المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أقسام العلماء ‌ ‌والعلماء الذين يحتج بأقوالهم المحسنُ للبدع على أقسام: ‌ ‌القسم الأول: علماء - حقيقة البدعة وأحكامها - جـ ١

[سعيد بن ناصر الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌مدخل كتاب البدعة

- ‌شروط العمل المقبول:

- ‌حقيقة العبادة في الإسلام:

- ‌أساس العبادة ودعائمها:

- ‌ الإنسان عامل مريد *

- ‌ شروط العمل المقبول *

- ‌الشرط الأول: الإخلاص:

- ‌الشرط الثاني: الموافقة للشرع:

- ‌الاعتصام بالسنة

- ‌الاعتصام لغة وإصلاحاً:

- ‌السنة…تعريفها واستعمالاتها

- ‌السنة في الاصطلاح:

- ‌1- السنة بالمعنى العام:

- ‌2- أما السنة بالمعنى الخاص:

- ‌ذم البدع

- ‌ومن الآثار الواردة في ذم البدع:

- ‌لمحة تاريخية عن ظهور البدع

- ‌المبحث الأول:اللمحة التاريخية الموجزة لظهور البدع:

- ‌الفترة الأولى: "فترة ما قبل ظهور البدع

- ‌الفترة الثانية من سنة 36 - 100 ه

- ‌ الخوارج

- ‌الشيعة:

- ‌القدرية:

- ‌المرجئة:

- ‌الفترة الثالثة: 101 - 177ه

- ‌1- غيلان بن مسلم الدمشقي (105ه

- ‌2- الجعد بن درهم توفي بعد عام 118هـ وهو من أهل حران:

- ‌3- الجهم بن صفوان (128ه

- ‌4- واصل بن عطاء (131ه

- ‌5- عمرو بن عبيد بن باب البصري (144ه

- ‌6- مقاتل بن سليمان (150ه

- ‌7- عبد الواحد بن زيد (177ه

- ‌الفترة الرابعة: 178 - 300ه

- ‌ أمهات الفرق الضالة

- ‌1- الشيعة:

- ‌2- الخوارج:

- ‌3- القدرية:

- ‌4- المرجئة:

- ‌5- الصوفية:

- ‌6- المعتزلة:

- ‌7- أشخاص لهم أقوال قامت عليها بدع:

- ‌(أ) ابن كلاب:

- ‌(ب) محمد بن كرام بن عراق أبي عبد الله السجستاني المتوفي سنة 255ه

- ‌(ج) أبو الحسن الأشعري:

- ‌أسباب ظهور البدع

- ‌أحدهما: سبب قدري أزلي:

- ‌والضرب الثاني من أسباب الابتداع:كسبي، وهو على أنواع:

- ‌1- اتباع الهوى:

- ‌2- قلة العلم بالشرع المنزل:

- ‌وفروع جهل المبتدعة بالشريعة كثيرة ومتنوعة منها:

- ‌3- اتباع العوائد:

- ‌1- اتباع الآباء والمشائخ:

- ‌2- اتباع المذهب والطائفة:

- ‌3- ابتاع العادة والعرف والشائع:

- ‌4- أخذ أهل السلطة بها أو سكوتهم عنها:

- ‌5- كون المبتدع من ذوي الفصاحة والبيان:

- ‌6- احتفاء المبتدعة ببعضهم وتعاونهم فيما بينهم:

- ‌موقف السلف من البدع:

- ‌نبذة موجزة لبعض المؤلفات في البدعة ودراسة موجزة لأهمها:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌ أما كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح:

- ‌أما المآخذ فهي:

- ‌أما كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي:

- ‌ أما كتاب الاعتصام للشاطبي:

- ‌أما كتاب (البدعة تحديدها موقف الإسلام منها) للدكتور عزت علي عطية:

- ‌المعنى اللغوي والاصطلاحي للبدعة

- ‌الباب الأول:تعريف البدعة ومفهومها عند أهل السنة وغيرهم

- ‌الفصل الأول:

