المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رحلة ابن بطوطة في الدراسات الاستشراقية - رحلة ابن بطوطة ط أكاديمية المملكة المغربية - جـ ١

[ابن بطوطة]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الاول]

- ‌[مقدمة المحقق]

- ‌من حوافز التّفكير في هذا النشر الجديد

- ‌المخطوطات الثلاثون للرحلة

- ‌1- مخطوطة خزانة جامع القرويين بفاس رقم 561:

- ‌3- مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 4355:

- ‌4- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3631:

- ‌5- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 8218:

- ‌6- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 356:

- ‌7- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 151:

- ‌8- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3030:

- ‌11- مخطوطة الخزانة العامة 247 ق:

- ‌12- مخطوطة الخزانة العامة 248 ق:

- ‌13- مخطوطة خزانة وزّان 31:

- ‌14- مخطوطة خزانة مراكش رقم 412:

- ‌15- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2289- 910:

- ‌16- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2287- 909

- ‌17- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2288- 911

- ‌18- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2290- 908

- ‌19- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2291- 907:

- ‌20- مخطوطة دار الكتب، تونس رقم 5048 ب:

- ‌23- مخطوطة الشيخ حمودة:

- ‌24- مخطوطة اللّمسي

- ‌25- مخطوطة وقف تيمور، دار الكتب المصرية نسخة (أ) :

- ‌26- مخطوطة أخرى من وقف تيمور…نسخة (ب) :

- ‌27- مخطوطة الفاتيكان رقم 1601

- ‌28- مخطوطة الفيومي رقم 4063

- ‌29-" منتخب الرحلة لمؤلف مجهول رقم 22741:

- ‌30- منتخب الأزهري 1278:

- ‌31- نسخة ضومباي النّمساوي

- ‌الأربعة الذين كانوا وراء إنجاز الرحلة

- ‌(1) السلطان أبو عنان

- ‌2) ابن ودرار

- ‌3) ابن جزي

- ‌4) ابن بطّوطة

- ‌بين ماركو بولو وابن بطوطة

- ‌رحلة ابن بطوطة في الدراسات الاستشراقية

- ‌اهتمام الكتّاب العرب بالرحلة

- ‌دراسات نقدية

- ‌النقوش كمصدر لابن بطوطة

- ‌الرحلة كمصدر لتاريخ العلاقات الدّولية

- ‌مكان رحلة ابن بطّوطة من أدب الرحلات

- ‌الفصل الأول المغرب الكبير

- ‌[كلام ابن جزيّ]

- ‌(قال ابن بطوطة)

- ‌ذكر سلطان تونس

- ‌الفصل الثاني مصر

- ‌ذكر أبوابها ومرساها

- ‌ذكر المنار

- ‌ذكر عمود السواري

- ‌ذكر بعض علماء الإسكندرية

- ‌حكاية [الفأل الحسن]

- ‌‌‌ذكر كرامة له

- ‌ذكر كرامة له

- ‌كرامة لأبي الحسن الشاذلي

- ‌ذكر حزب البحر المنسوب إليه

- ‌حكاية

- ‌كرامة لهذا الشيخ

- ‌[لحية الشيخ جمال الدين]

- ‌كرامة لهذا الشيخ

- ‌ذكر مسجد عمرو بن العاص والمدارس والمارستان والزوايا

- ‌ذكر قرافة مصر ومزاراتها

- ‌ذكر نيل مصر

- ‌ذكر الأهرام والبرابي

- ‌ذكر سلطان مصر

- ‌ذكر بعض أمراء مصر

- ‌ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها

- ‌حكاية [الملك الناصر يقعد للمظالم]

- ‌ذكر بعض علماء مصر وأعيانها

- ‌ذكر يوم المحمل بمصر

- ‌حكاية خصيب

- ‌حكاية [منبر ملك الناصر]

- ‌كرامة له

- ‌الفصل الثالث الشام وفلسطين

- ‌ذكر المسجد المقدس

- ‌ذكر قبة الصخرة

- ‌ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف

- ‌ذكر بعض فضلاء القدس

- ‌حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور

- ‌حكاية

- ‌حكاية [الملك الناصر وقاتل أخيه]

- ‌حكاية أدهم [الزاهد]

- ‌حكاية [المهدي الكاذب]

- ‌حكاية [ابن المؤيد الهجاء]

- ‌حكاية الصالحين اللبنانيين وحمار الوحش

- ‌ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني أمية

- ‌ذكر الأئمة بهذا المسجد

- ‌ذكر المدرسين والمعلمين به

- ‌ذكر قضاة دمشق

- ‌حكاية (الفقيه ابن تيميّة)

- ‌ذكر مدارس دمشق

- ‌حكاية [الشيخ ظهير الدّين وقاض القضاة]

- ‌ذكر أبواب دمشق

- ‌ذكر بعض المشاهد والمزارات بها

- ‌حكاية في سبب تسميته بذلك

- ‌[مسجد الأقدام بدمشق]

- ‌حكاية [الطاعون الأعظم في دمشق]

