

ثم تكلم عن حديث الكلب والمعاني المستنبطة منه، واستطرد من ذلك إلى توبة المبتدع، وإمكان وقوعها وقبولها، ومعاني الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب.

الباب العاشر: في معنى الصراط المستقيم، الذي انحرفت عنه سبل الابتداع، فضلت عن الهدى بعد البيان.

وفيه تحدث عن الصراط المستقيم وأهله، ثم عن المداخل التي تلج منها البدعة على الشرع، وأنها أربعة: الجهل بأدوات المقاصد، والجهل بالمقاصد، وتحسين الظن بالعقل، وإتباع الهوى.

وتكلم عن كل واحد من هذه المداخل كلاماً مفصلاً مؤيداً بالأدلة النقلية والعقلية، والأمثلة الواقعية.

وفي ختام الكتاب ضرب عشرة أمثلة لا تباع الهوى والتقليد، وبعد نهاية الأمثلة قال:(فصل: إذا ثبت أن الحق هو المعتبر دون الرجال، فالحق لا يعرف دون وسائطهم، بل بهم يتوصل إليه وهم الأدلاء على طريقة) .

ولم يزد على ذلك، وهذا يدل على أن الكتاب غير مكتمل، فإما أن يكون المؤلف-رحمه الله تعالى- لم يكمله، كما جاء في آخر النسخة المخطوطة منه، والتي طبع عليها الكتاب المتداول ولفظه: (هذا ما جاء في آخر النسخة المخطوطة التي

ص: 220

وجدت في مكتبة الشنقيطي، وقد تم نسخها في 25 المحرم سنة 1295 من هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم) .

وأما أن يكون المؤلف قد أكمله ولكن الناسخ ظن- بسبب نقصان النسخة التي نقل عنها- أن المؤلف لم يكمل الكتاب.. وعلى كل حال فالكتاب أجل من ثنائي عليه، ومؤلفه- رحمه الله أكبر من إشادتي به.

وهو في حاجة شديدة إلى تحقيق علمي دقيق، وإكمال للنواقص الموجودة في أثناء هذا السفر الجليل وأخره، والنسخة المطبوعة والمتداولة قامت بسد فراغ فقده، ولكنها لكثرة سلبياتها في الطباعة والتحقيق والتخريج أخلت بكثير من فوائد ومقاصد هذا الكتاب.

نسأل الله أن يهيئ له من طلبة العلم من يقوم بخدمته على الوجه الصحيح، أ/االنقد الذي يمكنه توجيهه إلى كتاب الاعتصام ومؤلفه، فهو مندرج تحت الأرقام الآتية:

1.

قوله عند الكلام عن إتباع المتشابهات: (ومثاله في ملة الإسلام مذهب الظاهرية في إثبات الجوارح للرب-المنزه عن النقائص- من العين واليد والوجه المحسوسات، والجهة وغير ذلك من الثابت للمحدثات) .

فإن كان مراده بالظاهرية المجسمة والمشبهة فلا اعتراض، وإن كان مراده الذين يأخذون بظواهر نصوص الصفات ويثبتونها كما وردت من غير تحريف \، ولا تأويل، ولا تعطيل، فهذا هو القول الحق الذي لا تدل الأدلة الشرعية على سواه، وهو مذهب السلف الصالح وأتباعهم، والمعترض عليهم بتأويل أو تعطيل مبتدع.

2.

قوله في رده على المعتزلة الذين زعموا أن القرآن مخلوق: (وأما كون الكلام هو الأصوات والحروف فبناء على عدم النظر في الكلام النفسي وهو مذكور

ص: 221

في الأصول) .

والكلام النفسي في مصطلحات الأشاعرة، التي أطلقوها على كلام الله-سبحانه وتعالى حيث قالوا: كلام الله تعالى القديم هو الكلام النفسي وهو معنى واحد قائم بذاته، غير مخلوق وهو صفة من صفاته، غير بائن عنه ليس بحرف ولا صوت

وهذا القول فيه جملة من البدع، لا مجال هنا لذكر الرد عليها، وإنما المراد 1كر مذهب الشاطبي في هذه المسألة.

3.

جعله النيروز من أعياد النصارى، وهذا خطأ يسير، والصحيح أنه من أعياد المجوس.

4.

جعله التثويب بدعة، تبعاً لمذهب المالكية في ذلك، وقد روي فيه أحاديث وآثار، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف، فلا وجه لاعتباره بدعة.

5.

جعله مذهب الظاهرية في الفقه بدعة، وهذا ليس بصحيح، بل في مذهب الظاهرية من الحرص على السنة وإتباع الآثار وحفظها وروايتها، ما ليس في المذاهب الفقهية الأخرى، التي اعتمدت الرأي والتقليد، نعم في المذهب الظاهري بعض المسالك المبتدعة، كإلغاء القياس الصحيح، وعدم القول به، كما أن في غيره من المسالك المبتدعة الأخذ بالقياس الفاسد، وتقديم قول المذهب على النص، وهي مسألة سيأتي بسطها في الفصل الثالث من الباب

ص: 222

الثاني، إن شاء الله.

6.

في رده على بدعة إدعاء المهدية التي زعمها ابن تومرت قال: (وكذب فالمهدي عيسى عليه السلام) .

