الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1- الشيعة:
بعد أن وضع ابن سبأ بذور شره وهلك، أخذ مذهب السبئية بعده بنان ابن سمعان، وأنشأ طائفة تسمى البنانية، تقوم على تأليه علي ثم تأليه بنان، والقول بالتناسخ، وكان معه في هذه المدة وهذه البدعة المغيرة بن سعد البجلي، الذي كان يزعم أنه علياً رضي الله عنه كان يستطيع أن يحيي الموتى، وأن لمعبوده أعضاءً على صورة حروف الهجاء، ثم ظهر بعدهما وعلى نفس المنوال أبو منصور العجلي، الذي تنسب إليه فرقة المنصورية، وكان يزعم أنه رفع إلى السماء، وأن الله سبحانه مسح على رأسه، وكان هو وأتباعه من الشيعة ينكرون القيامة، ويزعمون أن علياً هو الكسف الساقط من السماء، وأن الجنة رجل أُمرنا بموالاته، وهو إمام الوقت، وأن النار رجل أُمرنا بمعاداته وهو خصم الإمام، وتأول المحرمات والفرائض على أسماء رجال، ثم جاء بعده أستاذ الباطنية وجامع ضلالات من سبق، ومضل من لحق أبو الخطاب الأسدي، الذي تنتسب إليه فرقة الخطابية الكافرة، القائلين بألوهية أحد
أبناء جعفر الصادق، وبالتناسخ، وبكون الشريعة ذات ظاهر وباطن، وأن الفرائض أسماء رجال ونساء.
وكان أبو الخطاب الأسدي أحد شيوخ المفضل بن عمر الجعفي وهذا الأخير هو شيخ محمد بن نصير النميري الذي كون فرقة النصيرية الباطنية، ولما توفي جعفر الصادق سنة 148هـ انقسمت الشيعة بحسب اعتقاداتها السالفة في آل البيت، فالغلاة منهم وهم الذين ذكرنا آنفاً قالوا بإمامة إسماعيل ابن جعفر، الذي توفي قبل والده بخمس سنوات، والإمامية الرافضة قالوا بإمامة أخيه موسى الكاظم.
أما الإسماعيلية فقد بايعت على الإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر الإمام المكتوم كما يقولون، وفي هذه المدة تركز المذهب الباطني بفلسفاته، وظهر بفتنته في أيام المأمون العباسي، وكان تدبير أمر هذه الدعوة ونشرها واستمالة الناس إليها على يد عبد الله بن ميمون القداح، الذي كان مولى لجعفر بن محمد الصادق، وميمون بن ديصان، ومحمد بن الحسين الملقب بدندان، حيث
اجتمع الثلاثة في سجن العراق، ووضعوا قواعد الملة الإسماعيلية، وبدأوا بنشر دعوتهم في جبال الأكراد، وبلاد المغرب، وفي أهل البحرين، ثم في أهل اليمن، وقد تمكنت الدعوة الباطنية من الانتشار، حتى دخل في دعوتهم من حشم المعتصم، وخاصته، وجلٌ يقال له:(أفشين) وكان يداهن بابك الخرمي الذي قام بحرب المسلمين وقتالهم وكانت منه أمور نكراء.
وتفرع من مذهب الباطنية هذا مذاهب عديدة، كالقرامطة، والدروز، وإخوان الصفا، والحشاشين، وقامت لهم دولة العبيدية في المغرب ثم الفاطمية في مصر، والقرمطية في البحرين واليمن، وكانت لهم ثورات مثل ثورة الزنج،
وكان منهم شر عظيم ومفاسد كبيرة ولا يزال.
أما الشيعة الإمامية فإنهم كما سبق قد افترقوا على الإسماعيلية، بزعمهم أن الإمام جعفر الصادق هو موسى الكاظم، وفي الحقيقة أن هذا الإفتراق كان مبنياً على افتراق في المعتقد أساساً، مثلما افترقت الزيدية قبل ذلك عن الشيعة، وقد كان للشيعة الاثني عشرية بعض شأن في هذه الفترة من الزمان، ومما كان منهم أنهم خرجوا في البصرة على المأمون مع زيد بن موسى الكاظم، وكان أخوه علي الرضا وهو ثامن الأئمة الإثني عشر عند الإمامية، قد نال منزلة عند المأمون، فجعله ولي عهده وزوجه ابنته وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، وغيّر من أجله زي بني العباس من الأسود إلى الأخضر، وبقي علي الرضا على ذلك حتى توفي بطوس سنة 203هـ.