- ‌ذكر أرباض دمشق

- ‌ذكر قاسيون ومشاهده المباركة

- ‌ذكر الربوة والقرى التي تواليها

- ‌ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم

- ‌حكاية [المملوك الصّغير والصحفة]

- ‌ذكر سماعي بدمشق، ومن أجازني من أهلها

- ‌الفصل الرابع الحجاز

- ‌[إلى الحجاز]

- ‌ذكر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروضته الشريفة

- ‌ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم

- ‌ذكر المنبر الكريم

- ‌ذكر الخطيب والامام بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما

- ‌حكاية [سراج الدين وحلمه]

- ‌ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به

- ‌حكاية [هذا الشيخ الذي جب نفسه]

- ‌ذكر بعض المجاورين بالمدينة الشريفة

- ‌حكاية [شيخ تاه في الجبال]

- ‌حكاية [المرتكب الصّعب]

- ‌ذكر أمير المدينة الشريفة

- ‌ذكر بعض المشاهد الكريمة بخارج المدينة الشريفة

- ‌حكاية [الهاتف بالليل]

- ‌ذكر مدينة مكة المعظمة

- ‌ذكر مسجد الحرام شرفه الله وكرمه

- ‌ذكر الكعبة المعظمة الشريفة زادها الله تعظيما وتكريما

- ‌ذكر الميزاب المبارك

- ‌ذكر الحجر الأسود

- ‌ذكر المقام الكريم

- ‌ذكر الحجر والمطاف

- ‌ذكر زمزم المباركة

- ‌ذكر أبواب المسجد الحرام وما دار به من المشاهد الشريفة

- ‌ذكر الصفا والمروة

- ‌ذكر الجبّانة المباركة

- ‌ذكر بعض المشاهد خارج مكة

- ‌ذكر الجبال المطيفة بمكة

- ‌حكاية [شيخ ضل طريقه]

- ‌ذكر أميري مكة

- ‌ذكر أهل مكة وفضائلهم

- ‌ذكر قاضي مكة وخطيبها، وإمام الموسم وعلمائها وصلحائها

- ‌حكاية مباركة

- ‌حكاية [قطع يد السارق]

- ‌ذكر بعض المجاورين بمكة

- ‌حكاية في فضله

- ‌حكاية [الشيخ سعيد الهندي]

- ‌حكاية [حسن المجنون]

- ‌ذكر عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم

- ‌ذكر عادتهم في الخطبة وصلاة الجمعة

- ‌ذكر عادتهم في استهلال الشهور

- ‌ذكر عادتهم في شهر رجب

- ‌ذكر عمرة رجب

- ‌ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان

- ‌ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم

- ‌ذكر عادتهم في شوال

- ‌ذكر إحرام الكعبة

- ‌ذكر شعائر الحج وأعماله

- ‌ذكر كسوة الكعبة

- ‌ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى

- ‌الفصل الخامس العراق وفارس

- ‌مدينة النّجف

- ‌ذكر الروضة والقبور التي بها

- ‌ذكر نقيب الأشراف

- ‌حكاية الشريف أبي غرّة

الفصل: ‌رحلة ابن بطوطة في الدراسات الاستشراقية

‌رحلة ابن بطوطة في الدراسات الاستشراقية

ص: 95

رحلة ابن بطوطة في الدّراسات الاستشراقية نال المغرب نصيبا وافرا في الدّراسات الاستشراقية، ليس فقط لأنه غني بما يزخر به من تراث حضاريّ هائل، وليس فقط لأنّه البلد الوحيد الذي ظل يتمتّع بكيانه كدولة طوال عصور متتابعة، ولكن لأنّ مركزه الجغرافيّ ووضعه بين الأمم الأخرى جعل منه بلدا إفريقيّا وبلدا عربيا وبلدا مسلما، وبلدا له حضور قويّ في القارة الأوربية «1» .

ومن ثمّت كان محلّ اهتمام من لدن الذين تشغلهم إفريقيا، وممن يهتمّون بالعالم العربي والعالم الإسلامي، وأخيرا من الذين يولون عنايتهم للعلاقات التي شدّت أوربّا بعالم المشرق والمغرب.

وهكذا فنحن أمام اهتمام متنوّع يتناول سائر الفضاءات التي ربّما لا يخطر بعضها على البال.

لقد وجد المستشرقون في كلّ ذلك التّراث مجالا واسعا لنشاطهم لأنّه من جهة يساعدهم على فهم الجهات الأخرى، ولأنه من جهة ثانية يعطي صورة دقيقة عن نمط خاصّ يتميز عن الأنماط التي عرفوها في بعض الأنحاء

وسينصبّ حديثنا هنا على موقف المستشرقين من رحلة ابن بطوطة إن في حديثها عن القارة الإفريقية أو الأسيوية أو الأوربية

لقد كانت أصداء وجود رحلة ما لابن بطوطة تجاوزت بلاد المغرب عند ما روّج أخبارها ابن خلدون في مقدمته والتمجروتي في رحلته وكذلك المقرّي في كتابه نفح الطيب، هذا إلى أصداء الرسالة الهامة التي وقفنا عليها ضمن الوثائق التي كان يتوفر عليها الدبلوماسي النمساوي المستعرب ضومباي (DOMBAY) على ما عرفنا في فصل (مخطوطات الرحلة)

وهكذا فبعد كلّ تلك الأصداء والأخبار مما عرفنا ومما لم نعرف، أخذ المستشرقون يبحثون عن نسخها الأصلية، ولكنهم لم يجدوا إلّا مختصرا اكتشفه المستشرق العالم

ص: 97

الألماني بوركهارت (Burckhardt) الذي كان أول من أثار انتباه أروبا لهذه الرحلة في أعقاب المهمة التي كلف بها في إفريقيا عام 1809 «2» .

