الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
أبو العباس ابن عطاء:
وكان من أئمة الصوفية في عصرهن واشتبه عليه أمر الحلاج وأيده في قوله:
هل الكاتب إلا الله، وأنا واليد آلة؟ فسأل الوالي فقهاء بغداد فانكروا ذلك وكفروا من اعتقده، فأحضر ابن عطاء وسأله عن قول الحلاج، فقال: من لا يقول بهذا القول فهو بلا اعتقاد. فأمر الوالي بضرب رأسه حتى سال الدم من منخريه، ثم مات بعد سبعة أيام من ذلك في سنة 309هـ.
محمد بن خفيف الشيرازي:
برغم ما قيل عنه من تمسك بالسنة إلا أنه خُدِع بالحلاج، فكان يقول عنه أنه: عالم رباني، ووقع في بعض موبقاته وأخذ ببعض ضلالاته.
وهكذا دخلت فلسفة الملاحدة والإباحية والزنادقة عن طريق الصوفية الذين تظاهروا بالزهد والعبادة، وتراءوا بالصلاح والنسك، وأظهروا تعظيم الدين وهم يهدمونه، وادعوا حماية شعائره وهم في الحقيقة يحطمونه، فهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإيمان والإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد.
6- المعتزلة:
تعاظمت المعتزلة ونشطت في هذه الفترة وانتشرت أفكارها وكثر أتباعها، وتوسعت مؤلفاتها.
ومن أسباب ذلك تعريب كتب الفلاسفة من الروم والفرس في أثناء الدولة
العباسية، حين طلب المأمون العباسي 198-218هـ كتب هؤلاء الفلاسفة، فعربت ودرسها الناس، فكان منها شر عظيم؛ إذ إنها - وهي التصورات والتخصرات البشرية - أصبحت في تلك الفترة مقدمة على الوحي عند أهل الابتداع، إلا أن علماء السنة دافعوا عن الحق ونافحوا عنه، فوقعت الفتنة واستمرت في عهد المأمون، ثم في عهد المعتصم، ثم في عهد الواثق، ثم لما جاء عهد المتوكل، رفع الله لواء أهل السنة ونصرهم على أعدائهم.
ويمكن أن يطلق على هذه الفترة بأنها (فترة المعتزلة) لما كان لها من أثر بالغ في الحياة العامة والخاصة، سياسية أو علمية أو عملية، فقد تأثر الخلفاء بأفكارهم واستعانوا بهم على ولاياتهم.
وانتشر الفكر الاعتزالي وألفت فيه الكتب، وحدثت في داخل المعتزلة بدع كثيرة، أدت إلى تكفير بعضهم وغيرهم إلا أن هناك عقائد مبتدعة، وأصولاً محدثة، يكاد يتفق عليها سائر فرق المعتزلة، وهي التي أسموها: الأصول الخمسة وهي:
1-
العدل: ويقصدون به نفي القدر، وأن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به،
وأن الله لم يخلق أفعال العباد، وأن الإنسان خالق أفعاله.. وقالوا: إن الله لا يخلق الشر ولا يريده، إذ لو خلقه ثم عذب العباد لأجله يكون ذلك جوراً والله عادل لا يجور.
2-
التوحيد: ويقصدون به نفي صفات الباري سبحانه وتعالى تنزيهاً له - بزعمهم - وهذا من أهم أصولهم، فهم يصفون الله سبحانه بصفات السلوب، فيقولون: لا حي ولا سميع، ولا فوق العالم، ولا يقوم به علم ولا قدرة. وبناءً على أصلهم هذا قالوا ببدعة خلق القرآن ونفي رؤية الله - سبحانه-.
3-
الوعد والوعيد: ويقصدون به إيجاب وقوع الثواب للمطيع، وإيجاب وقوع العقاب على مرتكب المعاصي، فلا يجوز على الله - بزعمهم - أن لا يعذبهم ويخلف وعيده، ولا يجوز كذلك عفوه عن الكبيرة من غير توبة.
4-
المنزلة بين المنزلتين: وهذا الأصل متلازم مع أصل الوعد والوعيد، فزعموا أن المسلم العاصي بارتكاب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر، فلا يسمى مؤمناً ولا يسمى كافراً، وإذا مات وهو مقيم على كبيرة، فهو من أهل النار خالداً فيها.
5-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وقصدوا به الخروج على الحاكم الفاسق الظالم، وحمل الناس على ما يؤمنون به بالحجة والبرهان، أو بالقوة والسلطان، كما فعلوا في محنة خلق القرآن.
