الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن جزي: أخبرني شيخي قاضي الجماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن محمد بن ابراهيم السلمي، هو ابن الحاج البلفيقي «34» أنه جرى له مثل هذه الحكاية، قال:
قصدت مدينة بلش «35» من بلاد الأندلس في ليلة عيد برسم رواية الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد الله بن الكماد وحضرت المصلّى مع الناس فلما فرغت الصلاة والخطبة أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام وأنا في ناحية لا يسلم عليّ أحد فقصد إليّ شيخ من أهل المدينة المذكورة وأقبل عليّ بالسلام والإيناس، وقال: نظرت إليك فرأيتك منتبذا عن الناس لا يسلّم عليك أحد، فعرفت أنك غريب فأحببت إيناسك، جزاه الله خيرا.
ذكر سلطان تونس
وكان سلطان تونس عند دخولي إليها السلطان أبو يحيى ابن السلطان أبي زكرياء يحيى ابن السلطان أبي اسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص «36» رحمه الله، وكان بتونس جماعة من أعلام العلماء، منهم قاضي الجماعة بها
منظر لتونس عن المكتبة الوطنية بباريز
مدينة تونس
أبو عبد الله «37» محمد، بن قاضي الجماعة أبي العباس «38» أحمد، بن محمد بن حسن، بن محمد الأنصاري الخزرجي البلنسي الأصل ثم التونسي، هو ابن الغمّاز ومنهم الخطيب أبو إسحاق إبراهيم بن حسين بن علي بن عبد الرفيع الرّبعي، وولى أيضا قضاء الجماعة في خمس دول «39» ، ومنهم الفقيه أبو علي عمر بن علي بن قدّاح الهواري وولى أيضا قضاءها وكان من من أعلام العلماء «40» ، ومن عوائده أنه يستند كل يوم جمعة بعد صلاتها إلى بعض أساطين الجامع الأعظم المعروف بجامع الزيتونة4»
ويستفتيه الناس في المسائل، فلما أفتى في أربعين مسألة انصرف عن مجلسه ذلك.
وأظلني بتونس عيد الفطر فحضرت المصلى وقد احتفل الناس لشهود عيدهم وبرزوا
في أجمل هيئة وأكمل إشارة ووافى السلطان أبو يحيى المذكور «42» راكبا وجميع أقاربه وخواصه وخدام مملكته مشاة على أقدامهم في ترتيب عجيب وصليت الصلاة وأنقضت الخطبة وانصرف الناس إلى منازلهم.
وبعد مدة تعين ركب للحجاز الشريف، شيخه يعرف بأبي يعقوب السوسي، من أهل إقلي «43» من بلاد إفريقية، وأكثره المصامدة «44» ، فقدموني قاضيا بينهم، وخرجنا من تونس في أواخر شهر ذي القعدة «45» سالكين طريق الساحل، فوصلنا إلى بلدة سوسة وهي صغيرة حسنة مبنية على شاطىء البحر، بينها وبين مدينة تونس أربعون ميلا «46» ، ثم وصلنا إلى مدينة صفاقس «47» وبخارج هذه البلدة قبر الإمام أبي الحسن اللخمي المالكي مؤلف كتاب التبصرة في الفقه «48» .
قال ابن جزي: في بلدة صفاقس يقول عليّ بن حبيب التّنوخى:
سقيا لأرض صفاقس
…
ذات المصانع والمصلّى
فحمى القصير إلى الخليج «49»
…
فقصرها السّامي المعلّى
بلد يكاد يقول حين
…
تزوره: أهلا وسهلا!
وكأنه والبحر
…
يحسر تارة عنه ويملا
صبّ يريد زيارة
…
فإذا رأى الرّقباء ولّى!!
وفي عكس ذلك يقول الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن أبي تميم وكان من المجدّين المكثرين:
صفاقس لا صفا عيش لساكنها
…
ولا سقى أرضها غيث إذا انسكبا
ناهيك من بلدة من حلّ ساحتها
…
عانى بها العاديين: الرّوم والعربا «50» !!
كم ضلّ في البرّ مسلوبا بضاعته
…
وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا
قد عاين البحر قبحا في جوانبها
…
فكلّما همّ أن يدنو لها هربا!
رجع، ثم وصلنا إلى مدينة قابس «51» ونزلنا بداخلها وأقمنا بها عشرا لتوالي نزول الأمطار.
قال ابن جزي: في ذكر قابس يقول بعضهم:
لهفي على طيب ليال خلت
…
بجانب البطحاء من قابس
كأن قلبي عند تذكارها
…
جذوة نار بيدي قابس!
رجع، ثم خرجنا من مدينة قابس قاصدين طرابلس وصبّحنا في بعض المراحل إليها نحو مائة فارس أو يزيدون «52» ، وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب وتحامت مكانهم وعصمنا الله منهم «53» ، وأظلنا عيد الأضحى «54» في بعض تلك المراحل، وفي الرابع بعده وصلنا إلى مدينة طرابلس «55» ! فأقمنا بها مدة، وكنت عقدت بصفاقس على بنت لبعض أمناء تونس فبنيت عليها بطرابلس «56» ، ثم خرجت من طرابلس أواخر شهر المحرم من عام ستة وعشرين «57» ومعي أهلي وفي صحبتي جماعة من المصامدة، وقد رفعت العلم، وتقدمت عليهم وأقام الركب في طرابلس خوفا من البرد والمطر، وتجاوزنا مسلاتة «58» ومسراتة «59»
طرابلس في القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي
قوس ماركوس أوريليوس حيث كانت «أويا» احدى المدن الثلاث التي تعنيها كلمة طرابلس، لقد كان الرحالة المغربي العبدري أول من تحدث عنه، وبعده وصفه التيجاني، أما المنارة التي تظهر خلف القوس فهي لجامع قرجي الذي شيد في مكان المدرسة المستنصرية فيما يظهر- عن كتاب ليبيا من خلال رحلة الوزير الإسحاقي تأليف د. التازي.
وقصور سرت «60» ، وهنالك أرادت الجمامزة من طوائف العرب «61» الإيقاع بنا ثم صرفتهم القدرة وحالت دون ما راموه من إذايتنا. ثم توسطنا الغابة «62» وتجاوزناها إلى قصر برصيص العابد إلى قبة سلّام «63» ، وأدركنا هنالك الركب الذين تخلفوا بطرابلس. ووقع بيني وبين صهري مشاجرة أوجبت فراق بنته، وتزوجت بنتا لبعض طلبة فاس «64» وبنيت بها بقصر الزعافية «65» ، وأولمت وليمة حبست لها الركب يوما وأطعمتهم
…
!