- ‌أ - المعنى اللغوي للبدعة

- ‌ب - المعنى الاصطلاحي للبدعة إجمالا ً:

- ‌الفصل الثاني: مفهوم البدعة عند أهل السنة وأدلتهم

- ‌أهل الحديث والأثر:

- ‌أهل الجماعة:

- ‌الفرقة الناجية:

- ‌أتباع السلف:

- ‌الطائفة المنصورة:

- ‌الخلف العدول:

- ‌أصحاب السنن:

- ‌1- البدعة تكون في العبادات والمعاملات:

- ‌2- البدعة تكون في العقائد والأقوال والأعمال:

- ‌خامساً: البدعة هي ما ليس له أصل في الدين:

- ‌المراد بالأصل:

- ‌1- كتاب الله سبحانه وتعالى

- ‌2- سنة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌3- الإجماع

- ‌4- قول الصحابي وفعله:

- ‌وهناك أنواع من المرفوع حكماً

- ‌1- قول الصحابي من السنة كذا:

- ‌2- قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا:

- ‌3- قول الصحابي كنا نفعل كذا وكنا نقول كذا:

- ‌4- أن يحكم الصحابي على فعل من الأفعال بأنه طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو معصية:

- ‌5- إذا قال الصحابي قولاً يخالف القياس:

- ‌حجية قول الصحابي:

- ‌تنوعت مذاهب العلماء في هذه المسألة وانقسمت إلى خمسة مذاهب مشهورة:

- ‌المذهب الأول:

- ‌المذهب الثاني:

- ‌المذهب الثالث:

- ‌المذهب الرابع:

- ‌المذهب الخامس:

- ‌من أسباب الوقوع في الابتداع

- ‌2- الجهل بمقاصد الشريعة:

- ‌وهذه القاعدة الشرعية تصوغ لنا مقاصد شرعية أغفلها المبتدعة فضلوا وأضلوا، منها:

- ‌1- النظر إلى الشرع بعين الكمال لا بعين النقص:

- ‌2- الإيقان بأنه لا تضاد بين آيات القرآن، ولا بين الأخبار النبوية، وبين أحدها مع الآخر:

- ‌3- الإيقان بأن لا تعارض بين العقل الصريح والنص الصحيح مطلقا ً:

- ‌3- عدم التسليم للنصوص الشرعية والانقياد لها:

- ‌أ. رد الأحاديث

- ‌ب. إتباع المتشابه من الأدلة

- ‌جـ. معارضة النصوص الشرعية بالأهواء فالصوفي بالكشف والذوق، والمتكلم بالرأي والمنطق والنظر والقياس الفاسد.. أو بما يسمونه قواعد قطعية ذوقية كانت أو عقلية

- ‌د. الاستدلال ببعض النصوص دون النظر في غيرها

- ‌هـ الاعتماد على الحكايات والرؤى والقياسات والأحاديث الواهية والضعيفة

- ‌4- إحداث قواعد ونظريات عقلية أو ذوقية أو سياسية يسير عليها المبتدع وينقاد لها:

- ‌5- اتباع العوائد والمشايخ:

- ‌6- سوء الفهم للقرآن والسنة: وعدم معرفة أقوال السلف:

- ‌بعض تعريفات البدعة

- ‌1- تعريف عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله تعالى

- ‌2- تعريف الزركشي رحمه الله

- ‌3- ابن الأثير

- ‌4- تعريف الجرجاني في كتاب التعريفات:

- ‌5- قول الغزالي في الإحياء:

- ‌6- تعريف محمد عبد الحي اللكنوي الهندي:

- ‌والمفاهيم الخاطئة للبدعة

- ‌1- قول ابن حجر الهيتمي

- ‌2- قول السيوطي في الحاوي:

- ‌3- قول ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري:

- ‌5- قول الشعراني في كتابه المسمى باليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، وهو مصنف لبيان وشرح اعتقاد محي الدين بن عربي:

- ‌6- قول القاضي أبي بكر بن العربي في شرحه للترمذي، عند قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإياكم ومحدثات الأمور)) :

- ‌7- قول يوسف السيد هاشم الرفاعي:

- ‌8- قول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي:

- ‌9- قول محمد علوي مالكي عند ذكره لحديث: (كل بدعة ضلالة) :

- ‌القسم الأول: شُبه الأدلة:

- ‌القسم الثاني من شبه الأدلة:

- ‌والعلماء الذين يحتج بأقوالهم المحسنُ للبدع على أقسام:

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

الفصل: أقسام العلماء ‌ ‌والعلماء الذين يحتج بأقوالهم المحسنُ للبدع على أقسام: ‌ ‌القسم الأول: علماء

أقسام العلماء

‌والعلماء الذين يحتج بأقوالهم المحسنُ للبدع على أقسام:

‌القسم الأول:

علماء عرف فضلهم وعلمهم واشتهرت إمامتهم في الدين، وأجمع على عدالتهم ومحبتهم للسنة، ومحاربتهم للبدعة، وعدم تلبسهم بشيء منها كالشافعي مثلاً

‌القسم الثاني:

علماء لهم فضل وعلم، وقدم صدق في الدين والإيمان، ومنزلة جليلة في الفضل والتقوى، ولهم حسب للسنة ونشر لها، وذم للبدعة والمتلبس بها، ولكن لهم مقالات فيها شيء من الابتداع، إما لشبهة أو تقليد، أو نحو ذلك، ومثال هذا القسم: العز بن عبد السلام، والنووي، وابن حجر الهيثمي، والقرافي، والسيوطي، عليهم جميعاً ـ رحمة الله ـ.

‌القسم الثالث:

علماء عرفوا بالابتداع، واشتهروا بالإحداث في دين الله، والافتئات على شرعه، والمضادة لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهم رأس في الضلالة أساس في الجهالة. ومثال هذا القسم: محيي الدين بن عربي، وعبد الوهاب الشعراني وأضرابهما ممن سبقهما أو لحقهما.

وسيكون الحديث عن القسمين الأولين، أما القسم الثالث فحقه الاطراح..

وقبل الكلام على أقوال العلماء التي يتعلق بها المحسن للبدع، لابد من التوطئة ببعض القواعد:

ص: 429

الأولى:

أن ظاهر كلام الشارع هو المعتبر والمعمول به، والمعتمد عليه ما لم يوجد دليل يصرف اللفظ عن ظاهره، ونصوص الشريعة الذامة للبدعة هي من هذا القبيل

الثانية:

أن الخطاب الموجود في النصوص الشرعية على درجات أعلاها ما لا يحتاج إلى بيان وأدناها ما لا يعرف إلا ببيان يزيل إجماله، ويكشف إبهامه باجتهاد ونحوه، ونصوص الاعتصام بالسنة، وترك كل بدعة من النوع الذي لا يحتاج إلى بيان لوضوح الخطاب الشرعي فيها.

الثالثة:

أن الواجب على العلماء والمفتين الحكم بالظاهر من الأدلة، وليس لهم أن يحدثوا أحكاماً أو أقساماً لا ترجع إلى الكتاب والسنة أو الإجماع.

الرابعة:

قول أو فعل أو فهم أي أحد من البشر ـ عدا النبي صلى الله عليه وسلم لا يصار إليه إذا كان مخالفاً للنقل، لأنه ليس في أحد حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أن يكون قوله المخالف للسنة حجة.

الخامسة:

من قول الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة: (قال فكل كلام كان

ص: 430

عاماً ظاهراً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على ظهوره وعمومه، حتى يعلم حدي ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ـ يدل على أنه إنما أريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض..) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" كل بدعة ضلالة" من هذا الباب، لأنه لم يعلم حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أراد بهذه الجملة العامة الظاهرة بعض البدع دون بعض، بل نص قوله يدل على أن المراد عموم البدع بلا استثناء، ولا تخصيص.

ومن العلماء الذين يحتج المحسِّن للبدع بما روي عنهم:

1-

الإمام الشافعي رحمه الله:

والمنقول عنه في تعريف البدعة ما يلي:

أ - ما رواه أبو نعيم في الحلية بسنده عن الشافعي أنه قال: (البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان نعمت البدعة هي) .