وفي هذه الفترة عاش ستة من الأئمة الإثنا عشر عند الشيعة الإمامية الرافضة وهم بالترتيب:
1) موسى الكاظم، المتوفي عام 183هـ.
2) علي الرضا، المتوفي عام 203هـ.
3) محمد الجواد، المتوفي عام 219هـ.
4) علي الهادي، المتوفي عام 254هـ.
5) الحسن العسكري، المتوفي عام 260هـ.
6) محمد المنتظر بن الحسن العسكري، الذي يسمونه الإمام المهدي المنتظر.
وفي هذه الفترة ظهر متكلموا الشيعة الإمامية، ووضعوا المؤلفات في تأسيس عقائدهم، وأول من ألف في ذلك:
علي ابن إسماعيل بن ميتم التّمار، ألف كتاب الإمامة وتكلم في هذه المسألة على مذهبه الشيعي الرافضي الإمامي.
ثم كان بعده تلميذه هشام بن الحكم، الذي كان يعتبر من أكبر الشخصيات الكلامية في القرن الثاني الهجري، وكانت له معارك كلامية لمخالفي مذهبه الإمامي، مثل مناظرته مع أبي الهذيل المعتزلي، ويعتبر هشام بن الحكم عند الشيعة (
…
من متكلمي الشيعة ممن فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب والنظر، وكان حاذقاً بصناعة الكلام حاضر الجواب
…
"
وكان مما قرره هشام بن الحكم في فلسفته الكلامية أنه قال: بأن الله سبحانه وتعالى جسم ذو أبعاض، وأنه سبعة أشبار بشبر نفسه وأنه - سبحانه - كالبلورة أو كالسبيكة، وغير ذلك من الأقوال التي هي في حقيقتها ولوازمها، تشبيه للباري سبحانه وتعالى بخلقه.
فقد جمع هشام بن الحكم بين التشبيه والتجسيم في صفات الباري - سبحانه
وتعالى - (وزعم أن الله علم بالأشياء بعد أن لم يكن علماً بها) ، وزعم كذلك بأن النبي تقع منه المعصية، ويأتيه الوحي بالتنبيه عليها
…
أما الإمام فيجب أن يكون معصوماً عن المعصية، لأنه لا ينزل عليه الوحي.
وتعتبر مدرسة هشام بن الحكم الكلامية ومؤلفاته الشيعية الفلسفية هي العمدة عند الشيعة الإمامية، مع بعض المخالفات اليسيرة التي طرأت على هذه النحلة فيما بعد.
وممن ظهر في هذه الفترة وكان ينسج على منوال هشام بن الحكم، هشام ابن سالم الجواليقي وبسبب تمازج أقوالهما وتداخل بدعهما نسبت فرقة الهاشمية إليهما، وممن أظهر على هذه الطريقة الشيعية الرافضة الإمامية المجسمة، يونس بن عبد الرحمن القمي إمام الشيعة وفقيههم بالعراق، وإليه تنسب فرقة اليونسية
من الشيعة الإثنا عشرية.
ومحمد بن النعمان الملقب بشيطان الطاق من متكلمة الشيعة وحذاقهم، وله مؤلفات في الإمامة وفي إمامة المفضول وفي أمر طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم.
ومنهم علماء وفقهاء الشيعة الإمامية في هذه الفترة، أحمد بن محمد البيزنطي ومحمد بن خالد البرقي القمي، والحسن بن محبوب السراد، ومحمد ابن عيسى بن عبيد بن يقطين وغير هؤلاء مما لا يتسع المجال لحصرهم هنا.
وكان انتشار فقه وعقائد الشيعة في هذه الفترة سبباً لقوتهم وتعاظم أمرهم فيما بعد، إذ نشأت بعد سنة ثلاثمائة من الهجرة دول شيعية إمامية وإسماعيلية وكان منهم شر مستطير.