وقد حصل سيتزن - (Seetzen) وهو بالمشرق- حوالي سنة 1810 على طائفة من المخطوطات لفائدة مكتبة گوثه (Goethe) كان من بينها تأليف من أربعة وتسعين صفحة يحتوي على مختصر- كذلك- لرحلة ابن بطوطة.

وبعد مضيّ عشر سنوات على عمل سيتزن (Seetzen) نشر المستشرق الألماني كوسگارتن،Kosegarten) (بمناسبة ندوة أكاديمية عام 1818 مقالة تحتوي على نصّ مصحوب بالترجمة لثلاث قطع من ذلك المختصر.

وهكذا كان كوسگارتن الباحث الأوّل الذي قدم إلينا بعض المقاطع من الرحلة، الأمر الذي مكّن أحد الجغرافيين من التعرّف على مسالك السّودان

لقد نشر كوسگارتن ثلاث مقتطفات من ذلك المختصر: إحداها عن رحلة ابن بطوطة إلى إفريقيا، والثانية عن رحلته إلى بلاد فارس، والثالثة عن رحلة ابن بطوطة إلى مالديف، وإضافة إلى هذا أعلن كوسگارتن عن نيته في أن يقوم بنشر سائر المختصر، لكن مشروعه هذا لم يتمّ

إلّا أنّ أحد تلامذته أبّيتز (Apetz) قام عام 1819 بنشر مقتطفة رابعة من ذلك المختصر عن بلاد الفلفل والأبزار: المليبار. (Malabar)

وقد شهدت نفس السنة 1819 ظهور رحلة في بلاد النوبة للمستشرق بوركهارت سالف الذّكر، وفي الملحق الذي صحب هذه الرحلة للنّوبة نجد تعليقا يتصل بابن بطوطة. وقد تبيّن أن بوركهارت يمتلك مختصرا اخر أكثر ضبطا من المختصر الذي اشتغل عليه سيتزن وكوسگارتن وأپّيتز.

ونذكر من الآن أن بوركهاردت أنصف الرحالة المغربي ابن بطوطة عندما أضفى عليه النعت بأعظم رحّالة يقوم بتسجيل مذكراته في العصر الوسيط، وهي الشّهادة التي نرى البروفيسور أندري ميكيل بعد قرن وثلاثة أرباع القرن يزكّيها على نحو ما كان من الكاتب الانجليزي أبيركرومبي والأكاديمي الفرنسي جان دورميصون «3» .

ص: 98

ولم يكن ذلك المخطوط المختصر المكتشف- ونسخه ثلاث- من لدن بوركهاردت غير" المنتقي" الذي ألّفه العالم محمد بن فتح الله البيلوني الذي تحدثنا عنه عند تعرضنا للنسخ المخطوطة من ابن بطوطة، وقد انتقل المخطوط بعد وفاة البيلوني- إلى مكتبة جامعة كيمبريدج. وعلى هذا المخطوط، وتحت إشراف الجمعية التي تعني بترجمة المكتبة الشرقية اشتغل العالم المستشرق صامويل لي (Samuel lee) فترجمه إلى الإنجليزية وزوّده بعدد من التعليقات المفيدة.

وعن هذا المختصر قال دوزي كلمته الصادقة التي سجلها عند الحديث عن مخطوطة ابن بطوطة التي كان يمتلكها المؤرخ الإسباني دي كايانكوس De Gayangos على ما أسلفنا.

وأحب أن أضيف هنا معلومة أخرى، تلك أنه إلى جانب (منتقى) البيلوني، وجدنا في المشرق، وبالذات في مصر (منتخبا) آخر للرحلة مجهول المؤلف ولكنه عرف بعنوان" مختصر الأزهري» على ما قلناه

وبعد هذا الحديث عن هذه المختصرات للرّحلة، أنتقل إلى (الرحلة) في نصها الكامل، وعلى ما عرفت به بعد في التاريخ المعاصر بسفريها الأول والثاني.

