الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيسلمون وينصرفون يمينا إلى وجه أبي بكر الصديق، ورأس أبي بكر رضي الله عنه، عند قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرفون إلى عمر بن الخطاب، ورأس عمر عند كتفي أبي بكر رضي الله عنهما.
وفي الجوفى من الروضة المقدسة زادها الله طيبا حوض صغير مرخّم في قبلته شكل محراب يقال إنه كان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ويقال أيضا هو قبرها، والله أعلم «40» .
وفي وسط المسجد الكريم دفة مطبقة على وجه الأرض مقفلة على سرداب له درج" يفضى إلى دار أبي بكر رضي الله عنه خارج المسجد، وعلى ذلك السرداب كان طريق بنته عايشة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى داره، ولا شكّ أنه هو الخوخة التي ورد ذكرها في الحديث، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم تسليما بإبقائها وسدّ ما سواها، وبإزاء دار أبي بكر رضي الله عنه دار عمر ودار ابنه عبد الله بن عمر «41» رضي الله عنهما وبشرقي المسجد الكريم دار إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس «42» رضي الله عنه وبمقربة من باب السلام سقاية ينزل إليها على درج ماؤها معين. وتعرف بالعين الزرقاء.
ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما المدينة الشريفة دار الهجرة يوم الاثنين الثالث عشر من شهر ربيع الأول «43» فنزل على بني عمرو بن عوف «44» وأقام عندهم اثنتين وعشرين ليلة، وقيل أربع عشرة ليلة وقيل أربع ليال، ثم توجه إلى المدينة فنزل على بني النّجار
«45» بدار أبي أيوب الأنصاري «46» رضي الله عنه وأقام عنده سبعة أشهر حتى بنى مساكنه ومسجده.
وكان موضع المسجد مربدا لسهل وسهيل ابنى رافع بن أبي عمر بن عاند بن ثعلبة بن غنم ابن ملك بن النّجار وهما يتيمان في حجر أسعد بن زرارة رضي الله عنهم أجمعين، وقيل كانا في حجر أبي أيوب رضي الله عنه فابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، ذلك المربد، وقيل بل أرضاهما أبو أيوب عنه، وقيل إنهما وهباه لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما المسجد وعمل فيه مع أصحابه وجعل عليه حائطا ولم يجعل له سقفا ولا أساطين، وجعله مربّعا طوله مائة ذراع، وعرضه مثل ذلك، وقيل: إن عرضه كان دون ذلك، وجعل ارتفاع حائطه قدر القامة، فلما اشتد الحر تكلم أصحابه في تسقيفه فأقام له أساطين من جذوع النخل، وجعل سقفه من جريدها فلما أمطرت السماء وكف المسجد، فكلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله بالطين فقال: كلّا! عريش كعريش موسى أو ظلّة كظلّة موسى، والأمر أقرب من ذلك، قيل: وما ظلّة موسى؟ قال صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام أصاب السقف رأسه، وجعل للمسجد ثلاثة أبواب ثم سدّ الجنوبي منها حين حولت القبلة «47» ، وبقى المسجد على ذلك حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وحياة أبي بكر رضي الله عنه.
فلما كانت أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه زاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يقول:
ينبغي أن نزيد في المسجد ما زدت فيه، فانزل أساطين الخشب وجعل مكانها أساطين اللّبن، وجعل الأساس حجارة إلى القامة وجعل الابواب ستة، منها في كلّ جهة ما عدا القبلة، بابان وقال في باب منها: ينبغي أن يترك هذا للنّساء، فما رىء فيه حتى لقى الله عز وجل، وقال:
لو زدنا في هذا المسجد حتى يبلغ الجبّانة لم يزل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليما.
