الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السايح السالك أبو الحسن عليّ بن فرغوس التلمساني، ومنهم الشيخ سعيد الهندي شيخ رباط كلالة.
حكاية [الشيخ سعيد الهندي]
كان الشيخ سعيد قد قصد ملك الهند محمد شاه فأعطاه مالا عظيما قدم به مكة، فسجنه الأمير عطيفة وطلبه بأداء المال، فامتنع فعذب بعصر رجليه فأعطى خمسة وعشرين ألف درهم نقرة، وعاد إلى بلاد الهند، ورأيته بها ونزل بدار الأمير سيف الدين غدا بن هبة الله «197» بن عيسى بن مهنّى أمير عرب الشام وكان غدا ساكنا ببلاد الهند متزوجا بأخت ملكها، وسيذكر أمره، فأعطى ملك الهند للشيخ سعيد جملة مال وتوجه صحبة حاج يعرف بوشل من ناس الامير غدا، وجّهه الامير المذكور ليأتيه ببعض ناسه ووجه معه أموالا وتحفا منها الخلعة التي خلع عليه ملك الهند ليلة زفافه بأخته، وهي من الحرير الأزرق مزركشة بالذهب ومرصعة بالجوهر بحيث لا يظهر لونها لغلبة الجوهر عليها، وبعث معه خمسين الف درهم ليشتري له الخيل العتاق فسافر الشيخ سعيد صحبة وشل واشتريا سلعا بما عندهما من الأموال، فلما وصلا جزيرة سقطرة المنسوب اليها الصّبر السقطري «198» خرج عليهما لصوص الهند في مواكب كثيرة فقاتلوهم قتالا شديدا مات فيه من الفريقين جملة وكان وشل راميا فقتل منهم جماعة ثم تغلب السّراق عليهم وطعنوا وشلا طعنة مات منها بعد ذلك وأخذوا ما كان عندهم وتركوا لهم مركبهم بآلة سفره وزاده، فذهبوا إلى عدن ومات بها وشل.
وعادة هؤلاء السراق أنهم لا يقتلون أحدا إلا في حين القتال ولا يغرقونه وإنما يأخذون ماله ويتركونه يذهب بمركبه حيث شاء، ولا يأخذون المماليك لانهم من جنسهم، وكان الحاج سعيد قد سمع من ملك الهند أنه يريد إظهار الدعوة العباسية ببلده كمثل ما فعله ملوك الهند
ممن تقدمه مثل السلطان شمس الدين للمش «199» ، واسمه بفتح اللام الأولى وإسكان الثانية وكسر الميم وشين معجم، وولده ناصر الدين، ومثل السلطان جلال الدين فيروز شاه والسلطان غياث الدين بلبن، وكانت الخلع تأتي اليهم من بغداد.
فلما توفى وشل قصد الشيخ سعيد إلى الخليفة أبي العباس «200» ابن الخليفة أبي الربيع سليمان العباسي بمصر وأعلمه بالأمر فكتب له كتابا بخطه بالنيابة عنه ببلاد الهند فإستصحب الشيخ سعيد الكتاب وذهب إلى اليمن واشترى بها ثلاث خلع سودا وركب البحر إلى الهند فلما وصل كنباية «201» ، وهي على مسيرة أربعين يوما من دهلى حضرة ملك الهند، كتب صاحب الخبر إلى الملك يعلمه بقدوم الشيخ سعيد وأن معه أمر الخليفة وكتابه فورد الأمر ببعثه إلى الحضرة مكرما فلما قرب من الحضرة بعث الأمراء والقضاة والفقهاء لتلقّيه ثم خرج هو بنفسه لتلقيه، فتلقاه ودفع له الأمر فقبّله ووضعه على رأسه ودفع له الصندوق الذي فيه الخلع فاحتمله الملك على كاهله خطوات ولبس إحدى الخلع وكسى الأخرى الأمير غياث الدين محمد بن عبد القادر بن يوسف بن عبد العزيز بن الخليفة المستنصر العباسي، وكان مقيما عنده، وسيذكر خبره «202» ، وكسى الخلعة الثالثة الأمير قبولة الملقب بالملك الكبير، وهو الذي يقوم على رأسه ويشرد عنه الذباب، وأمر السلطان فخلع على الشيخ سعيد ومن معه وأركبه على الفيل ودخل المدينة كذلك والسلطان أمامه على فرسه وعن يمينه وشماله الأميران اللذان كساهما الخلعتين العباسيتين، والمدينة قد زينت بأنواع الزينة وصنع بها إحدى عشرة قبة من الخشب، كلّ قبة منها أربع طبقات في كل طبقة طائفة من المغنين
رجالا ونساء والراقصات، وكلهم مماليك السلطان، والقبة مزينة بثياب الحرير المذهب، أعلاها وأسفلها وداخلها وخارجها، وفي وسطها ثلاثة أحواض من جلود الجواميس مملوءة ماء قد حل فيه الجلّاب يشربه كل وارد وصادر لا يمنع منه أحد، وكل من يشرب منه يعطي بعد ذلك خمس عشرة ورقة من أوراق التنبول والفوفل والنورة «203» فيأكلها فتطيب نكهته وتزيد في حمرة وجهه ولثاته، وتقمع عنه الصفراء، وتهضم ما أكل من الطعام، ولما ركب الشيخ سعيد على الفيل فرشت له ثياب الحرير بين يدي الفيل يطأ عليها الفيل من باب المدينة إلى دار السلطان، وأنزل بدار تقرب من دار الملك وبعث له أموالا طائلة، وجميع الأثواب المعلقة والمفروشة بالقباب والموضوعة بين يدي الفيل لا تعود إلى السلطان بل يأخذها أهل الطرب وأهل الصناعات الذين يصنعون القباب وخدام الأحواض وغيرهم، وهكذا فعلهم متى قدم السلطان من سفر، وأمر الملك بكتاب الخليفة أن يقرأ على المنبر بين الخطبتين في كل يوم جمعة وأقام الشيخ سعيد شهرا ثم بعث معه الملك هدايا إلى الخليفة فوصل كنبايت، وأقام بها حتى تيسرت أسباب حركته في البحر، وكان ملك الهند قد بعث أيضا من عنده رسولا إلى الخليفة وهو الشيخ رجب البرقعي أحد شيوخ الصوفية، وأصله من مدينة القرم «204» من صحراء قبجق «205» ، وبعث معه هدايا الخليفة منها حجر ياقوت قيمته خمسون الف دينار وكتب له يطلب منه أن يعقد له النيابة عنه ببلاد الهند والسند أو يبعث لها سواه من يظهر له، هكذا نص عليه كتابه اعتقادا منه في الخلافة وحسن نية.
وكان للشيخ رجب أخ بديار مصر يدعى بالأمير سيف الدين الكاشف، فلما وصل رجب إلى الخليفة أبي أن يقرأ الكتاب ويقبل الهدية طلا بمحضر الملك الصالح إسماعيل بن الملك «206» الناصر، فأشار سيف الدين على أخيه رجب ببيع الحجر، فباعه واشترى بثمنه وهو ثلاثمائة ألف درهم أربعة أحجار، وحضر بين يدي الملك الصالح، ودفع له الكتاب وأحد الأحجار، ودفع سائرها لأمرائه، واتفقوا على أن يكتب لملك الهند بما طلبه فوجهوا الشهود إلى الخليفة وأشهد على نفسه أنه قدمه نائبا عنه ببلاد الهند وما يليها وبعث الملك الصالح