الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن قاسم الحَلَبِيّ
يتيمة الدهر، وبَيْضة البلد، ممن نزلتْ فضائلُه بين العَلْياء والسَّنَد، أخ لمن تجَّنبه الدهرُ شقيق، حُرّ العِرض على أنه عبدُ الصَّديق، فكم له من يدٍ خضراء تنبتُها يدٌ بيضاء، كما اخضرَّت الهِضابُ، من أبيض نسْج خيوط السحاب.
تَمُدُّ له الآفاقُ بِيضَ خيوطِه
…
فتنسِجُ منها للثرى حُلَّةً خَضْرَا
وله شعر رَاقَ بجيد الدهر عِقدُه، وعَذُبَ على لسان الدهر المُحلى بالفصاحةِ وِرْدُه، وزها يانِع رياضِه البهيَّة شقِيقُه وَوَرْدُه، مع فضلٍ حَلا في أفْواه الليالي ثناؤُه، وأضاء في دُجَى المشكلاتِ سَنَاهُ وسناؤُه.
له صحائفُ أخلاقٍ مُهذَّبةٍ
…
منها الحجَى والعُلا والفضلُ يُنْتَسَخُ
وكانت أخباره تغدو على مسامعي، فتتشوَّقُ إلى لُقْياه أجفانُ عيون مطامعي، حتى لقِيتُه بالروم، فاهتزَّت به أعطافُ المسرَّة، ونِلْتُ به ما هو للرُّوح قُوتٌ وللطَّرف قُرَّة، وعُود الدهر المُورِق يختال في غلائِله، وفَيْنان رَوْضه كأنما سُرِق الحسنُ
من بعض شمائِله، بطبعٍ أرقّ من بُرْد النسيم هلْهَلَه الشَّمال، وأصْفى من رِيق مُدامَةٍ صفَقها العَذْب الزّلال، فدارتْ بيننا شَمُول آدابٍ ظلَّ لها ثَغْرُ الأنس باسماً، وانتظمتْ عقودُ عُهُودٍ كان لها كفُّ المودَّةِ ناظماً، ولمَّا يرْضَ مُقامَه بحلب، وفطَم أملَه مما أدرَّ الدهر له بها وحلب، لأن زامِرَ الحيِّ لا يُطرب، وما كل حاملةٍ إذا أُنْتِجَتْ تُنجِب، سار عنها وسلك الطريق، حتى نزل بين وادي العُذَيْب والعَقِيق، فلما أخذ الله كريمَتيْه، وعوضه جنَّةَ عَدْن لديه، تربَّعتْ أقدامُ أقدامِه، وقد سُقِط في يديْه، فقد ينتظر دعوتَه حتى تلقَّاه، وإن كان مع الرَّكب اليمانين هَواه.
على المرءِ أن يسْعَى لما فيه نفعُه
…
وليس عليه أن يساعِدَه الدَّهْرُ
فما دار بيننا من كؤس الأدب، ما كتبتُه إليه وقد قدم من حلب:
حَتَّى مَ يغزوني صُدودُه
…
والصبرُ قد كُسِرتْ جنودُهْ
سكرانُ من ألحاظِه
…
قامتْ على قلبي حُدودُهْ
وسَقيمِ طَرْفٍ لم تزلْ
…
أبداً لواحِظُنا تعودُهْ
برَقتْ بوارقُ وَصْلهِ
…
والهجرُ قد خَرِستْ رعودُهْ
غصنٌ تَمِيلُ به الصَّبا
…
في كُثْبِ أرْدَافٍ تَئُودُهْ
لم أدْرِ فاتِرُ جَفْنِه
…
والخِصْرُ أسْقَمُ أم عهُودُهْ
نَشوانُ يعبثُ بي كما
…
عبَثْت بآمالي وُعودُهْ
لولا مِياهُ الحُسْنِ جا
…
