الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبر بنته بخبر أدهم، وقال: ما رأيت أورع من هذا، ياتي من بخاري إلى بلخ لاجل نصف تفاحة! فرغبت في تزوجه، فلما أتاه من الغد قال: لا احلك إلا أن تتزوج ببنتي، فانقاد لذلك بعد استعصاء وتمنع، فتزوج منها فلما دخل عليها وجدها متزينة، والبيت مزين بالفرش وسواها، فعمد إلى ناحية من البيت، وأقبل على صلاته حتى أصبح، ولم يزل كذلك سبع ليال.
وكان السلطان ما أحلّه قبل، فبعث اليه أن يحله، فقال: لا أحلك حتى يقع اجتماعك بزوجتك، فلمّا كان الليل واقعها، ثم اغتسل، وأقام إلى الصلاة، فصاح صيحة وسجد في مصلاه فوجد ميتا رحمه الله. وحملت منه، فولدت إبراهيم، ولم يكن لجده ولد فأسند الملك إليه.
وكان من تخلّيه عن الملك ما اشتهر، وعلى قبر ابراهيم بن أدهم زاوية حسنة فيها بركة ماء وبها الطعام للصادر والوارد، وخادمها ابراهيم الجمحى من كبار الصالحين، والناس يقصدون هذه الزاوية ليلة النصف من شعبان من سائر أقطار الشام ويقيمون بها ثلاثا ويقوم بها خارج المدينة سوق عظيم فيه من كل شيء ويقدم الفقراء المتجردون من الآفاق لحضور هذا الموسم وكل من يأتي من الزوار لهذه التربة يعطي لخادمها شمعة فيجتمع من ذلك قناطير كثيرة.
وأكثر أهل هذه السواحل هم الطايفة النّصيرية «139» الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب إلاه! وهم لا يصلون ولا يتطهرون «140» ولا يصومون، وكان الملك الظاهر ألزمهم بناء المساجد بقراهم فبنوا بكل قرية مسجدا بعيدا عن العمارة ولا يدخلونه ولا يعمّرونه وربما أوت اليه مواشيهم ودوابهم! وربما وصل الغريب اليهم فينزل بالمسجد، ويؤذن للصلاة، فيقولون له: لا تنهق! علفك ياتيك! وعددهم كثير.
حكاية [المهدي الكاذب]
ذكر لي أن رجلا مجهولا وقع ببلاد هذه الطائفة فادعى الهداية «141» ، وتكاثروا عليه فوعدهم بتملك البلاد وقسم بينهم بلاد الشام وكان يعين لهم البلاد ويأمرهم بالخروج إليها
ويعطيهم من ورق الزيتون ويقول لهم: استظهروا بها، فإنها كالأوامر لكم، فإذا خرج أحدهم إلى بلد أحضره أميره فيقول له: إن الإمام المهدي أعطاني هذا البلد، فيقول له أين الأمر؟ فيخرج ورق الزيتون، فيضرب ويحبس ثم أنه أمرهم بالتجهيز لقتال المسلمين، وأن يبدأوا بمدينة جبلة، وأمرهم أن يأخذوا عوض السيوف قضبان الآس، ووعدهم أنها تصير في أيديهم سيوفا عند القتال، فغدروا مدينة جبلة وأهلها في صلاة الجمعة، فدخلوا الدور وهتكوا الحريم، وثار المسلمون من مسجدهم فأخذوا السلاح وقتلوهم كيف شاءوا، واتصل الخبر باللاذقية فأقبل أميرها بهادر عبد الله «142» بعسكره وطيّرت الحمام إلى طرابلس فأتى أمير الأمراء بعساكره وأتبعوهم حتى قتلوا منهم نحو عشرين ألفا، وتحصّن الباقون بالجبال وراسلوا ملك الأمراء والتزموا أن يعطوه دينارا عن كل رأس إن هو حاول إبقاءهم.
وكان الخبر قد طيّر به الحمام إلى الملك الناصر وصدر جوابه أن يحمل عليه السيف، فراجعه ملك الأمراء وألقى له انهم عمال المسلمين في حراثة الأرض وأنهم إن قتلوا ضعف المسلمون لذلك، فأمر بالابقاء عليهم.
ثم سافرت إلى مدينة اللاذقية «143» وهي مدينة عتيقة على ساحل البحر يزعمون أنها مدينة الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا «144» ، وكنت إنما قصدتها لزيارة الولي الصالح عبد المحسن الاسكندري فلما وصلتها وجدته غائبا بالحجاز الشريف فلقيت من أصحابه الشيخين الصالحين سعيد البجائي ويحيى السلاوي، وهما بمسجد علاء الدين بن البهاء أحد فضلاء الشام وكبرائها صاحب الصدقات والمكارم وكان عمّر لهما زاوية بقرب المسجد وجعل بها الطعام للوارد والصادر، وقاضيها الفقيه الفاضل جلال الدين عبد الحق المصري المالكي، فاضل كريم تعلق بطيلان ملك الأمراء فولاه قضاءها.