هذه هي أهم أصولهم التي بنوا بدعهم الكلامية عليها، وأهم مسالك المعتزلة في الاستدلال على العقائد:
1-
العقل:
فكل ما قبله العقل أقروه، وكل ما لم يقبله رفضوه، ولذلك جعلوه هو الأصل، وجعلوا الشرع شاهداً له، فكل ما خالف معقولاتهم من النصوص أولوه حتى يوافقها، وسبب ذلك ثقتهم المطلقة بالعقل، مما قادهم إلى رعونات في العقائد والأعمال، دفعتهم إليها نزعتهم العقلية فقالوا:
(إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية.. فإما أن يجمع بينهما، وهو محال؛ لأنه جمع بين النقيضين، وإما أن يردا جميعاً، وإما أن يقدم السمع وهو محال؛ لأن العقل أصل النقل، فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحاً في العقل الذي هو أصل النقل، والقدح في أصل شيء قدح فيه، فكان تقديم النقل قدحاً في النقل والعقل جميعاً، فوجب تقديم العقل، ثم النقل إما أن يُتأول وإما أن يفوض..) .
فهذا هو القانون الكلي الذي يعتمد عليه هؤلاء ويطردونه في سائر مسائل العلم والعمل الخبرية والإرادية.
2-
الفلسفة:
لما ترجمت كتب الفلسفة وانتشرت أخذ منها المعتزلة وتأثروا بها، فكانت أدلتهم واستدلالاتهم وأقوالهم معتمدة على الأراء الفلسفية، والمقدمات المنطقية، والأقيسة الكلامية، التي تعود في مجملها إلى الفلسفة اليونانية، وجعلوا ما جاء به الأنبياء من باب الظن الذي لا يفيد يقيناً، كما تفيده معقولاتهم، ولذلك أدخلوا النقل من باب التأويل فهم يقولون:
بأن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال إلا الحق، والحق هو ما علمناه بعقولنا، فيجتهدون في تأويل النصوص إلى ما يوافق رأيهم، بأنواع التأويلات التي هي في حقيقتها تحريفات للشريعة.
أسباب انتشار مذهب المعتزلة:
1-
تأثيرهم على خلفاء بني العباس:
حتى إنهم استطاعوا إقناعهم بأقوالهم، وأخذ مهام الدولة والعمل فيها، والتأثير من خلالها في نشر بدعهم، وحمل الناس عليها وفتنتهم بها.. فقد كان عمرو بن عبيد، وهو المؤسس الثاني لمذهب المعتزلة بعد واصل بن عطاء، كان من جلساء الخليفة أبي جعفر المنصور وأحمد بن أبي دؤاد، كان قاضي القضاة لثلاثة من الخلفاء: المعتصم، والواثق، والمتوكل، وفي زمن المتوكل طرد من القضاء، وكان بشر المريسي أستاذاً للمأمون، وأحد كبار المؤثرين فيه.
حتى إنه كانت تعقد للمعتزلة مجالس المناظرة مع أهل السنة تحت نظر الخليفة وسمعه، في مجالس الخلافة.
2-
قدرتهم الكلامية وفصاحتهم اللسانية:
فقد أوتوا قوة في الجدال، وفصاحة في الألسن، فكان منهم أهل البيان والفصاحة، يلقون أفكارهم ممزوجة بحكم العرب وأمثالهم وأشعارهم، فكان ذلك
من أسباب انتشار مذهبهم، إذ خدعوا الناس بالبيان "وإن من البيان لسحرا" كما قال عليه الصلاة والسلام، وسبب ذلك أن المعتزلة جمعوا بين علوم الكلام والجدل، وهذه بطبيعتها تقود إلى المناظرات والمخاصمات وكثرة الكلام، وعلوم الأدب والغة وهي ثوب قثيب يخدع الناس ويستهويهم، وممن اشتهر بفصاحته من المعتزلة، ابن أبي دؤاد، وواصل بن عطاء، وأبو الهذيل العلاف، وأبو علي الجبائي وغيرهم، ولا تخلو طبقة من طبقات المعتزلة من وجود مفوه فصيح.
هذا وقد جمعت المعتزلة بين بدع سلفت وبدع حدثت، فأما البدع السالفة فقد أخذوا القول بالقدر، ولكن ليس لعى ريقة القدرية الغلاة النفاة، الذين يقولون بأن الأمر أنف، وإنما قالوا بنفي خلق الله لأعمال العباد وهو ما أسموه بالعدل، ونفي إرادة الله وقضائه، وخلقه للشر، ولذلك سموا بالقدرية، وأخذوا من الخوارج الحكم على مرتكب الكبيرة، ولكنهم حوروه إلى ما أطلقوا عليه المنزلة بين المنزلتين، وأخذوا منهم الخروج على الحاكم الظالم، وأخذوا من الجهمية نفي صفات الباري سبحانه، والقول بخلق القرآن، ولذلك سموا بالجهمية، فإنهم