الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الإنسان عامل مريد *
الإنسان بطبعه الذي خلقه الله عليه مريد وعامل، وهو ما أخبر به الصادق صلى الله عليه وسلم حيث قال:" أصدق الأسماء حارث وهمام ".
(فكل أحد حارث وهمام له عمل ونية) .
(إذ كل إنسان لابد له من حرث، وهو العمل، وله هم وهو أصل الإرادة.
والنفس بطبعها متحولة، فإنها حية، والإرادة والحركة الإرادية من لوازم الحياة.
لكن سعادتها ونجاتها إنما تتحقق بأن تحي الحياة النافعة الكاملة، (فلما كان من طبع النفس اللازم لها: وجود الإدارة والعمل، إذا هو حارث همام، فإن عرفت الحق وأرادته وأحبته وعبدته فذلك من تمام إنعام الله عليها، وإلا فهي بطبعها لا بد لها من مراد معبود غير الله ومرادات سيئة تضرها، فهذا الشرقد تركب من كونها لم تعرف ولم تعبده.... ومن كونها لا بد لها من مراد معبود
فعبدت عيره وهذا هو الشر الذي تعذب عليه
…
) .
وبهذا بوب البخاري - رحمه الله تعالى - واستدل بقوله - تعالى: (فأعلم أنه لا إله إلا الله
…
) .
قال ابن حجر في شرحه لقول البخاري: باب العلم قبل والعمل نقلاً عن غيره
…
(أراد به ألأن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به فهو متقدم عليهما، لأنه مصلح للنية المصلحة للعمل) ، وأرد الحافظ أبو نعيم بسنده أن سفيان بن عينية، سئل عن فضل العلم، فقال:(ألم تسمع إلى قوله حين بدأ به فقال: (فأعلم أنه لا إله إلا الله) ثم أمره بالعمل فقال: (واستغفر لذنبك) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن المعلوم أن الله أن الله خلق في النفوس محبة العلم دون الجهل، ومحبة الصدق دون الكذب، ومحبة النافع دون الضار، وحيث دخل ضد ذلك فملعارض من هوي وكبر وحسد ونحو ذلك
…
)
فالإنسان مفطور على حب العلم وكراهة ضده، مالم تنحرف فطرته، والعبادة وظيفته في الحياة، والعلم هو الطريق لهذه العبادة بل (.... العلم أصل العمل وأصل الإدارة والمحبة وغير ذلك....) . (
…
فإن العلم شجرة والعمل ثمرة.... وقيل العلم والد، والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم
…
) .
ويد بوب ابن القيم في كتابه مفتاح درا السعادة باباً بعنوان: (الأصل الأول في العلم وفضله وشرفه وبيان عموم الحاجة إليه وتوقف كما العبد ونجاته في معاشه ومعاده عليه
…
) .
فإذا كانت هذه هي منزلة العلم ومكانته، فما علاقته بالعبودية؟ . إن التلازم بين العلم والعبادة من الأمور المعلومة في هذا الدين القويم بالإضطرار وها هو ابن القيم يصف هذا التلازم فيجعل للعبودية مراتب بحسب العلم والعمل، فأما مراتبها العملية فمرتبتان:
إحداهما: العلم بالله.
والثنية: العلم بدينه.
فأما العلم به سبحانه، فخمس مراتب: العلم بذاته، وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وتنزيهه عما لا يليق به.
والعلم بدينة مرتبتان:
إحداهما: دينة الأمري الشرعي، وهو صراطه المستقيم الموصل إليه.
والثانية: دينة الجزائي المتضمن ثوابه وعقابه، وقد دخل في هذه العلم: العلم بملائكته وكتبه ورسله.... ".
وقال ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى:
(وأما العلم فيراد به في الأصل نوعان:
أحدهما: العلم به نفسه وبما يتصف به من نعوت الجلال والإكرام، وما دلت عليه أسماؤه الحسنى.
وهذا العلم إذا رسخ في القلب أوجب خشية الله لا محالة، فإنه لا بد أن يعلم أن الله يثبت على طاعته ويعاقب على معصيته، كما شهد به القرآن والعيان.....) إلى أن قال:
(والنوع الثاني يراد بالعلم بالله، العلم بالأحكام الشرعية....) .
وحصول السعادة في الدنيا والآخرة مرهون بالدخول من باب الإرادة الموصل إلى رضوان الله - سبحانه - وفتح باب الإرادة لا يكون إلا بالعلم كما قرر ذلك ابن القيم في قوله:
(
…
والصراط المستقيم والنبأ العظيم لا يوصل إليه أبداً، غلا من باب العلم والإرادة، فالإرادة باب الوصول إليه، والعلم مفتاح ذلك الباب المتوقف فتحه عليه، وكمال كل إنسان إنما يتم بهذين النوعين:
همة ترقية، وعلم يبصر ويهديه، فإن مراتب السعادة والفلاح، إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين أو من إحداهما، إما أن لا يكون له علم بها، فلا يتحرك في طلبها، أو يكون عالماً بها ولا تنهض همته إليها، فلا يزال في حضيض طبعه محبوساً وقلبه عن كماله الذي خلق له مصدوداً، منكوساً)
…
إلى أن قال: (ولما كان العلم إمام الإرادة ومقدماً عليها ومفصلاً لها ومرشداً لها، قدمنا الكلام عليه....) .