ب - ما رواه ابن عساكر بسنده عن طريق البيهقي عن الربيع بن سليمان والذهبي في السير، بسنده عن الربيع قال: قال الشافعي: (المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو جماعا، فهذه البدعة ضلالة، وما أحدث لا خلاف فيه لواحد منها، فهذه محدثة غير مذمومة، قد قال عمر في قيام رمضان: (نعمت البدعة هذه) يعني أنها محدثة لم تكن،

ص: 431

وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى) .

قال المبتدع: هذا تقسيم إمام معترف بفضله وعلمه وعدالته، من عقدت على إمامته ألوية الزمان، ودان لفقهه وفهمه أعلام هذا الدين في القديم والحديث.

وهذا التقسيم صريح في أن من البدع ما هو حسن مقبول في الشرع، وما هو قبيح مردود.

والجواب على هذا الاستدلال من عدة أوجه:

الوجه الأول:

أن قول الشافعي رحمه الله عن البدعة المذمومة هي ما خالف السنة. وقوله عن المحدث المذموم، بأنه ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، منطبق على سائر البدع في دين الله، فليس هناك بدعة إلا وهي مخالفة للكتاب والسنة والآثار والإجماع، وإلا لما كانت بدعة، لأنه لو ثبت لها أصل من هذه الأصول لأصبحت عملاً مروعاً في دين الله.

وهذا ما يتفق عليه علماء المسلمين قديماً وحديثاً، وما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"ما صنع أمر على غير أمرنا فهو رد ".

ص: 432

وعلى هذا الوجه لا حجة في كلام الشافعي لمحسن البدع، بل الحجة عليه في كلام هذا الإمام.

الوجه الثاني:

قول الشافعي رحمه الله أن ما وافق السنة فهو محمود، وقوله: ما أحدث لا خلاف فيه لواحد من هذا يعني الكتاب والسنة والأثر والإجماع فهذه محدثة غير مذمومة، قول فيه إجمال، يحتاج إلى بيان: فإن كان مراده بالبدعة والمحدثة معناهما اللغوي فهذا المعنى مقبول ووارد، وسياق الكلام يدل على أن هذا هو مراد الشافعي رحمه الله، حيث وصف البدعة المذمومة شرعاً، وبين معالمها، ووضح مسالكها، توضيحاً ستغرق سائر أنواع البدع، ثم عطف بذكر البدع المحمودة، مستدلاً عليها بحديث عمر رضي الله عنه وقد مر قبل قليل أن معنى الكلام إليه لتلائمه مع منزلته وعلمه، ومكانته في هذا الدين.

وعلى هذا التوجيه نفسه يمكن حم لكلام الشافعي في قوله هذا، لاسيما وقد سبق بيانه للبدعة المذمومة شرعاً، وألحق في نهاية كلامه قول عمر رضي الله عنه، وإن كان مراده بقوله هذا معنى آخر غير المعنى اللغوي، فهذا ما يأتي بيانه.

الوجه الثالث:

وهو أن يكون مراده رحمه الله الحوادث التي استجدت وليس عليها بأعيانها أدلة من الكتاب أو السنة أو الآثار أو الإجماع، ولكنها تدخل تحت أصل من الدين، وتنضوي تحت قاعدة من قواعده، وهي ليست من العبادات المحضة.

فهذه الحوادث إذا كانت بهذه الصفة فهي محمودة من جهة الشرع، ولا تسمى بدعاً في الدين، وإن كانت تسمى بدعاً من جهة اللغة. وفي هذا الوجه

ص: 433

تدخل المصالح المرسلة، بناء على أنها لم تدخل أعيانها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة، وإن كانت تلائم قواعد الشرع وهذا محمل آخر يمكن توجيه قول الشافعي إليه.