وهنا نلاحظ أن المستشرق البرتغالي الأب جوزي دي سانطو انطونيو مورا (P.Jose de

Santo Antonio Moura)

قام عام 1797 بترجمة السفر الأوّل من الرحلة الأصلية إلى البرتغالية ونشرته" الأكاديمية" في ليشبونة عام 1840 على ما أسلفناه

وهذه الترجمة تقوم على مخطوط كان هذا الأب اشتراه أثناء مقامه بمدينة فاس عندما صحب السفارة البرتغالية- ترجمانا- إلى بلاط العاهل المغربي السلطان مولاي سليمان عام 1211- 1212- 1797- 1798 قريبا من تاريخ مقام ضومباي بطنجة وكذلك تاريخ مقام دولابّورط بها وبمدينة الصويرة

وفي مقدمته يؤكد الأب مورا أنه قام بترجمة أمينة لهذا الجزء مضيفا إلى هذا أن المخطوط مكتوب بخط جميل ومعتنى به أكثر ما يكون الاعتناء، بل إنه (أي الأب مورا) يعتقد أنه منقول مباشرة من النسخة التي كتبها ابن جزي بخطه «4» ومما يلاحظ أنّ الأب (مورا) لم يبدأ الترجمة إلى البرتغالية إلّا من الفقرة التي تتحدث عن خروج ابن بطوطة من طنجة لأنه- على ما قال- لم يعثر على الورقتين الأوليين لهذا السفر، وفعلا فإن المخطوط كما وقفت عليه في مكتبة الأكاديمية العلمية بلشبونة عدة مرّات مبتور الورقات الأولى

ص: 99

وقد كان مما لوحظ على عمل الأب مورا أنه أسقط الأبيات الشعرية من حسابه فلم يترجمها! بل وقد أهمل كلّ النقول عن ابن جبير إلخ

أكثر من هذا. لقد حذف بعض المقاطع برمّتها، مثلا ما يتصل بعلماء الإسكندرية

وقد برّر هذا الصنيع منه بقوله:" إن اللائحة واسعة ومزعجة." وهكذا كان عمله عند ذكر ملوك مصر وقضاتها وعلمائها وأعيانها

وكان هذا فعله وهو يصف مكة والمدينة

إنّ ما حذفه كان يوازي ربع السفر الأوّل، علاوة على تساهله في ضبط المواقع الجغرافية والشخصية على ما لاحظه الباحثان المعروفان رينو (Reinaud) ودوزي. (Dozy)

والحديث عن محاولة الأب مورا يجرّنا إلى الحديث عن بقية من حاولوا ترجمة الرحلة.

وهنا لابد من التّذكير بأن هناك أجزاء كثيرة ومهمة من الرحلة الأصليّة أمست مترجمة إلى عدة لغات

وقد كان في أوّلها قطعة جيّدة تتعلق بالسّودان ترجمها البارون دوسلان مصحوبة بعدد من التعاليق، ومتبوعة- وهذا مهمّ- بخطاب بعث به دوسلان إلى رينو حول المخطوط الأصلي للرّحلة «5» .

وقد أتى بعد هذا إدوار دولوريي (Edouard Dulaurier) فقدم إلينا في (جورنال أسياتيك «6» ) النصّ والترجمة مصحوبين بالتعاليق للقسم من الرحلة الخاص بجزر الأرخبيل الهندي، ثم قام كلّ من ديفريميري (Defremery) وسانكينيتي (Sanguinetti) مرّات متلاحقة بترجمة أطراف واسعة من الرحلة الأصلية. وهكذا نشر، بادى الأمر، القسم الخاص برحلة ابن بطوطة إلى فارس وإلى آسيا الوسطى «7» ، ثم كان الحديث عن الرحلة إلى القرم وقفجق «8» ثم أيضا الرحلة إلى آسيا الصغرى»

ثم الفصل المتعلق بالسلطان المغولي الذي كان يحكم العراقين: عراق العرب وعراق العجم ويحكم كذلك خراسان وهو السلطان أبو سعيد بهادور «10» طبعا كلّ هذه الأعمال كانت مصحوبة بالتعاليق التي يقتضيها الحال أنذاك.

وفي بداية سنة 1852 قدّم شيربونو (Cherbonneau) أستاذ العربية بقسطنطينة ترجمة مختصرة لقسم أول من الرحلة إلى أن أخذ ابن بطوطة طريقه نحو سوريا، علاوة على المقدمة

ص: 100

التي حررها ابن جزي «11» ، ولم يكن تحت يد الأستاذ شيربونو غير مخطوطة واحدة حديثة العهد، جدّا الأمر الذي، ربما. يفسر الأخطاء التي احتوت عليها الترجمة.

وهكذا ومن خلال ما تقدم أخذنا فكرة عن الصحوة التي أعقبت المبادرة الأولى التي قام بها المستشرقون الألمان

لكن العمل الذي نبقى مدينين له بكل التقدير هو ذلك الذي قام به فيما بين عام 1853- 1858- وبتكليف من الجمعية الأسيوية- كلّ من ديفريميري (C.Defremery)

وسانگينتي (B.R.Sanguinetti) سالفي الذّكر، ذلك العمل الذي تمثّل في نشرهما للرحلة مترجمة بكاملها في أربعة أجزاء، وقد شجعهما على ذلك العمل ما أمست الخزانة الملكية بباريز تتوفر عليه من نسخ ثلاث مخطوطة لرحلة ابن بطوطة «12» .