وهذا القول مخالف للحديث الصحيح عنه-صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً) .

7.

وقوعه في بعض الأخطاء والآثار، منها استشهاده بحادثة ابنة النضر بن الحارث، حين ألقت شعرها على النبي-صلى الله عليه وسلم بعد مقتل والدها صبراً، حين عادوا من بدر ، ومنها تفسير الآية بخبر إسرائيلي واستشهاده به، وقوله عن أحد الأحاديث أنه في صحيح البخاري، وليس كذلك وإيراده قصة صبيغ بن عسل العراقي بغير الطريقة الواردة في كتب الآثار، كالدار مي، وابن وضاح، فأن بين ما أورد وما يثبت بالسند

ص: 223

اختلاف في المعنى.

ومن ذاك قوله عن الأحاديث المتواترة وأحاديث الآحاد: (

فإن كان وارداً من السنة فمعظم نقل السنة بالآحاد، بل أعوز أن يوجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواتراً....) .

مع أن المنقول من السنة المتواترة ليس معوزاً لقلته كما يقول-رحمه الله بل هو كثير، وفي ذلك مصنفات عديدة.

وقوله: وفي مسلم مرفوعاً عن ابن مسعود- رضي الله عنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) وهذا الحديث ليس بمرفوع إلى النبي-صلى الله عليه وسلم بل في سنده إلى ابن مسعود إرسال.

ومن ذلك إيراده لبعض الأحاديث واستدلاله بها، ووضعه بعض القواعد والمعاني عليها ثم تشككه في صحتها.

ومن ذلك حكمه على بعض الأحاديث بالضعف، وعدم الصحة، وهي صحيحة أو في معناها أحاديث صحيحة.

ص: 224

8.

قوله عند الكلام عن الحكم بالتكفير أو عدمه للفرق الهالكة: (وإذا قلنا بعدم التكفير، فيحتمل على مذهب أهل السنة أمرين: أحدهما: نفوذ الوعيد من غير غفران، ويدل على ذلك ظواهر الأحاديث، وقوله هنا (كلها في النار) أي مستقرة ثابتة فيها، فإن قيل: ليس إنفاذ الوعيد بمذهب أهل السنة، قيل: بلى قد قال به طائفة منهم.....) .

ونسبة إنفاذ الوعيد من غير غفران في ما دون الشرك إلى بعض أهل السنة نسبة غير صحيحة، بل أهل السنة مجمعون على أن ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي والبدع، إذا مات صاحبها عليها من غير توبة، فهو في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ولا يقولون بتخليد مؤمن في النار.

9.

قوله في مسألة التقبيح والتحسين العقليين يقول الأشاعرة.

وقد سبق الإشارة إلى هذا المسألة عند الكلام عن كتاب البدعة وأثرها السيئ في الأمة لسليم الهلالي، وسيأتي الكلام عليها مفصلاً في الفصل الخامس من الباب الثاني، وهذه المأخذ مغمورة في بحر فوائد ومنافع هذا المصنف النادر، ومستورة برداء فضائل ومحاسن مؤلفه-رحمه الله والمنصف من اغتفر قليل خطأ في كثير صوابه، وكما قال الذهبي-رحمه الله:(إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه وإتباعه، يغفر له زلله ،ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك) .

ولست أخص بهذا المعنى الإمام الشاطبي، بل كل من قدمت لمؤلفه دراسة أو نقداً في هذه العجالة، وحتى الذي تجنى على الشاطبي وقال فيه: (وكتاب

ص: 225

الاعتصام للشاطبي-رغم اتساعه وطول نفس مؤلفه- فيه تكرار وإطناب وتضارب واختلاط، ولم ينجح في ستر ذلك قدرة مؤلفه على التحليل والتعليل، وتمتعه بأسلوب مؤثر جميل- ثم نقل عن غيره قولاً فيه شطط- فقال:(غير أن سيئاته لا تذهب بها الحسنات، إطنابه ممل، وإيجازه مخل، وخياله غزير، وفي التحقيق مقل، يغتر به من يغرهم زخرف المقال، ويرتضيه من ليس له في ميدان البحث مجال) ولست بصدد الدفاع عن الشاطبي أو تبرير زلاته، وهل يخلو من الزلات بشر؟ ولكن حسن الأدب واجب مع مثل هؤلاء الأئمة الأجلاء، فهل أقول لهذا الكاتب ما قاله الحافظ ابن كثير في الشيخ البكري علي بن يعقوب حين عارض شيخ الإسلام ابن تيمية:(وما مثاله إلا مثال ساقية ضعيفة لا طمت بحراً عظيماً صافياً، أو رملة أرادت زوال جبل....) .

وأختتم بقول شيخ الإسلام ابن تيمية بما لعله يبرئ أسقام الاعتراضات الجافية، قال-رحمه الله:(من له في الأمة لسان صدق عام، بحيث يثني عليه ويحمد في جماهير الأمة، فهؤلاء هم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم، وعامته من موارد الاجتهاد، والتي يعذرون فيها، وهم الذين يتبعون العلم والعدل، فهم بعداء عن الجهل والظلم، وعن إتباع الظن وما تهوى الأنفس..) .

وإني لأحسب الإمام الشاطبي من هذا الصنف- رحمه الله وأعلى

ص: 226