لتْ فيه لاحترقَتْ خدودُهْ
كالصَّبِّ لولا دمعُهُ
…
يهْمِى لأحرقَه وَقودُهْ
يُخفِي الهوى وعيونهُ
…
بغرامِه الُمْضْنَي شُهودُهْ
بشهادةٍ ليست ترَدُّ
…
فليس ينفعُه جُحُودهْ
فسقَى رِياضَ الحُسنِ من
…
دمْعِي حَيّا يَهْمِي مَدِيُدُه
زمنٌ بجِيِد اللهوِ قد
…
نُظِمَتْ على نَسَقٍ عقودُهْ
إذ دَوْحُ أُنْسِى يانِعٌ
…
بكئوسِنا انفتحَتْ وُرودُهْ
والكاسُ نَجمٌ لاح في
…
فَلَكِ المسرَّةِ لي سُعودُهْ
يصفُو فيحْكِي ذِكْرَ مَن
…
قد زيَّن الدُّنيا وُجودُهْ
ذاك ابنُ قاسمٍ الذي
…
ما زال في تعَبٍ حَسُودُهْ
رُقِمَتْ به حُلَلُ العُلا
…
وزهَت بطلْعتِه بُرودُهْ
ما زال يُسْقَى من مِياهِ
…
الفضلِ حتَّى اخْضرَّ عودُهْ
فيكاد يُورِق بالسَّعا
…
دةِ مُثِمراً منها وفودُهْ
قد كان دَهْرِي عاطلاً
…
حتى تحلَّى منه جِيدُهْ
مَجْدٌ طَريفٌ يُغْرِق الْ
…
أفكارَ إذ يبدُو تَلِيِدُهْ
يا مالكاً رِقَّ الْقُلو
…
بِ فكلُّها حُباَّ عَبِيدُهْ
بل جَنَّةٌ فيها بطِ
…
يبِ ثنائِنا أبدَا خلودُهْ
في الشِّعر ليس ببالغٍ
…
أدْنى بَديِهِته وَلِيدُهْ
قد كان فِكْري صائماً
…
حتى طلَعْتَ وأنت عِيدُهْ
فإلْيْكَها عِقداً لِجي
…
دِ الدَّهرِ زَيَّنَة نضَيدُهْ
بِكْراً يرُوم جوابَها
…
مَهْراً تروقُ لها نقودُهْ
ولئن تكُنْ قَيْدَ النُّهى
…
فالحبُّ تُسْتَحْلَى قيودُهْ
فالْبَسْ لباسَ مسرَّةٍ
…
في الدهرٍ لا يَبْلَى جديدُهْ
فأجاب، وأجاد:
للظَّبْيِ لَفْتَتُه وجِيدُهْ
…
والوَرْدِ ما أبدَتْ خدودُهْ
والدُّرُّ يزهُو بالذي
…
في ثَغْرِه منه نَضِيدُهْ
وبوجهِه شَرَكَ العُقو
…
لِ فأيُّ عَقْلٍ لا يَصِيدهُْ
في كلِّ يوم للهوى
…
من حُسنهِ معنىً يَزِيدهُْ
روضٌ سقاهُ الله ما
…
ءُ الحسنِ فاحمرَّتْ خدودهُْ
يستوقفُ الأبصارَ حتَّى
…
لا يَسُوغَ لها وُرودُهْ
مَلِكٌ تحكمَّ في الجما
…
لِ فنال منه ما يُرِيدُهْ
وجرى بأسْرارَ الهوى
…
للنَّاسِ من دَمعِي بَرِيدُهْ
ما زال يسطوُ في الورَى
…
من فعلِ مُقْلته جُنودُهْ
حتى ظنَنَّا أنه
…
بالأجْر آثَرَه شهيدُهْ
يُبْدِى الصدودَ وكلَّما
…
صانَعْتهُ عنهُ يُعِيدُهْ
أتراه يجْحَدُ ما لقِ
…
يتُ به وهل يُغْنِي جُحودُهْ
وهو النَّهارُ إذا بدَا
…
مِن نفسِه قامتْ شُهودُهْ
كضياءِ مولانا شِها
…
بِ الفضْلِ إذْ طَلعتُ سُعُودُهْ
ما زال يسُمو في سَما
…
ءِ المجْدِ زيَّنَها وُجودُهْ
حتى تقطَّعتِ المطا
…
معُ عنه واسْتَعفى حَسودُهْ
