الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث الشام وفلسطين
من غزة إلى القدس فعسقلان من عسقلان إلى حلب مدينة حلب من حلب إلى جبلة من اللاذقية إلى دمشق مدينة دمشق والجامع الأموي ضواحي دمشق الأوقاف في دمشق ومجيز وابن بطوطة بها.
خريطة مسالك الشام وفلسطين
ثم سرنا حتى وصلنا إلى مدينة غزة «1» ، وهي أول بلاد الشام مما يلي مصر متسعة الأقطار كثيرة العمارة حسنة الأسواق بها المساجد العديدة ولا سور عليها، وكان بها مسجد جامع حسن، والمسجد الذي تقام الآن به الجمعة فيها بناه الأمير المعظم الجاولي «2» ، وهو أنيق البناء محكم الصنعة ومنبره من الرخام الأبيض، وقاضي غزة بدر الدين السلختي الحوراني، ومدرسها علم الدين بن سالم، وبنو سالم كبراء هذه المدينة، ومنهم شمس الدين قاضي القدس.
ثم سافرت من غزة إلى مدينة الخليل «3» صلى الله على نبيّنا وعليه وسلم تسليما، وهي مدينة صغيرة الساحة، كبيرة المقدار، مشرقة الأنوار حسنة المنظر، عجيبة المخبر، في بطن واد، ومسجدها أنيق الصنعة محكم العمل بديع الحسن سامي الارتفاع «4» مبني بالصخر المنحوت، في أحد أركانه صخرة أحد أقطارها سبعة وثلاثون شبرا. ويقال: إن سليمان عليه السلام أمر الجن ببنائه «5» ، وفي داخل المسجد الغار المكرم المقدس، فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب، صلوات الله على نبينا وعليهم، ويقابلها قبور ثلاثة: هي قبور أزواجهم، وعن يمين المنبر بلصق جدار القبلة موضع يهبط منه على درج رخام محكمة العمل إلى مسلك ضيق يفضي إلى ساحة مفروشة بالرخام فيها صور القبور الثلاثة، ويقال: إنها
نقوش من غزة ومن مدينة الخليل
قبرية بيبرس الصالحي
محاذية لها. وكان هنالك مسلك إلى الغار المبارك وهو الآن مسدود وقد نزلت بهذا الموضع مرات، ومما ذكره أهل العلم دليلا على صحة كون القبور الثلاثة الشريفة هنالك ما نقلته من كتاب علي بن جعفر الرازي الذي سماه" المسفر للقلوب، عن صحة قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب"«6» أسند فيه إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بي إلى بيت المقدس مرّ بي جبريل على قبر إبراهيم، فقال: انزل فصلّ ركعتين فإن هنا ولد أخوك عيسى عليه السلام، ثم أتى بي إلى الصخرة، وذكر بقية الحديث
…
ولما لقيت بهذه المدينة المدرس الصالح المعمر الامام الخطيب برهان الدين الجعبري «7» أحد الصلحاء المرضيين، والأئمّة المشهورين، سألته عن صحة كون قبر الخليل عليه السلام هنالك، فقال لي:
كلّ من لقيته من أهل العلم يصححون أن هذه القبور قبور إبراهيم وإسحاق ويعقوب على نبيّنا وعليهم السلام، وقبور زوجاتهم، ولا يطعن في ذلك إلا أهل البدع، وهو نقل الخلف عن السلف لا يشك فيه.
ويذكر أن بعض الأيمة دخل إلى هذا الغار ووقف عند قبر سارة، فدخل شيخ فقال له:
أي هذه القبور هو قبر إبراهيم، فأشار له إلى قبره المعروف، ثم دخل شاب فسأله كذلك، فأشار له إليه، ثم دخل صبي فسأله أيضا فأشار له اليه، فقال الفقيه أشهد أن هذا قبر إبراهيم عليه السلام لا شك، ثم دخل إلى المسجد فصلى به وارتحل من الغد، وبداخل هذا
المسجد أيضا قبر يوسف عليه السلام «8» ، وبشرقيّ حرم الخليل تربة لوط عليه السلام «9» وهي على تل مرتفع يشرف منه على غور الشام، وعلى قبره أبنية حسنة، وهو في بيت حسن البناء مبيض ولا ستور عليه.
وهنالك بحيرة لوط «10» وهي أجاج يقال إنها موضع ديار قوم لوط. وبمقربة من تربة لوط مسجد اليقين «11» وهو على تل مرتفع له نور وإشراق ليس لسواه ولا يجاوره إلا دار واحدة يسكنها قيّمه، وفي المسجد بمقربة من بابه موضع منخفض في حجر صلد قد هيء فيه صورة محراب لا يسع إلا مصليا واحدا، ويقال إن إبراهيم سجد في ذلك الموضع شكرا لله تعالى عند هلاك قوم لوط فتحرك موضع سجوده وساخ في الأرض قليلا.
وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلام، وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخط بديع: بسم الله الرحمن الرحيم، لله العزة والبقاء وله ما ذرأ وبرأ وعلى خلقه كتب الفناء، وفي رسول الله أسوة، هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه، وفي اللوح الآخر منقوش:
صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر، وتحت ذلك هذه الأبيات:
أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه
…
بالرّغم منّي بين التّرب والحجر
يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة
…
بنت الأيمة بنت الأنجم الزّهر
يا قبر، ما فيك من دين ومن ورع
…
ومن عفاف، ومن صون ومن خفر «12»
ثم سافرت من هذه المدينة إلى القدس، فزرت في طريقي اليه تربة يونس عليه السلام وعليها بنية كبيرة ومسجد، وزرت «13» أيضا بيت لحم موضع ميلاد عيسى عليه السلام، وبه أثر جذع النخلة «14» وعليه عمارة كثيرة «15» والنصارى يعظمونه أشد التعظيم ويضيّفون من نزل به.
ثم وصلنا إلى بيت المقدس شرفه الله ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفضل، ومصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ومعرجه إلى السماء، والبلدة كبيرة منيفة بالصّخر المنحوت وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب «16» ، جزاه الله عن
رسم قديم لبيت المقدس من المكتبة الوطنية لباريز