الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبلاد السّرو التي يسكنها بجيلة وزهران وغامد، وسواهم من القبائل «224» مخصبة كثيرة الأعناب وافرة الغلات، وأهلها فصحاء الألسن لهم صدق نية وحسن اعتقاد، وهم إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها لائذين بجوارها، متعلقين بأستارها، داعين بأدعية تتصدع لرقتها القلوب، وتدمع العيون الجامدة، فترى الناس حولهم باسطي أيديهم مؤمّنين على أدعيتهم، ولا يتمكن لغيرهم الطواف معهم ولا استلام الحجر لتزاحمهم على ذلك، وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود، وإذا وردوا مكّة هابت أعراب الطريق مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم ومن صحبهم من الزوار حمد صحبتهم، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وأثنى عليهم خيرا، وقال: علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء. وكفاهم شرفا دخولهم في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان يماني والحكمة يمانية، وذكر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يتحرّى وقت طوافهم ويدخل في جملتهم تبركا بدعائهم، وشأنهم عجيب كلّه وقد جاء في أثر: زاحموهم في الطّواف فإن الرحمة تنصبّ عليهم صبّا.
ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان
وهذه الليلة من الليالي المعظمة عند أهل مكة يبادرون فيها إلى أعمال البر من الطواف والصلاة جماعات وأفذاذا والاعتمار، ويجتمعون في المسجد الحرام جماعات لكل جماعة إمام، يوقدون السرج والمصابيح والمشاعل ويقابل ذلك ضوء القمر يتلألأ الأرض والسماء نورا، ويصلون مائة ركعة يقرءون في كل ركعة بأم القرآن، وسورة الإخلاص يكررونهما عشرا، وبعض الناس يصلون في الحجر منفردين، وبعضهم يطوفون بالبيت الشريف وبعضهم قد خرجوا للاعتمار.
ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم
وإذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدّبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرام نورا ويسطع بهجة وإشراقا، وتتفرق الأئمة فرقا، وهم الشافعية، والحنفية، والحنبلية، والزيدية، وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء: يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع ولا تبقى في الحرم زاوية
ولا ناحية إلا وفيها قارىء يصلي بجماعته فيرتج المسجد لأصوات القراء وترق النفوس وتحضر القلوب وتهمل الأعين.
ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفردا، والشافعية أكثر الأئمة اجتهادا، وعادتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة وهي عشرون ركعة يطوف إمامهم وجماعته فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة وكان ذلك إعلاما بالعودة إلى الصلاة، ثم يصلي ركعتين ثم يطوف أسبوعا هكذا، إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى ثم يصلون الشّفع والوتر وينصرفون.
وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئا، وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التّسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم «225» ، فيقوم داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور، والمؤذّنون في سائر الصوامع، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه، وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يقدان، فإذا قرب الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة حط القنديلان، وابتدأ المؤذنون بالآذان وأجاب بعضهم بعضا.
ولديار مكة شرفها الله سطوح، فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين، فيتسحّر حتّى إذا لم يبصرهما أقلع عن الأكل، وفي كل ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء ويكون الذي يختم بهم أحد أبناء كبراء أهل مكة فاذا ختم نصب له منبر مزين بالحرير وأوقد الشمع وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر، وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي، ويختم بها القرآن العظيم، خلف المقام الكريم، وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم وتعرض بينها ألواح طوال، وتجعل ثلاث طبقات وعليها الشمع وقناديل الزجاج فيكاد يغشي الأبصار، شعاع الأنوار، ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الأخيرة، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر، وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيما لختمة المقام، ويحضرونها متبركين فيختم الإمام في تسليمتين ثم يقوم