الوجه الرابع:

من الإنصاف ألا يحمل كلام هذا الإمام أكثر مما يحمل، وألا ينظر إلى كلامه هذا معزولاً عن بقية مقولاته، لا سيما إذا كان في بعض كلامه إجمال، وفي بعضه الآخر تفصيل، فإنه يجب حمل المجمل على المفصل، وتقديم المبين على المبهم، والمنطوق على المفهوم، والعبارة على الإشارة، ومن كلامه الذي يمكن ضمه إلى تعريفه هذا للدعة، ما جاء في الرسالة حيث قال عن الاستحسان الذي يجنح إلى التعلق به كل محسن للبدعة: (

وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله أن يقول إلا بالاستدلال إلى أن قال: ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق) .

وقال رحمه الله: (

وهذا يبين أن حراماً على أحد أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر، والخبر من الكتاب والسنة عين، يتأخى معناها المجتهد ليصيبه

) .

وقال: (وإنما الاستحسان تلذذ) .

وقال: (ولو قال بلا خبر لازم ولا قياس كان أقرب من الإثم من الذي قال هو غير عالم، وكان القول لغير أهل العلم جائزاً

ولم يجعل الله لأحد بعد رسوله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله، وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والإجماع والآثار وما وضعت من القياس عليها..) .

وقال: (وإنما الاستحسان تلذذ) .

وقال: (ولو قال بلا خبر لازم ولا قياس كان أقرب من الإثم من الذي قال هو غير عالم، وكان القول لغير أهل العلم جائزاً

ولم يجعل الله لأحد بعد رسوله أن يقول إلا من جهة علم مضى قبله، وجهة العلم بعد الكتاب والسنة والإجماع والآثار وما وضعت من القياس عليها..)

ص: 434

فهل يمكن بعد كل هذا أن يقال بأن الشافعي يستحسن البدع، ويمدحها ويثني عليها، ويجيز التقرب بها إلى الله؟ .

وهل يعقل أن يكون مراد الشافعي بقوله في تعريف البدعة، تحسين المحدثات والحث على اعتناق ما تراه النفوس والعقول والأذواق حسناً؟ .. إن المقارنة بين كلامه في تعريف البدعة وكلامه في ذم الاستحسان يوجب على العاقل معرفة قدر هذا الإمام، فلا يرمه بهذه الداهية الدهياء، ولا ينسب إليه ما هو منه براء.

ذكر الذهبي في ترجمته عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت محمد ابن داوود يقول: لم يلحظ في دهر الشافعي كله أن تكلم في شيء من الأهواء ولا نسب إليه ولا عرف به، مع بغضه لأهل الكلام والبدع) .

وذكر أن أحمد بن حنبل كان يقول: (ما رأيت أحداً أتبع للأثر من الشافعي) وذكر ابن الإمام سحنون قال: (لم يكن في الشافعي بدعة) ، ولو كان الشافعي ممن يستحسن البدع، أو يجيز وقوع بعضها شرعاً، لما استحق من هؤلاء الأئمة هذه الأوصاف، ولنقل عنه ولو مرة واحدة، أنه وصف بدعة الدين بأنها حسنة محمود.

ص: 435

الوجه الخامس:

وضع الشافعي قواعد في أصول هذا الدين، تدل الناظر فيها على عكس ما توهم المبتدع، الذي يستشهد بما توهم من كلام الشافعي في تعريف البدعة، على استحسان بعض المحدثات، وهذا المحدثات وهذه القواعد تدل بجلاء على أن تعريف الشافعي للبدعة المحمودة، لا بد أن يحمل على غير ما ذهب إليه المحسن للبدع. فمن هذه القواعد قوله عليه رحمه الله (وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على التحريم، حتى تأتي دلالة منه على أنه أراد به غير التحريم) .

فإذا نظرت إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة "، وقوله:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، وجدت أن النهي هنا للتحريم، ولم يرد نص واحد فيه دلالة على النهي ليس للتحريم، بل النصوص متضافرة على هذا المعنى، فهل يقال بعد هذه القاعدة، بأن الشافعي يرى تحسين ما حرمه الله؟ معاذ الله.