وبفضل ظهور المجلّدات الأربع للرحلة مصحوبة بالترجمة الفرنسية أمست رحلة ابن بطوطة في متناول العالم الغربي، بل وحتّى في متناول العالم العربي والإسلامي الذي كاد أن يجهل كلّ شيء عن رحلة ابن بطوطة!! إن مبادرة هذين الرجلين نبّهت، وبشكل بارز، كلّ الذين كانوا بحاجة إلى أن يعرفوا أكثر عن الجانب الجغرافي للرحلة وكذا عن الجانب التّاريخي والأنثروبولوجي. وإذا كان الاثنان قد أسهما بصفة جيّدة في بعث هذا التراث المغربي الكبير من مرقده، فإن هناك شخصية ثالثة أسدت معروفا لا ينسى لذلك التراث، ويتعلق الأمر بالأستاذ الراحل هاميلتون أليكساندر روسكين گيب H.A.R.Gibb الذي قام بترجمة معظم الرحلة إلى اللغة الانجليزية منذ أواخر العشرينات «13» " ولم يكتف گيب بالترجمة الحرفية ولكنه كان يحاول أن يصل إلى أسرار المعنى. أكثر من هذا قام السير گيب بتحديد طائفة من الأعلام الجغرافية ومواقعها ما أمكنه ذلك، وقد قام إلى جانب هذا بالعمل على التعريف بعدد من الشخصيات التي وردت في صلب الكتاب ذاكرا في أغلب الأحيان مصادره ومراجعه. ويصح القول بأنه لا يمكن للمهتم برحلة ابن بطوطة أن

ص: 101

يستغني عن المجهود الذي بذله هذا الرجل في سبيل تصحيح ما قام به السابقون مما استفدنا منه بطبيعة الحال «14» .

وقد كان گيب نشر قبل إصدار الجزء الثالث دراسة نقدية حول رحلة ابن بطوطة في آسيا الصغرى وفي روسيا" بمناسبة تكريم الأستاذ الراحل ليفي بروفنصال «15» .

وما دمنا في ذكر گيب نسجّل هنا أنه بعد وفاته اهتم أحد الباحثين بنشر الجزء الرابع من ترجمة الرحلة إلى الإنجليزية، ويتعلق الأمر بالأستاذ بيكينگام Beckingham الذي قام عام 1994 باصدار هذا الجزء واعدا في المقدمة وفي بعض التعاليق بأنّ مجلدا خامسا في طريقه إلى الظهور خصّصه، فيما يبدو، للفهارس وللجانب الكرونولوجي والتوثيقي

وقد كان في صدر من استفاد من عمل گيب، المستشرق الروسي أ. يو.

كراتشكوفسكي (ت 1951) في كتابه القيّم" تاريخ الأدب الجغرافي العربي" الذي ترجمه الزميل الراحل صلاح الدين عثمان هاشم.

لقد قال عن ابن بطوطة:" إنه منافس خطير لمعاصره الأقدم منه تاريخا ماركوبولو.

ومن الطبيعي- يقول كراتشكوفسكي- أن ابن بطوطة الطنجي كان له إحساس فطري ذاتي بظروف حضارة العالم الذي يصفه أكثر ممّا كان لدى ماركو بولو البندقي وإن وصف الرحالة المسلم لخط سير رحلته كان أدعى إلى الثقة ممّا عليه الحال مع معاصره المسيحي «16» .

وقد قام الأستاذ روس دان (Ross E.Dunn) في كتابه باللّغة الانجليزية: (مغامرات ابن بطوطة) بنشر عرض للرحلة ولو أنه كان يحكي عن ابن بطوطة بأسلوب خاص، ولكنه زود كتابه بتعاليق وبخرائط جدّ مفيدة «17» .

وقد ظهر عالم تشيكي جليل قام بدراسة نقدية رائعة للرحلة خاصة ما يتصل فيها بتحديد المراحل والمواقع والمسافات مقرونة بتحديد الأزمان والظروف، ولا اعتقد أن احدا يستطيع أن يجد من الوقت ومن الصبر ما يمكنّه من القيام، بأناة وتوأدة، من ملاحقة

ص: 102

ابن بطوطة وكشف هفواته والوقوف على فجواته على نحو ما قام ذلك المستشرق التشيكي العالم المتمكن الزميل إيفان هربك الذي قرأنا له بحثا جدّ مفيد في براغ أوائل الستينات «18» قبل أن يتوفاه الله عام 1993.

وقد تهافتت جهات أخرى ممّن تنتمي للعالم الناطق باللّغة الانجليزية على الاستفادة من الرحلة بعد ظهور الترجمة الانجليزية، وهكذا اتسعت دائرة المعرفة بها والاطلاع عليها أكثر فأكثر

هذا وقد قرأ الناس ترجمة الرحلة كلّا أو بعضا بعدد من اللّغات الأخرى غير الفرنسية والانجليزية، فترجمها الدكتور هانس قون مزيك (Hans Von Mzik) إلى الألمانية «19»

وترجمها إيقان هربك، (Ivan Hrbek) سالف الذكر، إلى اللغة التشيكية، وترجمها إلى الإيطالية گابرييلي (Gabrieli) عام 1961 «20» ، وترجمت إلى اللغة التّركية على يد لجنة وزارة المعارف أواخر عهد العثمانيين في خمسة مجلدات «21» ،

وقد ترجمت إلى اللّغة الفارسية من لدن الدكتور الزميل محمد علي موحّد تحت عنوان:" سفرنامه ابن بطوطة"«22» ، وإلى اللغة السويدية وقد قام بترجمتها هيرمان المكيسط (Herman Almquist) وخاصة منها الفصل الخاص بتحرّك ابن بطوطة من طنجة إلى الاسكندرية، هذا إلى ترجمتها للّغة الهندية واللغة الأرمنية، واللّغة اليابانية واللّغة الإسبانية «23» .