وَقَّادُ فِكْرٍ أيُّ خَطْ
…
بٍ ليس يُطفِئُه وَقودُهْ
كُرمَتْ له هَمِمٌ إلى
…
غيرِ العُلا ليستْ تَقودُهْ
يزهُو على جِيدِ الزما
…
نِ بما يُنمِّقُه فريدُهْ
مِن كل سَجْعٍ من مزا
…
يا الحُسنِ قد نُظِمتْ عُقودُهْ
وإذا ذكرتَ الشِّعر فهْ
…
وَكما سمعْتَ به لَبيِدُهْ
قد كنتُ أجْهَد في ابتْغا
…
ء لقاء أيامٍ تُفِيدُهْ
حتى وَفَتْ لي بالذي
…
قد كان في أمَليِ وُعودُهْ
فِلقيتُهُ البحرَ الخِضَمَّ
…
يَفِيِضُ للعافين جودُهْ
مُتدفِّقاً بالفضلِ تخ
…
شى أن يفرِّقَها وُفودُهْ
مَولايَ عُذْراً إنَّها
…
من خاطرٍ قد جَفَّ عُودُهْ
بعُدَتْ بقولِ الشِّعرِ في
…
عهدِ الصَّبا حِيناً عُهودُهْ
لبَّي دُعاكَ وأيُّ مو
…
لىً لا تُلبِّيهِ عَبيدُهْ
ما ضَرَّه عِيدٌ نَأَي
…
ما دامَ من لُقْياكَ عِيدُهْ
ومما أنشدَنِيه قولُه:
مُتِّعْنَا يومَنا بصَحْوٍ
…
ليس على الشَّمسِ منه سِتْرُ
كأنَّ في الجوِّ منه كَنْزاً
…
سال على الأرْضِ منه تِبْرُ
وقوله في مليح مُصَفَر العِذار، كأنما خاف الدهرَ على ذَهاب حُسنِه، فقيَّده بسلاسل
النُّضار، أو ملك الجمال بلغ كماله، فمدَّ لمِشْكاةِ صُدْغِه سِلْسلة الغزالة:
لمَّا الْتَحى تمَّتْ محا
…
سنُ وجههِ وصفَتْ طباعُهْ
وغدَا بلُطْفِ عِذَارِهِ
…
قمراً أحاط به شُعاعُهْ
ومما روَيْناه في معناه، قول الخطِيب الحَظِيرِيّ:
وأشْقَرِ الشَّعرِ من لطافِته
…
يَجرَحُ لَحْظُ العيونِ خدَّيْهِ
فإن بدَا مَن يشُكُّ فيه فلِي
…
شاهدُ عَدْلٍ من لونِ صُدْغَيْهِ
وله أيضاً:
كأنَّ صُدْغَيْهِ في أحْمرارِهِما
…
قد صُبِغا من مُدامِ وِجْنَتِهِ
وله أيضاً:
ما أحمَرَّ شَعْرُ حبيبي أنَّ وَجْنَتِهُ
…
سقَتْهُ من صِبْغِها خَمرْاً ولا خَجلَا
وإنما لفحَتْ خدَّيْهِ من كبدِي
…
نارٌ فذبَّتْ إلى صُدْغَيْهِ فاشْتَعلَا
ومما أنشدَنِيه قولُه من قصيدة:
قد دَعاهُ الهوى ودَاعِى التَّصابِي
…
لاِدِّكار الأوطانِ والأحبابِ
فأتَتْ دون صَبْرهِ من أليمِ الْ
…
وجدِ نارٌ شديدةُ الإْلتِهاَبِ
فذَوَى غُصْنُه الرَّطيبُ وجفَّتْ
…
من رياضِ الصِّبا مياهُ الشبابِ
شَعَرُ المرءِ نُسْخةُ العُمر والأيَّ
…
امُ فيها من أصْدقِ الكُتَّابِ
فإذا تمَّ منه ماكَتَبَتْه
…
ترَّبَتْهُ من شَيْبهِ بتُرابِ
لستُ آسَى على الصِّبا إنما أذْ
…
كُر حقَّا لأقْدِم الأصْحابِ
قد سقَتْنِي عهودُه العيشَ صَفْواً
…
وكسَتْنِيه مُونِقَ الجِلْبَابِ