ومن القواعد الأصولية التي قالها الشافعي رحمه الله: (فكل كلام كان عاماً ظاهراً في سنة رسول الله على ظهوره وعمومه، حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله بأبي هو وأمي يدل على أنه إنما أريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض

) .

وقوله صلى الله عليه وسلم: " كل بدعة ضلالة "، من العام الظاهر الذي لم يرد على الشرع كله، ما يدل ولا بمفهوم المخالفة على تخصيص شيء منه.

وهذه القاعدة تنقض ما استدل به المحسن للبدع من كلام الشافعي رحمه الله.

ص: 436

الوجه السادس:

لو افترض جدلاً أن الشافعي أراد بقوله في تعريف البدعة ما ذهب إليه المبتدع، فإنه كلام بشر لا يمكن أن يعارض به النصوص الشرعية، لاسيما وقد قرر هذا الإمام المطلبي رحمه الله أنه: (

إذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لايقويه ولا يوهنه شيء غيره، بل الفرض الذي على الناس إتباعه، ولم يجعل الله لأحد معه أمراً يخالف أمره) .

وقال رحمه الله فيما يرويه عنه الربيع بن سليمان: (إذا وجدتم في كتابي خلال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا به ودعوا ما قلته) .

وقال: (كل ما قلت فكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف قولي ما يصح، فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى) .

وقال: (كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني) .

وبمعنى هذا القول وهو من الكلام السائر في الآفاق قوله رحمه الله إذا صح الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط.

وقال رحمه الله: كل مسألة تكلمت فيها وصح الخبر فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي) .

ص: 437

ومن العلماء الذين يحتج المحسن للبدع بأقوالهم:

2-

سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله.

حيث قال في قواعد الأحكام: (البدعة هي فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة

والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشرعية، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة

) . ثم ذكر بعد ذلك أمثلة لما ذكر. وهذا التعريف والتقسيم نقله واعتمد عليه كثير من الذين جاءوا بعد العز بن عبد السلام منهم:

القرافي في الفروق حيث بسط الكلام في هذه المسألة، شارحاً لرأي شيخه العز، وتبع القوافي صاحب تهذيب الفروق وفعل مثلهما النووي في: تهذيب الأسماء واللغات والزركشي في: المنثور وابن حجر الهيثمي في: الفتاوى الحديثية والسيوطي في: الحاوي، وفي الأمر بالاتباع والسخاوي في: فتح المغيث ومحمد بن جزي المالكي في: قوانين الأحكام الشرعية، وغيرهم من القدماء والمحدثين، مما يدل على اعتمادهم على التعريف والتقسيم الذي قاله العز بن عبد السلام.

ص: 438

الأول:

أن تعريفه للبدعة بأنه فعل ما لم يعهد في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على مراده في تقسيم البدعة، والحادث الذي لم يعهد في عصره صلى الله عليه وسلم كثيراً، يشمل أمور الدين والدنيا، والعبادات والمعاملات، والمصنوعات والمخترعات، والعلوم والأعراف، والعادات وكل شيء جديد لم يكن معهوداً في عصره صلى الله عليه وسلم، داخل تحت هذه القول، ولكنه لا يكون بدعة شرعية، إلا إذا اقترن به قصد التعبد، وليس له أصل في الدين يدل على ذلك.

فهذا التعريف يشمل البدع الشرعية التي لا تكون إلا ضلالة، ولا يتصور فيها التقسيم إلا بالكراهية والتحريم. ويشمل كذلك البدع اللغوية التي قد تكون مشروعة، وقد تكون من المباحات، ولكنها تسمى بدعاً في اللفظ، لكونها حادثة بعد أن لم تكن. وعلى ذلك فلا يصح الاحتجاج بهذا القول على أن البدعة الشرعية فيها ما هو حسن

الثاني:

تقسيم العز بن عبد السلام للبدع إلى خمسة أقسام، وإدخال كل قسم منها تحت حكم من الأحكام الشرعية الخمسة، وتمثيله على ذلك يدل على أنه لم يفرق بين البدعة الشرعية التي لا تكون إلا مذمومة، والبدعة اللغوية التي قد تكون مذمومة، وقد تكون محمودة، وقد تكون مباحة.

