الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكاية [الملك الناصر وقاتل أخيه]
كان قراسنقور من كبار الأمراء وممن حضر قتل الملك الأشرف أخي الملك الناصر وشارك فيه، ولما تمهد الملك للملك الناصر وقرّ به القرار واشتدت أواخيّ سلطانه «129» جعل يتتبع قتلة أخيه فيقتلهم واحدا واحدا إظهارا للأخذ بثأر أخيه وخوفا أن يتجاسروا عليه بما تجاسروا على أخيه وكان قراسنقور أمير الأمراء بحلب فكتب الملك النّاصر إلى جميع الأمراء أن ينفروا بعساكرهم وجعل لهم ميعادا يكون فيه اجتماعهم بحلب ونزولهم عليها حتى يقبضوا عليه، فلما فعلوا ذلك خاف قراسنقور على نفسه وكان له ثمانمائة مملوك، فركب فيهم وخرج على العساكر صباحا فاخترقهم وأعجزهم سبقا وكانوا في عشرين ألفا وقصد منزل أمير العرب مهنّا بن عيسى «130» ، وهو على مسيرة يومين من حلب، وكان مهنا في قنص له، فقصد بيته ونزل عن فرسه والقى العمامة في عنق نفسه، ونادى: الجوار يا أمير العرب! وكانت هنالك أم الفضل زوج مهنّا وبنت عمه، فقالت له: قد أجرناك وأجرنا من معك، فقال:
إنما أطلب أولادي ومالي، فقالت له: لك ما تحب، فانزل في جوارنا، ففعل ذلك وأتى مهنّا فأحسن نزله وحكّمه في ماله، فقال: إنما أحبّ أهلي ومالي الذي تركته بحلب، فدعى مهنّا بإخوانه وبني عمه فشاورهم في أمره فمنهم من أجابه إلى ما أراد، ومنهم من قال له: كيف نحارب الملك الناصر، ونحن في بلاده بالشام؟ فقال لهم مهنا: أما أنا فأفعل لهذا الرجل ما يريده وأذهب معه إلى سلطان العراق.
وفي أثناء ذلك ورد عليهم الخبر بأن أولاد قراسنقور سيّروا على البريد إلى مصر، فقال مهنّا لقراسنقور: أما أولادك فلا حيلة فيهم، وأما مالك فنجتهد في خلاصه، فركب فيمن أطاعه من أهله واستنفر من العرب نحو خمسة وعشرين ألفا، وقصدوا حلب فأحرقوا باب قلعتها وتغلبوا عليها، واستخلصوا منها مال قراسنقور ومن بقى من أهله ولم يتعدوا إلى
سوى ذلك، وقصدوا ملك العراق، وصحبهم أمير حمص الأفرم «131» ووصلوا إلى الملك محمد خدا بنده «132» سلطان العراق وهو بموضع مصيفه المسمى قراباغ «133» بفتح القاف والراء والباء الموحدة والغين المعجمة، وهو ما بين السلطانية وتبريز، فأكرم نزلهم وأعطى مهنّا عراق العرب وأعطى قراسنقور مدينة مراغة من عراق العجم «134» ، وتسمى دمشق الصغيرة، وأعطى الأفرم همدان، وأقاموا عنده مدة مات فيها الأفرم، وعاد مهنّا إلى الملك الناصر بعد مواثيق وعهود أخذها منه، وبقى قراسنقور على حاله.
وكان «135» الملك الناصر يبعث له الفداوية مرة بعد مرة، فمنهم من يدخل عليه داره فيقتل دونه، ومنهم من يرمي بنفسه عليه وهو راكب فيضربه وقتل بسببه من الفداوية جماعة، وكان لا يفارق الدّرع أبدا ولا ينام إلا في بيت العود والحديد، فلما مات السلطان محمد وولى ابنه أبو سعيد وقع ما سنذكره من أمر الجوبان كبير أمرائه، وفرار ولده الدمرطاش إلى الملك الناصر. ووقعت المراسلة بين الملك الناصر وبين أبي سعيد واتفقا على أن يبعث أبو سعيد إلى الملك الناصر برأس قراسنقور ويبعث اليه الملك الناصر برأس الدّمرطاش، فبعث الملك الناصر برأس الدمرطاش إلى أبي سعيد، فلما وصله أمر بحمل قراسنقور إليه، فلما
مراغة: القبة الزرقاء