الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كرامة له
دخلت إلى هذا الشريف متبركا برؤيته والسلام عليه فسألني عن قصدي، فأخبرته، إني أريد حج البيت الحرام على طريق جدة، فقال لي: لا يحصل لك هذا في هذا الوقت فارجع وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي فانصرفت عنه ولم اعمل على كلامه ومضيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب فلم يتمكن لي السفر فعدت راجعا إلى مصر ثم إلى الشام، وكان طريقي في أول حجاتي على الدرب الشامي حسبما أخبرني الشريف نفع الله به.
ثم سافرت إلى مدينة قنا وهي صغيرة حسنة الاسواق، واسمها بقاف مكسورة ونون، وبها قبر الشريف الصالح الوالي صاحب البراهين العجيبة، والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه «178» ، ورأيت بالمدرسة السّيفية منها حفيده شهاب الدين أحمد.
وسافرت من هذا البلد إلى مدينة قوص «179» وهي بضم القاف مدينة عظيمة، لها خيرات عميمة، بساتينها مورقة وأسواقها مونقة، ولها المساجد الكثيرة، والمدارس الأثيرة، وهي منزل ولاة الصعيد، وبخارجها زاوية الشيخ شهاب الدين ابن عبد الغفار، وزاوية الأفرم، وبها اجتماع الفقراء المتجردين في شهر رمضان من كل سنة، ومن علمائها القاضي بها جمال الدين بن السديد «180» ، والخطيب بها فتح الدين بن دقيق العيد «181» أحد الفصحاء البلغاء الذين حصل لهم السبق في ذلك، لم أر من يماثله إلا خطيب المسجد الحرام بهاء الدين الطبري، وخطيب مدينة خوارزم حسام الدين المشاطي وسيقع ذكرهما، ومنهم
الفقيه بهاء الدين بن عبد العزيز المدرس بمدرسة المالكية، ومنهم الفقيه برهان الدين ابراهيم الأندلسي له زاوية عالية.
ثم سافرت إلى مدينة الأقصر «182» وضبط اسمها بفتح الهمزة وضم الصاد المهمل، وهي صغيرة حسنة وبها قبر الصالح العابد أبي الحجاج الأقصرى «183» وعليه زاوية، وسافرت منها إلى مدينة أرمنت، «184» وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الراء وميم مفتوحة ونون ساكنة وتاء معلوة، وهي صغيرة ذات بساتين مبنية على ساحل النّيل، أضافني قاضيها وأنسيت اسمه، ثم سافرت منها إلى مدينة أسنا «185» وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان السين المهمل ونون، مدينة عظيمة متسعة الشوارع، ضخمة المنافع، كثيرة الزوايا والمدارس والجوامع، لها أسواق حسان وبساتين ذات أفنان، قاضيها قاضي القضاة شهاب الدين بن مسكين، أضافني وأكرمني وكتب إلى نوابه بإكرامي، وبها من الفضلاء الشيخ الصالح نور الدين علي والشيخ الصالح عبد الواحد المكناسي وهو على هذا العهد صاحب زاوية بقوص.
ثم سافرت منها إلى مدينة أدفو «186» وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الدال المهمل وضم الفاء. وبينها وبين مدينة أسنا مسيرة يوم وليلة في صحراء. ثم جزنا النيل من مدينة أدفوا إلى مدينة العطواني، «187» ومنها اكترينا الجمال، وسافرنا مع طائفة من العرب تعرف بدغيم، بالغين المعجمة، في صحراء لا عمارة بها إلا أنها آمنة السبل، وفي بعض
منازلها «188» نزلنا (حميثرا) حيث قبر ولي الله أبي الحسن الشاذلي، وقد ذكرنا كرامته في إخباره أنه يموت بها، وأرضها كثيرة الضباغ، ولم نزل ليلة مبيتنا بها نحارب الضباع، ولقد قصدت رحلي ضبع منها فمزقت عدلا كان به واجترّت منه جراب تمر وذهبت به، فوجدناه لما أصبحنا ممزقا مأكولا معظم ما كان فيه.
