الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
)
فصل
(
ذكر لي يوما أنه مشتاق للقائي، مستوحش لظلمة التنائي، فقلت ما جوابي لك غير قول أبي العيناء للمتوكل، وقد قال له: قد اشتقت لك يا أبا العيناء.
فقال له: يا سيدي، إنما يشتد الشوق على العبد؛ لأنه لا يصل إلى مولاه، أما السيد فمتى أراد عبده دعاه.
وما أكذب الشوق بالمقال، إن لم تقم عليه شواهد الإقبال.
وقد شرحنا حالنا في التنائي والتداني، وقول ناصح الحين الأرجاني:
وإذا رأيتَ العبْدَ يهْرَبُ ثُمَّ لَمْ
…
يُطْلَبْ فَمَوْلَى العبدْ منه هاَربُ
فاهتز عطفا، وتاه رقة ولطفا.
ثم قال لي: من أي معنى أخذ هذا؟ قلت: لا أدري.
فقال هو من قول المتنبي:
إذا ترحَّلْتَ عن قومٍ وقد قدَرُوا
…
أن لا تُفارِقَهُمْ فالرَّاحِلون هُمُ
فأبدع وأبدع، وأعلم أنه من الأدب بمرأى ومسمع.
ومنه أخذ القائل:
ليس ارْتحالُك ترتْادُ الغنى سفَراً
…
بل المْقامُ على بُؤْسٍ هو السَّفَرُ
والمتنبي أخذه من قول الطائي:
وما الفَقْرُ بالبيدِ الفضاءِ بل التي
…
نبَتْ بي وفيها ساكِنُوها هي الفَقْرُ
ولما رأى وزراء الروم، وما هم عليه من دارس الرسوم، من تكبر بلا نفع يرجى، وتبختر كل دابة منهم حتى العرجى، قال أهؤلاء عني الغزى بقوله:
مِن آلة الدَّسْتِ ما عند الوزير سِوَى
…
تَحرِيكِ لِحيتِه في حالِ إيماءِ
فهْوَ الوزيرُ ولا أزْرٌ يَشُدُّ به
…
مِثْلَ العَروضِ له بَحْرٌ بلا ماءِ
فذيلته بديهة له، وقلت:
عسى تدورُ عليهمْ دائراتُ رَدًى
…
تُقطِّعَنَّهمُ تقْطيعَ أحْشائي
فقد شابه الرئيس المرءوس، وقام على جرب الأبدان قرع الرءوس، وما هذه الدول، إن لم يعرها الآن خلل، إلا كسقف السماء، وقبة الخضراء، قائمة بلا عمد ولا أطناب ولا وتد، فهي كبيوت الأشعار، لا تظلل في حضر ولا أسفار.
كما قلت:
جيوشٌ مالها في المُلْك نَفْعٌ
…
حكَتْ صُوَراً تُصوَّرُ في كتابِ
رأيتُ قتالَهمْ من غيْرِ نَبْلِ
…
كمثلِ الضَّربِ في كُتُبِ الحسابِ
وعلى بحر العروض يعجبني هنا قول الأرجاني:
راعَ الفؤادَ نَوَى الخَلِيطِ ولم يكنْ
…
قبل النَّوى من حادثٍ بمَرُوعِ
وأرى فُؤادي في الزَّمانِ كأنَّه
…
بيْتُ العروضِ بُراد للتَّقْطيعِ
وللحظيري:
وعِرْضٍ بلا ذنْبٍ يُقطَّعُ دائماً
…
كبيتِ عَروضٍ والحوادثُ أطْوارُ
وقلت في معناه:
دوائرُ أفلاكٍ تلوحُ بُحورُها
…
بأصْفارٍ نجْمٍ قابلتْها بتَصْريعِ
كما خُطَّ في رَسْمِ العَروضِ دوائرٌ
…
جميعُ الذي مُعَدٌّ لتقْطِيعِ
وقلت أيضا:
وأنِّي في تضْييعِ ما قد جمعتُه
…
لأجْلِ الذي يُولِي الوزيرُ من الغِنَى
كبائعِ بيتٍ كان فيه مَقَرًّهُ
…
يقول كفاَني بيتُ شِعْرِيَ مَسْكَناَ