الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفاضل أبو الطيب بن رضى الدين الغزي، نزيل الشام
كان شامة الشام، وغرة الليالي والأيام.
وله في الفضل والأدب فنون، ثم تبدلت الفنون كما يقال جنون، فاشتغل بدائه، وصار هوى الأحبة منه في سويدائه، فاعتزل الناس، وصار وسواس حليه حلى الوسواس، بعدما كان طبعه ارق من شمائل الشمال، ومعانيه أدق من دلائل الدلائل.
وشعره لفضله شعار، وحسن خطه يتعلم منه الحسن نمنمة العذار.
كقوله:
صادفْتُه والحسنُ حِلْيَتُه
…
كالرَّيم لا رُعثاً ولا قُلباَ
والعِيدُ للألْحاظِ أبرَزهُ
…
والبدرُ أقربُ منه لِي قُرْباَ
أهْوَى لتهْنِئتي ومَدَّ يداً
…
وَفْقَ المُنَى فتناولَ القَلْباَ
ومد اليد المعتاد، للمصافحة في الأعياد، مسنون لإظهار القرب والاتحاد، فجعلها لأخذ الفؤاد معنى بديع.
ومثله ما قلته في مد اليد المسنون المأمور به في الدعاء، وهو مما لم اسبق إليه، فان أمر السائل بمد اليد، بمعنى خذ ما طلبت وأزيد:
دعَوْناكَ من بعد قولِ ادْعُنِي
…
فكيفَ نُرَدُّ وكنَّا دُعِيناَ
أُمِرْنا بمَدَّ يدَىْ سائلٍ
…
ليْملأَها أكْرمُ الأكْرمِيناَ
وهذِي وجوهُ الرَّجاءِ اغْتَدتْ
…
ترى بِعيونِ الظُّنونِ اليقِيناَ
ومن شعره قوله من قصيدة:
مؤنَّبي لا برِحْتَ في عَذَلٍ
…
فحبَّذا حُبُّه علىَّ وَلِى
غُصْنُ دَلالٍ أغَرُّ طلعته
…
شمسُ الضُّحَى فوق ناعِمٍ خَضِلِ
يجُولُ في عِطْفِه الدَّلالُ إذا
…
تحمِل نَقَوَيْهِ فَتْرةُ الكَسَلِ
رَقَّمتُ في طِرْس خَدَّه قُبَلاً
…
فظلَّ يْمحُو بَنانُه قُبَلِى
وأخْجَلَ الوَردَ في نَضارتِهِ
…
شَقِيقُ خَدٍّ في وَرْدَتَيْ خَجِلِ
وقوله أيضاً:
ترامَتْ نحوها الإبلُ
…
وشامَتْ بَرْقَها المُقَلُ
فتاةٌ من بني مُصَرٍ
…
يُجاذِبُ خَصْرَها الكَفَلُ
فما الخَطَّارُ إن خطَرتْ
…
وما المَيَّالةُ الذُّبُلُ
تَكَنَّفَها لُيوثُ وَغَى
…
يُحاذِرُ بأْسَها الأجَلُ
لَئن شَطَّ المزَارُ بها
…
وأقْفَر دونَها الطَّلَلُ
يمثَّلها الفؤادُ بهِ
…
ويُدِنيها لَه الأمَلُ
وكمْ لي يومَ كاظِمَةٍ
…
فُؤادٌ خافِقٌ وَجِلُ
وطَرْفٌ بعدَ بُعْدِهمُ
…
بِمِيلِ السُّهْدِ مُكتَحِلُ
علِقْتُ بها غَداةَ غدَتْ
…
مَواطِئَ نعْلِها المُقَلُ
فإن سارَتْ بأَخْمَصِها
…
تداعَي الوابِلُ الهَطِلُ
وإن قرَّت تَقَرُّ العْي
…
نُ فِينا يُضْرَب المثَلُ
وقوله:
لم أَنْسَ ليلةَ زارنِي
…
والبدرُ يجنَحُ للغُروبْ
ثَمِلاً يميلُ كأنما
…
عَبثتْ به رِيحُ الجَنُوبْ
ولرَّبما جاد البَخيلُ
…
وربَّما صدقَ الكَذُوبْ
فنَهَضْتُ إجلالاً له
…
والقلبُ بالُّلقْيا طَرُوبْ
وفرَشْتُ خَدَّي مَوْطِئاً
…
فمشَى عليهِ ولا لُغُوبْ
وضمَمْتُه ولثَمْتُ فَا
…
هُ ألذَّ من كأسٍ وَكُوبْ
حتى بدَا الإصْباحُ وه
…
وَلدىَّ مِن أدْهَى الخُطوبْ
ولَوَى به مِن حيثُ جا
…
ءَ ومُقْلتِي عَبْرَى سَكُوبْ
هذا الذي أهْواهُ إذ
…
حازَ البهاءَ على ضُروبْ
ملأَ المسامِعَ والخوا
…
طِرَ والنَّواظرَ والقُلوبْ
وقوله:
وشِرْبٍ أدامُوا الوِرْدَ من أكْؤُسِ الطّلا
…
وقد أنِفُوا الإصْدارَ عن ذلك الوِرْدِ
سقَطْنا عليهم كَي نَلَذَّ لديهمُ
…
سُقوطَ النَّدى عند الصَّباحِ على الوَرْدِ
وقوله:
عاطَيْتهُ حَلْبَ العصير ولا سِوَى
…
زُهْرِ السَّماءِ تِجاهَ زَهْرِ المجلسِ
أنظُرْ إليهِ كأنه مُتَبَّرمٌ
…
مَّما تغازِلُه عيونُ النَّرْجِسِ
وكأن صَفْحَة خدَّه ياقُوتةٌ
…
وكأنَّ عارضَة خَمِيلةٌ سُنْدُسِ
واصله لابن هانئ الأندلسي:
عاطَيتْهُ كأْساً كأنَّ شُعاعَها
…
شمسُ النَّهارِ يُضِيئُهُ إشْراقُهاَ
أنظُرْ إليه كأنَّه مُتَنَصَّلٌ
…
بجُفونِه مما جَنَتْ أحْداقُهاَ
وكأنَّ صفْحةَ خدَّه وعِذارَهُ
…
تُفْاحةٌ حَفَّتْ بها أوْراقُها
وقوله:
خالَسْتُه نظَراً وكان مُورَّداً
…
فازْدادَ حتى كاد أن يتَلهَّباَ
أنظُر إليهِ كأنَّهُ مُتنصَّلٌ
…
بجُفونِه من طُولِ ما قد أذْنَبَا
وكأن صفْحَةَ خدَّه وعِذارَه
…
تُفَّاحةٌ رُمِيَتْ لتَقْتُل عَقْرباً