وعلمت أثناء زيارتي لسمرقند صيف 1974 أن جماعة من المحققين يعكفون على مراجعة ترجمة للرحلة باللغة الرّوسية. وقد أهديت لي أثناء زيارتي للصين ترجمة كاملة للرحلة باللغة الصينية «24» عام 1984. لقد ناهزت الترجمات العشرين، ونحن على يقين أن هناك ترجمات أخرى لا نعرفها. وكأنّ ترجمة واحدة للرحلة لم تكن كافية لأصحاب تلك اللغة،

ص: 103

فوجدنا من بين أصحاب اللغة الواحدة من ينافس زميله في البحث عن خفايا الرحلة فيقدم لنا رحلة ابن بطوطة باللغة الفرنسية أو الانجليزية أو البرتغالية أو الألمانية في بحوث وترجمات أخرى بأساليب أخرى. ومن هذا ما ظهر 1990 عن مؤسسة (لاديكوفيرت couverte "" (La De -بباريز من تقديم وتعليق في ثلاثة أجزاء للأستاذ صطيفان ييرازيموس Yerasimos) (Stephane اعتمد فيها أساسا على الناشرين الفرنسيين السابقين وعلى أعمال السّير هاميلتون گيب.

هذا إلى جانب العمل السابق الذي قام به 1968 فانسان مونطي (V.Monteil) عند ما أعاد نشر الرحلة وزودها، بدوره، بتقديم جيّد وتعليقات مفيدة اعتمد فيها على عمل العالم التشيكي إيفان هربك سالف الذكر، هذا إلى البحوث المركزة التي عززت جانب الرحلة من أمثال بحث العالم الفرنسي الأستاذ ر. موني وفريقه، والأستاذ أ. ميكيل وأمثالهما كثير «25» .

وينبغي أن نؤكد أن معظم هذه الترجمات- إن لم نقل كلّها- تصحب بتعليقات لا غنى عنها للقارىء، بل أكثر من هذا فائدة أن بعض هؤلاء الأساتذة قاموا بوضع مقدمات لكل جزء من الأجزاء حتى يجعلوا القارئ الأجنبي عن العربية في الصورة الكاملة لفهم العالم الاسلامي وتقاليده، ولفهم تاريخ دوله على ذلك العهد

لاحظنا هذه المبادرة ابتداء من الناشرين الأولين ديفريميري وسانگينيتّي وانتهاء بالسّير هاميلتون گيب والأستاذ ييرازيموس وأخيرا بالأستاذ طوماس ج. ايبركرومبي (T.J.

Abercrombie)

الذي قام عام 1991 برحلة فريدة من نوعها سار فيها على خطى ابن بطوطة بتكليف من المجلة الإمريكية الذائعة الصيت:" ناشيونال جيوغرافيك

(National Geographic)" «26» "

ونذكر إلى جانب كلّ ذلك العطاء الجمّ الذي قدمته إلينا الدّراسات الغربية فيما يتصل بابن بطّوطة أننا نرى مما يثري هذا الموضوع أن نشير إلى بعض المؤاخذات التي لنا على جانب من تلك الأعمال بالرغم من أنها مؤاخذات جدّ محدودة

ص: 104

هناك بعض الكلمات المغربية التي استعملها ابن بطوطة بحكم أنه كان يعيش معها، هاته الكلمات لم تجد عند باحثينا عناية بها للبحث عنها في الفضاء المغربي فراحوا يبحثون عنها في قواميس بعيدة عن بيئتنا!! وأذكر على سبيل المثال كلمة (الفقّاع) المغربية التي تعنى بكل بساطة: الفطر أو الكمأة لكن زملاءنا رأوا فيها ما يوحي بنبيذ الشعير

!

وإلى جانب الفقاع نذكر كلمة مغربية أخرى: بوقنينة التي حيّرت أصدقاءنا فوضع بعضهم علامة استفهام عليها، وراح بعضهم يبحث عن معني لها من خلال معنى القنّينة عند المشارقة، مع أن الكلمة معروفة في شمال المغرب الذي ينتسب إليه ابن بطوطة، وهو نبات قصير يكثر في المناطق الجبلية يستعمل لعدّة أغراض. وقد حفظ في الأمثال المغربية هناك:

" غرسته حبق فخرج لي بوقنينه"! «27» ولقد تعب الناشران في البحث عما تترجم به كلمة (البوجات) المستعملة في المغرب بمعنى: الهودج أو المحفّة التي تحمل فيها العروس، فراحا يبحثان عن معناها في اللّغات الأسيوية. وقد التبست عليهما كلمة القريّة (كهديّة) فقراها القربة بالباء (146 -IV) ! ونذكر إلى جانب هذا كلمة (المقيّرة) التي استعملها ابن بطوطة نعتا للجبة عند ما وقع أسيرا بأيدي الهنود وغدا مدينا بحريته لشابّ هندي أعطاه الرحالة المغربي جبته- وكانت من نوع رفيع- فأعطاه الشاب الهندي جبة مقيّرة باليّة. هنا بالرغم من أن الناشرين الاثنين يريان أن النسخ التي يتوفران عليها تكتب المقيّرة فانهما- كما يؤكدان في التعليق- لم يتردد افي أنها (المنيرة) بالنون عوض القاف وراحا يبحثان في الأصل الفارسي عن الكلمة وترجماها بالفعل بأنها آتية من النّيلة الفارسية، ومع أن كلمة مقيّرة معروفة إلى الآن عند المغاربة بمعنى وسخة كأنها مطليّة بالقار، يقال ثوبه مقير يعني عليه طبقات من الأوساخ

والجدير بالذكر أن المخطوطات التي نتوفر عليها بما فيها مخطوطة گايانگوس والخزانة الملكية والخزانة العامة، وفيها ما نعتقد أنه بخط الرحالة المغربي، كلّها وبدون استثناء ترسمها مقيّرة على نحو ما نعرفه نحن اليوم.

وقد كان من هفوات الترجمة أنه في معرض الثناء على زوجة له طيبة المعاشرة، ذكر أنه إذا تزوج عليها بخّرت ثيابه، فقد ترجما (تزوج عليها) بما يفيد أنه (تزوج بها) وقد كان من التعسّف تفرقتهم- في الترجمة- بين كلمة العشارين (275 -204 -IV) وقد كان مما أثار انتباهنا- وقد وقفنا في (مالديف) على اللّوحة التي تنص على اسم

ص: 105

المغربي الذي أدخل الإسلام إلى تلك الجزر- أن بعض المشتغلين بابن بطوطة، وهو (ييرازيموس صطيفان) رأى أن ينتزع تلك" البطوطة" من" البربري" ويعطيها إلى التّبريزي نسبة إلى مدينة تبريز بالرغم من أنه اعتمد في الترجمة أساسا على الناشرين الاثنين! لكنه أي صطيفان رأى في هذه المرة أن يعتمد ليس على الاثنين لكن على آخر اسمه فوربس Forbes الذي اعتمد بدوره على مخطوطة كان صاحبها يجهل كلّ ما كتبه ابن بطوطة قبله بأربعة قرون عن إسلام جزر مالديف «28» ! وإذا كان ييرازيموس فضلّ أن يعطي البطولة للتبريزي، فإن العالم التشيكي هربك رأى أن القصد بالبربري إلى أحد المنتسبين لبلاد الصومال نظرا لأنها أقرب جغرافيا إلى مالديف! وكأن هربك لم يقرأ عن اجتماع محمد بن عمر التازي البغدادي بالخليفة العباسي المعتمد (ت 289- 902) على ما نجده عند التنوخي في كتابه (نشوار المحاضرة) ، ولم يقرأ عن المقدسي في كتابه" أحسن التقاسيم" وهو يجتمع بعدد من علماء الأندلس بمكة عام 377- 987.

هذا إلى أنهما أي الناشرين السابقين أحيانا لم يتريثا قليلا لتقديم معلوماتهما عن بعض المواقع الجغرافية في المغرب. وفي هذا الصدد ينبغي أن نرجع إلى الجزء الأول من عملهما ص 84، والجزء الرابع ص 312. حيث تكررت ترجمة (الزاوية) التي انشأها السلطان أبو عنان بفاس، بالمدرسة البوعنانية! مع أن القصد إلى منشأة أخرى غير المدرسة يقول ابن بطوطة إن العاهل بناها بخارج حضرته، ومعلوم أن أبا عنان أنشأ هذه المعلمة الكبرى كفندق لإيواء الضيوف على مقربة من وادي الجواهر وكانت آية في النقوش والرسوم المجسّدة على ما سنرى في الملاحق هذا إلى أعلام جغرافية أخرى وقع فيها الخطأ عندهما فسرى إلى من قلّدهما. ونذكر على سبيل المثال (ج، 2، 196) ظفار الحبوضي التي نقل الاثنان أنها ظفار الحموض على ما سنرى عند التعليقات على صلب النص.

ونحن نتحدث عن الاسماء الجغرافية في الرحلة لاحظنا أن هناك عددا من الأعلام لم تنل حظها من البحث والتنقيب على نحو ما كان عليه الأمر في وادي قرة بالأندلس، وجناتة، ودار الطمع بالمغرب على ما سنرى في التعليقات.

وقد اعترضتنا بعد هذا انسياقات أخرى كان عليهما أن يتريّثا فيها، مثلا حديثهما (ج 1 ص 155) عن الأديب أبي الفتيان جبوس عوضا عن ابى حيّوس الذي هو الصواب.