ثم لما سرنا خمسة عشر يوما وصلنا إلى مدينة عيذاب «189» وهي مدينة كبيرة كثيرة الحوت واللبن ويحمل اليها الزرع والتمر من صعيد مصر، وأهلها البجاة «190» وهم سود الألوان يلتحفون ملاحف صفرا ويشدون على رؤوسهم عصايب يكون عرض العصابة منها أصبعا وهم لا يورّثون البنات، وطعامهم ألبان الإبل ويركبون المهاري «191» ويسمونها الصّهب، وثلث المدينة للملك الناصر وثلثاها لملك البجاة وهو يعرف بالحدربي «192» بفتح الحاء المهمل وإسكان الدال وراء مفتوحة وباء موحدة وياء، وبمدينة عيذاب مسجد ينسب للقسطلاني «193» شهير البركة رأيته وتبركت به، وبها الشيخ الصالح موسى، والشيخ المسن محمد
المراكشي زعم أنه ابن المرتضى «194» ملك مراكش وان سنه خمس وتسعون سنة. ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب الأتراك، «195» وقد خرق المراكب وهرب الترك أمامه، فتعذر سفرنا في البحر فبعنا ما كنا أعدادناه من الزاد وعدنا مع العرب الذين اكترينا الجمال منهم إلى صعيد مصر فوصلنا إلى مدينة قوص التي تقدم ذكرها.
وانحدرنا منها في النيل وكان أوان مده فوصلنا بعد مسيرة ثمان من قوص إلى مصر فبت بمصر ليلة واحدة
…
وقصدت بلاد الشام وذلك في منتصف شعبان سنة ست وعشرين، «196» فوصلت إلى مدينة بلبيس «197» ، وضبط اسمها بفتح الموحدة الأولى وفتح الثانية ثم ياء آخر الحروف مسكنة وسين مهمل وهي مدينة كبيرة، ذات بساتين كثيرة، ولم ألق بها من نحبّ ذكره «198» ، ثم وصلت إلى الصالحية «199» ، ومنها دخلنا الرمال، ونزلنا منازلها: مثل السّوادة
والورّادة والمطيلب والعريش والخروبة «200» وبكل منزل منها فندق، وهم يسمونه الخان ينزله المسافرون بدوابهم، وبخارج كل خان سانية للسبيل، وحانوت يشتري منها المسافر ما يحتاجه لنفسه ودابته. ومن منازلها قطيا «201» المشهورة وهي بفتح القاف وسكون الطاء وياء آخر الحروف مفتوحة والف والناس يبدّلون ألفها هاء تانيث، وبها توخذ الزكاة من التجار «202» وتفتش أمتعتهم ويبحث عما لديهم أشد البحث، وفيها الدواوين والعمال والكتاب والشهود، ومجباها في كل يوم الف دينار من الذهب ولا يجوز عليها أحد من «203» الشام إلا ببراءة من مصر ولا إلى مصر الا ببراءة من الشام احتياطا على أموال الناس وتوقيا من الجواسيس العراقيين «204» .
وطريقها في ضمان العرب قد وكلوا بحفظه، فإذا كان الليل مسحوا على الرمل لا يبقى به أثر ثم ياتي الامير صباحا فينظر إلى الرمل فإن وجد به أثرا طلب العرب بإحضار مؤثره فيذهبون في طلبه فلا يفوتهم فيأتون به الأمير فيعاقبه بما شاء، وكان بها في عهد
وصولي اليها عز الدين استاذ «205» الدار أقماري، من خيار الأمراء، أضافني وأكرمني وأباح الجواز «206» لمن كان معي، وبين يديه عبد الجليل المغربي الوقاف، وهو يعرف المغاربة وبلادهم، فيسأل من ورد منهم من أي البلاد؟ لئيلا يلبّس عليهم فإنّ المغاربة لا يعترضون في جوازهم على (قطيا) .
نقوش من قوص عن أرشيف بيرشم- جنيف أقدم جواز سفر على البردي، أهداه إلينا مشكورا معهد د. حسين رجب بالقاهرة