وسبب ذلك أنه إنما نظر إلى العمل من حيث وجه الإحداث فيه، وكونه أمراً مبتدأً، وليس هذا هو مناط النهي عن البدع من الناحية الشرعية، فلا مجال إذاً للاحتجاج بقوله على تحسين البدع.

ص: 439

الثالث:

من خلال أمثلة العز بن عبد السلام رحمه الله لما أسماه بالبدع الواجبة والمندوبة والمباحة، نجد أن أكثرها مشروع أو مباح من قبل الشرع، فلا يطلق عليه بدعة من ناحية شرعية إذ البدعة الشرعية كلها مذمومة لقوله صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة " أما ما قام دليل على وجوبه، أو استحبابه، أو إباحته فليس من هذا الباب، ولا يصح إدخاله في مسمى البدعة، إلا من ناحية لفظية وهذه الناحية لا خلاف فيها، لأن كل جديد بدعة من حيث اللغة، ولكن محل الكلام هنا هو في البدعة الشرعية التي حذر منها الشارع ونهى عنها، وذمها السلف.

والخلط بين البدعة اللغوية والشرعية قد يؤدي إلى ضرر ولبس، فيظن أن ما ليس ببدعة بدعة والعكس.

ولا يتميز حكم الشرع مع التباس التسميات، ولهذا فإن السلف وهم يفتون في المسائل الحادثة بإيجاب أو استحباب أو إباحة، ما كانوا يقولون هذه بدعة، ولكنها واجبة أو مستحبة أو مباحة، لاستقرار مصطلح البدعة الشرعية عندهم، وثبات حكمها المتراوح بين التحريم والكراهية.

وكذلك في فتواهم في الأمور الحادثة، مما يعد معصية شرعية تكون بالتحريم أو الكراهية، مع تفريقهم بين ما هو معصية وما هو بدعة.

الرابع:

يظهر من خلال أمثلة العز بن عبد السلام أنه أدخ المصالح المرسلة في مسمى البدع، بناء على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة، وإن كانت تلائم قواعد الشرع.

فلكونها داخلة تحت قواعد الشرع، حكم عليها بالوجوب أو الندب

أو الإباحة، ولكونها حادثة غير معهودة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم سماها بدعاً، فيكون بذلك من القائلين بالمصالح المرسلة، وهي ليست بدعاً

إلا في

ص: 440

اللفظ.

فيكون الاحتجاج بقوله وتقسيمه على حسن البدع من الناحية الشرعية احتجاجاً في غير محل النزاع.

الخامس: قول شيخ الإسلام:

(إن المحافظة على عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل بدعة ضلالة" متعين، وأنه يجب العمل بعمومه، وأن من أخذ يصنف البدع إلى حسن وقبيح، ويجعل ذلك ذريعة أن لا يحتج بالبدعة على النهي، فقد أخطأ كما يفعل طائفة من المتفقهة والمتكلمة والمتصوفة والمتعبدة، إذا نهوا عن العبادات المبتدعة والكلام في التدين المبتدع، أدعوا أن لا بدعة مكروهة إلا ما نهي عنه، فيعود الحديث إلى أن يقال:" كل ما نهي عنه "، أو " كل ما حرم "، أو " كل ما خالف نص النبوة فهو ضلالة"، وهذا أوضح من أن يحتاج إلى بيان، بل كل ما لم يشرع من الدين فهو ضلالة.

وما سمي "بدعة" وثبت حسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم:

إما أن يقال: إن ما ثبت حسنه فليس من البدع في الدين وإن كان يسمى من حيث اللغة كما قال عمر: (نعمت البدعة هذه) فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه.

وإما أن يقال: ما ثبت حسنه فهو مخصوص من العموم، والعام المخصوص دليل فيما عدا صورة التخصيص، فمن اعتقد أن بعض البدع من هذا العموم، احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص، وإلا كان ذلك العموم اللفظي المعنوي موجباً للنهي، ثم إن المخصص هو الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً

) .

ص: 441