الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر نقيب الأشراف
ونقيب الأشراف مقدّم من ملك العراق ومكانه عنده مكين، ومنزلته رفيعة وله ترتيب الأمراء الكبار في سفره، وله الأعلام والأطبال، وتضرب الطّبلخانة عند بابه مساء وصباحا، واليه حكم هذه المدينة ولا والي بها سواه، ولا مغرم فيها للسلطان ولا لغيره.
وكان النقيب في عهد دخولي إليها نظام الدين حسين بن تاج الدين الآوي «7» نسبة إلى بلده آوه «8» ، من عراق العجم، أهلها رافضة، وكان قبله جماعة يلي كل واحد منهم بعد صاحبه، منهم جلال الدين بن الفقيه، ومنهم قوام الدين بن طاؤوس، ومنهم ناصر الدين مطهر بن الشريف الصالح شمس الدين محمد الأوهري من عراق العجم، وهو الآن بأرض الهند من ندماء ملكها، ومنهم أبو غرّة بن سالم بن مهنّا بن جمّاز بن شيحة «9» الحسيني المدني.
حكاية الشريف أبي غرّة
كان الشريف أبو غرة قد غلب عليه في أول أمره العبادة، وتعلم العلم واشتهر بذلك، وكان ساكنا بالمدينة الشريفة كرّمها الله، في جوار ابن عمه منصور بن جمّاز أمير المدينة، ثم أنه خرج عن المدينة واستوطن العراق وسكن منها بالحلة، فمات النقيب قوام الدين بن طاؤوس فاتفق أهل العراق علي تولية أبي غرة نقابة الأشراف، وكتبوا بذلك إلى السلطان أبي سعيد فأمضاه ونفّذ له اليرليغ «10» ، وهو الظهير، بذلك، وبعثت له الخلعة والأعلام والطبول
على عادة النّقباء ببلاد العراق. فغلبت عليه الدنيا وترك العبادة والزهد وتصرف في الأموال تصرفا قبيحا فرفع أمره إلى السلطان، فلما علم بذلك أعمل السفر مظهرا أنه يريد خراسان قاصدا زيارة قبر علي بن موسى الرّضى «11» بطوس، وكان قصده الفرار.
فلما زار قبر علي بن موسى قدم هراة وهي آخر بلاد خراسان، وأعلم أصحابه أنه يريد بلاد الهند فرجع أكثرهم عنه وتجاوز هو أرض خرسان إلى السند فلما جاز وادي السند المعروف ببنج آب، ضرب طبوله وأنفاره، فراع ذلك أهل القرى وظنوا أن التتر أتو للإغارة عليهم، وأجفلوا إلى المدينة المسمّاة بأوجا، وأعلموا أميرها بما سمعوه فركب في عساكره واستعدّ للحرب وبعث الطلايع فرأوا نحو عشرة من الفرسان وجماعة من الرجال والتجار ممن صحب الشريف في طريقه، معهم الأطبال والأعلام، فسألوهم عن شأنهم، فأخبروهم أن الشريف نقيب العراق أتى وافدا على ملك الهند فرجع الطلايع إلى الأمير. وأخبروه بكيفية الحال، فاستضعف عقل الشريف لرفعه العلامات وضربه الطبول في غير بلاده! ودخل الشريف مدينة أوجا وأقام بها مدة تضرب الأطبال على باب داره غدوة وعشية، وكان مولعا بذلك.
ويذكر أنه كان في أيام نقابته بالعراق تضرب الأطبال على رأسه فإذا أمسك النقار عن الضرب، يقول له: زد نقيرة يا نقار! حتى لقب لذلك.
وكتب صاحب مدينة أوجا إلى ملك الهند بخبر الشريف وضربه الأطبال بالطريق وعلى باب داره غدوة وعشيا ورفعه الأعلام، وعادة أهل الهند أن لا يرفع علما ولا يضرب طبلا إلا من أعطاه الملك ذلك، ولا يفعله إلا في السفر وأما في حال الاقامة فلا يضرب الطبل إلا على باب الملك خاصة بخلاف مصر والشام والعراق فإن الطبول تضرب على أبواب الأمراء، فلما بلغ خبره إلى ملك الهند كره فعله وأنكره وفعل في نفسه.
