الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أربابها المدلجين إلى منازل الفناء، السائرين عند وصولي إلى دار البقاء، الأمجد الاوحد، العلم المفرد:
عبد الحق الشامي، المعروف بالحجازي
وهو، كما أخبرت به، ذو فضل جسيم، والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم.
أما الفصاحة فهو من الغر المحجلين يوم رهانها.
وأما الفضائل فهو من السابقين في حلبة ميدانها، المرتضعين در المعالي في حجور الفضائل، المرتدين برود المكارم وشملة الشمائل، العاكفين في حرم العفاف، المعتطفين لجنى الغض القطاف.
فمن ثماره المتفتح عنها عيون أنواره، الدالة على طيب المغرس وزكاء المثبت، قوله من قصيدة طويلة:
سقَى الرَّبْعَ هَطَّالٌ من المُزْنِ ساكِبُ
…
وجادَتْ عليه السُّارياتُ السَّوارِبُ
هَدِيَّةُ رَجَّافِ العَشِىَّ كأنه
…
كتائبُ تقْفُو إثْرَهُنَّ كتائبُ
وكلَّ صَدوقِ البَرْقِ دانٍ رَبابُة
…
تنُوءُ فُوَيقَ الأرض منه الهَيادِبُ
تُزجَّيه أنْفاسُ الشَّمالِ وتمْترِي
…
ضُروعَ عَزَالِية الصَّبا والجَنْائبُ
يُرَوَّي بها في سَيْبِه باطِنَ الثَّرَى
…
وتُمْحَى لسُقْياها المُحُولُ اللَّوازِبُ
كأنَّ هدِيرَ الرعدِ في جَنَبَاتِه
…
هديرُ قُرومٍ هيَّجَتْها الضَّوارِبُ
كأنَّ دموعَ المُزْنِ وهْيَ سواكِبٌ
…
دموعُ مُحِبٍ فارقَتْه الحبائِبُ
فذَاك الحيَا لا زال في أرْبُع الحِمَى
…
مَريئاً بِهِ منها الزُّلالُ الخَضارِبُ
فتُصِبح منه الأرضُ مُخْضَرّة الرُّبى
…
مُجلَّلةً بالرَّيطِ منها الأهاضِبُ
ويُصبحُ منثُوراً بها رَيَّقُ الحَياَ
…
كما نَثرتْ من جِيدها السَّمْطَ كاعِبُ
خمائلُ فيها للظَّباءِ مسارِحٌ
…
وفيها لأذيالِ الرياحِ مساَحِبُ
وفيها لأطْرافِ الغصونِ ونَوْرِها
…
عيونٌ علَتْ من فوقِهنَّ حواجِبُ
كأن ثُغورَ النَّوْرِ وهْيَ بواسِمٌ
…
بأرْجائِهاَ القُصْوى نجومٌ ثوَاقِبُ
تَهادَى ظِباءُ الوحْشِ في عَرَصاتِها
…
كما تَتَهادَى في القصورِ المرَازِبُ
كأن الرُّسوم الدَّارساتِ تَصَبُّرِي
…
عَشيَّةَ حُفَّتْ بالقَطِين الرَّكائِبُ
فوا أسفاً لا القلْبُ من سَكْرةِ الهَوى
…
يُفِيقُ ولا من غَيْبةِ الشَّوقِ آيِبُ
فمن لي بحِفْظِ العهدِ من ذِى صَبابةٍ
…
أضاعَتْ هواهُ المُذْنباتُ العواتِبُ
تهُب معي من هَجْعِة العجْزِ رّبما
…
تُنَالُ بأشْفاعِ الجُدودِ المطَالِبُ
فقد تُدْرَك الحاجاتُ وهْيَ فوائِتٌ
…
وقد تَصْدُق الآمالُ وهْيَ كواذِبُ
وقوله:) هدية رجاف (المراد بالرجاف: الماء الجاري،) واصل معناه (المتحرك المضطرب، ولهذا سمي البحر رجافاً، كما قاله أهل اللغة.
ولهذا أجاد القائل في مرتعش اليد:
ما هَزَّ راحتَه سِوى فيْضِ النَّدَى
…
والبحرُ مِن أسْمائِه الرَّجَّافُ
وقوله:) وفيها لأطراف الغصون (البيت، كقول ابن نباته السعدي، من قصيدة له، مطلعها:
رضِبناَ ولم تَرْض السيوفُ القواضِبُ
…
نُجاذِبُها عن هامِهِمْ وتُجاذِبُ
ومنها:
خلَقْنا بأطْرَافِ القَنا في ظُهورِهْم
…
عُيوناً لها وَقْعُ السُّيوفِ حَواجِبُ
وتابعة أبو إسحاق إبراهيم الغزي، فقال:
خلَقْنا لهم في كلَّ عيْنٍ وحاجبٍ
…
بسُمْرِ القَنا والبِيضِ عَيْناً وحاجِباً
وهنا لنا فائدة نفيسة، وهي ان من أهل المعاني من ادعى أن بيت الغزي أبدع،
لما فيه من الطباق بين السمر والبيض، ورد العجز على الصدر، واللف والنشر، ومراعاة النظير.
وادعى انه يجوز أن يراد بالعين فيه الرئيس، وبالحاجب من يتبعه وحجابه، والمعنى أن رماحنا وسيوفنا نالت الحاجب والمحجوب، والرئيس والمرءوس، مع اشتماله على التورية والاستعارة، وهو جمعيه مما خلا عنه البيت الأول، مع ما فيه من الافتخار بقتال الأعداء الثابتين، دون المنهزمين، ف انه لا يفتخر بمثله.
وبهذا عيب البيت الثاني أيضاً، وان ذكر صاحب) إيضاح المعاني (انه ابلغ لاشتماله على زيادة معنى، وهو الإشارة إلى انهزامهم، وأطال فيه وأسهب، وبعد وقرب.
والحق ما ذهب إليه خطيب المعاني، فان الفضل للمتقدم، وبيت النباتي، أحلى لما فيه من التشبيه البديع، بجعل اثر الطعنة المستديرة) من الرمح (عيناً، وشطبة السيف فوقها حاجباً، والأغراب بجعل الظهر محل العين والحاجب.
وأما انهزامهم فلا يدل على عدم شجاعتهم، حتى يخل بالفخر؛ فان الشجاع ينهزم ممن هو أشجع منه، ولهذا قالوا:) الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين
(كما فر موسى حين هم به القبط.
وما ذكره من معنى العين والحاجب سخيف، وتخيل ضعيف،) مع أن جعل الضرب في العين والحاجب من العجائب (.
وقد مر لي ما نحوت فيه نحو ابن نباتة بعينه وحاجبه، وهو:
وتنْظرُه في قلِبيَ الصَّبَّ أعينٌ
…
عليْها لَمحْنَّىِ الضُّلوعِ حواجِبُ
وما ذكر من النقد عليه نقله ابن الشجري في) أمياله (عن الشريف المرتضى، وقال: انه عاب عليه قوله:) بظهورهم (وقال: لو قال:) بصدورهم (كان امدح؛ لان الطعن والضرب في الصدور أدل على الإقدام والشجاعة للطاعن والضارب، والمطعون والمضروب، لان الرجال إذا وصف قرنه بالإقدام مع ظهوره عليه، كان امدح من وصفه بالانهزام، كما قال أبو تمام: