الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمشاهدة للكعبة الشريفة، ويطعم الطعام الكثير في المواسم المعظمة وخصوصا في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فإنه يطعم فيه شرفاء مكة وكبراءها وفقراءها وخدام الحرم الشريف وجميع المجاورين، وكان سلطان مصر الملك الناصر رحمه الله يعظمه كثيرا وجميع صدقاته وصدقات أمرائه تجرى على يديه. وولده شهاب الدين فاضل وهو الآن قاضي مكة شرّفها الله.
وخطيب مكة الامام بمقام إبراهيم عليه السلام الفصيح المصقع وحيد عصره بهاء الدين الطبري «188» وهو أحد الخطباء الذين ليس في المعمور مثلهم بلاغة وحسن بيان، وذكر لي أنه ينشئ لكل جمعة خطبة ثم لا يكررها فيما بعد! وإمام الموسم وإمام المالكية بالحرم الشريف هو الشيخ الفقيه العالم الصالح الخاشع الشهير أبو عبد الله محمد بن الفقيه الصالح الورع أبي زيد عبد الرحمن وهو المشتهر بخليل نفع الله به وأمتع ببقائه، وأهله من بلاد الجريد من إفريقية ويعرفون بها ببني حيّون «189» وهم من كبارها ومولده ومولد أبيه بمكة شرفها الله وهو أحد الكبار من أهل مكة بل واحدها وقطبها بإجماع الطوائف على ذلك، مستغرق العبادة في جميع أوقاته مستحيي، كريم النفس حسن الأخلاق كثير الشفقة لا يرد من سأله خائبا.
حكاية مباركة
رأيت أيام مجاورتي بمكة شرفها الله وأنا إذ ذاك ساكن منها بالمدرسة المظفرية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في النوم وهو قاعد بمجلس التدريس من المدرسة المذكورة بجانب الشبّاك الذي تشاهد منه الكعبة الشريفة والناس يبايعونه فكنت أرى الشيخ أبا عبد الله المدعو بخليل قد دخل وقعد القرفصاء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وجعل يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أبايعك على كذا وكذا وعدّد
أشياء منها: وأن لا أردّ من بيتي مسكينا خائبا، وكان ذلك آخر كلامه، فكنت أعجب من قوله، وأقول في نفسي: كيف يقول هذا ويقدر عليه مع كثرة فقراء مكة واليمن والزيالعة والعراق والعجم ومصر والشام، وكنت أراه حين ذلك لا بسا جبّة بيضاء قصيرة من ثياب القطن المدعوة بالفشطان، «190» كان يلبسها في بعض الأوقات، فلما صليت الصبح غدوت عليه وأعلمته برؤياي فسرّ بها وبكى، وقال لي: تلك الجبة أهداها بعض الصالحين لجدي فأنا ألبسها تبركا، وما رأيته بعد ذلك يرد سائلا خائبا، وكان يأمر خدامه يخبزون الخبز ويطبخون الطعام وياتون به إليّ بعد صلاة العصر من كل يوم.
وأهل مكة لا يأكلون في اليوم إلا مرّة واحدة بعد العصر ويقتصرون عليها إلى مثل ذلك الوقت، ومن أراد الاكل في سائر النهار أكل التمر ولذلك صحت أبدانهم وقلّت فيهم الأمراض والعاهات.
وكان الشيخ خليل متزوجا بنت القاضي نجم الدين الطبري فشكّ في طلاقها وفارقها وتزوجها بعده الفقيه شهاب الدين النّويري «191» من كبار المجاورين وهو من صعيد مصر وأقامت عنده أعواما، وسافر بها إلى المدينة الشريفة ومعها أخوها شهاب الدين فحنث في يمين بالطلاق ففارقها على ضنانته بها، وراجعها الفقيه خليل بعد سنين عدة.
ومن أعلام مكة إمام الشافعية شهاب الدين ابن البرهان، ومنهم إمام الحنفية شهاب الذين أحمد بن علي «192» من كبار أئمة مكّة وفضلائها يطعم المجاورين وأبناء السبيل، وهو أكرم فقهاء مكة، ويدان في كل سنة أربعين ألف درهم وخمسين ألفا فيؤديها الله عنه، وأمراء