ص: 106

وحديثهما (ج 1، 191) عن الشاعر شرف الدّين ابن محسن عوضا عن الشاعر أبي المحاسن عنين الذي هو الصواب.

ومثلا ما ورد (ج (222،I عن كتاب المفهم في شرح صحيح مسلم للقرطبي، هذا الكتاب سمي عندهما انسياقا مع إحدى المخطوطات (المعلم) الذي الفه المازري مع أن الصواب كما هو معلوم: المفهم، وقد كان مما ورد عندهما (ج (230،I نسبة مدرسة هامة بالصالحية في دمشق إلى ابن عمر مع أنها لأبي عمر على ما هو في المخطوطات الموثوقة.

وقد كان مما لفت نظرنا ما ورد عندهما (ج (248،I حول العلامة ابن الشحنة الحجار، فقد نقلا معا أنه الحجازي عوض الحجّار

وقد كان مما وقفنا عليه عند الناشرين المذكورين (ج I ص 252) ما ورد حول الشيخ (البجدي) بالباء ثم الجيم فلقد تحرف عندهما الى النجدى، هذا إلى خطأ آخر في نفس الجزء والصفحة (1، 252) ويتعلق الأمر بجمال الدّين أبي المحاسن يوسف المزي الذي رسم خطأ المزني (بالنون) ، الامر الذي سار عليه كل الذين نقلوا عن الاثنين دون روية

!

وفي الأعلام الشخصية التي كانت تحتاج إلى التصحيح ما ورد عندهما (ج II ص 83) حول روز جهان القبلي عوض روز بهان البقلى الذي هو الصحيح.

وقد كان من الأخطاء التي أثارت الانتباه ما ورد من حديث عن ابن شبرين (بالباء) السبتي نسبة إلى سبتة المغربية، هذا العالم تحوّل اسمه عندهما إلى ابن شيرين (بالياء) عوض الباء كما تحول السبتي إلى البستي نسبة إلى بست، ويا بعد ما بين سبتة وبست!! وفي حديثهما عن ابن بطوطة وهو بتونس عائدا من المشرق تحوّل عندهما (ج 4، 330) اسم زيان بن أمديون العلوي وزير السلطان أبي الحسن وصهره وظهيره إلى ابن أمريون بالراء عوض الدال.

ومثلا (ج 4 ص 331) تحول اسم الآبلي نسبة لآبلة) AVILA (في الأندلس إلى الأبلي نسبة إلى الأبلة في البصرة! والملاحظ أن هذه الهفوات وقع في معظمها جلّ الذين اعتمدوا على النسخة الفرنسية من الناشرين اللّاحقين على ما سنرى

! وقد كان من غريب ما وقع فيه المترجمان أن تلتبس عليهما في البداية كلمة (الصاحب) التي كان يقصد بها ابن بطوطة: الصاحب بن عباد، بكلمة (الصاحب) التي تعني الصديق (ج 2، ص 16) ! لنقرأ هذه الفقرة في الرحلة تعليقا على أن ماء مدينة البصرة غير جيّد، قال ابن جزي: ألوان أهل البصرة مصفرة، حتّى ضرب بهم المثل، قال بعض الشعراء وقد أحضرت بين يدي الصاحب أترجة.

ص: 107

لله أترج غمدا بيننا

معبّرا عن حال ذي عبرة

كما كسا الله ثياب الضنّا

أهل الهوى وساكني البصرة!

الشاهد عندنا في أحضرت، الهمزة مضبوطة عند الاثنين بالفتح وقد ترجمت هكذا:

Un poete de mes amis. a qui je presentai un citron composa ces vers:

ومن هذا المعنى نذكر التباس كلمة السّفر بكسر السين وتسكين الفاء، بمعنى الجزء أو المجلّد، بكلمة السّفر بفتح السين والفاء، التبس ذلك على بعض التراجمة الإنجليز فكان في بعض الأحيان يترجم كلمة السّفر ب!! (Journey) ومع كلّ هذا فإنه لا يسعنا إلا أن ننوه بالعمل الجادّ الذي قام به التراجمة من مختلف الجنسيات من أجل بعث رحلة ابن بطوطة من مرقدها وجعلها في متناول الجميع وبمختلف الوسائل

والحقيقة أنّني لم أسمع في الدنيا عن رحلة نقلت من لغتها الأصلية إلى لسان ثان، ثم ترجمت من ذلك اللّسان الثاني لتعود إلى لغتها الأولى بصياغة حديثة، ولقد تحقق ذلك في رحلة ابن بطوطة التي ترجمها غيرمو غوسطافينو عن الإسبانية بأسلوبه العربي الذي كان يرى أنّه أكثر إثارة وأوفى إشارة «29» !! وقد لذّ لي- وأنا أزور دول القارة الإمريكية التي لم يصلها ابن بطوطة- أن أبحث: هل ما إذا كان له صدى هناك، ولشدّ ما كان استغرابي وأنا أقف على عشرات البحوث التي كتبها إمريكانيون بل واستراليون عن هذه الرّحلة العظيمة التي لن ينتهي الحديث عنها

ص: 108