ثم خرج الأمير إلى حضرة الملك وكان الأمير كشلوخان، والخان عندهم أعظم الأمراء، وهو الساكن بملتان كرسي بلاد السند، وهو عظيم القدر عند ملك الهند يدعوه بالعمّ لانه كان ممن أعان أباه السلطان غياث الدين تغلق شاه على قتال السلطان ناصر الدين خسروشاه، قد قدم على حضرة ملكة الهند فخرج الملك إلى لقائه، فاتفق أن كان وصول الشريف في
ذلك اليوم وكان الشريف قد سبق الأمير بأميال وهو على حاله من ضرب الأطبال فلم يرعه إلا السلطان في موكبه فتقدم الشريف إلى السلطان فسلم عليه وسأله السلطان عن حاله، وما الذي جاء به، فأخبره ومضى السلطان حتى لقى الأمير كشلو خان، وعاد إلى حضرته ولم يلتفت إلى الشريف ولا أمر له بإنزال ولا غيره.
وكان الملك عازما على السّفر إلى مدينة دولة أباد، وتسمى أيضا بالكتكة بفتح الكافين والتاء المعلوة التي بينهما، وتسمى أيضا بالدّويجر «12» وهي على مسيرة أربعين يوما من مدينة دهلى حضرة الملك، فلما شرع في السفر بعث إلى الشريف بخمسمائة دينار دراهم، وصرفها من ذهب المغرب مائة وخمسة وعشرون دينارا، وقال لرسوله اليه، قل له: إن أراد الرجوع إلى بلاده فهذا زاده، وان أراد السفر معنا فهي نفقته بالطريق، وإن أراد الاقامة بالحضرة فهي نفقته حتى نرجع، فاغتمّ الشريف لذلك وكان قصده أن يجزل له العطاء كما هي عادته مع أمثاله، واختار السفر صحبة السلطان وتعلق بالوزير أحمد بن أياس المدعو بخواجه جهان، وبذلك سمّاه الملك وبه يدعوه هو، وبه يدعوه سائر الناس، فإن من عادتهم أنه متى سمى الملك أحدا باسم مضاف إلى الملك من عماد، أو ثقة، أو قطب، أو باسم مضاف إلى الجهان من صدر وغيره، فبذلك يخاطبه الملك وجميع الناس، ومن خاطبه بسوى ذلك لزمته العقوبة، فتأكدت المودة بين الوزير والشريف فأحسن إليه ورفع قدره ولاطف الملك حتى حسن فيه رأيه، وأمر له بقريتين من قرى دولة أباد، وأمره أن تكون إقامته بها. وكان هذا الوزير من أهل الفضل والمروءة ومكارم الأخلاق والمحبة في الغرباء والاحسان إليهم، وفعل الخير وإطعام وعمارة الزوايا، فأقام الشريف يستغلّ القريتين ثمانية أعوام، وحصّل من ذلك مالا عظيما، ثم أراد الخروج فلم يمكنه فإنه من خدم السلطان لا يمكنه الخروج إلا بإذنه، وهو محب في الغرباء فقليلا ما يأذن لاحدهم في السراح فأراد الفرار من طريق الساحل فردّ منه، وقدم الحضرة ورغب من الوزير أن يحاول قضية انصرافه، فتلطف الوزير في ذلك حتى أذن له السلطان في الخروج عن بلاد الهند وأعطاه عشرة آلاف دينار من دراهمهم.
وصرفها من ذهب المغرب ألفان وخمسمائة دينار فأتى بها في بدرة فجعلها تحت فراشه، ونام عليها لمحبته في الدنانير وفرحه بها وخوفه أن يتصل لأحد من أصحابه شيء منها فانه كان بخيلا، فأصابه وجع في جنبه بسبب رقاده عليها، ولم يزل يتزايد به وهو آخذ في حركة سفره إلى أن توفى بعد عشرين يوما من وصول البدرة اليه، وأوصى بذلك المال للشريف حسن
الحرّاني «13» ، فتصدق بجملته على جماعة من الشيعة المقيمين بدهلي من أهل الحجاز والعراق.
وأهل الهند لا يورّثون بيت المال، ولا يتعرضون لمال الغرباء، ولا يسألون عنه، ولو بلغ ما عسى أن يبلغ، وكذلك السودان لا يتعرضون لمال الأبيض ولا يأخذونه، إنما يكون عند الكبار من أصحابه حتى يأتى مستحقه «14» .
وهذا الشريف أبو غرّة «15» ، له أخ اسمه قاسم سكن غرناطة مدة، وبها تزوج بنت الشريف أبي عبد الله بن ابراهيم الشهير بالمكّي، ثم انتقل إلى جبل طارق فسكنه إلى أن استشهد بوادي كرّة «16» من نظر الجزيرة الخضراء، وكان بهمة من البهم لا يصطلى بناره، خرق المعتاد في الشجاعة، وله فيها أخبار شهيرة عند الناس، وترك ولدين هما في كفالة ربيبهما الشريف الفاضل أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسيني الكربلائي الشهير ببلاد المغرب بالعراقي «17» ، وكان تزوج أمهما بعد موت أبيهما فماتت عنده وهو محسن لهما جزاه الله خيرا.