الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شعائر الحج وأعماله
وإذا كان في أول يوم من شهر ذي الحجة تضرب الطبول والدّبادب في أوقات الصلوات وبكرة وعشية إشعارا بالموسم المبارك، ولا تزال كذلك إلى يوم الصعود إلى عرفات «226» ، فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب الخطيب إثر صلاة الظهر خطبة بليغة يعلّم الناس فيها مناسكهم ويعلمهم بيوم الوقفة، فإذا كان اليوم الثامن بكّر الناس بالصعود إلى منى، وأمراء مصر والشام والعراق وأهل العلم يبيتون تلك الليلة بمنى، وتقع المباهاة والمفاخرة بين أهل مصر والشام والعراق في إيقاد الشمع، ولكن الفضل في ذلك لاهل الشام دائما، فإذا كان اليوم التاسع رحلوا من منى بعد صلاة الصبح إلى عرفة فيمرون في طريقهم بوادي محسّر، ويهرولون فيه، وذلك سنّة.
ووادي محسّر هو الحد بين مزدلفة ومنى «227» ومزدلفة بسيط من الأرض فسيح بين جبلين، وحولها مصانع وصهاريج للماء مما بنته زبيدة ابنة جعفر بن أبي جعفر المنصور زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد، وبين منى وعرفة خمس أميال، وكذلك بين منى ومكّة أيضا خمسة أميال.
ولعرفة ثلاث أسماء، وهي عرفة، وجمع، والمشعر الحرام «228» ، وعرفات: بسيط من الأرض فسيح أفيح تحدق به جبال كثيرة وفي آخر بسيط عرفات جبل الرّحمة، وفيه الموقف، وفيما حوله، والعلمان قبله بنحو ميل، وهما الحد ما بين الحل والحرم، وبمقربة منهما مما يلي عرفة بطن عرنة الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع عنه ويجب التحفظ منه، ويجب أيضا الإمساك عن النّفور حتى يتمكن سقوط الشمس، فإن الجمّالين ربّما استحثوا كثيرا من الناس وحذّروهم الزحام في النّفر واستدرجوهم إلى أن يصلوا بهم بطن عرنة فيبطل حجهم.
صورة عرفات
رمي الجمرات في منى
عودة لمكة
…
صورة الكعبة
وجبل الرحمة الذي ذكرناه قائم في وسط بسيط جمع، منقطع عن الجبال، وهو من حجارة منقطع بعضها عن بعض، وفي أعلاه قبة تنسب إلى أم سلمة رضي الله عنها، وفي وسطها مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه، وحوله سطح فسيح يشرف على بسيط عرفات، وفي قبليّه «229» جدار فيه محاريب منصوبة يصلي فيها النّاس وفي أسفل هذا الجبل عن يسار المستقبل للكعبة دار عتيقة البناء تنسب إلى آدم عليه السلام، وعن يسارها الصّخرات التي كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم عندها، وحول ذلك صهاريج وجباب للماء، وبمقربة منه الموضع الذي يقف فيه الإمام ويخطب ويجمع بين الظهر والعصر، وعن يسار العلمين للمستقبل أيضا وادي الأراك، وبه أراك أخضر يمتد في الأرض امتدادا طويلا.
وإذا حان وقت النّفر أشار الامام المالكي بيده ونزل عن موقفه فدفع الناس بالنفر دفعة ترتج لها الأرض وترجف الجبال فياله موقفا كريما، ومشهدا عظيما، ترجو النفوس حسن عقباه، وتطمح الآمال إلى نفحات رحماه، جعلنا الله ممن خصه فيه برضاه.
وكانت وقفتي الأولى يوم الخميس سنة ست وعشرين «230» ، وأمير الركب المصري يومئذ أرغون الدوادار «231» نائب الملك الناصر، وحجت في تلك السنة ابنة الملك الناصر، وهي زوجة أبي بكر بن أرغون المذكور، وحجّت فيها زوجة الملك الناصر المسماة بالخوندة، وهي بنت السلطان المعظم محمد أوزبك ملك لسرا وخوارزم، وأمير الركب الشامي سيف الدين الجوبان «232» .
ولما وقع النفر بعد غروب الشمس وصلنا مزدلفة عند العشاء الآخرة فصلينا بها المغرب والعشاء جمعا بينهما حسبما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما صلينا الصبح بمزدلفة غدونا منها إلى منى بعد الوقوف والدعاء بالمشعر الحرام، ومزدلفة كلّها موقف إلا وادي محسّر ففيه تقع الهرولة حتى يخرج عنه.
ومن مزدلفة يستصحب أكثر الناس حصيات الجمار، وذلك مستحب، ومنهم من يلقطها