وأراد عمر أن يدخل في المسجد موضعا للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ورضي عنهما فمنعه منه وكان فيه ميزاب يصبّ في المسجد، فنزعه عمر وقال: إنه يؤذي الناس، فنازعه العباس وحكّما بينهما أبي بن كعب رضي الله عنهما فأتيا داره فلم يؤذن لهما إلا بعد ساعة، ثم دخلا إليه فقال كانت جارتي تغسل رأسي، فذهب عمر ليتكلّم فقال له أبي: دع أبا الفضل يتكلّم لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، فقال العباس: خطّة خطها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وبنيتها معه وما وضعت الميزاب إلا ورجلاي على عاتقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر فطرحه وأراد إدخالها في المسجد. فقال أبي: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يقول: أراد داوود عليه السلام أن يبني بيت الله المقدس وكان فيه بيت ليتيمين فراودهما على البيع فأبيا ثم أرادهما فباعاه، ثم قاما بالغبن فردّ البيع واشتراه منهما، ثم ردّاه كذلك فاستعظم داود الثمن، فأوحى الله إليه: إن كنت تعطى من شيء هو لك فأنت أعلم، وإن كنت تعطيهما من رزقنا فأعطهما حتى يرضيا، وان أغنى البيوت عن مظلمة بيت هو لي، وقد حرمت عليك بناءه، قال يا رب فأعطه سليمان، فأعطاه سليمان عليه السلام. فقال عمر من يشهد لي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما قاله؟ فخرج أبي إلى قوم من الأنصار فأثبتوا له ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: أما إني لو لم أجد غيرك أخذت قولك، ولكني أحببت أن أثبت، ثم قال للعباس رضي الله عنه، والله لا تردّ الميزاب إلا وقدماك على عاتقيّ، ففعل العباس ذلك ثم قال: أما إذ أثبتت لي فهي صدقة لله، فهدمها عمر وأدخلها في المسجد، ثم زاد فيه عثمان رضي الله عنه وبناه بقوة وباشره بنفسه، فكان يظل فيه نهاره وبيّضه وأتقن محله بالحجارة المنقوشة، ووسعه من جهاته إلا جهة الشرق منها وجعل له سواري حجارة مثبتة بأعمدة الحديد والرصاص وسقفه بالسّاج، وصنع له محرابا وقيل إن مروان هو أول من بنى المحراب، وقيل: عمر بن عبد العزيز في خلافة الوليد.
ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك، تولّى ذلك عمر بن عبد العزيز فوسعه وحسّنه وبالغ في إتقانه وعمله بالرخام والساج المذهب «48» ، وكان الوليد بعث إلى ملك الروم: إني أريد أن
أبني مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم تسليما فأعنّي فيه. فبعث إليه الفعلة وثمانين ألف مثقال من الذهب «49» ، وأمر الوليد بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، فاشترى عمر من الدور ما زاده في ثلاث جهات من المسجد، فلما صار إلى القبلة امتنع عبيد الله بن عبد الله ابن عمر من بيع دار حفصة، وطال بينهما الكلام حتى ابتاعها عمر على أن لهم ما بقى منها، وعلى أن يخرجوا من باقيها طريقا إلى المسجد وهي الخوخة التي في المسجد.
وجعل عمر للمسجد أربع صوامع في أربعة أركانه: إحداهما مطلّة على دار مروان فلما حج سليمان بن عبد الملك نزل بها فأطل عليه المؤذن حين الآذان فأمر بهدمها «50» .
وجعل عمر للمسجد محرابا ويقال: هو أوّل من أحدث المحراب، ثم زاد فيه المهدي «51» ابن أبي جعفر المنصور، وكان أبوه هم بذلك ولم يقض له، وكتب اليه الحسن بن زيد «52» يرغّبه في الزيادة فيه من جهة الشرق، ويقول: إنه إن زيد في شرقية توسطت الروضة الكريمة المسجد الكريم، فاتّهمه أبو جعفر بأنه أراد هدم دار عثمان رضي الله عنه، فكتب إليه: إني قد عرفت الذي أردت فاكفف عن دار الشيخ عثمان. وأمر أبو جعفر أن يظلّل الصّحن أيام القيظ بستور تنشر على حبال ممدودة على خشب تكون في الصحن لتكنّ المصلين من الحر «53» .
وكان طول المسجد في بناء الوليد مائتي ذراع، فبلّغه المهدي إلى ثلاثمائة ذراع وسوّى المقصورة بالأرض وكانت مرتفعة عنها بمقدار ذراعين، وكتب اسمه على مواضع من المسجد.
ثم أمر الملك المنصور قلاوون ببناء دار للوضوء عند باب السلام فتولى بناءها الأمير الصالح علاء الدين المعروف بالأقمر، وأقامها متسعة الفناء تستدير بها البيوت، وأجرى إليها