الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
شروط العمل المقبول *
ومما سلف يتبين أن الإنسان مريد وعامل له قدرة وإرادة، وله عاطفة وفكر كما له قلب وعقل.
فهناك في كل إنسان بواعث كامنة في قلبه يطلق عليها (الإرادة) ، (والعزم) ، و (النية) ، و (القصد) ، و (عمل القلب) ، وفي المصطلح النبوي (همام) ، وفي القرآن جاءت بلفظ (الإرادة) ، و (الابتغاء) .
وهناك تنفيذ لهذه الأشياء بالجوارح والحركات الظاهرية يطلق عليها: (القدرة) ، و (التنفيذ) ، و (العمل) ، و (حارث) كما في الحديث النبوي.
وبهذين العنصرين الأساسين - الإرادة والعمل - يتم نشاط الإنسان وإليهما مرجع سائر أعماله الشعورية والفكرية والعملية.
ولهذا جاء الشرع من العليم الحكيم، ليبوجه إرادة الإنسان وقصده كما يرسم عمله وتنفيذه.
فجاءت الشروط الشرعية بناء على ذلك، لتكون علامة على قبول الأعمال أوردها، فشروط العمل بمقبول اثنان:
أحدهما: للإرادة والقصد.
والثاني: للعمل والتنفيذ.
الشرط الأول: الإخلاص:
وهذا الشرط متعلق بالإرادة والقصد، والنية.
والمقصود به: (إفراد الحق - سبحانه - بالقصد في الطاعة) . والنية تقع في كلام العلماء بمعنيين كما قرر ذلك ابن رجب فقال: (أحدهما: تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر مثلاً) - إلى أن قال:
…
(والمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو الله وحده لا شريك له، أم لله وغيره، وهذه هي النية التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين
…
) .
والأدلة على هذا الأصل من القرآن والسنة وكلام السلف ومن سار على نهجهم، كثيرة.
فمن القرآن قوله - تعالى:
(إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص) .
قال ابن كثير: (أي لا يقبل الله من العمل، إلا ما أخلص فيه العامل لله وحده لا شريك له) .
وقوله - جل وعلا: (قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين، وأمرت لأن أكون أول المسلمين، قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، قل الله اعبد مخلصاً له ديني) .
وقوله - سبحانه: (قل أمر ربي بالقسط واقيموا وجوهكم عند كل مسجد وأدعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) .
قال ابن كثير: (أي أمركم بالإستقامة في عبادته في محالها، وهي متابعة المرسلين المؤدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله، وما جاءوا به من الشرائع وبالإخلاص له في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين أن يكون صواباً موافقاً للشريعة، وأن يكون خالصاً من الشرك) .
وقوله - تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) .
وقوله - تعالى: (هو الحي لا إله فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين)
وقوله عز وجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) .
قوله عز وجل: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) .
وقوله تعالى: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) .
قال ابن القيم: (فالإسلام الوجه: إخلاص القصد، والعمل لله....) .
وقال جل في علا: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) .
قال الحافظ ابن كثير: (
…
وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله، وصواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن الأحاديث النبوية:
قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: (
…
فهذا يأتي على كل أمر من الأمور
…
وهو أن حظ العامل من عمله نيته
…
وأنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيراً حصل له خير، وإن نوى شراً حصل له شر
…
وهاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء
…
) .
وقال الشوكاني رحمه الله رحمه الله: في مقدمة أدب الطلب عند ذكره لهذا
الحديث:
(
…
حصول الأعمال وثبوتها لا يكون إلا بنية، فلا حصول أو لا ثبوت لما ليس كذلك، فكل طاعة من الطاعات، وعبادة من العبادات إذا لم تصدر عن إخلاص نية وحسن طوية، لا إعتداد بها ولا التفات إليها، بل هي إن لكم تكن معصية فأقل الأحوال أن تكون من أعمال العبث واللعب
…
) .
وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث لا يغل عليهم قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين...." الحديث.
قال ابن القيم:
(أي لا يبقى فيه غل ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غلة وتنقيه منه، وتخرجه عنه، فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل، وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة، فهذه الثلاثة تملؤوة غلاً ودغلاً، وداء هذا الغل وإستخراج أخلاطه: بتجريد الإخلاص والنصح ومتابعة السنة)
…
وفي الحديث الإلهي يقول الله تعالى: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري، فهو للذي أشرك به وأنا منه برئ ".
وعن أبي أمامة قال:
" جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسم - فقال: أرأيت رجلاً غيراً يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا شيء ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبل إلا ماكان خالصاً، وابتغى به وجهه ".
وعن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الغزو غزوان، فأما من غزا ابتغاء وجه الله - تعالى -، وأطاع الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد في الأرض، فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من عزا فخراً ورياءً وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكاف ".
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يجاري به العلماء، أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله في النار ".
وفي مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت: قال:
كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل، ثم أمر به فحسب على وجهه حتى ألقى في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما علمت؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: علام، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فحسب على وجهه حتى القى في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما علمت فيها قال: ما تركت من سبيل تجب أن ينفق فيها، إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: جواد، وقد قيل، ثم أمر به فحسب على وجهه، حتى ألقى في النار ".
وأما ما ورد عن السلف في الإخلاص: فهو كثير وفير، أنقل منه بعض ما روي بالسند عنهم:
روى الآجري بسنده عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالا:(لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل إلا بقول، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا نية إلا بموافقة السنة) .
وفي كتاب الزهد لهناد بن السري بسنده عن ابي العالية قال:
(كنا نحدث منذ خمسين سنة، أن الأعمال تعرض على الله - تعالى -، ما كان له منها قا ل: هذا لي وأنا أجزي به، وما كان لغيره قال: أطلبوا ثواب هذا ممن عملتموه له) .
وفي بسنده عن عبادة بن الصامت قال: (يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقول: ميزوا ما كان منها لله، وألقوا سائرها في النار) .
وروى أبو نعيم بسنده عن مطرف بن عبد الله أنه قال: (صلاح القلب، بصلاح العمل، وصلاح العمل، بصحة النية) .
وروى بسنده عن يحيى بن ابي كثير أنه قال: (تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل) .
ومما روى عن الفضيل بن عياض أنه تلا قوله - تعالى -: (ليبلوكم