الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلي أيده الله بمحلّ القبول، وأبلغ من الإغضاء عن تقصير المأمول، فعوائدهم في السماح جميلة، ومكارمهم بالصفح عن الهفوات كفيلة، والله تعالى يديم لهم عادة النصر والتمكين ويعرفهم عوارف التأييد والفتح المبين بمنه وحوله.
(قال ابن بطوطة)
قال الشيخ أبو عبد الله: كان خروجي «9» من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق انس بصحبته، وركب أكون في جملته «10» ، لباعث من النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازيم، فجزمت أمري ولم ابن على السكون، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكون «11» ، وكان والديّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا، ولقيت كما لقيا نصبا، وسنّى يومئذ اثنتان وعشرون سنة.
قال ابن جزي أخبرني أبو عبد الله بمدينة غرناطة أن مولده بطنجة في يوم الاثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة «12» .
رجع، وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين، وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده موصولة الأسناد بالإسناد، وشهرت اثار كرمه شهرة واضحة الإشهاد وتحلّت الأيام، بحلا فضله، ورتع الانام، في ظل رفقه وعدله، الإمام المقدس
فلس ضرب في طنجة في عهد الولاة الأمويين عن أرشيف بنك- المغرب
لوحة لطنجة عام 1590 منظر لطنجة عام 1702
منظر لطنجة عام 1826
أبو سعيد «13» ابن مولانا أمير المؤمنين، وناصر الدين، الذي فل حدّ الشرك صدق عزائمه، وأطفأت نار الكفر جداول صوارمه، وفتكت بعبّاد الصليب كتايبه، وكرمت في إخلاص الجهاد مذاهبه، الإمام المقدس أبو يوسف بن عبد الحق «14» جدد الله عليهم رضوانه، وسقى ضرايحهم المقدسة من صوب الحيا سحّه وتهتانه، وجزاهم أفضل الجزاء عن الاسلام والمسلمين، وأبقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين، فوصلت مدينة تلمسان «15» وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان ابن يغمراسن ابن زيان «16» ، ووافقت بها رسولى ملك افريقية السلطان أبي يحيى رحمه الله «17» ، وهما قاضي الأنكحة بمدينة تونس أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي بن ابراهيم النفزاوي والشيخ الصالح أبو عبد الله
محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزّبيدي «18» ، بضم الزاي، نسبة إلى قرية بساحل المهدية، وهو أحد الفضلاء، وفاته عام أربعين.
وفي يوم وصولي إلى تلمسان خرج عنها الرسولان المذكوران فأشار علي بعض الاخوان بمرافقتهما فاستخرت «19» الله عز وجل في ذلك، وأقمت بتلمسان ثلاثا في قضاء مآربي، وخرجت أجدّ السير في آثارهما فوصلت مدينة مليانة «20» وأدركتهما بها وذلك في إبان القيظ فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشرا، ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما فأقمنا ببعض المياه على مسافة أربعة أميال من مليانة ثلاثا، وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع، فعاد إبنه أبو الطيب «21» ورفيقه أبو عبد الله الزّبيدي إلى مليانة فقبروه
دينار مريني يرجع لعهد السلطان أبي سعيد عثمان بن يعقوب الذي ودّع في أيامه ابن بطوطة طنجة مع شكرنا لوالي بنك المغرب نقش على وجهه بسم الله الرحمن الرحيم صلّى الله عليه محمد وآله الحمد لله وحده لا إله إلا الله محمد رسول الله وإلهكم إله واحد/ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
نقش على ظهره ضرب بمدينة سجلماسة أمنها الله عن أمر عبد الله أبي سعيد عثمان أمير المسلمين أيده الله ونصره وإلهكم اله واحد/ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
تلمسان
…
منارة المنصورة بعض الأطلال لأسوار مدينة المنصورة (من تأسيس بني مرين)
بها وتركتهم هنالك وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر والحاج العدولي ومحمد بن الحجر فوصلنا مدينة الجزائر «22» وأقمنا بخارجها أياما إلى أن قدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي فتوجّهنا جميعا على متّيجة «23» إلى جبل الزّان، ثم وصلنا إلى مدينة بجاية «24» فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد الله الزواوي ونزل أبو الطيب ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد الله المفسر. وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيّد الناس الحاجب «25» ، وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره وترك ثلاثة آلاف دينار من الذهب «26» ، وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لابن سيّد الناس المذكور فانتزعها من يده، وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم! ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته أصابتني الحمّى فأشار عليّ أبو عبد الله الزّبيدي بالاقامة فيها حتى يتمكن البرء مني، فأبيت، وقلت: إن قضى الله عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق، وأنا قاصد أرض الحجاز. فقال لي: أمّا إن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع وأنا أعيرك دابة، وخباء وتصحبنا خفيفا فإننا نجدّ السير خوف معرة العرب في الطريق! ففعلت هذا وأعارني ما وعد به، جزاه الله خيرا، وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الالاهية، في تلك الوجهة الحجازية.
ميناء مدينة الجزائر عام 1683
منظر لبجاية عام 1509 م عند ما هاجمها الاسبان
وسرنا إلى أن وصلنا إلى مدينة قسنطينة «27» فنزلنا خارجها وأصابنا مطر جود إضطرنا إلى الخروج عن الأخبية ليلا إلى دور هنالك، فلما كان من الغد تلقانا حاكم المدينة وهو من الشرفاء «28» الفضلاء يسمى بأبي الحسن «29» فنظر إلى ثيابي وقد لوّثها المطر فأمر بغسلها في داره وكان الإحرام «30» منها خلقا فبعث مكانه إحراما" بعلبكيا" وصرّ في أحد طرفيه دينارين من الذهب، فكان ذلك أول ما فتح به علي في وجهتي. ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة «31» ونزلنا بداخلها وأقمنا بها أياما ثم تركنا بها من كان في صحبتنا من التجار لأجل الخوف في الطريق «32» ، وتجردنا للسير وواصلنا الجد وأصابتني الحمى فكنت أشد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف ولا يمكنني النزول من الخوف إلى أن وصلنا مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزّبيدي، ولقاء أبي الطيب ابن القاضي ابي عبد الله النفزاوي، فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال، ولم يسلّم علىّ أحد لعدم معرفتي بهم فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل عليّ بالسلام والإيناس. وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين «33» .